السيد مقتدى الصدر: لستُ لعبة بيد أحد
[align=center]http://www.almushahidassiyasi.com/pi...r%20Iss522.jpg[/align]
البصرة ـ المشاهد السياسي
أثار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر كثيراً من المشاكل في العراق، منذ إطاحة نظام الرئيس السابق صدّام حسين. ودعا في مرّات عدّة، إلى ثورة وطنية ضد القوات الأجنبية، وأرسل ميليشياته المسلّحة لمواجهة «الغزاة» والشرطة العراقية. لكنه يظهر بين فترة وأخرى أكثر اعتدالاً، ويرى المحلّلون أنه ممّن يسعون إلى دور سياسي ضمن العراق الجديد. والصدر هو زعيم شاب، في دولة تعدّ السن والخبرة، من الضروريات اللازمة للقيادة الدينية. قام مؤخراً بجولة شملت أغلب دول الجوار للعراق، باستثناء تركيا، إلا أنه ما زال لغزاً لعدد كبير من المراقبين والمهتمّين بالشأن العراقي، وهو الموقف نفسه لخصومه ومعارضيه، الذين يقولون أنه يفتقر إلى الخبرة، وأنه متشدّد يهدف إلى السيطرة على المؤسسة الشيعية في العراق، وإن كان بالنسبة إلى أنصاره يملك من الحكمة ما يفوق سنّه.
ويمزج مقتدى الصدر بين القومية العراقية والأصولية الشيعية، مما جعله رمزاً لكثير من فقراء الشيعة المسلمين في العراق. ومقتدى الصدر، وهو الأبن الأصغر لمحمد صادق الصدر (أحد كبار مراجع الشيعة الذين اغتالهم النظام العراقي السابق) لم يكن ذائع الصيت خارج العراق، قبل الغزو الأميركي في آذار (مارس) ٢٠٠٣. غير أن انهيار حكم حزب البعث، كشف عن جذور قوّته التي تتمثل في شبكة من المؤسسات الخيرية الشيعية التي أسّسها والده. وفي الأسابيع الأولى التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق، انتشر أنصار الصدر في شوارع الأحياء الشيعية الفقيرة من العاصمة بغداد، وقاموا بتوزيع الغذاء. كما تم تغيير اسم أكبر حي شيعي في العاصمة بغداد، من «مدينة صدّام» إلى «مدينة الصدر».
وفي حزيران (يونيو) ٢٠٠٣، قام بتأسيس ميليشيا أطلق عليها اسم «جيش المهدي» لمناهضة سيطرة قوات التحالف، وتعهّد بسيطرة الشيعة على مدينة النجف الأشرف. كما أعلن عن تأسيس حكومة منافسة لمجلس الحكم العراقي المعيّن من جانب الولايات المتحدة، غير أن الخطوة باءت بالفشل. وأنشأ صحيفة «الحوزة الناطقة» الأسبوعية. وقد أعلنت قوات التحالف في ٢٨ آذار (مارس) حظر صدور الصحيفة لمدة ٦٠ يوماً، متهمة إياها بتشجيع العداء ضد الولايات المتحدة.
ويلقي الصدر بين فترة وأخرى، خطباً حماسية تحثّ على تطبيق الشريعة الإسلامية. وعلى عكس الزعماء الشيعة المعتدلين، من أمثال آية الله علي السيستاني، فإن مقتدى الصدر يطالب بأن يلعب الزعماء الشيعة دوراً في تشكيل الحياة السياسية في العراق.
وبعد أن خفّت حدة لهجته المعارضة لوجود القوات الأجنبية في العراق، وقال أنه لا يحرّض على العنف، بدا مقتدى الصدر مهتماً بالمشاركة في العملية السياسية، بعد أن صرّح متحدث باسمه في حزيران (يونيو) ٢٠٠٤، بأنه يخطّط لإنشاء حزب سياسي لخوض أول انتخابات عامة جرت في العراق بعد سقوط النظام السابق.
وقبل ذلك، اتهم في نيسان (أبريل) ٢٠٠٣، وتحديداً بعد يومين فقط من سقوط بغداد، هو وأنصاره، بقتل عبد المجيد الخوئي الزعيم الشيعي المعتدل، الذي تعاون مع الحكومتين الأميركية والبريطانية من المنفى، وقد أصدر قاض عراقي وقتها مذكّرة اعتقال بحق الصدر، غير أن الصدر نفى مراراً بعد ذلك علاقته بتلك الجريمة.
وتعود شعبية مقتدى الصدر، الذي زار مؤخراً المملكة العربية السعودية والكويت ولبنان وسورية والأردن، قبل ثاني زيارة له إلى ايران، التي يتّهم بالتنسيق السياسي معها في مواجهة الوجود الأميركي في العراق، إلى القبول الذي يحظى به بين الفقراء والمشرّدين من الشيعة. لكن بعض العراقيين يرون فيه أيضاً رمزاً لمقاومة الاحتلال الأجنبي.
ونظّمت تظاهرات تضم شيعة وسنّة في بغداد ومدن أخرى، مرّات عدّة، أدّت الى اشتباك القوات الأميركية مع جيش المهدي الموالي لمقتدى الصدر. وبالرغم من أن تشدد الصدر أكسبه تأييد سنيين أصوليين، فإن القتال الذي دار مرّتين أو ثلاثاً على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، بين القوات الأميركية وجيش المهدي، في مدينتي النجف وكربلاء، أغضب كثيراً من زعماء الشيعة المعتدلين.
وكان الصدر في الأردن، عندما وقع حادث الاعتداء على مرقد الإمامين الهادي والعسكري في مدينة سامراء، فاضطر إلى قطع جولته وعاد من عمان إلى سورية، لكنه لم يستطع العودة جوّاً إلى بغداد، فدخل البصرة عن طريق إيران.
> من الذي رتّب الاعتداء على المراقد المقدّسة في سامراء، ومن الذي يستفيد من عمل مثل هذا؟
< المستفيد الوحيد والمسؤول الوحيد عن مثل هذا العمل الاجرامي، هو الاحتلال الأميركي؛ واستمرار وجود الأميركان في العراق، سيحرّض على وقوع المزيد من هذه الأعمال، التي لا يمكن أن تخدم أي طرف عراقي، ما لم تضرّ بالقضية العراقية ووحدة الصف العراقي. إنه عمل غريب على العراقيين، ولا يمكن اتّهام أحد به إلا البعثيين، أتباع النظام الصدّامي السابق، الذين لا يهمّهم لو احترق أو تدمّر كل العراق على من فيه من مواطنين.
> هل تستطيع ميليشيا المهدي حماية العتبات المقدّسة، بعد أن أثبت حادث سامراء والاعتداءات على المساجد السنّية، وجود خلل أمني كبير يتجاوز مسألة التصدّي للارهاب؟
< ليخرج الاحتلال، ووقتها ليست هناك حاجة إلى حماية المقدّسات، لا مراقد الأئمة الأطهار ولا المساجد ولا دور العبادة غير الإسلامية. لقد تعوّد العراقيون على التعايش وعلى احترام مقدّساتهم وعلى البعد عن العنف. لقد نشرنا بعض قوّات جيش المهدي، وهي ليست ميليشيات بالمناسبة، ودافعنا عن المواطن العراقي، وعن بعض المناطق الدينية الحسّاسة، لكننا لا نريد إعطاء فكرة بأننا خارج نطاق القانون، أو نعمل على تأجيج الأوضاع، لذلك سحبناهم حال أن هدأت الأمور.
الأديان
> هناك من اتهمكم بالاعتداء على مساجد السنّة، كردّ فعل أو انتقام من الاعتداء على العتبات المقدّسة الشيعية في سامراء، فهل وقعت مثل هذه الحوادث عرضاً؟
< لا عرضاً ولا طولاً، لم يكن لنا يد في ذلك، ولا نتحمّل مسؤولية أي عمل من هذا النوع. نحن في جيش المهدي، أو في التيار الصدري، ليس لنا خصوم سوى الارهاب والاحتلال والصدّاميين، أما أبناء وطننا من شيعة أو سنّة أو أكراد أو غير مسلمين، فليس بيننا وبينهم عداء أو خصومة أو ثأر، ومشاركتنا في حماية المقدّسات الإسلامية، أو المواطنين العراقيين، من هجمات إرهابية أخرى، لا تعني على الاطلاق أننا كنّا طرفاً في نزاع طائفي داخلي. نحن نحترم كل الأديان، ونصون كل المقدّسات، ولا نفرّق بين مساجد الشيعة والسنّة، ولا نفرّق بين الشيعة والسنّة على الاطلاق، فكيف يمكن أن نكون نحن من يعتدي على دور العبادة وعلى المساجد وهي بيوت الله!!
> هل تتخوّف أنت أيضاً من احتمال اندلاع حرب طائفية في العراق، بعد أن تزايدت معدّلات القتل والارهاب والهجمات على دور العبادة الإسلامية وغير الإسلامية؟
< لا مصلحة لأي طرف عراقي في إحراق العراق، لا بحرب طائفية ولا بأي نزاع داخلي، من أي نوع. أعداء العراق هم المستفيدون من مثل هذه الأعمال. لذلك، نستبعد تماماً أن تصل الخلافات على تشكيل الحكومة أو على الحكم، إلى حد اندلاع حرب أهلية أو طائفية. مثل هذا الاحتمال صعب ومُستبعد ومن يُراهن عليه، لديه أغراض لا علاقة لها بالخير تجاه العراق ككل، وليس ضد طائفة محدّدة.
التقسيم
> ماذا عن مشاريع التقسيم المطروحة؟ هل يؤيّد التيّار الصدري أيّاً من هذه المشاريع؟ وهل هناك مصلحة لأي طرف في ذلك؟
< ربما هناك من يؤيّد تقسيم العراق، لكن مثل هؤلاء لن يكون بإمكانهم أن يصلوا إلى أي فرصة يمكن أن تخدم أغراضهم. نحن في التيّار الصدري ضد التقسيم، وضد من ينادي به، وضد من يمكن أن يلوّح به. نريد عراقاً موحّداً قويّاً، يعيش أهله بسلام وأمان. لكن هذا العراق الذي نتطلّع إليه، لا يمكن أن يتحقّق بوجود الاحتلال، الذي ربما يكون هو الدافع الوحيد لتقسيم بلادنا، لأن الحديث عن التقسيم بدأ، إما من خلال الولايات المتحدة، أو من يحتمي بها، أو من يعمل بإمرتها وبتنفيذ مخطّطاتها.
> هل تقصد أطرافاً محدّدة أو جهة عراقية ما؟ أنت معروف بصراحتك، لماذا لا تسمّي الأمور بأسمائها، فمن تقصد؟
< سيأتي الوقت الذي تظهر فيه الحقيقة كاملة. هم يعرفون أنفسهم، ويعون تماماً أن الوقت ليس في مصلحة مَن يعمل ضد وحدة العراق، وضد استقراره، وضد تفاهمات أبنائه. لا تستعجلون كشف الحقائق، فالعراق الآن مثخن بالجراح ونحتاج إلى التهدئة لإخراج الاحتلال أولاً.
دولة دينية
> هل تنادون بقيام دولة دينية في العراق؟
< لم نطرح مثل هذا الأمر في أي وقت، والعراق يختلف عن دول كثيرة أخرى، بطبيعة العراقيين وتركيبتهم الاجتماعية والطائفية. في العراق، الدين محترم، ورجال الدين لهم وضع خاص، ومراجعنا نحن الشيعة يتمتّعون بمكانة خاصة لدى فئات الشعب، وهم يقودوننا ويوجّهوننا نحو الأحسن ونحو الخير، ونحو ما يتّفق والشرائع السماوية، لكن ذلك لا يعني أنهم حكّام، أو أنهم من يقود الحياة السياسية، أو هم الذين يعيّنون ويفصلون. الدين في العراق لا يتدخّل في السياسة، والظروف التي أعقبت سقوط النظام الصدّامي ودخول الاحتلال إلى بلادنا، حتّمت أن يكون للمراجع العليا رأي حاسم وقاطع في بعض المسائل التي لا بد منها، للحفاظ على هوية العراق، ووحدته، والحيلولة دون الانزلاق في حروب طائفية أو داخلية من نوع آخر.
> مَن أنت سيد مقتدى؟
< أنا كما تعرف، مواطن عراقي انحدر من أسرة دينية عريقة، وتياري كتلة وطنية ولسنا غرباء ولا دخلاء على العراق، ولا نعمل بالنيابة عن أحد، وكل الذي نريده هو بلاد مستقرّة، تحترم حقوق كل العراقيين، يحميها قانون، وللدين دور رئيس في الحياة وفي التشريع وفي إدارة أمور السلطة. قبل ذلك نريد إخراج الأجنبي من أراضينا، لأنه سبب أساسي في حالة الانهيار والخراب والخوف الذي يعانيه المواطنون. إن بقاء قوات الاحتلال يعني استمرار التوتّر وعدم الثقة، ويبرّر تدخّل الآخرين، الذين يرفضون ويخشون وجود قوات أجنبية مسلّحة بجوار دولهم.
> وما هي حقيقة التيار الصدري؟ ممّ ينبع؟ وهل هو جهة دينية شرعية أم تيار سياسي؟
< التيار الصدري هو بمثابة مجموعة من مقلّدي الشهيد الثاني، السيد محمد صادق السيد الوالد، قدّس الله نفسه الزكية، وكل من قلّده يسمّى بالتيار الصدري. أما إذا أردت التعميم، فإنه من الناحية الاجتماعية ومن الناحية السياسية، وبعض الجهات الأخرى، يمكن القول أن التيار الصدري حركة تمثّل مَن يحب العلماء الناطقين، ودماء الشهداء والعلماء الشهداء، وكل مَن ينتمي إلى هذه الحوزة الناطقة. نعم هؤلاء يمكن أن يسمّون بالتيار الصدري، سواء انتموا إلى الشهيد الأول أو الشهيد الثاني، أو من سار على نهجهم وسار على طريقهم، في التعامل الديني والتعامل الاجتماعي، وغير ذلك من التعاملات التي فيها وجهة نظر خاصة لهم ليس كغيرهم. وهذا ينطبق على الفقهاء، لأنهم ليسوا كغيرهم من الاجتماعيين والسياسيين.
السلام والإسلام
> ما هو الهدف الأساسي للتيار الصدري، طالما أن لكل حركة أو حزب أو تكتل أهدافاً؟ ما هو هدفكم الأساسي؟
< نحن نرى أن يكون المجتمع إسلامياً، ويمكن القول إن هذا التيار الصدري تيار إسلامي، يسعى إلى نشر السلام والإسلام في ربوع العالم، لكي يكون قاعدة لظهور الإمام المهدي عجّل الله فرجه.
> في سؤال سابق قلتم أنكم لستم من دعاة قيام دولة دينية، والآن تقول أن هدفكم إقامة مجتمع إسلامي! كيف ذلك؟
< إذا ما تقرر قيام دولة دينية في العراق، وكانت هذه إرادة الأغلبية، وباتفاق الجميع، فهل يتوجّب علينا أن نحارب أو نعارض ذلك؟ لا، بالطبع. ما نسعى إليه هو إقامة مجتمع إسلامي إن أمكن، وباتفاق الجميع، ومثل هذا الأمر لا يعني، لا مصادرة ولا إلغاء الآخر، من غير المسلمين، ولا يعني حمل السلاح عليهم، أو طردهم من بلادهم، أو اضطهادهم أو إجبارهم على اعتناق الإسلام، فالرسول لم يجبر أحداً على التخلّي عن ديانته بالاكراه.
> بصراحة، لمن تعمل؟ مشروعك مثير للجدل، وتصريحاتك بالدفاع عن إيران وسورية يعزّز اتهامات البعض لك بالعمالة، ما رأيك؟
< أنا وطني ولست طائفياً ولست لعبة بيد أحد، فأنا زعيم تيار له ثقله ووجوده، وهو تيار مؤثّر، وأكبر من أغلب الأحزاب والكتل الأخرى. وكما تعرف، فإني أنحدر من أسرة لا مجال للمفاضلة عليها، أما اتهامي بالعمالة لإيران أو لسواها، فهو سخافة وحماقة، وجهل لا يستحق الردّ عليه. نحن عراقيون حتى العظم، والعراق غير إيران وغير أي دولة أخرى، أما تصريحاتي بالدفاع عن إيران أو سورية، إذا تعرّضتا للعدوان، فنابع من مواقف العراقيين التي عرفوا بها على الدوام، في رفض العدوان والاعتداء على أشقّائهم. هذا موقف عراقي. لا يهمّنا ما هي حقيقة مواقف الآخرين منّا، لكن هذا هو موقفنا من إخواننا.
مشاريع
> في جولتك التي سبقت أحداث سامراء، هل كنت تروّج لمشروع معيّن؟
< الجولة والزيارات التي شملت دول المنطقة، وهي دول الجوار العراقي، انصبّت على توطيد العلاقات بين شعب العراق والأشقاء في الدول التي زرناها، لتوطيد العلاقات بين جميع البلدان على حد سواء، وقد مثّلت الشعب العراقي، أو فئة من الشعب العراقي. ونحن نسعى إلى دفع المعاناة عن شعبنا، وعن كل الشعوب على حد سواء، لكي نعيش متآخين متحابّين فيما بيننا، نحن المسلمين والعرب. لم يكن لديّ مشروع سياسي خاص بالمنطقة، فلا علاقة لنا بالأوضاع السياسية في الدول الأخرى خارج بلدنا. نحن نحترم دول الجوار ولا نحبّذ على التدخّل في شؤون الغير، ولا نقبل أن يتدخّل الآخرون في شؤوننا.
> لكن هناك اتهامات لبعض دول الجوار بالتدخل في الشأن العراقي والمشاركة في تمويل الارهاب؟ هل هذا صحيح من وجهة نظركم أم لا؟
< نحن نعتقد أن الارهاب مرتبط بالصدّاميين، وبالاحتلال وبالتكفيريين النواصب. أما ما يُقال عن دور لدول الجوار في دعم أو تمويل الارهاب وقتل العراقيين، فإننا نعتقد أن أغلب دول الجوار ليست راضية، ولا سعيدة بالوجود الأجنبي، وخصوصاً الاحتلال العسكري الأميركي للعراق. من حق هذه الدول أن تخشى من أن يتحرك الجيش الأميركي إلى داخل أراضيها، انطلاقاً من العراق، لكننا لا نرى بوادر على تورّط رسمي في دعم الارهاب كما يُقال.
الرئاسة
> في ضوء حجم التيار الصدري، الذي يُقال أنه يتعدّى المليوني شخص، من مختلف الأعمار والمهن والكفاءات، هل تعدّ نفسك لرئاسة العراق مستقبلاً؟
< مثل هذا الأمر ليس مطروحاً لا الآن ولا مستقبلاً. نعم، نحن فصيل رئيسي الآن على الأرض العراقية، ونحن الفصيل الذي يُعارض الوجود الأميركي العسكري على أرض العراق رسمياً، ولكن بطريقة سلمية، ومن خلال العمل السياسي، وهذا الموقف معروف ومعلن. ولدينا نوّاب في الجمعية الوطنية المنتخبة، ولدينا وزراء في الحكومة، وسيكون لدينا عدد أكبر من الوزراء في الحكومة الجديدة، ونحن نرتبط بعلاقات جيدة مع أغلب القوى الوطنية والسياسية العراقية، حتى وإن اختلفنا في الآراء ووجهات النظر مع البعض من هذه التيارات، لكن ذلك لا يعني القطيعة ولا العداء. أما بالنسبة إلى قضية الرئاسة، فلدينا كفاءات وشخصيات قادرة على التعامل مع المناصب، والمواقع التي يحتاج إليها العراق، والتي بمقدور أبناء التيار شغلها بكفاءة وامتياز، ونحن لا نخشى ذلك.
> لماذا وقعتم بأخطاء أمنية وسياسية واجتماعية كثيرة، أظهرتكم متطرّفين ومتشدّدين وجهلة، أو ميليشيا يديرها فريق من المعمّمين غير السياسيين، أو الذين يجهلون أصول السياسة والتطوّرات الجارية في العالم؟
< نحن لا ننكر وقوع بعض كوادرنا أو فصائلنا، أو حتى بعض ممثّلينا، في أخطاء. نحن تيّار جديد تنقصنا التجربة، ونحتاج إلى بعض الوقت لنطوّر أداءنا السياسي، لكن الأخطاء التي تتحدّث عنها، أو التي نسبت إلينا، فقد كان هناك من يروّج لها أو يرتكبها وينسبها إلينا. ولأن وضع العراق الذي يعاني فراغاً أمنياً بسبب الاحتلال، ولأسباب كثيرة أخرى، فقد وجد البعض أن الفرصة سانحة لإلصاق كل خطأ وقع في العراق بالتيار الصدري. وربما نكون قد تباطأنا أو تردّدنا في تصحيح الأمور، وإيضاح الحقائق، والدفاع عن نيّاتنا وأهدافنا وأدائنا، ولكن السبب في حقيقة الأمر، يعود إلى افتقارنا إلى وسائل الاعلام الخاصة بنا، التي كان بالامكان توظيفها لبيان الحقائق ونشر البيانات.
تسليح
> كيف لا تتوافر لديكم وسائل الاعلام، بينما تتوافر لديكم الأسلحة؟ ألا تمدّكم الدول التي تدعمكم وتسلّحكم بالمال الكافي، لإنشاء وسائل إعلام خاصة بكم؟
< لا نتلقّى، والحمد لله، أي نوع من الدعم أو التسليح من أي طرف أو دولة. نحن عراقيون وسلاحنا عراقي ومن مخلّفات الجيش السابق، وقوّتنا ذاتية، فلسنا عملاء ولا نعمل لمصلحة أحد غير بلدنا. وأي كلام قيل عنا غير الحقيقة، فشل في الاساءة الى التيار الصدري. إمكاناتنا محدودة، لأننا شرائح شعبية وليس لدينا نظام سياسي حزبي مرتبط بجهات معادية للعراق، أو تعمل على تخريبه أو تمزيقه أو إشاعة الفوضى فيه. لدينا رجال دين أفاضل، وأساتذة جامعات وإعلاميون ومدرسون ومحامون، وأطباء ومهندسون، ورجال أعمال، وطلاّب من مختلف مراحل التعليم، وعسكريون ورجال جيش وشرطة، وأمّهات بيوت. نحن في مجملنا بسطاء وفقراء، وعاطلون من العمل، رغم الكفاءات التي يتمتع بها الكثير من أبناء التيار. نحن تيار المحرومين والناقمين على الاوضاع المأساوية وعلى الاحتلال.
> يختلف العراقيون على أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة، وفي الموقف من الوجود العسكري الأميركي في العراق، لكنكم أكثر العراقيين، ربما الشيعة، تطرفاً في انتقاد ومهاجمة ومحاربة الأميركيين، فماذا تريدون؟ ولماذا تختلفون عن سواكم من الوجود الأميركي؟
< القوات الأميركية لم تأت إلى العراق من أجل السنّة أو الشيعة، وإنما جاءت وفق معتقدات أيديولوجية يمينية غربية، للتصدي لخروج المهدي المنتظر من العراق. ونأمل أن يتنبه الجميع إلى حقيقة الدور والمشروع الأميركي تجاه العراق، وتجاه بقية دول المنطقة . ما نريده ونصرّ عليه، هو وجوب خروج الأميركان من بلادنا اليوم قبل الغد، ولا نمانع أن يتم ذلك من خلال برنامج انسحاب مجدول لا يبقي على أي جندي أميركي في بلادنا، وبعد ذلك لا بأس بالتفكير في شكل ونوع العلاقات الممكنة مع الولايات المتحدة، إذا كانت تريد مساعدتنا بالفعل.
حرب عصابات
> هل تعتقد أن بإمكان العراق أن يستغني عن المساعدة الأميركية، وهل تعتقد أن الأميركان يخرجون بشن حرب عصابات عليهم؟ ألم يتعب العراقيون من الحروب والقتال والعداء؟
< المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وهو صاحب الكلمة العليا، يطالب دوماً بتظاهرة سلمية سياسية، لإخراج قوات الاحتلال، في حين أن الحكومة بعيدة عن هذه المطالبات. نحن لا ندعو إلى حرب عصابات، ولا إلى مواجهات عسكرية ضد الاحتلال الأميركي، وإنما نريدهم أن يخرجوا من بلدنا بالانسحاب، ولو التدريجي المجدول، لكن اذا لم يستجيبوا إلى مطالب الانسحاب، فإن العراق سيظل تحت الاحتلال، وستظل الحياة معطّلة، وستظل المشاكل وسيظل الارهاب، وهو ما لا نريده أو نقبل به، والاحتلال لا يمكن أن يكون عاملاً مساعداً قط.
مواجهات
> لكنكم خضتم حروباً ضد الأميركان فماذا استفدتم؟
< نحن لسنا من دعاة الحروب، لكننا من دعاة تحرير بلادنا، وما حصل بيننا وبين الجيش الأميركي كان مجرد مواجهات للدفاع عن أنفسنا. نحن لا نملك القوة الكافية لشنّ حرب ضد الأميركان، ولا نريد التضحية بكوادرنا، ولا إحراق العراق، ونعتقد أن الحوار والمفاوضات في نهاية المطاف، إذا توحّد موقف العراقيين، فإنه قد يقود إلى نتيجة مقبولة للجميع.
> لقد اختلفتم مع السيستاني في الرأي في أمور كثيرة، وسبق أن وقعت اشتباكات مبكرة في النجف بسبب هذه الخلافات؟
< الخلافات ليست مع المرجع الأعلى. نحن لا نختلف مع السيد السيستاني قطّ. المرجعية تأمر ونحن نطيع. أي كلام يُقال غير ذلك، غير صحيح. لم يصدر منّا أي تصرّف أو موقف سياسي أو ديني يوحي بالاختلاف. نحن نحترم ونتبع المراجع العليا، ونجلّها ونقدّرها، ونعتبر أن وجودها في حياتنا مصدر خير ونعمة، وهم يتحمّلون مسؤوليات كبيرة، وأنا ابن عالم ومرجع أعلى، دفع حياته ثمناً لموقف حق وخير من أجل العراق، ومن أجل الطائفة، فكيف نختلف مع مراجعنا ومع أعلاهم شأنا ومكانة. الخلاف مع أي طرف ديني أو سياسي مهما كانت مكانته في العراق، ربما يقتصر على الموقف من الاحتلال. نحن نطالب بخروج فوري شامل أو مبرمج للاحتلال، لأنه سبب الفتنة.
الديمقراطية
> ما هو موقفكم من الديمقراطية وأنتم الآن طرف في الحكم، ولديكم وزراء في الحكومة وممثّلون منتخبون في الجمعية الوطنية (البرلمان)؟
< لا ديمقراطية ولا حرّيّة في العراق في ظلّ وجود قوات الاحتلال، فكما تعلم، فإن الاحتلال والبعثيين والتكفيريين (النواصب) كانوا وراء شرارة الفتنة الطائفية، وسيظلّون كذلك، ما لم ينسحب الاحتلال، وما لم يستعد العراقيون وحدتهم وتفاهمهم وانسجامهم، ويكفّون عن التصارع على المناصب. لقد انتقدنا، كما تعرف، مراراً حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري، بسبب عدم تحديد الحكومة جدولاً زمنياً لخروج قوات الاحتلال الذي استفاد، أي الاحتلال، من ذلك ورسّخ وجود قوّاته بمساعدة حكومية، رغم أن الشعب خرج في تظاهرة شارك فيها مليون ونصف المليون شخص، طالبت بخروج القوّات، ومع ذلك، لم تبادر الحكومة إلى تلبية المطالب الوطنية.
> رغم خلافكم مع الجعفري وحكومته، إلا أنكم ممثلون فيها من جهة، وأيّدتم خلال الانتخابات الداخلية، في إطار قائمة الائتلاف الدكتور الجعفري في مواجهة عادل عبد المهدي مرشّح المجلس الأعلى من جهة أخرى، فهل هو خلاف مع المجلس، أم مع عادل عبد المهدي، أم أنكم ترون في الجعفري الأفضل؟
أنا أدعم كل من يريد مصلحة العراق، سواء كان الدكتور الجعفري أو عادل عبد المهدي، أو أي مرشح آخر لرئاسة الحكومة يهمّه في المقام الأول العراق، لكننا وقفنا مع الجعفري، لأنه كان الأقرب منّا، ولأنه وقف معنا وأطلق الكثير من معتقلينا، الذين ألقى الاحتلال القبض عليهم بدون وجه حق. إلاّ أن تأييدنا للدكتور الجعفري، لا يعني موقفاً معادياً من المجلس الأعلى، أو من مرشّحه الدكتور عادل عبد المهدي، فنحن حلفاء في قائمة واحدة، وهناك الكثير الذي نتّفق عليه ولا نختلف. وموقفنا من مرشح المجلس ليس أبديّاً ولا دائماً ويمكن أن يتغير إذا تغيرت الظروف وتغيّر الأداء.
الدفاع عن العراق
> في إيران وسورية، قلتم أنكم مستعدّون لحمل السلاح دفاعاً عن البلدين، ألم يكن من الأجدى حمل السلاح دفاعاً عن العراق في مواجهة الارهاب؟
< لسنا مقصّرين في ذلك، وإذا تطلّب الأمر وسمح لنا، فإننا يمكن أن نشارك في مطاردة الارهابيين والصدّاميين والنواصب التكفيريين، من بيت إلى بيت. نحن على أتم الاستعداد لتلبية أي نداء يوجّه إلينا، أو أي دور يسند إلينا في المشاركة في تنظيف العراق، وإعادة الهدوء والاستقرار، لكننا لن نعمل تحت إمرة الاحتلال، لأنه عدوّ، مثلما أن الارهابيين أعداء.
> وهل ستحملون السلاح ضد الدول التي تتدخّل في الشأن العراقي، وتساعد على قتل العراقيين، وتسهّل مرور من تسمّيهم بالارهابيين والنواصب والتكفيريين، وربما حتى البعثيين عبر أراضيها؟
< أي دول تقصد؟
> لست أنا من أقصد، وإنما أطراف عراقية ودولية ووسائل إعلام كثيرة، تشير إلى دور إيراني وسوري وسعودي، سواء كان رسمياً أو غير ذلك، في الذي يجري في العراق، فهل ستحاربونهم دفاعاً عن بلدكم؟
< هي مجرّد اتهامات لا أكثر. نحن لا نقبل من أي بلد وأي دولة وأي جهة، مهما كانت، أن تكون عامل تفريق وهدم، وإشاعة فتنة وقتل في العراق. من الطبيعي أن نكون في خدمة بلدنا في مواجهة أي خطر، لذلك سنحمل السلاح جنباً إلى جنب مع كل العراقيين، في مواجهة مثل هذا الخطر.
> ما هو شكل الحكم في العراق الذي تتطلّعون إليه، ومتى يرى العالم عراقاً مستقرّاً آمناً مثل بقية الدول؟
< الشعب هو الذي يحدد صورة الحكم في العراق في المرحلة المقبلة، والمرجعيات لا تفرض على الشعب أشياء معينة، فهي تجتمع مع الشعب وتأخذ رأيه، ونصل إلى النتيجة المطلوبة. لكن وضع العراق لن يستقرّ قبل خروج الاحتلال منه. سيظل العراق عرضة لمواجهات متعدّدة الأوجه والهويات، بين الأميركان ودول كثيرة من جهة، وبين الوضع الجديد، وبين الصدّاميين والتكفيريّين النواصب الذين يسعون لإشاعة الارهاب في بلادنا. لكني متفائل، ولا أرى أن هناك ما يمنع من استعادة العراق عافيته بعد خروج الاحتلال. سيكون بإمكان الجميع أن يتفاهموا. هذا ليس صعباً ولا يحتاج إلى دعم من دول خارجية. نريد علاقات طيّبة وطبيعيّة مع الجميع، واحتراماً متبادلاً مع الجوار. الشأن العراقي يعني العراقيين وحدهم. وخطّتي تتّكئ على جمع شمل العراقيين، وهذا ما كنت ولا أزال أسعى إليه.