المجلس والدعوة ... حكايات مريرة (2)
المجلس والدعوة ... حكايات مريرة (2)
سليمان الفهد
كاتب وسياسي عراقي
Sulaiman_alfahd@hotmail.com
أفضل الطرق شق الحزب من داخله وتجريده من قوته العسكرية في معسكر الشهيد الصدر . هكذا كان يفكر الإيرانيين ومحمد باقر الحكيم وقتها .
حيث نستطيع تسمية هذه الحقبة .
مرحلة المؤامرة :
فعلا بدأ العمل يسير بهذا الاتجاه حيث فكرت الحكومة الإيرانية جليا للسير قدما لتحقيق هذا الهدف , وكما نعلم جميعا أن أعداد كبيرة من الجيش العراقي والإيراني كانوا أسرى في كلا الجانبين فاستغلت إيران بعض الأسرى العراقيين لتكوين نواة شعبية وعسكرية لمحمد باقر أسمتهم التوابين وأجريت عمليات غسل الأدمغة على اغلبهم طوعا أو كرها فولد نتيجة ذلك ( فيلق بدر ) ... ليس بتلك السهولة التي يتصورها البعض , فحزب الدعوة كان نشطا تنظيميا داخل صفوف الأسرى وكسب الكثير منهم بروحية عالية وبدون إكراه , وان عراقيي الداخل لا يعرفون تنظيما إسلاميا إلا الدعوة وقتها ولازال البعض حتى يوم سقوط الصنم يعتقد أن محمد باقر الحكيم هو قائد الدعوة أو هكذا كان الترويج بقصد انتحال فكر الشهيد السعيد محمد باقر الصدر واللوذ بعباءته من اجل الأهداف المرسومة . على الرغم من براءة محمد باقر الحكيم من حزب الدعوة جملة وتفصيلا . ونطق بعد أن تمكن , بأنه لم ينتمي يوما إلى الحزب إطلاقا بل كانت له مدرسته الخاصة .( سبحان الله )
تم تجميع التوابين في معسكرات خاصة من اجل تهيئتهم , بقى الدعاة نشطين بكل الاتجاهات عسكريا وتنظيميا إيديولوجيا داخل الجماهير الوافدة عبر الحدود , توابين وهاربين من البطش , العمل في الجانب الآخر من المعسكر المعادي للدعوة يتنفس بصعوبة ويجب كسرة شوكة الدعاة بأي صورة ممكنة من اجل اعتلا كرسي الرئاسة , فحملت التجويع بدأت فعلا , رافقتها عمليات اغتيال جبانة لبعض الدعاة المخلصين واختراق داخل القيادة للحزب بشكل أو بأخر , فالدعوة كانت تحارب على جبهتين . الجبهة العراقية والجبهة الإيرانية .
بدأ الحزب تدارس أمر معسكر الشهيد الصدر المهدد بالموت جوعا وليس من قنابل وصواريخ صدام حسين أبدا . فقوات الشهيد الصدر كانت اكبر حجر عثرة بطريق محمد باقر ويجب القضاء عليها أو ترويضها , فلم ينجح الترويض إطلاقا . إلا على عدد قليل جدا لا يحتسب له أمرا .. اتفق القادة في الدعوة إعطاء الضوء الأخضر للقوات بعد أن عجزوا من توفير ما يمكن توفيره لقواتهم الفتية , بالموافقة على أي طرح يقدمه لهم محمد باقر من اجل الحصول على سبل البقاء حيث لايستطيع حزب الدعوة توفير تلك المستلزمات الضرورية لهم . وأصبحت بيد السيد محمد باقر . بعد أن لعب الإيرانيين دورا لا يحسدون عليه إطلاقا بتفجير الوضع الذي وصل إليه حزب الدعوة . تسليم الأسرى التوابين كما يسمونهم , لا تذهب أي شاردة أو واردة عنهم إلا عن طريق محمد باقر الحكيم . ووصلت المرحلة بأن اكبر وزير بالحكومة الإيرانية لا يستطيع التدخل بشؤون السيد حتى أوصلوا الرجل لمرحلة العظمة والجنون المطلق . ( كان لي بعض الأخوة والأصدقاء بين الأسرى واتصلت بوزير الداخلية آنذاك عندما كنت احضر مؤتمرا إسلاميا في طهران , لأجل زيارتهم اعتذر الوزير وقال : انه لا يملك أية صلاحية على الأسرى العراقيين ويجب أن اذهب إلى محمد باقر ليتدبر المهمة , عندها رفضت ولم أزر أخوتي وأصدقائي هناك منذ ذلك الحين حتى يوم سقوط صنم بغداد .) اسرد هذه الحادثة للتوضيح فقط . وتبين مدى عمق المعاناة للعراقيين بصورة عامة وليس أصحاب المبادئ والخط الرسالي فقط .
فعلا تم الاستيلاء على معسكر الشهيد الصدر بالقوة ودمجه بقوات بدر التائبة( لا اعلم تائبة عن ماذا ) بعد أن رفض اغلب المنتسبين للرضوخ للأمر الواقع وانتقل قسما منهم على هيئة مجاميع صغيرة في شمال العراق ( هم خلف الله على الأكراد لفوهم ) . لتكمل مشوار العمل من هناك بعد أن ضاقت بهم الدنيا بما وسعت .
حزب الدعوة الإسلامية , مورس على أعضاءه في إيران أشرس الضغوط رغم وجود التعاطف من هنا وهناك . برز خلاف حاد داخل الحزب نفسه قاد هذا الخلاف الشهيد عز الدين سليم والسيد على خان رحمه الله . سأفرد مقالا خاصا لهذا الموضوع قريبا حول خلافات حزب الدعوة , لكني سأذكر هنا ما يخص بحثنا حول حكايات الدعوة والمجلس وليس خلافات الدعوة – الدعوة ... أجج الخلاف وأبرزه للوجود الإيرانيين أنفسهم بعد أن التزموا الشهيد عز الدين والسيد علي خان وفتحوا لهم مكتبا ثقافيا ( مخابراتي ) وأصبحت لهم جريدة خاصة بهم تصدر في طهران ودمشق وقليلا من الأنصار . هنا دفع الإيرانيين السيد محمد باقر نحو عز الدين سليم لغرض التنسيق والتعاون بالمجالات كافة على أن يمثل عز الدين ( حزب دعوة جديد ) اسمه ( حركة الدعوة الإسلامية ) . وينضم تحت مظلة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق .
وهكذا ظل يعمل الشهيد عز الدين سليم مع الشهيد محمد باقر منذ ذلك الحين سوية وبخطى ثابتة حتى سقوط بغداد ( طبعا الجماعة بالأخير وصلوا للحكم مبروك ) .
حادثة طارئة من آلاف الحوادث رغبت سردها في هذا المجال : كان احد رجال السيد محمد باقر الحكيم (.....) في قم وشى للمخابرات الإيرانية الشيخ حسين علي ألبشيري الذي يعارض توجهات السيد الحكيم وسياسته آنذاك , فأودع الرجل السجن لأسبوع كامل دون ذنب اقترفه , كونه اعترض ليس إلا . وحرم من ابسط حقوق الإنسان داخل السجن . كما وشى الرجل نفسه (.....) قصة ملفقة ضد الشيخ الاصفي احد قيادي الدعوة آنذاك بأنه ضد ولاية الفقيه ويجمع الأسلحة في بيته للأعمال التخريبية ضد الثورة الإسلامية , وفعلا قامت المخابرات الإيرانية بتفتيش البيت وانتهاك حرمته دون رادع .. هذا غيض من فيض ليس إلا .
فاشتد الصراع ذروته بين حزب الدعوة والمجلس الأعلى بعد أن أكلت طاحونة الحرب أكلها . اتجه الحزب للعمل بعمق في الداخل العراقي وخارج إيران وبالذات سوريا ولبنان واستخدم شمال العراق لتحركاته أيضا وهذا ما يفقده محمد باقر الحكيم . حيث أن مجاميعه كلهم من الأسرى ولا يسمح لهم بهذه العجالة القيام بعمليات في داخل العراق ضد النظام العراقي لعدم توفر الثقة المطلقة وان توفرت سوف لن يوافق الإيرانيين على هذا التحرك كونهم يعيشوا حالة حرب وقد يستخدم الأسرى لعمليات تجسس ضد قواتهم . وفعلا ( التوابين ) لم يشاركوا بعمليات ضد النظام العراقي إلا في وقت متأخر جدا وبعد نهاية الحرب , أواخر الثمانينيات تقريبا .
كان احد قادة الدعوة وبين فترة وأخرى يقوم بزيارة السيد محمد باقر يخبره بإيقاف الحملة المسعورة ضد حزب الدعوة والتخفيف من حدة الصراع كون ذلك لم يخدم مصلحة العراق ويشتت القوى الإسلامية التي تنشد التغيير في عراقنا الحبيب مذكرا إياه بأن إيران لا تدعمه حبا وإنما لغاية في قلب يعقوب , ولمصلحة خاصة بسياسة الدولة . وان العراق بالنسبة لها ما هو إلا جواز مرور لتنفيذ سياستها التي رسمتها , رغم اشتراك الطرفين بمذهب واحد , لكن السياسة لا تؤخذ وفق التصور المذهبي . استمرت تلك الاتصالات منذ نشوب الخلاف سرا وعلنا حتى قبيل سقوط النظام الفاشي في العراقي . لكنه لم يثمر أبدا , وسألت يوما هذا القائد ذو الصبر الطويل ما سر كل هذه الاتصالات وعلى مرور سنوات طويلة لإقناع محمد باقر الحكيم بتنسيق العمل ولم تفلح ولكنك تعيد تكرارها مرات ومرات ومرات .. أجابني : ( أني القي حجتي الشرعية على الرجل وأكون أمام الله قد بلغت الرسالة واعذر يومها أثناء الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى ... إضافة كوني احد المسببين والمشجعين لتقديمه كقائد للدعوة قبل خروجه من العراق.) طبعا كان آخر لقاء مكاشفة مع السيد محمد باقر على ما اعتقد سلم هذا القيادي من حزب الدعوة نصائح من 17 نقطة ناقشها سوية في بيت السيد محمد باقر بطهران أواخر الألفين . وفي النهاية ابلغ السيد الحكيم مفاوضه وصديقه القديم : ( شوف سيد ....... المجلس والدعوة خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا ) .
كان لحزب الدعوة جريدته الناطقة بأسمه ( الجهاد ) وكان للمجلس صحيفته أيضا ( الشهادة ) عندما تتصفح الصحيفتين تلتمس الهوة الكبيرة بين الخطين وصراع خفي عميق لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال إلا بقدرة قادر أو معجزة إلهية , هكذا كنت أتحسس الوضع واستقرأه منذ تشكيل المجلس في بداية الثمانينيات . لكن حزب الدعوة لا يفقد الأمل بجمع الشمل رغم وضوح الرؤيا له بتلك الخلافات وإرهاصات المرحلة. فنقرا في صحيفة الجهاد , الإرشاد والنصح والتروي بنشر الغسيل وفي الجانب الآخر نجد الهجوم الشرس على غريمهم الدعوة بحق أو بدونه , يترقبون أتفه الأخطاء ليعظموها ويعتبروها نقطة ضعف وعدم قدرة في القيادة , لكن المتطلع لخفايا الأمور يرى غير ذلك إطلاقا . وصلت الحالة بأنساب عمليات حزب الدعوة داخل العراق لأعضاء المجلس وعندما لم يفلحوا بتلك الحملة . اخذ الإخوة الأعداء بتسريب أخبار العمليات قبل وقوعها لمخابرات النظام العراقي , ولنا شواهد كثيرة في هذا المجال . راح ضحيتها دعاة رسا ليون عملوا قصارى جهدهم من اجل حلم العراق المحرر من الفاشية ولازالت عوائلهم مغيبة مهمشة ومنسية حتى يومنا هذا .
ولقد استفاد كثيرا النظام الفاشي بالعراق من هذه الخلافات فزج بعناصر مخابراته لاختراق الطرفين حتى وصل بعض عناصر المخابرات العراقية في قيادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ولنا شواهد حية يعرفها القاصي والداني سنتحدث عنه في الحلقات القادمة.
لم يتوقف الصراع عند هذا الحد , تقدم في العمق ودخلت مرحلة الكر والفر بين الطرفين وهي مرحلة تصفية الحسابات :
وللحديث بقية
( ملاحظة : اشكر كل الذين أغرقوني برسائل من كل الاتجاهات . واحذر كل الذين وعدوا وهددوا . بأني سأغير اتجاه كتابتي مستقبلا إذا لم يكفوا عن تهديداتهم وسأضطر لتسمية كل شيء بالأسماء والوثائق والصور بعد أن وعدت نفسي في الحلقة الأولى غير ذلك ... ويجب عليهم التحلي بروح الحوار والقيم الإسلامية المثلى واعذر من انذر . )
سليمان الفهد
كاتب وسياسي عراقي
Sulaiman_alfahd@hotmail.com