الجعفري والطلباني ، والمفاضلة الحرجة
الجعفري والطلباني ، والمفاضلة الحرجة
كتابات - د.علي ثويني
في الموقف الأناني الذي وضع البلد على كف عفريت، نجبر نحن عباد الله الفقراء أن نفاضل بين صفحة الطلباني الملوثة أصلا، وبين الجعفري، الذي أخطأ وأنزلق ولم يلوث كما الآخرين. والله لو كان الطلباني أو غيره نزيها عفيفا ثابتا ،وعراقي النزعة والممارسة لوقفنا معه ظالما أو مظلوما.
بلغة الأرقام فأن طلباني يمثل في جمهورية سليمانية، التي تشكل نصف الـ(13%) التي يشكلها أكراد الوطن بحسب إحصاء الأمم المتحدة، وهو بذلك جزء من جزء ، فكيف يتسنى له أن يمشي قراره على الـ 80% من العراقيين، وكأنه يوحي بأن (سلطة التكارته) قد بعثت من جديد.وبعيدا عن المجاملة والمداهنة والإنحياز الأعمى والمولاة للجعفري فأنني أقر بأنه أخطأ بمعرفته أو عدمه، وهو ديدن كل من يعمل ، فمن يركن متفرجا ،سوف ينزه عن الخطأ حتما،ولكن من يتلون و يبتز ويدجل دون قطرة حياء فأن أمره مكشوف والذاكرة تمكث حية. والجعفري أصاب أو أخطأ فأنه عمل وأجتهد ،ولا ضير عليه .
وقع الجعفري تحت طائلة إجتذابات شتى ، فالشيعة يريدون منه رد إعتبار تاريخي، وغبن ممارس منذ قرون خلت ، وإيران تطالب منه موقفا ذيليا كما هو موقف الحكيم أو مقتدى أوالجابري، والأكراد يريدون كركوك بما يحاكي (عرس الخرسه) في المثل الشعبي،والعرب يريدون منه إعلان (من الشام لبغدان)، كل ذلك تعاضده هجمة تفخيخية بعثية وسلفية ،يراد من ورائها بعث البعث، وعودته من الشباك بعد أن طرده الله وخلقه من الباب. وثمة كتلة علاوي الموسومة رياءا بـ"علمانية"، تكتنفها نوازع شتى ، يغلب عليها الوصولية ،وماعدا تعفف الشيوعيين في تجمعه الخلاسي، فأن كتلته قد سرقت من العراق على يد الشعلان وبرواري والأكراد ما يكفيها لأن تتقوت لحقبة قادمة. وهكذا فأن علاوي وبمنطق الوعي ، ومقاييس النزاهة فأنه قد حكم على مصيره السياسي ومن جاء معه بالإعدام.
نعود لموقف القوميين الأكراد الذين لايمثلون كل أهلنا الأكراد حتما،حينما طفقوا بجمع المال ، بعدما استحوذوا على الشمال، هاجموا بغداد كما بدو البعث وجرادهم . وهدفهم جمع ما تبقى من المال المنثور والمنسي والموظف وبيعه في الخارج، بعد سرقات البعثيين المنظمة بشكل مكشوف ومعلن .أمل كل هذا الرعيل أن يحكموا العراق بتلك الأموال على مبدأ (من لحيته وبخر له) أو (من لحم ثورة وأطعمه) ،وإنشاء سلطة بارونات المال على السياق الماسوني في الحكم كما هو حال برلسكوني والحريري .
أما كركوك فهم يعرفون بأنها محض سراب لايطال، لكنهم مصرون على إحراج جعفري في ذلك. هم على يقين بإستحالة إستلامها حتى من صدام أيام وهنه وإبتذاله بعد حرب الكويت .كركوك محضية (كارترلات) النفط الغربية ، وتحديدا القادمة من بريطانيا وأمريكا،ولم ولن تسلم لغيرهم،وهذا النصاب يعود الى باباكركر عام 1927.وتم الإتفاق عليه أبديا من ضمن صفقتهم مع البعثيين 8 شباط 1963 والبرزاني(11 ايلول 1961) حينما أعانوهم في إسقاط سلطة المرحوم عبدالكريم قاسم الذي سقط شهيدا دونها. وهكذا طرد منها برزاني الابن وطلباني بعد إحتلالهم لها عام 1991 ،ووضعت لهم في حينها خطوط حمراء ، وفضلت كارتلات النفط إياها أن تكون شكليا تحت أمرة صدام وهو يحتضر، على أن لايستحوذ عليها غيره.
وربما يخفى على الجميع أن كركوك كانت ومازالت بؤرة مخابراتيه، وقد أهتم بها الأنكليز وأعتبروها قبلتهم ومرجعيتهم ، وما خفي عن العيان أكبر بما تذكره المذكرات المنسية ، أنهم أقاموا بها شخصا مرموق ومغامر دخل التاريخ وحير الألباب، بعدما أشاعوا موته عام 1935، لكنه مكث فيها سرا يسير المصالح الأنكليزية حتى العام 1954، حينما مات وطلب أن يحرق و ينثر رماده على حقول جمجمال التي أحبها.. وفي ذلك قصة تسرد في حينها،وتكشف غباء من يريد كركوك ملكا له...
ومن الغباء أيضا أن يصب القوميين الأكراد جام غضبهم على تركيا، فسلطة العسكر مسيرة من الغرب منذ إنقلاب الدستور (المشروطية) على عبدالحميد عام 1908، وتأتمر بما يملى عليهم، وما حميتهم التركمانية على كركوك، فهي محض مبالغات وخبث سياسي.لكن والحق يقال بأن وجود تركيا ندا لأيران أحال دون إجتياح العراق إيرانيا منذ قرون، وهذه المعادلة يجب أن تأخذ في سياق إيجابي من طرف الساسة العراقيين، وما لعبة الجعفري مع تركيا إلا حنكة، تفطن لها متاخرا، وربما بإيعاز وغمز أمريكي التي تملك الأوراق. لكن تركيا مازال دورها مجمد بإنتظار تطور الأحداث، وما يمكن أن تغامر به قوات طالباني وبرزاني ،حينما تخرج الدبابات والصواريخ التي (فرهدتها) من المعسكرات العراقية بعد دخول الأمريكان.
الجعفري ياكرام مخول ومسنود من الأمريكان قبل أن يبادر أو يكتشف دور تركيا المتناسى . وغباء القوميين الأكراد ينحصر في أنهم أستقطبوا نقمة الجموع العراقية برعونة، بعدما نقلوا الصراع (الذي يريده الغربيون) من طائفي سني-شيعي، الى كردي-عربي(سني وشيعي)، وبذلك سوف لن يبقى لهم من سند ،وسوف يكتب التاريخ مهزلة جديدة على خطى المهازل السابقة لقياداتهم القومية، لكن هذه المرة لن يمكث لهم من أثر إلا في المدونات.
الأمريكان اليوم هم أصحاب السطوة والحظوة، متواجدون في كركوك فعلا ، والنفط لهم حلال- زلال، فكيف يسلموه لبزاني وطلباني ومن أجل ماذا؟، بعدما لم يفرطوا بها في أحلك الظروف. وإذ يعلم الجميع أن الأنكليز والأمريكان قد تقاسموا نفط العراق فالجنوب أنكليزي والشمال أمريكي ، ومن يأمل أن يزاحمهم فهو خائب.
يبقى مسلما به اليوم أن الطبقة السياسية العراقية تعاني الهزال وتحيطها المثالب (أغلبها)، والشعب بدا ينفذ صبره منها، ولكن الموقف المتشنج والمعارض اليوم من الجعفري من قبل تجمع (الواويه) يزيد من شعبيته، ويفرزه رمزا واقعيا للخلاص من (فرهود) طلباني وبرزاني، وإبتزاز وتفخيخ هاشمي ودليمي ومطلك، وإختلاسات علاوي ..إذا أحسن التصرف وعرف كيف يستثمر الأمر لصالحه.
وبالرغم من خيبة الأمل من الطبقة السياسية التي زكاها الإحتلال وأرادها واجهة عراقية له، فأن الأمل يبقى معقودا على منقذ، وعسى أن يكون الجعفري يضطلع بذلك الشرف ،حينما يعلنها عراقية محضة،دون تشيع أو تسنن ولا فدراليات ولا كانتونات هزيلة، ويعلن صراحة أن الطائفية والقومية رجس من عمل الغربيين فأجتبنوه، ويراد من وراءه تفتيت ما بقي لنا من أمل في وطن واحد معافى يضم الجميع دون تمييز أو تفريط.