من تراث الخالدين : رسـالــتــنـا والدعـــاة ..الشهيد محمد باقر الصدر
إن للرسالة الاسلامية خصائص ومميزات في كل الحقول والميادين تبرهن على انها أكفأ الرسالات وأجدرها بالدعوة والنجاح والخلود . ومن تلك الميادين التي تبرز فيها خصائص الرسالة الاسلامية قوية رائعة , الميدان العملي ميدان الدعوة وحمل لواء الرسالة , فان الدعوة الى الرسالة الاسلامية تمتاز على اكثر الدعوات الى مختلف الرسالات الاخرى بانها تستمد من الرسالة نفسها وطبيعتها الخاصة عناصر قوتها وشروط نجاحها , ومقوماتها الروحية في مجال الجهاد والكفاح .
فالرسالة الاسلامية تمون الدعوة بهذه العناصر والشروط والمقومات بما لا يمكن لرسالة أخرى ان تقوم بذلك , ولهذا تضطر كثير من الدعوات ان تستجدي بعض تلك المقومات الروحية من جهات اخرى غير رسالاتها التي تتبناها وتحمل رايتها . وأهم تلك المقومات الروحية التي تحتاجها كل دعوة ذات رسالة مهما كان لونها هي :
أولا : العقائدية التي تسبغ على الرسالة في نظر الدعوة طابعا تقديسيا يقينيا فبمقدار ما يرسخ هذا الطابع التقديسي اليقيني في نفوس الدعاة , تزداد اندفاعاتهم وتتضاعف طاقاتهم ولذلك يجهد قادة كل دعوة ان يضغطوا على الرسالة التي يحملونها لونا من التقديس العميق , ويغذوا في نفوس الدعاة اليقين المطلق وغير المحدود بصحة الرسالة وتفوقها على كل نقاش وجدال , ليتولد من هذا الايمان اليقيني طاقة حرارية دافعة في مجال العمل والتبشير .
ومن الواضح ان طبيعة الرسالة الاسلامية تكَّون لها هذا الطابع في نفوس الداعة , لأنها ليست نتيجة لاجتهاد معين يكون عرضة للخطأ , أو حصيلة تجارب محدودة قد لا تصور الواقع تصويرا كاملاً , وإنما هي الرسالة الخاتمة التي اصطفاها الله سبحانه للانسانية وبعث بها خاتم رسله صلى الله عليه وآله , فهي مع كونها مذهبا للحياة والمجتمع تتمتع بالطابع الديني الذي يحيطها بالتقديس واليقين المطلق , وهذا هو الفارق بينها وبين سائر مذاهب الحياة التي لا تصل في عقيدة أصحابها الى درجة الدين ولا تحظى بما يحظى به الدين لدى المتدينين من يقينية مطلقة , وفي ضوء هذا الفرق يتبين السر في ما نطالعه من صلابة عقائدية في حملة رسالة الدين المخلصين وميوعة او انخفاض عقائدي في حملة الرسالات الفكرية الاخرى بالرغم من نبوغهم وعبقريتهم , فليس عجيبا أن نرى ماركس وهو منشيء مذهب ودعوة من اشهر مذاهب التاريخ ودعواته ويقول ( انني لست ماركسيا ) بينما يقول داعية مسلم كعلي عليه السلام ( لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقينا ) فإن عقيدة علي عليه السلام كانت دينا ومن طبيعة الدين ان يشع في نفوس رجاله المخلصين بهذا اليقين , ويكتسب هذه العقائدية المطلقة وأما الماركسية فلم تكن على أبعد تقدير الا اجتهادا علميا خاصا , ولذلك لم تستطع ان تجعل من ماركس نفسه ماركسيا , ولم تستطع بعد ذلك ان تكتسب العفة القطعية والقدسية العقائدية الا بعد أن لعب الماركسيون دورا كبيرا في رفع الماركسية الى مستوى ديني في عقائديته وقدسيته . وهكذا نعرف ان الامتياز الديني للرسالة الاسلامية يجعلها قادرة على خلق جو عقائدي كامل في اجواء الدعوة .
ثانيا :
يتبع