وقفات مع الشيخ الشكرجي في قصته مع الدعوة - 3
وقفات مع الشيخ الشكرجي في قصته مع الدعوة - 3
أرض السواد : طاهر الخزاعي
بسم الله الرحمن الرحيم
وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ (الأنفال – 7 )
في البدء أشكر الشيخ على اهتمامه ومسارعته للتنويه ولفت نظري كي نقرأ في كتاب واحد , وأن المسألة لم تعد مسألة تصحيح وإصلاح بل هو اختلاف في مسألة جوهرية , فلم يعد الشيخ من الاسلاميين – كما يفهم الاسلاميون - . كان هذا ملخص تنويه الشيخ الفاضل الشكرجي في وقفته مع وقفتي الأولى من قصته . ثم عرج على مفردة "النفرة" التي انتابتني يوما ما من كتاباته . والجواب باختصار هو أننا لا نقرأ في كتابين مختلفين بل نقرأ في صفحة واحدة من ذات الكتاب . وفي الاسطر الأولى من وقفتي الأولى نوهت الى ذلك بما يلي : ((كما لابد من التأكيد كذلك على أنني لستُ بصدد الرد أو الدفاع عن حزب الدعوة الاسلامية , فهو حزب أكبر من أن أتقمص الدفاع عنه. لكن قضية الرد هي الفكرة بذاتها والمفهوم الذي فهمته بوضوح من قصة الشيخ الشكرجي , كما سأبينه تباعا مقتبسا من بين ثنايا قصة الشيخ المحترم )) ثم أردفت قولي بأني كنت أروم الرد منذ أكثر من ثلاث سنين مضت . وهذا يعني أنني لست بصدد مناقشة التصحيح والاصلاح ومشاريع الشيخ الداخلية , ولكني اضطررت للرد بهذه الطريقة مجاراة لطريقة الشيخ . نعم أصل الرد سيكون على فكرة الشيخ التي لم أحدد تسميتها حتى الآن , وهي تحول الشيخ من الاسلام الى الديمقراطية أو علمنة الاسلام أو الهجرة الى العلمانية أو ما شئت فعبر ! . لكن المشكلة أن الشيخ الفاضل حفظه الله استخدم قصته مع الدعوة – كما يرويها – جسرا للعبور الى ضفة الدياسلامقراطية , فما كان مني الا مناقشة أهم ما جاء في قصته لأعبر على نفس الجسر الذي عبر منه الشيخ وستكون محطاتنا الأخيرة مع الضفة التي رست عليها سفينة شيخنا الفاضل . وهناك سنناقش التحول من الاسلام الى العلمانية أو الى الديمقراطية أو أمر بين أمرين . لكن المهم أن الشيخ ساق مقدماته في قصته ليصل الى تلك النتيجة , ومن هنا لابد من الوقوف مع هذه المقدمات , لتبيان مواطن الخطأ والصواب فيها .
أما عن "النفرة" التي يبدو أنها أزعجت الشيخ , فكما قلت وقتها أني لا أعرف سببها تحديدا , ولكن على نحو الاحتمال وبعد هذه السنوات , ربما سببها كوني شممت رائحة علمانية بين سطور كاتب اسلامي. مع العلم أني لا أنفر من العلمانية ولا من أي فكر بما فيه الالحاد , فالناس أحرار في أفكارهم ومعتقداتهم , لكن يصعب عليَّ استساغة الفكر المزدوج ! فالانفتاح والاعتدال والوسطية والتنوير شيء , وشيء محبب الى نفسي , وازدواجية الفكر شيء آخر ينفر منه طبعي – الشخصي لا النوعي – ولا أفرض ذلك على غيري . وحتى أغلق باب التنويهات إذ قد يُقال : من قال لك أن الشيخ تحول الى العلمانية أو يطرح مشروع علمنة الاسلام ... أقول هذا ما سأفرد له نقاشاً خاصاً بعد حلقة أو حلقتين , وكلي أمل أن أكون على خطأ , وبنفس القوة من الأمل أن أكون على صواب ليتبين الخيط الأبيض من الاسود من الطروحات التي تسودها الضبابية وتحاول عاجرة التعشيق بين هذا الفكر والفكر الآخر بالشكل الذي يؤدي الى تشويه الفكرتين وتشويه ذهن المتلقي , فيختلط حابل الافكار بنابلها , وبالتالي يكون الوليد لذلك التعشيق هجينا هشاً لا يمتلك أي مناعة فكرية .
مرة أخرى أؤكد أن ورود كلمات حادة في وقفاتي لا تتوجه بأي حال من الاحوال الى شخص الشيخ المحترم , بل الى الأفكار والآراء , فأنا أكن للشيخ وافر الاحترام . وعلى سبيل المثال ما أوردته في الحلقة الأولى حول رأي البعض المخالف لرأي الشيخ وقد يرى البعض طروحات الشيخ تمثل انحرافا عن خط الدعوة , وقد أسهب الشيخ في تنويهه حول هذه المفردة (الانحراف) وللتوضيح أقول : يُفترض ألا تُترجم الكلمات في غير محلها , فالانحراف المذكور – كرأي مناهض – لم أطلقه هكذا دون تقييد , فكان القيد واضحا (عن خط الدعوة) , وكل حركة سياسية تغييرية أو اصلاحية لها أهداف ومباديء وثوابت تعمل وتناضل من أجلها , وكل مؤسسة من هذه المؤسسات لها خط تسير عليه يتكون من الاهداف والثوابت والمباديء وبشكل خاص فيما يتعلق بالأمور الستراتيجية الذي تشكل خطاً لهذا الحزب أو تلك الحركة . على خلاف المتغيرات التي تقع في خانة التكتيك . ومن هنا فالسير على خلاف تلك الثوابت والمباديء يكون انحرافا عن الخط , وهذا الانحراف ليس انحرافا عقيديا حتى يُساء فهمه , لان حزب الدعوة لا يمثل الاسلام كعقيدة بل هو طريق من الطرق الكثيرة من أجل الدعوة الى الاسلام . وللتوضيح بشكل صارخ أقول : قد يأتي يوم ينحرف فيه حزب الدعوة كاملاً عن الخط الذي رُسم له . وهكذا كل حزب وحركة اذا ما تنازل عن متبنياته وثوابته يكون في واقع الحال قد انحرف وتخلى عن ثوابته . وما أعتقده أننا لسنا في جدل بيزنطي أو في حلبة حوار اتجاهات معاكسة من أجل الانتصار على الخصم بقدر ماهو تسليط أضواء على أفكار ورؤى أعتقد حتى اللحظة خطلها بعيداً عن التراشقات والاتهامات للاشخاص مع التأكيد على الحق الكامل في رشق الفكرة واتهام الرؤية .
أما هذه الحلقة فسأفردها لمناقشة بعض ما جاء في ورقة كتلة التأهيل السياسي لمرحلة الدخول وملامح هذه الورقة الاساسية التي أوردها الشيخ الفاضل .
وأول الكلام في العنوان (التأهيل السياسي) ! أسجل هذا القصور في خطاب عنوان الورقة , وكأن الدعوة غير مؤهلة سياسياً وتفتقر الى هذا التأهيل , في الوقت الذي يشهد الكثير من خارج الدعوة بأهلية حزب الدعوة السياسية على نحو (نسبي) يفوق أغلب , إن لم نقل كل , القوى السياسية العراقية .
ومما جاء في الملامح الاساسية للورقة :
أولاً : الحضور السياسي كأصل ثابت في أداء الدعوة .
ولا أدري ماهو المقصود من الحضور المراد هنا ؟ ثم ماهو معنى الأصالة ؟ فهل الحضور لابد منه سواء كان في صالح العراق أم في طالحه , بمعنى وجوب الحضور حتى لو كان لتمرير مشاريع تحيق بالعراق وأهله ؟! وطبعا هذا غير مراد من قصد الشيخ . والتعميم يوهم القاريء بأن الدعوة لا تعطي الحضور السياسي اهتماما كافياً في اولوياتها . مع أن القاصي والداني يشهد بحضور حزب الدعوة السياسي , بل وريادة الدعوة في العمل السياسي في المعارضة العراقية وقت كانت معارضة . واذا كان المراد من "أصالة" الحضور السياسي في عمل الدعوة يعني أن يكون لحزب الدعوة موقفا سياسياً في كل معطيات الساحة السياسية العراقية , فهذا لا غبار عليه وهو ما دأب عليه حزب الدعوة . لكن منطوق ومفهوم الفقرة يؤدي الى معنى الحضور السياسي المادي في المحافل السياسية كمؤتمرات وفعاليات سياسية من قبيل العملية السياسية في العراق , بقرينة وقت ورقة التأهيل (قبل الدخول) . ومن الخطأ أن يكون الدخول في العملية السياسية واجباً وأصلاً ثابتا لأي حركة سياسية اسلامية وغير اسلامية . بل الحضور السياسي على هذا المعنى يجب أن يكون متغيرا لا ثابتا يختلف باختلاف الظروف المحيطة بهذه الفعاليات السياسية . فالحضور واجب عندما يكون لصالح الأمة والمقاطعة واجبة كذلك لنفس السبب . نعم يصح أن يكون الموقف السياسي الواضح من كل مفردة من مفردات الواقع العراقي كأصل ثابت في أداء الدعوة . ثم الحضور السياسي الفاعل يفرضه واقع الحزب ومدى تأثيره على الساحة السياسية والاجتماعية في العراق , بمعنى أن العملية السياسية هي التي تحضر برمتها الى الأحزاب ذات التأثير الكبير على الساحة ويهرول لهذه العملية السياسية من لا تأثير له . والواقع الجماهيري لكل حركة هو المعيار في النجاح والفشل . فالحركة التي لا تملك بُعدا جماهيريا , وإن وضعت الحضور السياسي أصلا ثابتا من ثوابتها , لا يؤهلها الى التأثير على المسار السياسي للبلد . ولعل الأدلة واقعية ملموسة في هذا المضمار من خلال مسيرة العملية السياسية لثلاث سنوات مضت . فنجد بعض الحركات في قلب العمل السياسي ولأكثر من عقد من سقوط النظام بل وكان لها أثراً كبيرا في التغيير في العراق من حيث الدفع السياسي المعروف نحو التغيير , ولكن الفشل كان حليفها وسرعان ما لفظتها الجماهير . من هنا , الحضور مع الجماهير وبين الجماهير هو الذي يجب أن يكون أصلاً ثابتا لكل حزب يريد تحقيق أهدافه خدمة لهذه الجماهير .
قد يكون من الحضور المقصود بناءً على خلفية قرار الحزب بعدم حضور مؤتمر لندن , وهذه حادثة أثبتت صحة قرار الحزب وقتها , ولا يحتاج الأمر الى اثبات أكثر مما ثبت .
ثانياً : تأكيد عراقية كل من قرار وقيادة وخطاب الدعوة .
وهذه من أسوأ الملامح التي وردت في ورقة التأهيل السياسي , لأن فيها طعنا واضحا في عراقية حزب الدعوة على كل المستويات ( القرار – القيادة – الخطاب ) . ومرة أخرى دون قصد من اليخ الفاضل في هذا الطعن على طريقة (ما وقع لم يُقصد) . ولنناقش بوضوح وشفافية :
1 – القرار :
عُرف في حزب الدعوة منع أي عضو قيادي فيه بالحضور لأي اجتماع أو تداول مع أطراف دولة أخرى مالم يكون بقرار مدروس من الدعوة والأصل أن يحضر أكثر من عضو معاً , وذلك دريئة لما قد يحصل من ارتباطات فردية خارجة عن علم الدعوة . وأساس القيادة الجماعية في حزب الدعوة تعتبر مضاداً من مضادات التأثير على استقلالية قرار الدعوة . والقرارات الهامة في حزب الدعوة لا يُصار اليها مثل ما يحدث مع بعض الحركات الأخرى من ارتجالية القرار لفردية قياداتها الرمزية , ففي الدعوة يتم اتخاذ القرار بعد تنضيجه وتداوله مع كوادر واعضاء التنظيم عبر اللجان المختلفة , وبالتالي يكون القرار منطلقا من القاعدة الحزبية في الأعم الأغلب من القرارات . أما محاولة الترويج لوجود شوائب على قرارات الدعوة فينصرف أولاً وبالذات للتأثير الايراني على قرارات الدعوة . وفي هذا المجال أسأل : كيف غاب عن الشيخ الفاضل كل ذلك التاريخ المسموع والمكتوب والمشهود عن علاقة حزب الدعوة بايران وكيف حوربت الدعوة وحوصرت في ايران لسببين الأول : هو اصرار الدعوة على استقلالية قرارها وعدم الانصياع لاملاءات أي طرف غير عراقي سواء في ذلك ايران أم أمريكا . والثاني : هو عدم تبني حزب الدعوة نظرية ولاية الفقيه كنظام أوحدي للحكم . فالدعوة قررت حضور مؤتمر صلاح الدين بنفسها كما قررت الانسحاب منه بعد سنة , وهكذا قررت مقاطعة مؤتمر لندن , وفي كلا القرارين ساقت أسبابها ومبرراتها . بالوقت الذي شاركت في هذين المؤتمرين وتبنت التوصيات والمقررات التي صدرت فيهما كل الأطراف الاسلامية التي ترتبط مع ايران بعلاقات وثيقة على مستوى القرار . وأغلب الأطراف غير الاسلامية المرتبطة بهذه الدولة أو تلك . فكيف يتم الطعن بعراقية قرار الدعوة ؟ وعلى أي أسس يتم الاستناد في مثل هذه المفردة ؟ .
أرى من الغبن والحيف الكبير أن توصم الدعوة بعدم عراقية أو استقلالية قرارها , بالوقت الذي نعرف جميعا أن استقلالية وعراقية قراراتها هي امتياز خاص بها دون غيرها من الكثير من الحركات الأخرى . ولا مجال للمزايدات بل الوقائع المعاشة تدل على ذلك . ولعل من المفارقات هنا أن يصف النظام الصدامي البعثي حزب الدعوة بالعمالة الى ايران , وفي ايران يصف الايرانيون حزب الدعوة بعدم الولاء للدولة الايرانية ويصنفونه ضمن الاحزاب التي لا تؤمن بولاية الفقيه . الأمر الذي أدى الى اضطرار حزب الدعوة ولأجل تسهيل عملية دخول اعضائه الى داخل العراق أيام الجهاد ضد النظام الصدامي , اضطره الى أخذ تأييد من هذا الفصيل الموالي أو اصدار هوية من تلك الجهة المعروفة بميولها لايران . كل هذا ولم يتنازل حزب الدعوة عن أهم ثابت من ثوابته وهو استقلالية القرار الدعوتي وعراقيته .
2 – القيادة :
من حيث المبدأ وعودة الى التأسيس وكون حزب الدعوة حركة اسلامية عالمية لا يأتي إشكال الشيخ الفاضل . فالدعوة تأسست في العراق وانطلقت نحو أقاليم شتى فكان في قيادة وكوادر الدعوة الايراني واللبناني والافغاني والخليجي . ولكن نتيجة تغير الظروف المحيطة بكل بلد بشكل عام والعراق بشكل خاص يأتي الكلام عن التأكيد على عراقية قيادة الدعوة . ومن دون شك لا يقصد الشيخ من طلبه هذا وجود قيادات لبنان او افغانستان أو باكستان في قيادة الدعوة , إنما البوصلة تتجه بوضوح تام صوب ايران (أحد أركان محور الشر) ! .
لا أريد فتح باب النظرة العنصرية من خلال هذا الطلب باعتبار أن الدعوة حركة اسلامية , والاسلام رسالة عالمية غير متأطر بالقطرية والقومية , فهذا الكلام مثالي في الواقع الراهن . ولكن السؤال المهم من أجل الاجابة على طلب الشيخ , هل يوجد في قيادة الدعوة من هو ايراني ؟ ثم من هو الايراني ؟ أعني ماهو المعيار في كون س ايراني وص عراقي ؟ .
هل هو الأصل , بمعنى أن جد س من أصل ايراني وقادم من روابي يزد أو اصفهان ؟ أم أن الايراني هو حامل الجنسية الايرانية لأي سبب كان ؟ أم الايراني هو الذي هجره صدام بدعوى التبعية الى ايران ؟ أم الايراني هو المواطن الايراني أصلا وجنسية وولاءً ؟
أرى من المهم جدا أن نحدد العرش قبل النقش (كما يصر أصحاب الحوزة الكلاسيكية على هذه المصطلحات) . فالعرش اذاّ : مفهوم الايرانية , ثم نأتي للبحث عن المصاديق .
واضح أن هذه الاثارة يُراد منها كون الايراني من له اصول ايرانية , فالطلب هو خلو قيادة حزب الدعوة من أي شخص له جذور واصول غير عراقية .
وللجواب على هذا الطلب نقول أن المرجع في هذه القضية – تحديد العراقي من غيره – هو الدستور وما نص عليه وما ينص عليه قانون الجنسية العراقية . فأي شخص لا يعطيه القانون العراقي الجديد بموجب الدستور – والشيخ أحد اعضاء لجنة كتابته – حق الجنسية العراقية , يتأتى عليه اشكال الشيخ ولابد من الوقوف مع الشيخ في طلبه هذا . أقول هذا كي يكون علاج المسألة علاجا قانونيا حضارياً بعيدا عن الاهواء . وعلى حد ما أعرف لا يوجد بين قياديي حزب الدعوة من لم يكن عراقيا بالولادة , بل وتعرض الى الاضطهاد على ايدي جلاوزة النظام البائد . أما الحديث عن الأصول فما أكثر العراقيين الذين تعود اصولهم الى غير العراق , ولعل أهم استشهاد اسوقه في هذا المقام ما خطه يراع الشيخ الفاضل الشكرجي في قصته وتحديدا في السيرة الاسرية لما دون نسبه فوصل الى طريق مسدود واستظهر بنفسه احتمال جذورهم الايرانية ؟؟ّّ!! .
فأقول اذا كان استظهار الشيخ صحيحاً فهل يصح مطلبه , بمعنى هل يصح أن نصف الشيخ الشكرجي أنه غير عراقي وبالتالي لا يحق له أن يكون ضمن قيادة الدعوة ؟! .
أتفهم جيدا هذا المطلب شريطة أن نحدد معيار الايرانية من العراقية وأعتقد أن على الشيخ أن يلزم نفسه قبل أن يلزمه غيره بما جاء في الدستور العراقي الجديد في هذه النقطة .
الا ما لا أتفهمه هو تطرق الشيخ الى تأكيد عراقية القيادة , دون ذكر القاعدة واعضاء الحزب ! ولا أجد أي وجه لهذا الفصل بين القيادة والكادر دونها . لان هذا المطلب يجب أن يسري على كل اعضاء الحزب من القاعدة الى القيادة اللهم الا اذا علم الشيخ بخلو القاعدة منهم وانحصارهم في القيادة , فهو أمر آخر . وأخيراً لابد من التنويه على أن الوطنية والحس الوطني هي التي يجب أن تكون المعيار بمعنى أصالة العراقي من حيث النسب لا تعطي صكا في الوطنية , وأصول العراقي غير العراقية لا تسلبه هذا الحس الوطني .
3 – الخطاب :
ما قيل حول قرار الدعوة وعراقيته ينسحب هنا على خطابها . بل الصورة أكثر وضوحا في الخطاب منه في القرار . وكل متتبع للشأن السياسي العراقي من داخل البيت وخارجه يسجل للدعوة خطابها الوطني العراقي وخطابها الاسلامي غير الطائفي. بما في ذلك الفترة الحالية التي يمر فيها العراق في ذروة الاحتقان الطائفي , فما وجدنا خطاب الدعوة طائفياً او انفصالياً الى درجة يعده البعض من داخل البيت الشيعي مثلبة على الدعوة باعتبار خطابها يؤكد دائما وأبدا على الوحدة الوطنية العراقية.
وكنموذج من هذا الخطاب : (إنّ حزب الدعوة الإسلامية يميز جيداً بين التعدد المذهبي والنعرة الطائفية، ويحترم الحالة المذهبية ويعدّها حالة اجتهاد، لكنّ النعرة الطائفية تعدّ نزعة مقيتة تستهدف إشاعة التعصب والفتن وزرع بذور الفرقة بين أبناء الدين الواحد، ويدرك الحزب بوعي أن كثيراً من الأنظمة حاولت اللعب على حبل الطائفية لإحداث الفرقة، وبالأخص نظام صدام المقبور في العراق، ويؤكد الحزب على ما يلي:
1- إنّ المسؤولية الشرعية تلزم الجميع ضرورة التلاحم بين المذاهب الإسلامية لبناء العراق الجديد.
2- إنّ الخسائر الفادحة التي لحقت بمدرسة أهل البيت في العراق من قبل النظام السابق ليست متأتية من تمسكه بمدرسة الخلفاء، وليست لارتباطه بالإسلام، ولا ترتبط بالأمرين من قريب أو بعيد، ولهذا فإننا لا نحملّ إخواننا السنّة هذه الجرائم، وفي الحالات الخاصة فإنّ الذي يتحمل تبعتها مَنْ قام بها لا غير.
3- إنّ أتباع مدرسة أهل البيت يدركون بعمق ضرورة تعميق الوحدة الإسلامية بين أبناء الأمة، لأنّ في وحدتهم قوة لهذه الأمة، تمكنها من تحقيق أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش بسلام. ) وللمزيد يمكن مراجعة البرنامج السياسي لحزب الدعوة http://daawa.org/politcalprogram/index.htm
ومرة أخرى , المعيار في عراقية خطاب سياسي ما , هو ما يحمله هذا الخطاب من هموم المواطن العراق وتطلعاته نحو الحرية والاستقرار والاستقلال بما يحفظ البلد وأهل البلد وثرواته من أطماع الطامعين من أي ملة كانوا , من العرب والايرانيين والامريكان . فالخطاب الذي يدعو الى وحدة العراق أرضا وشعباً هو خطاب وطني عراقي . والخطاب الذي يدعو الى رفض ما يفضي الى تقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية هو من صميم الخطاب الوطني العراقي . والخطاب الذي يدعو الى استقلال وسيادة العراق وجدولة انسحاب قوات الاحتلال هو الخطاب الوطني العراقي . والخطاب الذي يرفض العنف الطائفي والعنف العرقي ويرفض الارهاب بكل أنواعه , ويرفض قتل الابرياء من أي مصدر كان لهو الخطاب العراقي الوطني بعينه.
ثالثا : الانفكاك كليا عن تأثير التدخل الايراني في عمل وقرار الدعوة :
لا استطيع الاضافة أكثر مما ورد في نقاش التأكيد على عراقية قرار وقيادة وخطاب الدعوة أعلاه , لأن هذه الفقرة تكرار مقصود لما ورد بتلك. وهي توحي للمتلقي بسيطرة ايرانية على حزب الدعوة عملا وقرارا وقيادة وخطاباً , وهو مما لا يوصف الا بالتجني الكبير الذي طال الدعوة , رغم عدم القصد . هذا الايحاء , بل التصريح تدل عليه كلمة (الانفكاك) والتي تعني بوجود ارتباط وتدخل ايراني في عمل وقرار الدعوة. وهنا لا أملك الا مطالبة الشيخ الفاضل بالدليل , والدليل القاطع . لأني ساكون ذراعه اليمنى الضاربة لمثل هذا الارتباط والتأثير – إن وجد - . أما توضيح الشيخ حول هذه النقطة فهو مخالف لما جاء في عنوان المطلب . فهو يثبت أن تدخلات الايرانيين أضرت بالدعوة وأدت الى انشقاقات حصلت فيها ولم تكن يوما في منفعتها , وهو صحيح . الا أن ذلك آت من تدخلات الايرانيين في شؤون المعارضة العراقية التي كانت تقيم في ايران. وليس ارتباطا عضويا – كما يشير مفهوم الانفكاك - . ففرق بين أن تقيم في دولة تخوض حرب مع نظام صدام وأنت تعارض نظامه أيضا , والواقع يفرض نوعاً من الاتصال الذي لا مفر منه , وبين أن ترتبط بايران كسياسة لتكون أداتها في العراق. ومن هنا تكون دعوة الشيخ الفاضل لهذا الانفكاك بمثابة (السالبة بانتفاء الموضوع) فلا يوجد موضوع لهذا الارتباط خاصة اذا علمنا أن هذه الملامح الاساسية تم اعدادها بما يناسب فترة الدخول الى العراق.
وأخيرا , لا يصح توجيه مثل الطعون لحزب الدعوة المعروف عند الايرانيين وغيرهم بعدم رضوخه لكل الضغوطات الايرانية التي امتدت لاكثر من عقدين من الزمن , ودفع ضريبة كبيرة مقابل ذلك. ويمكن استيعاب مثل هذه الاتهامات لو كنا في النصف الاول من عقد الثمانينات , كما يمكن استيعابها لو صدرت من آخرين ممن يقفون في خنادق أخرى غير الشيخ الفاضل الشكرجي. أما أن يأتي بها الشيخ وعلى هذا النحو , فلا تفسير لها الا أحد أثنين : الأول ايجابي , وهو ما أميل اليه , أي أن معلومات الشيخ بهذا الصدد مبنية على المسموعات وعلى الحدس وليس الحس باعتباره يقيم في أوربا وليس في تماس مباشر مع العمل وتفاصيله في ايران. وهذا التصور موجود على نحو ما في أوساط التنظيم في أوربا لنفس السبب وأسباب أخرى. أما التفسير الثاني , هو أن قرار الهجرة الى الضفة الأخرى قد اتخذ من قبل الشيخ منذ فترة طويلة سيما وان تحولاته في هذا الاتجاه تعود لأكثر من عقد – كما عبر هو – وبالتالي تكون هذه الاثارات على غرار المبررات القوية التي يبحث عنها أحدنا اذا ما أراد التحول والانفصال الى الطرف الآخر.
يتبع
Kza_tahir@yahoo.com
وقفات مع الشيخ الشكرجي في قصته مع الدعوة – 1
وقفات مع الشيخ الشكرجي في قصته مع الدعوة - 2