أمريكا تستعجل المقاومة في الوسط والجنوب - طاهر الخزاعي
[align=center]أمريكا تستعجل المقاومة في الوسط والجنوب
أرض السواد : طاهر الخزاعي[/align]
لم تكن الجريمة الارهابية التي قامت بها القوات الامريكية اليوم في حي أور واعدام العشرات من المصلين العزل في حسينية المصطفى هي الأولى .. ولم تكن الاخيرة , فقوادم الأيام حُبلى , وفي جعبة القوات الارهابية الامريكية المزيد من هذه الجرائم التي تنتظر العراقيين وتحديدا (الاسلاميون الشيعة) .. في السجون الامريكية والبريطانية داخل العراق انتهاكات شنيعة ضد العراقيين , وأكثر المعتقلين ابرياء , واليوم اضيف لهؤلاء المعتقلين أكثر من أربعين معتقلاً من حسينية المصطفى بعد اعدام 25 مصليا ! .. وأرجو أن لا تنتفخ أوداج البعض الذي لا زال مؤمنا بالمحرر الأمريكي ليقول أن المعتقلات فيها بعثيين وزرقاويين , لأن الرد واضح ويجيبه على ذلك التعامل الامريكي مع الارهابيين والبعثيين فهؤلاء يُطلق سراحهم , بل تحميهم أمريكا وتعاقب الحكومة التي تعتقلهم , وليس من الصدف أن يكون هذا اليوم نفسه الذي تعدم فيها القوات الارهابية الامريكية المصلين الشيعة في حسينية , تعتقل أيضا أربعين شرطيا من وزارة الداخلية لانهم يعتقلون مجموعة من التكفيريين الوافدين من خارج العراق !!! .. وقبل اسبوع فقط أفرجت أمريكا عن العديد ممن تسميهم بقائمة الـ 55 ومن بينهم وزير التصنيع العسكري الصدامي وأخرجتهم من العراق الى الدول الاوربية ! .. من السُخف أن نتصور لمجرد لحظة أن أمريكا جاءت للعراق لاسقاط صدام وتحرير العراق من البعثيين وظلمهم وفي نفس الدرجة من ذلك السُخف أن نتصور أن المشروع الامريكي هو نشر الديمقراطية في العراق والشرق الاوسط ! .. نعم هي تستخدم الديمقراطية آلية تخدير وغطاء يستر عوراتها .
في مقال سابق قبل بضعة شهور أثبتُ فيه أن العنف وزعزعة الاستقرار في العراق ليس الا أجندة أمريكية .. وأمريكا تعمل وسعها من أجل تنفيذ مشروعها .. فكما كان العليان والعاني وغيرهم الكثير بالأمس من المطلوبين لأمريكا أصبحوا اليوم في لب المشروع الأمريكي والطبخة السياسية التي يعدها زلماي خليل زاد ! .. كذلك الحال بالنسبة لساسة وأحزاب الشيعة التي دخلت العملية السياسية , فهم الفريسة القادمة حتى يذعنوا صاغرين ! مستغلة بذلك التفرق بين الساسة والاحزاب بالرغم من الشكل الكارتوني الموحد ..
كما بانت كذبة أسلحة الدمار الشامل سنكتشف جميعا - ولكن بعد فوات الأوان - أن الحرب على الارهاب في العراق ليس الا كذبة وسيناريو اعدته الماكنة السياسية والاعلامية الأمريكية لأنه الملاذ الوحيد الذي يعطي التبرير لبقاء أمريكا في العراق ! فهي بحاجة الى الوقت ولا زال أمامها فعل الكثير ..
اذا كان الشعب العراقي وبشكل خاص أبناء الوسط والجنوب الذي عانوا الويلات من صدام وحزبه , قد رأوا في إسقاط صدام على يد أمريكا (أصدقائه القدامى) ثمة تسليط ظالم على ظالم مثله , وفرج الله عنهم بسقوطه , فهذا لا يعني بحال من الأحوال أن ابناء الوسط والجنوب عليهم أن يدفعوا الجزية لأمريكا لأنها اسقطت صدام الذي ظلمهم !! .. وعليهم أن يقبلوا بالخريطة التي تريدها أمريكا للعراق ! ..
إن الشعب اليوم يعيش الانتظار ويعطي الفرصة تلو الاخرى من أجل اعطاء الحلول السلمية والسياسية وقتها الكافي , وهاهي النتائج التي كتبنا عنها حتى قبل الحرب تظهر جلياً : البعثيون منعمون والشعب المظلوم هو المستهدف يُقتل في المساجد والحسينيات والأزقة والاحياء .. يمارس الامريكان مباشرة هذا القتل بدم بارد كما حصل مرات عديدة ومنها ما حصل اليوم , وآلاف المرات بطريقة غير مباشرة عن طريق التفخيخ والعبوات والاحزمة الناسفة ليصبح القتل كما هو الاحتلال يتصف بصفة متعدد الجنسيات (أمريكي - بعثي - تكفيري) .. ومن النتائج المذهلة لحرب تحرير العراق اعمار العراق الذي سرق أمواله بريمر وحكومات بريمر !! .. ومن النتائج السحرية لتحرير العراق هذا التطاحن الطائفي والحرب الأهلية التي أضحت قاب قوسين أو أدنى بين أبناء الشعب العراقي الذي عاش قرونا لا يعرف هذه الفتنة النائمة حتى ايقظها الأمريكان ! .. ومن نتائج الديمقراطية الامريكية في العراق أن تضرب أمريكا الاستحقاقات الانتخابية عرض الحائط وأن يتشرف مندوبها السامي زلماي زاد بأول مخالفة للدستور الدائم وتشكيل مجلس الامن القومي من أجل تشتيت مؤسسات الحكومة واضعافها ! .. ومن نتائج الديمقراطية الامريكية ومكافحة الارهاب في العراق أن تُهدم الاضرحة ويُغتال العلماء ودائما وابداً يكون الفاعل مجهولاً باستثناء الاشارة الى زرقاويته وتكفيريته ! .. والنتائج يلمسها العراقيون كل يوم على أرض الواقع , ولا يزداد هذا النفق الذي رسمته أمريكا الا ظلاماً ..
والسؤال الصريح : هل أمنت أمريكا جانب الشيعة وأنهم لا يمكن أن يثوروا بوجهها ومقاومة أفعالها الاجرامية بحقهم ؟
والجواب لا شك أنه يحتاج الى تفصيل مفصل , الا أن القدر المتيقن أن أمريكا راهنت على مظلومية الشيعة واضطهادهم من قبل صدام ونظامه وأن التغيير سيجعلهم يتحملون المآسي الامريكية على نظرية التحمل , بمعنى أن الشيعة تحملوا ظلم صدام وجبروته أكثر من ربع قرن فليتحملوا ربع أو نصف تلك الفترة !! ..
وقد تبدو هذه النظرية هي الأرجح للفهم الأمريكي للشارع الشيعي بناءً على معلومات واستشارات من بعض الساسة , مع الرهان على تعددية المرجعية عند الشيعة واحتياطها الشديد في فتاوى الجهاد والحروب .. ولا يوجد أي مبرر آخر لهذا التمادي الأمريكي في الاجرام ضد الشيعة الذين يمثلون أغلبية الشعب العراقي وقد اعلنوا انخراطهم في العملية السلمية السياسية !!..
لكن هذه النظرية خاطئة جملة وتفصيلاً , وأول الكلام فيها أن شيعة العراق لم يتحملوا ظلم صدام والبعثيين بل ثاروا وانتفضوا ضده وقدموا مئات الآلاف من الشهداء في هذا السبيل , وانتفاضات صفر ورجب وشعبان وحركة الصدر الاول والصدر الثاني , الخ .. قدم شيعة العراق أنهاراً من الدماء في الجهاد ضد صدام والبعثيين سواء في ذلك الفلاح البسيط والعالم والمرجع .. وتاريخ العراق زاخر بمقاومة ومقارعة الظلم الداخلي والخارجي , وتاريخ ثورة العشرين فيه دروس وعبر ثرية للأمريكان والبريطانيين إن شاءوا الاستفادة منها , وخلاصتها على حد تعبير الاهزوجة المتداولة هذه الايام بين أوساط الشيعة ( إحنا يا زلماي أبناء الحسين .... ثورة العشرين والله انعيدها ) .
كما أن من المهم لأمريكا ومستشاريها أن يعرفوا أن شيعة العراق ليسوا بحاجة الى فتيا اذا ما قرروا المقاومة , فالفقه الشيعي يجمع على مقاومة المحتل الغازي لكنه هذه المرة أعطى الفرصة للحلول السلمية من أجل كشف زيف الادعاءات الأمريكية .. وحادثة اليوم يجب أن تضع كل شيعي في حالة تأهب واستنفار ليدافع عن نفسه فوجود الجندي المحتل في الشارع العراقي أصبح بمثابة تهديد واضح للنفس والدفاع عن النفس واجب ! ..
فهل كشفت جريمة اليوم الارهابية حقيقة مفادها أن أمريكا تستعجل قرار الشيعة بالمقاومة المسلحة ؟ وهل أصبحنا نرى ثورة العشرين في أفق القرن الحادي والعشرين ؟
لا مجال للشك في ذلك سوى المشيئة الالهية .
kza_tahir@yahoo.com