انشودة بعثية اسمها عراقيو الخارج - ملف
قبل أن يسقط نظام صدام وبعد سقوطه كان التلقين البعثي يتحرك في أفق ضرب كل العراقيين الذين هاجروا من وطن حكمته أيدي الطغاة والساديين على أنهم عملاء ومرتزقة بل وسلبت عنهم هوية الإنتماء للوطن اتلذي ينتمون إليه بأصولهم ودمائهم.
وعلى الرغم أن الهجرة هي طبيعة أنبياء ومصلحين وقد هاجر إبراهيم عليه السلام كما هاجر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن ابي طالب عليه السلام. إلا أن التثقيف البعثي تحرك في اتجاه معين واضح المعالم. فقد تحرك في اتجاه "لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا" من جهة وفي نفس الوقت الإتهام بالعمالة والإبتعاد عن الوطن وسلب الوطنية عن أولئك الذين قرروا الهجرة بسبب سياسات البعث الغاشمة والغادرة. وعلى الرغم أن قرار السفر والهجرة واختيار موقع الإستقرار هو قرار فردي-شخصي لا يحق لأي كان التدخل فيه، ومن أهم اسس الحرية الفردية التي لم تمنعها شريعة أو قانون هي حرية الإنتقال واختيار مكان الإقامة، وبغض النظر عن السبب سواء كان الطقس أو الصحة أو الطعام أو الأمن أو الإضطهاد أو عدم الإنسجام الإجتماعي.
ووسط التثقيف البعثي لأعضائه وأتباعه والذي تحرك في تطبيق عملي حول العراق إلى سجن كبير حرم العراقي فيه من ممارسة حريته في السفر والتنقل خلال عقود من الزمن، فقد برزت إلى الواجهة فئة من البعثيين الذين تشبعوا بأفكار وممارسات هذا الحزب ومن الذين يتوفرون على جاهزية كبيرة للتلون وتغيير الجلد حسب الظروف مع المحافظة على الأفكار والمواقف والأساليب البعثية رغم سقوط النظام وسلطته.
الهجرة شيئ إيجابي، وإيجابية الأمر نراه من خلال نرفزة النظام البعثي من هذه الفئة المهاجرة التي اكتسبت خبرة منقطعة النظير في نظرتها للحياة بعيداً عن سيطرة الحزب وأجهزة مخابراته ومفوضي أمنه ومخبريه. والهجرة بإيجابيتها تتحرك في أفق التخلص من عناصر الإختناق التي تمارسها السلطات الغاشمة ضد الإنسان ويورد القرآن موقع المستضعفين الذين يقررون الوقوع فريسة الإستضعاف دون أن يفكروا بالإنعتاق منها ورغم أنهم مستضعفون إلا أنهم يقعون تحت وصف الظالمين لأنفسهم بل ويدخلهم النار بسبب عدم اختيارهم قرار الهجرة ابتعاداً عن الإستضعاف".إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً".
والهجرة أمر تعتز به الشعوب وتعتبر الأجيال المهاجرة إمتداداً لأوطانها الأصلية. والسويد على سبيل المثال تنظر باعتزاز إلى الأميركان من أصل سويدي والذين يشكلون أكبر حركة هجرة في تاريخها بسبب الجوع قبل ما يقارب 100 سنة. وهنالك الألمان الذين يفتخرون بمهاجريهم في الأميركتين، واللبنانيين والسوريين الذين يفخرون بامتدادهم المهاجر خارج أسوار الوطن.
أعيد إلى الأذهان مصطلح indoctrination الذي ينطبق بوضوح على الوجوه البعثية في العراق، والتي تتحرك بوجوه جديدة وأشكال جديدة. ومن هذه الوجوه على سبيل المثال لا الحصر نديم الرذيلة ومشعان جبوري وغيرهما.
ومصطلح indoctrination يعني فيما يعنيه تشبع الذي يتعرض لهذه العملية بالأفكار والقيم بشكل مطلق بحيث أنه يستطيع أن يغير جلده 100 مرة دون أن يفقد عقائده واساليب تفكيره. والعملية تنفذ على عملاء المخابرات الذين يضطرون للعمل تحت ظروف يضطرون خلالها إلى تغيير هوياتهم وعقائدهم للإندساس في مواقع العدو. ومن المؤكد أن النظام البعثي كان بارعاً في هذه الأساليب التي أنتجت مستعممين ودكاترة وأساتذة جامعات وصحفيين متدينيين وعلمانيين عشائريين وخطباء مساجد حوزويين وغير حوزويين شيعة وسنة وأكراد.
من أهم أساليب التثقيف البعثي كانت التحرك على دق أسفين بين العراقيين الشيعة، وعلى وجه الخصوص من اضطرتهم الظروف الى الهجرة (نلاحظ أن 90% من المهاجرين في فترة نظام صدام هم من الشيعة بسبب الإضطهاد على مختلف أنواعه). وكان الحديث يتحرك على وصف من هاجروا وعارضوا أنهم عملاء ومرتزقة ومرتبطون بالأجنبي ولا يقاسون ما يقاسيه العراقيون. رغم أن هؤلاء المهاجرين كانوا يغطون مجالاً كبيراً من مواقع الفقر والحرمان في العراق عن طريق تحويلاتهم النقدية والدوائية.
سأحاول أن أفتح ملف التثقيف البعثي في هذه الزاوية بالذات كي نكتشف قضية حزب الفضيلة البعثي، ولماذا يتحرك في آفاق هي أصلاً من آفاق حزب البعث على مستويات التنظيم والتثقيف والفكر والممارسة. وكي نفهم أيضاً من هم الذين يشتركون مع حزب الفضيلة البعثي في هذا التوجه؟