عندما يحصحص الحق ( حيوا الجعفري........ شيرزاد شيخاني )
حيوا الجعفري
GMT 5:00:00 2006 الجمعة 21 أبريل
شيرزاد شيخاني
--------------------------------------------------------------------------------
منذ أن وعيت وأنا أنظر الى الأشياء مثلما طلب قاضي محكمة شاهد ماشفش حاجة من عادل امام بمنظار ( يبيض يسود)، فأنا بدوري لا أحب اللون الرمادي ( مبحبوش). وقد يلاحظ القاريء لمقالاتي أنني انتقدت كثيرا الدكتور ابراهيم الجعفري على أداء حكومته الذي تسبب في الأزمات التي يعاني منها العراقيون من حيث ازدياد وتيرة أعمال العنف وفشل الحكومة في النهوض بالواقع الخدمي والمعيشي،واستفحال عدة أزمات داخلية الى جانب الأزمة الأمنية،منها عدم وجود الكهرباء ولا ماء ولا بنزين ولا كل شيء له علاقة بتحسن أحوال الناس، أضف الى كل ذلك دخوال البلاد في أزمة سياسية كادت أن تؤدي الى فتنة كبرى، ولولا أن دفع الله شرها لكانت أنهار من الدماء تجري من شمال العراق الى جنوبه..وكنت مضطرا في النظر الى تلك المشاهد بسوداوية مثلي مثل جميع العراقيين الذين كادوا أن يفقدوا ألأمل بمستقبلهم،. وكنت أعتبر الجعفري دكتاتورا متمسكا بكرسي الحكم غير عابيء بمطالب نصف شعبه بالتنحي واخلاء الطريق أمام آخرين ليدلوا بدلوهم في تجربة ادارة الحكم.وكدت أنسى وأنا في ثورة غضبي على الجعفري الذي كان يعض على المنصب بالنواجذ، أن الرجل جاء عن طريق انتخابات برلمانية صورت في جميع أنحاء العالم بأنها كانت ديمقراطية، ثم ثناها الرجل بانتخابات داخل كتلته وفاز فيها ولو بفارق هدف واحد.وكدت أن استلبه حقه في العض بالنواجذ على المنصب المرشح له والرجل من حقه ذلك لأنه على الأقل انتخب شعبيا وحزبيا وكتلويا ولم يكن مثل بعض الحكام العرب الذين لا يتركون الحكم حتى عندما يرحلون عن هذه الدنيا فيتركونها لأولادهم وأحفادهم وأصهارهم.وكدت أنسى أيضا أن الجعفري يعيش في بلد عربي وليس في بلد أوروبي، حتى ننتظر منه أن يتنازل عن منصبه طواعية ويخلي الطريق أمام من ينتخب ورائه من دون مشاكل، فمتى حصلت هذه الأمور في دولة عربية؟؟!!.
واليوم.. اليوم فقط وعلى طريقة فيصل القاسم في برنامجه ( الاتجاه المعاكس) تراني أتخندق في الاتجاه المعاكس وأريد أن أنحني لشجاعة هذا الرجل الذي علم القادة العرب درسا لن ينسوه باعتقادي مدى الدهر.
نعم فعله الجعفري تاركا منصبه لغيره وأعتقد أنه في سره تمثل بموقف إمامه علي (ع) عندما ترك الدنيا ومتاعها الى طالبيها والمتمتعين بها، ولكن هل نكتفي من الرجل بهذا الموقف الشجاع الذي أنقذ البلاد من كارثة محققة؟..
لا وألف لا..فقرار الجعفري لم يكن خياره، وكان الرجل لو تعاملنا معه بروح ديمقراطية حقيقية كما يروج الأمريكان لذلك، كان يستحق المنصب عن جدارة لفوزه بالانتخابات ثلاث مرات من شعبه وحزبه وكتلته. فلماذا ترى تنازل الجعفري أخيرا عن هذا المنصب؟
لا يمكننا إخفاء الضغوط الشديدة التي دفعت بكتلة الائتلاف الى إثناء الجعفري عن قرار تمسكه بالمنصب وبالأخص عندما لوحت بعض القوى العراقية باللجوء الى تكتلات جديدة داخل المجلس النيابي مما كان يعني اقصاء الشيعة الى الأبد عن ادارة حكم العراق. والسؤال الذي يطرح نفسه هو" هل كان بالامكان اقصاء الشيعة عن الحكم بهذه الطريقة والبلد بما فيه الأمريكان يتوجعون من ضربات القوى الارهابية وفلول النظام السابق"؟ طبعا لا يمكن لجاهل أن يتصور حدوث هذا الأمر في الواقع الراهن من المشهد العراقي.
اذن من وقف وراء خطوة الجعفري؟ الجواب هو، أمريكا بالطبع..فبحسب المثل الفرنسي الذي يقول( فتش عن المرأة) عند حدوث مشكلة، وحورها الهنود على لسان زعيمهم الروحي غاندي بـ( فتش عن الانكليز)، سأحوره أنا بدوري وأقول( فتش عن الأمريكان)، فالأمريكان يحكمون العراق اليوم من وراء الستار، و لا يمكنني استبعاد أن يكونوا قد هددوا الجعفري بذلك، فالأمريكان كانوا أكثر حمية من بقية القوى العراقية باقصاء الجعفري حتى أنهم استنجدوا بوزير خارجية بريطانيا ليرافق وزيرة خارجيتهم عسى أن تنجح في تنحية الجعفري،كما لا أستبعد التقاء مصالح الأمريكان مع مصالح بعض القوى العراقية في هذه المسألة بالذات.
المهم أن الجعفري حاول أن يناطح الغول الأمريكي في العراق وكاد أن يصرعه عندما استطاع الوصول الى قرب رقبته، ولكن الخصم المخادع استطاع باساليبه المراوغة أن يفك يديه عن الرقبة في اللحظة الأخيرة، وهنا لم يملك الجعفري غير أن يستسلم للأمر الواقع، وحسنا فعل.
ولكن يبقى أن الرجل قد دخل التاريخ العربي وليس التاريخ العراقي فحسب بموقفه البطولي الفذ هذا،وكشف زيف الإدعاءات الأمريكية بالسعي للتغيير الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط..أفلم يكن الدكتور ابراهيم الأشيقر الجعفري قد جاء الى الحكم عن طريق الديمقراطية الموعودة وصناديق الانتخابات وبحق دستوري ضامن؟؟.
اذن، هذا أول انتهاك لمباديء الدستور العراقي الذي لم يجف حبره بعد..
شيرزاد شيخاني
Sherzadshekhani@yahoo.com