ماذا قال عباس محمود العقاد فى الإمام علي عليه السلام ؟
وقفات مع النفس تبجيلا لعظيم من عظماء الأمه ، كلام يعجز عن الوصف ، انقل لكم ما ورد بكتاب عبقرية الإمام علي عليه السلام للأستاذ عباس محمود العقاد على حلقات ، فأهديها لهذا المنتدى القيم ولكل الإخوان المطلعين...
المشهور عن الإمام علي عليه السلام أنه أول هاشمي من أبوين هاشمين. فاجتمعت له خلاصة الصفات التي اشتهرت بها هذه الأسرة الكريمة وتقاربت سماتها وملامحها فى كثير من اعلامها المقدمين ، وهى فى جملتها النبل والأيد (1) والشجاعة والمروءة والذكاء ، عدا الماثور فى سماتها (2) الجسدية التى تلاقت أو تقاربت فى عدة من أولئك الأعلام.
فهو ابن ابى طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف.
وقيل ان اسمه الذى اختارته له امه : حيدرة بإسم ابيها أسد ، والحيدرة هو الاسد ....ز ثم غيره أبوه فسماه علياً وبه عرف واشتهر بعد ذلك ....
وكان علي أصغر أبناء أبويه ، واكبر منه جعفر وعقيل وطالب ، وبين كل منهم واخيه عشر سنين.
قيل إن عقيلاً كان أحب هؤلاء الاخوة إلى أبيه ، فلما أصاب القحط قريشاً واهاب (3) رسول الله عصلى الله عليه وآله وسلم بعميه حمزة والعباس ان يحملوا ثقل أبى طالب فى تلك الأزمة جاؤوه وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم ، فقال : دعوا لى عقيلا وخذوا من شئتم. فأخذ العباس طالبا ، وأخذ حمزة حعفرا واخذ النبى عليه السلام علياً كما هو مشهور . فعوضه إيثار النبي بالحب عن إيثار ابيه ، ولكنه عرف هذا الإيثار فى طفولته الاولى فكان سابقة باقية الاثر فى نفسه على ما يبدوا من اطوار حياته النالية ، وجاءت لهذه السابقة لواحقها الكثيرة على توقع واستعداد فتعود ان لا يفوته الحق والتفضيل وهو يدرج فى صباه.
وربما صح فى أوصاف علي فى طفولته أنه كان طفلاً مبكر النماء سابقا لإنداده فى الفهم والقدرة ،
لانه أدرك فى السادسة او السابعة من عمره شيئا من الدعوة النبوية التى يدق فهمها والتنبه لها على ما كان فى مثل هذه السن المبكرة.
فكانت له مزايا البكير فى النماء كما كانت له أعباؤه ومتاعبه التى تلازم اكثرالمبكرين ، ولا سيما المولودين منهم فى شيخوخة الآباء .......
ونشا علي عليه السلام رجلاً مكين (4) البنيان فى الشباب والكهولة ، حافظاً لتكوينه المكين حتى ناهز الستين.
وقال واصفوه وهو فى تمام الرجولة إنه كان عليه السلام ربعة أميل إلى القصر ، آدم –أى أسمر – شديد الأدمة ، أصلع مبيض الرأس واللحية طويلها، ثقيل العينين فى دعج وسعة ، حسن الوجه واضح البشاشة ، أغيد (5) كانما عنقة إبريق فضه ، عريض المنكبين لهما مشاش كمشاش (6) السبع الضارى لا يتبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجاً . وكا أبجر – أى كبير البطن _ يميل إلى السمنه فى غير إفراط ، ضخم عضلة الساق دقيق مستتقدها ، ضخم عضلة الذراع دقيق مستقدها ، شئن (6( الكفين ، يتكفأفى مشيته على نحو يقارب مشية النبي ، ويقدم فى الحرب فيقدم مهرولاً لا يلوي على شئ.
وتدل أخباره – كما تدل صفاته – على قوة جسدية بالغة فى المكانة والصلابة على العوارض والآفات. فربما رفع الفارس بيده فجلد به الارض غير جاهد ولا حافل ، ويمسك بذراع الرجل فكانه أمسك بنفسه فلا يستطيع أن يتنفس ، واشتهر عنه أنه لم يصارع أحداً إلا صرعه ، ولم يبارز أحداً إلا قتله ، وقد يزحزح الحجر الضخم لا يزحزحه إلا رجال ، ويحمل الباب الكبير يعيى بقلبه الاشداء ، ويصيح الصيحة فتنخلع لها قلوب الشجعان.
ومن مكانة تركيبه عليه السلام انه لا يبالي الحر والبرد ، ولا يحفل الطوارئ الجوية فى صيف ولا شتاء ، فكان يلبس ثيلب الصيف فى الشتاء وثياب الشتاء فى الصيف ، وسئل فى ذلك فقال (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر فقلت : يا رسول الله إني أرمد العين . فقال : (( اللهم أذهب عنه الحر والبرد ، فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ ...)
ولا يفهم من هذا انه عليه السلام كان معدوم الحس بالحر والبرد بالغاً ما بلغت بهما القساوة والإيذاء ، فقد كان يرعد للبرد إذا اشتد ولم يتخذ له عدة من دثار(8) يقيه.
قال هرون بن عنترة عن أبيه : دخلت على علي بالخورنق وهو فصل شتاء وعليه خلق(9) قطيفه وهو يرعد فيه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد جعل لك ولأهلك فى هذا المال نصيبا وانت تفعل هذا بنفسك؟ فقال : والله ما أرزؤكم شيئأ (10) ، وما هى إلا قطيفتى التى أخرجتها من المدينة...
فليس هو إنعدام حس بالصيف والشتاء ، إنما هى مناعة قوية خصت بها بنيته ، لم يخض بها معظم الناس.
(1) جمع يد ومن معانى اليد : القوة والنعمة والإحسان.
(2) أى علاقاتها.
(3) أهاب بعمية: أى دعاهما.
(4) قوى.
(5) الإنسان المائل العنق.
(6) مشاش : جمع مشاشه ، وهى : رأس العظم الممكن المضغ ، وامش العظم : صار فيه ما يمش.
(7) شثنت كفه : خشنت وغلظت.
(8) كل ما كان من الثياب فوق الشعار.
(9) البالى.
(10) أى ما انقصكم ، أو ما اصيب من اموالكم.
يتبع / ........