-
رسالة إلى جواد المالكي
رسالة إلى جواد المالكي
حميد الكفائي
عزيزي أبا إسراء
أبدأ رسالتي هذه بتقديم التهنئة لك لنيلك ثقة ممثلي الشعب العراقي من مختلف القوميات والمذاهب والتيارات السياسية وهذا لعمري شرف لا يضاهيه شرف في هذا الزمان العراقي الذي انعدمت فيه الثقة بين الأشقاء والزملاء والجيران ورفاق الدرب وأبناء البلد الواحد.
لكنني أقرن تهنئتي هذه بتحذير وهو أن هذه الثقة مؤقتة ومشروطة وقلقة وتقف على حافة الهاوية لذلك فإن الحفاظ عليها يقترب من المستحيل. دعني أبين لك أسس هذه الثقة التي منحك إياها الفرقاء السياسيون، فكل له أسبابه الخاصة به. فهناك من أراد أن ينهي الأزمة التي كادت أن تودي بالعملية الديمقراطية برمتها بأي وسيلة ولكن دون التنازل عن الشرط الأساس بإبعاد الجعفري عن رئاسة الوزراء ورأى أن الموافقة على ترشيحك هو أقصى ما يستطيع أن يحققه في الوقت الحاضر فمنحك ثقته. هناك من أراد أن يتخلص من الجعفري بأي ثمن وإن كان بمجيء رجل آخر من حزب الدعوة قد يكون أكثر حزما وشدة من الجعفري، فرحب بك. وهناك من أراد أن يؤسس لتقليد جديد هو عدم هيمنة الكتلة الأكبر على تسمية رئيس الوزراء ولا يهمه من يأت للرئاسة بقدر ما يهمه أن يرفض مرشح الكتلة الأكبر وينجح في ذلك. وهناك من مال إليك لأسباب قومية لأنك عربي و "ابن عشاير" ولأنك طالبت بالإبقاء على فقرة "العراق جزء من الأمة العربية" في الدستور. وهناك من رحب بك لأنه رأى أنك شخص شجاع وصاحب مواقف واضحة بعيدة عن الغموض. أما آخرون فقد رأوا أن مواقفك العربية ستضعف موقفك في حزب الدعوة الذي يؤكد على مواقف إسلامية بعيدة عن التحيز القومي مما سيسبب لك مشاكل مستقبلية مع بعض أركان حزبك ومع شركائك الأكراد بالإضافة إلى جيراننا من غير العرب.
أنت في وضع لا تحسد عليه يا أبا إسراء فليس هناك أصدقاء في عالم السياسة وكل الذين منحوك الثقة سوف يراقبون كل صغيرة وكبيرة تقوم بها في كل مجال من مجالات العمل السياسي ولن يرحموك إن أخطأت أو سرت في مسار لا يرضيهم، لكنك سوف تخطئ، في الأقل في نظرهم، لأنك بشر وكل ابن آدم خطّاء. لكن عليك أن تقْدِم وتتخذ القرارات الصعبة دون تردد، ولكن بعد مشاورات مستفيضة مع أصحاب الشأن والخبرة. التردد نوع من أنواع الضعف وهو قاتل في عالم السياسة كما تعلم. وفي بلد مليء بالأزمات والمشاكل المستعصية مثل العراق، نحتاج إلى شخص حازم قادر على اتخاذ القرارات دون خوف أو تردد وأنت قد عرفت بحزمك وشجاعتك وقوة مواقفك فأمض في هذا الطريق وستجد أن كثيرين من العراقيين من مختلف المذاهب والقوميات سيؤيدونك. لكننا يا أبا إسراء لا نتحمل مزيدا من الأخطاء لذلك نطالبك أن تسعى للتوازن في حكومتك بحيث لا تقع في الأخطاء التي وقع فيها من سبقك. نحن نعلم جيدا أن خياراتك للمناصب الحكومية ليست خيارات ترضيك كليا، فأنت مضطر للقبول بمرشحي الأحزاب المشاركة في الحكومة، لكن بإمكانك أن تصر على تعيين من تقتنع بكفاءته ولا ترضخ كليا لخيارات الآخرين من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة، لأنك ستكون مسئولا عن أداء أي من وزرائك وأي تقصير سوف يعزى لك شخصيا ولن ينفعك العذر الذي قدمه سلفاك بأنهما لم يختارا أفراد حكومتيهما. لا تهتم للبقاء في المنصب بأي ثمن فالأهم من ذلك هو أداؤك الصحيح وموقفك الصائب، فلا خير في منصب لا يمكِّنك من إنصاف الفقراء والمظلومين وإصلاح الاقتصاد والخدمات والقضاء على البطالة وتحقيق الأمن ومعاقبة المجرمين. ليس المهم أن يرضى عنك رفاقك في حزب الدعوة، لأن بعضهم لن يرضى حتى تضعهم في كل وزارة ومؤسسة، والأفضل لك أن تضرب مثلا في الإيثار الحزبي وتبتعد عن تعيين رفاقك في الحزب أو من يتفق معك في الرأي في المناصب الحكومية. كذلك عليك أن لا تتبع ما أصبح تقليدا الآن وهو تعيين الأقارب والأصدقاء و"المعجبين" في مواقع حساسة قريبة منك لأن ذلك سيبعدك عن العراقيين ويشوه صورتك التي نحرص أن تبقى ناصعة. من الضروري جدا أن لا تحيط نفسك بالمعجبين بشخصك، ومن معرفتي بك وبحزب الدعوة فإن هناك الكثيرين من المعجبين بحزمك وصراحتك ومواقفك الشجاعة. أنت تحتاج إلى الكفاءات وذوي الخبرة في المجالات المختلفة ومن مختلف المذاهب والمناطق والقوميات من الذين يرفضون أن يصنفوا مذهبيا، وهؤلاء كثيرون في العراق اليوم وبإمكانك أن تعتمد عليهم. أعتقد أن من الضروري جدا أن لا تعيد تعيين بعض الأشخاص الذين أحاطوا بالدكتور الجعفري خلال فترة ولايته وبرهنوا على عجز كبير في المهمات التي أنيطت بهم. فاسع إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وليس البحث عن المكان المناسب لشخص "مناسب". هناك مشكلة خلقتها الحكومات المتعاقبة وهي تعيين المستشارين والمديرين العامين وباقي الدرجات الوظيفية العليا بأعداد هائلة ودون أي معيار للكفاءة أو الخبرة أو حتى السجل الوظيفي والشهادة العلمية، رجائي منك أن تأمر بإعادة النظر بكل التعيينات التي تمت في السنوات الثلاث الماضية حتى يستمر في الخدمة من هو قادر على خدمة البلاد ويتنحى من ليس له القدرة. عليك أن تنصف المناضلين ضد الدكتاتورية الذين لعبوا دورا مهما في إسقاطها من خلال عملهم المعارض العلني والسري، فالكثيرون منهم لا يزالون بعيدين عن الخدمة وبعضهم لا يزال في الخارج ينتظر فرصته في العودة لخدمة بلده.
من المهم جدا أن تهتم بالإعلام لأنه لن تكون هناك قيمة لأي إنجاز لحكومتك مهما كان عظيما إن لم يعرف به الآخرون خصوصا المعنيين وهم أبناء الشعب العراقي. لكن هناك فرقا قد لا يراه البعض بين الإعلام والتطبيل أو الدعاية. فالأول نافع وضروري لكن الثاني مضر ولا حاجة لك به في عصر الفضائيات والإنترنت. تحتاج إلى خبراء في الإعلام يساعدونك في قراءة المشهد الإعلامي والسياسي العراقي والدولي وما يجب عليك أن تفعله لتحسين أدائك الفعلي والإعلامي. كذلك تحتاج إلى خبراء في السياسة الغربية الأوروبية منها والاميركية كي يساعدوك على قراءة السياسات الغربية تجاه العراق وما الذي على العراق أن يفعله كي يوثق علاقاته مع أوروبا وأميركا ويبني شراكة دائمة معهما من أجل أن يتخلص كليا من القوقعة التي وضعه صدام بها، وهذه من أهم واجبات السياسة الخارجية العراقية في المرحلة المقبلة. نحن نحتاج لأن نوثق علاقتنا مع الولايات المتحدة وأوروبا كي ننهض بالعراق ونطوره وعلينا أن نستفيد من الوجود الأميركي والدولي في بلادنا لا أن نتحدث عن مساوئه فقط. يجب أن نعلم أن الكثير من دول العالم الثالث تتمنى لو أنها حظيت بالاهتمام الدولي الذي يحظى به العراق. هناك دول إسلامية كبيرة "وسطت" إسرائيل كي تصل إلى أميركا. نحمد الله أننا لا نحتاج إلى ذلك فأميركا هنا وعلينا أن نعرف كيف نستفيد منها لبناء هذا البلد المحطم. علينا أن لا نستغرق في المثاليات بل نتعامل مع الواقع ونحاول أن نوظفه لمصلحة بلدنا. أمام حكومتك مهام جسام تمتد من تحقيق الأمن والقضاء على البطالة إلى توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والخدمات البلدية، لذلك عليك أن تبدأ فورا بالتعامل مع هذه المشاكل ومعالجتها. الفساد لن يسمح لك بالتقدم خطوة واحدة، لذلك عليك أن تضرب بيد من حديد على المفسدين وأن تحيل إلى المحاكم من سرق أموال الشعب خصوصا ممن اؤتمنوا على المال العام وأساءوا استخدام مناصبهم. من المهم جدا أن تتواصل وتتشاور وتوثق أواصر الصداقة والتفاهم مع شركائك السياسيين في الحكومة والمعارضة كي يكونوا معك في كل خطوة تخطوها، ليس بالضرورة أن يوافقوك ولكن أن يعلموا بسياساتك. وزارة الداخلية وأجهزة الأمن ستبقى محل اختلاف بين الأحزاب والمذاهب وعليك أن تراقبها باستمرار كي تضمن أنها تعمل على تعزيز الوحدة الوطنية لا تفتيتها. ولا تنس أنك رئيس للوزراء لكل العراقيين من الذين أيدوك أو عارضوك.
أنا أعلم أنني أكثرت عليك بالنصائح التي قد تشعر أنك لست بحاجة إليها، وقد يكون ما أقوله حاضرا في ذهنك، لكنني مضطر لذلك بدافع الضمير والواجب الوطني، ولأنني أتوقع أنني لن ألقاك مادمت رئيسا للوزراء تماما كما حصل مع سلفيْك الصالحيْن، لأنني لن أسعى إلى ذلك (مع الاعتذار الشديد لك فمثلك يستحق أن يشد له الرحال)، وثانيا لأن منصبك يتطلب، على ما يبدو، أن يضرب شاغله جدارا حديديا على نفسه يمنعه من الالتقاء بالكثيرين خصوصا من أصحاب الرأي المخالف. أعتقد أن عليك أن تخرج عن هذا التقليد وتلتقي بالمثقفين والكتاب والمفكرين باستمرار كي تطلع على آرائهم. أعدك أنني سأراقب أداءك عن كثب أينما كنت وسأقول رأيي بالصراحة المعهودة ولن أخشى في الحق لومة لائم وسأعمل بحديث رسول الله (ص) "صديقك من صدقك لا من صدّقك.
ختاما أبا إسراء: العراق بحاجة ملحة إلى بطل شجاع مقدام يداوي جراحه ويرتقي فوق الانقسامات الدينية والقومية والمناطقية، فلِمَ لا تكون أنت ذلك البطل الذي يمزق جدران الطائفية والتعصب والتمييز العنصري والطائفي وينادي بالعراق القوي المستقل الديمقراطي ويبدأ العمل الفعلي لتوحيد صفوف العراقيين؟ أنت تمتلك مقومات البطولة فأقدم ولا تتردد فهذا هو وقت التضحية وستجد الآلاف من العراقيين يتبعونك من كل المذاهب والأديان والأعراق. إنها فرصتك وفرصتنا التاريخية فلا تضيعها. وفقك الله لما فيه الخير وسدد خطاك.
-
الرجل يطرح نفسه لمنصب مستشارآ لرئيس الوزراء
ذكر في كلامه أن السيد الجعفري لم يقابل المثقفين والأدباء وهذا إفتراء على السيد بل كان يلتقي بالجميع وبشكل مستمر لو تابع قناة بلادي لعرف لقاءات الجعفري
يوم أمس كان له لقاء بالطلبة وألقى لهم محاضرة في الفكر والتطور