موضوع للمناقشة:متى تسقط عمائم السوء كرامة لعمامة رسول الله (ص)؟
متى تسقط عمائم السوء كرامة لعمامة رسول الله (ص)؟
كتابات - عطاء منهل
أقولها كإنسان ملتزم دينيا، نشأ في أسرة متدينة، وذي خلفية سياسية إسلامية، ما زلت أتمسك بها، دون انتماء حزبي، وإن اختلفت في إسلاميتي عن إسلامية معظم الإسلاميين، أقولها من موقع حرصي على الإسلام وعلى قضايا الوطن، ليس من شيء مما حل بالعراق من كوارث أسوأ من هيمنة العمائم على الشأن السياسي وعلى مصير البلاد العباد، هذه التي تتوزع بين عمائم سوء ومتاجرة بالدين وبالوطن، وعمائم جهل مركب وغباء، وعمائم تعصب وتطرف وتخلف، ما بين عمائم سنية بيضاء، لكنها رغم بياضها فاقدة لجوهر البياض بما يمثل من طهر ونقاء، وعمائم شيعية تتوزع بين سواد يريد أن يحيل الدنيا كلها إلى مأتم وعزاء ليحيلها سوادا وعتمة، وبين البياض، لكن ليس بياض البراءة والسلام، بل بياض تفريغ الدين من كل ألوان الحياة وألوان الفكر، وتفريغ حياة الناس من كل ألوان الفرح، هذه العمائم التي أصبحت توجّه وتعبّئ وتعلـّم وتربّي وتحـّلل وتحدّد المواقف السياسية، وهي الفاقدة لما تدعي تقديمه للناس، فليس لديها من علم نافع تقدمه، ولا ثقافة مفيدة تنشرها، ولا وعي معمق تعطيه، كما ليس لديها من أخلاق تبثها، ولا إيمان حقيقي تشع به روحا وروحانية تتسامى في إنسانيتها من خلال ارتباطها بالمطلق تعالى الذي هو المعنى الأكمل لكل مفردات الكمال والجمال والسمو والألق.
الذي أوحى إلي بهذه المقالة المتضجرة من مظهر العمائم، والمتذمرة من هيمنتها، هو ما روى لي أحد الأصدقاء عن سائق التاكسي الذي قبل أن يقله اليوم بعد ساعة ونصف من الانتظار، رفض كل زملائه قبله خلالها أن يوصلوه إلى المكان الذي أراد، لطول الطريق، بسبب أزمة الوقود وأزمة الأمن، فقضى سائق التاكسي هذا الطريق مع صديقي هذا يكيل الشتائم لكل العمائم، حتى أكثرها حظوة واحتراما عند الناس. وأنت لا تستطيع أن تهدئ من روع الرجل، بعدما قضى النصف الثاني من نهار اليوم الفائت، والليلة بكاملها من أجل أن يعبئ سيارته بالبنزين، الذي رفعوا سعره، خلافا لوعود وزير النفط الجديد، الذي وعد بعدم رفع الأسعار، وبشر بأن فترات الانتظار لتعبئة البنزين تقلصت إلى ساعة ونصف فقط، ويبدو أنه استبدل كلمة (النهار) أو (الليلة) بلفظة (ساعة) سهوا أو عمدا، عن جهل أو عن علم، مخدوعا بتقارير كادره، أو خادعا الناس بذلك. هذا الرجل تجرأ في شتائمه حتى على المرجع الأعلى، لأنه هو الذي أعطى البركة والشرعية للأحزاب الدينية الحاكمة، والتي أكثرها - إلم نقل كلها - هي أشد عداءً للدين من أبعد الناس عن الإيمان والتدين ومن أشدهم خصومة للدين والمتدينين، ناهيك عن ضررها الفادح للوطن، ومصالح الوطن، ومستقبل الوطن، وابن هذا الوطن المسكين، وابنته المسكينة. ما الذي ورّط (سماحتك) لدعم هذه الأحزاب، يا صاحب الظل الظليل، ويا خلف أصحاب الأسرار المقدسة، فواحدكم عندما يكون على قيد الحياة لا يُذكر كما يُذكر عامة الناس، بل لا بد من أن تتقدم اسمه ديباجة غريبة اسمها «آية الله العظمى»، وحقا هو آية عظمى، ما زالت الذبابة آية من آيات وعجائب خلق الله، ولا بد أن يذيل اسمه – لأنه كتاب عظيم لا بد له من مقدمة ثم خاتمة – فمقدمته «المرجع الأعلى»، ثم «صاحب السماحة»، ثم «آية الله العظمى»، وخاتمته أو ذيله «دام ظله»، وإذا مات يذيل اسمه بطلسم غريب مبهم لا يفهم معناه إلا من عنده أم الكتاب وأبوه وجده وجدته، أو لنقل – باعتبار الأم تعني هنا الرأس – أم الكتاب وبطنه وصدره وظهره ويده ورجله وقـُبـُله ودُبُره، هذا الطلسم العجيب الغريب هو «قدس سره»، فأي أسرار يضمر هؤلاء، ومن أين استمدت أسرارهم وطلاسمهم وحزوراتهم هذه القداسة والقدسية واللاهوتية والملكوتية. نعم بدأ الرجل يتجرأ حتى المرجع الأعلى ويشتمه ويسبه، ولم يشأ صديقي أن يستفزه أكثر ويطلب منه الكف عن قذف المرجع بالشتائم والسباب، أفليس هذه العمة الوقرة، هذه العمة الكبيرة هي التي جاءت بالعمائم الصغيرة الضحلة الزائفة، هي التي جاءت بحثالات العمائم ومن لفها ومن لف لفها ولفيفها من أفندية ملتحين ومتنسكين وموشـَّحات بالسواد ومُحنـَّكات مُقفـَّزات مُپوَّشات، ليحكموا هذا البلد المسكين الضائع اليتيم المكتئب، ويتحكموا برقاب وأموال ومعايش أهله. أليس عمامة الزعطوط عمار الحكيم هي الوريثة لمقام عدي صدام حسين بسرقة ملياردات هذا الوطن المُفرهَد، وأليست عمامة أبيه عبد العزيز، هي العمامة التي أتقن لفها على مواصفات وتعلميات اللف واللفلفة للاطلاعات الإيرانية، وأليس عمامة جلال الصغير هي عمامة غسل الأدمغة للمساكين من مصلي مسجد براثا، وأليست عمامة صدر الدين ذي اللكنة والإلقاء على طريقة أساتذته وأسياده الإيرانيين في قم المقدسة؟ ناهيك عن عمائم هيأة علماء التطرف والإرهاب والطائفية السنية، التي ورثت خطابها وفهمها من إسلام الأمويين والعباسيين. وهنا لا بد لي من أعتذر من بعض العمائم النظيفة والواعية والمسؤولة، ولكنها من الندرة مما يصعب أن تشخصها كصعوبة سماع عطسة في (سوگ الصفافير).
أسيتحقق يوما ما حلم أن نصحو في الصباح فلا ترى أعيننا لا عمة بيضاء ولا أخرى سوداء؟ أسيبعث الله لنا من رحمته أتاتورك عراقيا يخلصنا من هذا الضيم وهذه الكوارث؟ أم علينا أن ننتظر المهدي المنتظر (ع) ليحكم العراق وسائر الأرض بالقسط والعدل والديمقراطية، حيث يرضى عنه أهل الأرض وأهل السماء كما في الحديث الشريف، ولا يحكم رغما عن إرادة الشعوب مستبدا حاشى له، ويُطيح عندها بكل العمائم التي ادعت تمثيله وتمثيل جده المصطفى (ص)، وهما منها شيعية وسنية براء. أم سنرى قبلها في ظل دولة القانون والعدل والديمقراطية في العراق محاكمة العمائم وأتباع العمائم والمتاجرين بالعمائم أمام قضاء عادل، فيقاضى عزيز وعمار عن سرقتهما لثروة الوطن، ويقاضيان هما وغيرهما لعمالتهما للاطلاعات الإيرانية، ويقاضى من ساعد قائمة الائتلاف على الفوز خداعا بالمباركة والفتوى أو تزويرا، ويقاضى مقتدى على جريمة قتل عبد المجيد الخوئي وكل جرائم القتل المسؤول عنها والتي يمارسها أتباعه المسمَّون كذبا وبهتانا وافتراءً وعدوانا بجيش المهدي، ويقاضى معهم من غير شك كل البعثيين الصداميين والإرهابيين والتكفيريين وكل المتعاونين معهم من إسلاميي السنة من الحزب الإسلامي العراق وهيأة علماء المسلمين. كل هذا نقوله دون التعميم، فالتعميم مجانبة للموضوعية والإنصاف، ففي الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية، وفي المعممين وسائر الإسلاميين، أبرياء، بل طيبون ومخلصون ومعتدلون وعقلاء، ولكن حتى هؤلاء يتحمل الكثير منهم مسؤولية صمتهم عن تجاوزات وخروقات وسرقات واختلاسات وجرائم إخوانهم الذين في صفوفهم أو في صفوف حلفائهم.
نعم معظم العمائم ومعظم الإسلاميين أضروا بالإسلام قبل أن يضروا بشيء آخر، كما سببوا أضرارا كبيرة للوطن، للإنسان، للحلم الجميل، فهدى الله منهم الجهلة والمقصرين من غير استحكام السوء فيهم، وفضح منهم المسيئين بوعي وعلم وتخطيط وسبق إصرار، وكل من شاركهم أو أعانهم، إلا من تاب وأصلح واعترف وأناب واعتذر إلى الشعب واستقال، ونسأل الله أن تتسع وتتكامل مخاضات الوعي الجديد عند الجماهير المخدوعة من الشعب العراقي، لتستفيق من سكرة الخديعة وسبات غسيل الدماغ وحمى حماس الشعارات، ليعود الوطن معافى، والشعب مخلـَّصا من الوضع الكارثي، والدين نظيفا من لوثات المستخدمين له مَطيّة إلى مآربهم.
03/07/2006
ataamanhal@yahoo.com