مقتل الزرقاوي: الحروب الأهلية العربية?
مقتل الزرقاوي: الحروب الأهلية العربية?
حسام عيتاني
قُتِل ابو مصعب الزرقاوي. وبدأت التقديرات بشأن المرحلة المقبلة في العراق. الرئيس جورج بوش بشّر الأميركيين والعراقيين بحلول فرصة <تغيير مجرى الحرب>، فيما كان محللون أكثر تشاؤماً يرون أن الزرقاوي أسس قبل مقتله شبكة قادرة على متابعة الحرب التي كان يشنها على المدنيين العراقيين والجنود الأميركيين سواء بسواء.
قد لا يبدو انفجار السيارة المفخخة في الكاظمية بعد ظهر امس، رداً ذا دلالات حاسمة على احتفاظ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بالقدرة على العمل كالسابق، لكنه يوحي أن الأمور لن تكون بالسهولة التي يتمناها المتفائلون <بتغيير مجرى الحرب على الإرهاب>.
مهما يكن من امر مستقبل هذا التنظيم الإرهابي او ذاك، يمكننا ان نزعم ان ما يجري في العراق مرشح ليس فقط للامتداد فترة طويلة في الزمن ولكن أيضاً للتمدد في المكان والانتقال الى بقاع عربية اخرى.
إن ما يدور في العراق ليس أقل من حرب أهلية عربية.
لقد سمح انهيار الدولة المركزية العراقية في اعقاب الغزو الأميركي بظهور منطقة تستطيع كل التناقضات العربية ان تتفجر فيها. وفي سيرة الزرقاوي ما ينبغي ان يلفت اهتمام اوساط اوسع بكثير من اجهزة الأمن وبعض <خبراء> مكافحة الإرهاب. ننحي جانباً رحلات الرجل في بلاد المسلمين ونتناول القوى التي حاربها والأهداف التي سعى الى تحقيقها. فهو اولا في حالة صراع دائم مع السلطات الأردنية وتفجير الفنادق في تشرين الثاني الماضي في العاصمة عمان وسلسلة احكام الإعدام التي اصدرتها المحاكم الأردنية بحقه مؤشرات على الصراع هذا. ومن ثم خاض الصراع ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان (على الرغم من مبالغة واضحة في دوره في تلك المرحلة حيث يعتقد ان مشاركته كانت هامشية جداً وأنه لم يخض معارك جدية هناك). ثم ساهم في مقاومة الاحتلال الاميركي وفي إشعال الحرب الأهلية في العراق، بتفجيره للكنائس والحسينيات واعتدائه على العراقيين من كل المذاهب.
وإذا أراد المرء تكثيف هذه السيرة لقال إن الزرقاوي، الآتي الى عالم النشاط الإرهابي كفرع من فروع العمل السياسي، من هوامش الحواضر العربية ومن هوامش مجتمعاتها، يمثل نموذجاً مثالياً من نماذج استحالة الاندماج في أي سياق اجتماعي أو سياسي من تلك السياقات المتاحة في العالم العربي اليوم. لا يحمل هذا الكلام إلا على الإشارة الى أن ما تعرضه السلطات العربية على شبانها خصوصا اولئك الأقل حظاً في العلم وفي المكانة الاجتماعية، هو خيار الانسحاق في مراتبها الدنيا او التمرد الدموي العبثي الإرهابي عليها. لقد كانت محاولات الزرقاوي لتدبير عمليات نجح بعضها وفشل البعض الآخر، داخل وطنه الأردن محاولات تدمير مجتمع ودولة لم يمنحاه اي موقع يحقق فيه طموحاً من طموحاته.
وحال الزرقاوي ليست استثناءً. ف<الأممية الإرهابية> القائمة الآن في العراق والتي تضم في صفوفها مئات من الشبان العرب من دول الخليج والمشرق والمغرب العربين، والذين لا يتورعون عن تفجير المدارس وتجمعات الاطفال كما مواكب الآليات الاميركية ورمي كل من يختلف معهم في الراي بتهمة الكفر، هي تعبير آخر عن الطريق المسدود الذي وصلت اليه عملية التطور الديموقراطي في الدول العربية، التي سبقت <الجهاديين> الى نشر افكار التكفير من خلال تخوينها كل من يعترض على اي تفصيل من تفاصيل سياساتها الداخلية او الخارجية ووصمه بالخيانة والتعامل مع العدو الخ... التكفير والتخوين، ينبعان اذا من ذات المصدر للجمود العربي الآسن. فمن أراد ان يبحث عن مصادر الفكر التكفيري، ليس عليه التبحر في كتب ابن تيمية او ابن قيم الجوزية، بل الالتفات الى مشاهد الفوات والاهتراء في تجلياته كافة.
وفي نظرة الى أعداء الزرقاوي، نجد الحكومات العربية <المعتدلة> والامبراطوريات العالمية والأديان والمذاهب المختلفة، حتى ليمكن القول ان الرجل لم يكن يطيق ادنى درجة من درجات الاختلاف، سيان أكان اختلافاً سياسياً او مذهبياً.
والبيئة المقفلة الى حدود الاختناق التي انجبت الزرقاوي، ما زالت قادرة على إنجاب غيره ومن صنفه. وعند توسيع زاوية النظر، يمكن القول وبقدر من الثقة إن سد أبواب التغيير الديموقراطي في مصر وسوريا والعديد من دول الخليج والفوضى السياسية في لبنان وانتشار الفقر والبطالة في دول المغرب، من العوامل المشجعة لحالات <زرقاوية> مقبلة، هي في محصلة الحساب بذور حروب أهلية عربية جديدة يدفع ثمنها اولاً وأخيراً من يفترض أن يكونوا حاملي مشاريع التقدم في العالم العربي.