رئيس حكومة إقليم كوردستان : العرب فهموا قضيتنا خطأ.. لكنهم عمقنا الاستراتيجي
بالرغم من ان اسم «نيجيرفان» في اللغة الكردية يعني في العربية الصياد، فان نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة أقليم كردستان العراق يكره صيد الحيوانات البرية، ذلك ان «تعاليم اجدادنا البارزانيين تحرّم صيد الحيوانات البرية وقطع الاشجار»، حسب قوله. لكنه صياد ماهر وذكي لاية فرصة تتاح لبناء الاقليم ولاستقرار شعبه وانتعاشه اقتصاديا وحياتيا. وبفضل افكار هذا الزعيم الشاب تحولت كردستان بصورة عامة والعاصمة اربيل، او هولير، كما يحب الكرد تسميتها، الى مزار للمستثمرين العرب والاجانب.
وقت عمل رئيس وزراء اقليم كردستان الذي يمتد الى اكثر من 16 ساعة يوميا مقسم ما بين العمل في ادارة الاقليم والحكومة واستقبال وفود واجتماعات عمل، خاصة مع المستثمرين لبحث مشاريعهم وتذليل الصعاب امامهم. اما نظرات هذا الرئيس الشاب فتتطلع باستمرار الى البعيد، فهو يرى المستقبل بوضوح وكأنه الحاضر. يتعامل مع الصعاب باعتبارها تحديات تحفزه على الابداع والعطاء، وهو عندما يتحدث عن كردستان فانه يتحدث عن كل العراق قائلا: «معاناة الشعب العراقي هي معاناتنا. نحن نفرح لفرحهم ونحزن لاحزانهم. نحن جزء من هذا البلد وما يحتاجونه سنقدمه وسنعمل من اجله ونحن حاضرون لتقديم أية خدمة للعراق».
نيجيرفان بارزاني محبوب من قبل الجميع هنا، فالشباب يعتبرونه أخا قريبا منهم ومن افكارهم، والشيوخ ينظرون اليه باعتباره ابنا بارا يحقق طموحاتهم لبناء مستقبل كردستان، الذي ناضلوا من اجله. وهو متواضع يؤدي التحية للاخرين وينحني لهم احتراما. رأسه مزدحم بالافكار والمشاريع التي تصب في خير اقليم كردستان والعراق ايضا.
بالرغم من مشاغله استقبل رئيس حكومة اقليم كردستان في أربيل «الشرق الأوسط» التي ينظر اليها باحترام كبير حيث يتابعها يوميا، ودار في مكتبه حديث أتسم بكثير من الصراحة والشفافية عن كردستان المستقبل والاستثمارات والتسهيلات للمستثمرين العرب مؤكدا «نحن ننظر الى الاشقاء العرب كعمقنا الاستراتيجي» ومعلنا لنا ولاول مرة ان نتائج اختبارات اول حقل نفطي في كردستان (حقل زاخز) اظهرت انه انتاجي. > هل حكومتكم تعمل بشكل مستقل أم أن لها علاقة بالحكومة الفيدرالية (المركزية)؟
ـ اقليم كردستان جزء من العراق، وحكومتنا حسب الدستور تابعة للدولة العراقية، ولنا استقلالية في بعض الامور والخطط الخاصة بالاقليم.
> ما هي ابرز مفردات برنامجكم الحكومي؟
ـ بداية اقول انه كانت لدينا حكومتان منفصلتان، ومن ثم تم توحيدهما في حكومة واحدة قدمت الى البرلمان خطتها. ومن اولوياتنا تنظيم عملية توحيد الحكومتين، ومن اولويات برنامجنا الحفاظ على الاستقرار الأمني وتقديم الخدمات ثم الاهتمام بالتربية والتعليم، وطبعا المسألة المهمة لدى الناس، التي نعمل على حلها هي الكهرباء.
> ماهو دوركم في الجهود لاستقرار الاوضاع الامنية في العراق؟
ـ نحن مستعدون للمساهمة في استقرار الاوضاع الأمنية وتدخلنا سيكون بمستوى لا يخلق المشاكل لنا. كثيرون تحدثوا عن ضرورة ان يكون وزير الداخلية في الحكومة الفيدرالية كرديا، لكننا رفضنا ذلك لاننا لا نريد خلق الحساسيات ضدنا. في العراق لم تكن هناك على الاطلاق طوال التاريخ مشكلة بين الاكراد والعرب. الصراع لم يكن كرديا ـ عربيا وانما كان ضد حكومات وانظمة كانت تعتدي علينا وتقتل شعبنا وتسلب حقوقنا، ومع ذلك لم يقدم الاكراد على تنفيذ عملية عسكرية في بغداد او في اية مدينة في العراق في زمن صدام او غيره، لاننا لا نريد ان يتأذى اي مواطن عراقي عربي، وقيادة الثورة الكردية لم تسمح بهذا على الاطلاق.
> كيف وقفتم بوجه الارهابيين في اقليم كردستان؟
ـ هم يحاولون بقوة خلق المشاكل ونقل الارهاب الى هنا، لكن لا مكان لهم داخل شعبنا وفي اقليمنا، ونحن نجحنا في هذا المجال بفضل وعي الاجهزة الأمنية والمواطنين بضرورة الوقوف ضد الارهابيين، فهناك تعاون كبير بين المواطن والاجهزة الأمنية للتبليغ عن أي شيء يشكون فيه ونقل المعلومات، والى حد كبير نحن مطمئنون في هذا الجانب حيث جندت الاجهزة الأمنية وما تزال نفسها لمحاربة الارهابيين.
> كيف نجحتم في الفصل بين السياسة والدين؟
ـ مشكلتنا ككرد لم تكن دينية بل قومية. غالبية الشعب الكردي من المسلمين ولكننا كنا نعاني جميعا من مشكلة الحروب ضدنا ككرد. الدين مسألة تهم ذات الانسان، عندما يتدخل الدين في السياسة فسوف يؤثر ذلك سلبا على الدين. ليس من تعاليم الاسلام ان تقتل الابرياء وان تبرر ذلك باسم الدين وتقول هذا من اجل الاسلام. هذا غير موجود في الاسلام ولا في اي دين آخر، كان ايماننا هو فصل الدين عن السياسة، والمجتمع الكردي اسلامي ويؤمن بذلك.
> وماذا عن موضوع الاستثمار في كردستان؟
ـ بلا شك نحن نشجع الاستثمارات العربية والاجنبية، وقريبا سيكون لدينا قانون للاستثمار ننتظر التصديق عليه من قبل برلمان كردستان. وهو يسهل على الاجنبي الاستثمار في كردستان. هناك الوضع العام للعراق الذي قلل من فرص الاستثمار لان هناك من لا يفرق بين الوضع الداخلي للعراق والاوضاع المستقرة في كردستان. رسالتنا هنا هي اننا ندعو العرب والغربيين للمجيء الى كردستان فهي البوابة الاولى نحو العراق.
> ما الذي يشجع المستثمر العربي او الغربي على الاستثمار في كردستان؟
ـ نعتقد ان وجود قانون خاص بالاستثمار يتصف بالشفافية وتوفر المناخ الأمني هما عاملان مهمان لتشجيع اي مستثمر للمجيء الى كردستان. القانون المنتظر يضمن حقوق المستثمر ويحفظ أمواله، والوضع الأمني المستقر يجعل المستثمر يطمئن على حياته وامواله.
> هل هناك محفزات أكثر للمستثمرين من الخليج العربي كونهم الأقرب الى كردستان العراق؟
ـ عندما نتحدث عن فرص الاستثمار في كردستان نفضل ان يستثمر هنا جيراننا واولهم من منطقة الخليج، حيث لديهم الامكانيات الاقتصادية، كما انهم يعرفون ثقافتنا وتجمعنا معهم عادات وتقاليد واحدة ولنا تراث مشترك من العلاقات الطيبة معهم. قانون الاستثمار الذي سيصدر قريبا يسمح للمستثمر بالتملك في كردستان 100%، كما يتضمن الكثير من التسهيلات التي تشجع على الاستثمار في كردستان وفي مناطق اخرى من العراق.
> ما هي طبيعة هذه التسهيلات؟
ـ تخصيص الاراضي التي يحتاجونها لاقامة المشاريع عليها، حيث يستطيعون ادخال واخراج اموالهم في اي وقت يشاؤون بلا اي تعقيد، وليست هناك اية قيود عليهم، ثم اننا سننشئ هيئة الاستثمار التي يستطيع المستثمر بواسطتها ان ينهي كافة الاجراءات من غير الحاجة الى مراجعة اية دائرة حكومية اخرى، بل ان هذه الهيئة هي التي تنجز له كل شيء.
> هل قلتم ان من حق المستثمر العربي والاجنبي التملك مدى الحياة في كردستان؟
ـ نعم بالضبط من حق اي مستثمر ان يتملك في كردستان.
> تريدون اقامة مدينة اعلامية في اربيل، هل لنا ان نتعرف على بعض التفاصيل بهذا الصدد؟
ـ هذه المدينة هي حتى الان في طور الفكرة، وسنخصص لها الارض اللازمة ونحضر لدراسة الجدوى لهذا المشروع الكبير، والفكرة قائمة ونعمل عليها لتكون حقيقة قريبا، ونحن جادون في هذا المشروع.
> هناك حديث عن ان كردستان غنية بثرواتها الطبيعية وخاصة في النفط، هل بدأتم بالاستثمار في هذا الجانب والبحث عن النفط؟
ـ كردستان كبقية اجزاء العراق غنية بالموارد الطبيعية، ومنها المعادن بصورة عامة، والنفط بصورة خاصة، ومع الاسف ان الحكومات والانظمة السابقة استخدمت الثروات العراقية ضد الشعب العراقي وليس لصالحه، ونحن الان نغبط بعض الدول لثرواتها وغنى شعبها، بينما كان بامكان العراق ان يكون اكثر غنى منها وان يعيش الشعب العراقي مرفها. العراق بلد غني من حيث موارده البشرية والطبيعية، بلد فيه جميع الثروات، ولكن بسبب السياسات الخاطئة للانظمة السابقة لم نجن الا الفقر، واصبح الشعب العراقي شعبا فقيرا. في كردستان حاولنا ان نستثمر في مجال المعادن وبدأنا في النفط. ودعني ابلغك خبرا مفرحا بالنسبة للفحص الانتاجي لحقل نفط زاخو، حيث بدأنا بالحفر في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، وكشف الفحص الانتاجي قبل يومين ان الحقل صالح انتاجيا وان النفط الموجود في الحقل ذو نوعية ممتازة، ويوم امس فقط تسلمنا هذا الخبر المفرح.
> الاعلام العربي والغربي عندما يتناول مطالبتكم بضم كركوك الى اقليم كردستان يشدد على الاشارة الى انها (المدينة الغنية بالنفط) ما يعطي الانطباع بان مطالبتكم بهذه المدينة هي بسبب نفطها، فهل هذه هي الحقيقة؟
ـ هذا بعيد جدا عن الواقع. كركوك بالنسبة لنا ككرد رمز لنضال شعبنا. لا يمكن ان نتخلى عن كركوك ونقول انها ارض غير كردستانية، اما بالنسبة للنفط فهو موجود في كل مكان، في زاخو واربيل والسليمانية، هذه ليست مشكلتنا، وفكرة تمسكنا بكركوك بسبب النفط هي فكرة خاطئة تماما. نحن نريد حلا لمسألة كركوك، بموجب الدستور الذي صوت له الشعب العراقي، والدستور رسم خريطة الطريق لهذا الحل الذي نريد تطبيقه واقعيا. كركوك تاريخيا وجغرافيا كردستانية يعيش فيها عرب وكرد وتركمان واشوريون وكلدان، كلهم يعيشون بتآخ على هذه الارض، وهي جغرافيا ضمن اقليم كردستان. هناك من يتهمنا باننا نريد ان نطرد العرب الموجودين في كردستان، والامر ليس كذلك على الاطلاق. هناك عرب جلبوا من اجل تعريب المدينة في عهد صدام وموضوعهم معروف ونحن نريد عودتهم الى مناطقهم الاصلية، لانهم اخذوا حقوق غيرهم بقوة النظام السابق، ونحن نعرف انهم غير مسؤولين عن ذلك، ولذلك سنمنحهم تعويضات مناسبة. وهناك عرب جاءوا بشكل طبيعي الى كركوك او الى كردستان وحتى هنا في محيط اربيل هناك سبع قرى عربية وهؤلاء لم يأتوا اجباريا وانما بموجب حركة طبيعية، اشتروا الاراضي واستقروا بها وهذه قراهم، وفي الانتخابات الاخيرة وقبلها صوتوا لقائمة التحالف الكردستاني وهم يريدون البقاء ضمن اقليم كردستان ونحن على يقين اننا لو استفتينا مناطق اخرى فيها عرب فسوف يصوتون للبقاء ضمن الاقليم.
> هل من كلمة توجهونها الى العرب، لا اعني عرب العراق بل العرب جميعا؟
ـ رسالتي هي للاسف ان العرب فهموا قضيتنا بشكل خاطئ. نحن، في التاريخ، شعب تعرض لظلم كبير، وما طالبنا به فقط هو حقوقنا، ليس لدينا اية عداوة مع اي شعب في العالم، ونحن كشعب لدينا كل المقومات مثل باقي الشعوب، لدينا لغتنا الخاصة بنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا وتراثنا. نريد ان نعيش بسلام مع جميع شعوب العالم، خاصة مع اشقائنا العرب الذين يشكلون لنا عمقنا الاستراتيجي.