جرائم هدم الآثار الإسلامية....؟!!
تزامناً مع ذكرى وفاة الرسول ، عرضت قناة الحرة حلقة من برنامج (المجلس ) وكان ضيف الحلقة الدكتور المعماري سامي عنقاوي مؤسس مركز أبحاث الحج وكانت الحلقة بعنوان (هدم الآثار الإسلامية بالجزيرة العربية ).
كان الدكتور سامي عنقاوي يتحدث بأسى عن القيمة العظيمة لتلك الآثار المطمسة، وكيف أنه لم يستطع إيقاف هدم تلك الآثار وعن محاولاته الفاشلة في ثني المسؤولين عن قرارات الإزالة وعن المواجهة العنيفة من السلطة الدينية ذات الاتجاه الواحد والمتخوفة دائماً من البدع والشرك المحتمل حدوثة بفعل بقاء تلك الآثار ولهذا فهي تعمد إلى سد باب الذرائع قبل حدوث الوقائع!
ولكن ما شد انتباهي وأذهلني عندما بدأ الدكتور يتحدث عن اكتشافه بيت الرسول بمكة بالقرب من الحرم الشريف ووصفه لذلك البيت المتكون من المدخل وثلاث غرف منها غرفة الرسول وخديجة وغرفة أولاد الرسول والغرفة التي ولدت بها السيدة الزهراء وكيف أنه تدرج بالبحث حيث صنف الزيادة التي بنيت في العهد العباسي والأصلية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
أعد الدكتور بعد ذلك تقريراً عن المكان الأثري وسلمه إلى المسؤولين على حسب تعبيره، ولكن المكان في النهاية دفن تماماً وأضيف إلى الساحات المحيطة بالحرم وبني فوقه دورات مياه عامة!
نعم هذا ما أكده الدكتور وهو مطأطيء رأسه خجلاً وآثار الأسف تعلو وجهه!
أين وزارة الآثار أو الهيئة التي تعنى بالآثار من هذا الذي يحدث بمكة والمدينة خاصة وبكل مناطق البلاد عامة من تصفية شاملة لكل أثر إسلامي كان أم غيره وأين هم المسؤولون الذين تصلهم التقارير والدراسات عن المواقع المكتشفة وأهميتها التاريخية والإنسانية؟
لماذا هذا الإقصاء المتعمد والموجه ضد كل ما يتعلق بالرسول وأهل بيته؟! فالاحتفال بمولد الرسول بدعة..! وإحياء ذكرى وفاته بدعة أشد وأدهى...! وشد الرحال لزيارته حرام ....!«هناك فتوى أن الزائر عندما يسافر للمدينة المنورة يجب أن ينوي زيارة مسجد الرسول لا قبر الرسول» وكذلك فإن إبقاء آثاره والتي منها بيته يساعد على اختلاق البدع المؤدية للشرك بالله!! فكان الهدم والطمس هو الحل المناسب لإطفاء تلك البدع المحتمل حدوثها من جراء بقاء بيت الرسول الذي نزلت به الرسالة وانبثق منه نور الإسلام.
وفي سؤال آخر وجهه مقدم البرنامج للدكتور وهو هل يوجد التقاء أفكار بين ما حدث في أفغانستان من هدم لبعض الآثار البوذية وبين ما يحدث في الجزيرة أجاب الدكتور: نعم يوجد هذا النوع من التقاء الأفكار بينهما بشكل أو بآخر!
وأقول إن كل الأفكار التي يستند إليها هذا التيار المتشدد والمعارض دائماً للتوجهات الأخرى منبعها واحد، مع الاختلاف في التطبيق والالتزام بتلك الأفكار فالذين هدموا الآثار في أفغانستان والذين هدموا بيت الرسول والآثار بمكة والمدينة وكذلك الإرهابيون التكفيريون الذين يقومون بالعمليات الإرهابية في الجزيرة والعراق كلهم يسمون أنفسهم السلفيون أتباع محمد بن عبد الوهاب.
ولكنهم يختلفون في الفهم لهذا المسار فكلٌ يطبق هذه التوجهات حسب اجتهاده وفهمه ومصالحه، والسلفيون التكفيريون يكفرون العلماء المعتدلين السلفيين أيضاً ويواجهونهم أي أنهم لا يتفقون في جميع الأفكار، ولا نرى أحداً ممن يقاربون المليار ونصف المليار مسلم المنتشرين حول العالم يهدم آثارا إسلامية أو غيرها ولم نر أحد علماء المسلمين باختلاف مذاهبهم حرم إبقاء الآثار والمحافظة عليها ولهذا يجب الأخذ برأي علماء المسلمين الآخرين في هذه المسألة.
إذا كانت المحافظة على الآثار محرمة فلماذا توجد هيئة رسمية للآثار ومتاحف تضم بعض القطع الأثرية؟ ولماذا يحافظ على بعض الآثار التي تعود إلى مائة أو مائتين سنة وتهدم آثار عمرها يعود إلى آلاف السنين؟
أليس من المنطقي من أن محبي التراث الذين يحتفظون بالأشياء القديمة أن يبقوا على ماهو أقدم منها، فأنا مثلاً إذا كنت أحب أن أحتفظ بقميص لي كنت ألبسه عندما كان عمري عاماً واحداً فمن البديهي أني إذا حصلت على قميص النبي يوسف فإنني لن أمزقه وأحرقه فالحس الذي أملكه من الاهتمام بحاجياتي القديمة التي أستوحي منها الذكريات هو نفسه الحس الذي سيعلمني فهم قيمة الأشياء التي تعود لمرحلة أقدم من تلك التي عشت فيها خاصة إذا كانت تلك المرحلة لا تعنيني وحسب بل تعني أكثر من مليار إنسان بشكل مباشر وخاص وتعني كل البشرية بشكل عام لأن الرسول بعث لكل البشرية إلى قيام الساعة. في الآونة الأخيرة انتشرت بعض الملصقات التي توضع على السيارات والواجهات الزجاجية للمحلات التجارية كتب عليها عبارة( إلا محمد، وبأبي أنت وأمي يا رسول الله)، كردة فعل على رسوم الصحيفة الدنمركية، ولهذا أتمنى أن تتحول تلك الأقوال إلى إيمان واعتقاد راسخ وليس شعاراً يعلق ومن ثم يبهت ويختفي بفعل أشعة الشمس....!!
على الناصر