تخوين الشيعة أم محاكم تفتيش جديدة
تخوين الشيعة أم محاكم تفتيش جديدة
صفاء الصالح
أسوأ ما يمكن ان تفرزه هذه الأزمة المستعرة في لبنان، والعراق، أن تتحول إلى «فتنة»، وأن تقسم العالم الى سماطين، وأن تحدث إنقساماً داخلياً في بنية المجتمعات المتأثرة بها.
والأكثر سوءً، أن يتم استغلالها، لتسويق مواقف، أو التحريض الداخلي، والأكثر بشاعة أن نفقد وسط هذا الهرج صوت العقل، بحيث يقلب لنا أصدقاء وحلفاء وأخوة ورفاق وطن ظهر المجن: عليكم أن تختاروا.. إما الوقوف على التل، لنيل السلامة، أو تدسوا رؤوسكم ورؤوس أطفالكم في التراب وتبلعوا غصصكم، أو سنحمل على رؤوسكم سيوف التخوين.
ما كتبه عبد الله بجاد، ومشاري الذايدي، وهما من الكتاب اللامعين، بشأن الموقف الشيعي السعودي من الحرب في لبنان، والتهديد المبطن بأن أحداً يراقب السلوك والموقف وسيجري تصنيف الشيعة المعترضين على تدمير لبنان، أو المتعاطفين مع حق الشعب في المقاومة، أو حتى المؤيدين لحزب الله، هؤلاء جميعاً يبشرهم مشاري وبجاد بأنهم سيحشرون في قفص الاتهام، بتهمة الخيانة العظمى والانحياز ضد موقف بلدانهم..
قال بجاد: «وكان الواجب على عقلائها - أي الطائفة الشيعية السعودية - ألا تغرهم اللحظة فيندفعوا لتأييد «حزب الله» دون مراعاة مواقف بلدانهم السياسية المعلنة، وهو ما قد يؤثر على الثقة بهم بعد انتهاء الأزمة، وقد يؤثر سلباً على حقوقهم». مثل هذا الكلام ردده ايضاً مشاري، وكانت له أصداء في كتابات آخرين..
الموقف الرسمي المعلن، هو حصن المواطنة الصالحة..!، حسناً أي المواقف؟ هل الموقف الأول الذي ندد بحزب الله دون أن يلتفت الى اسرائيل، أم الموقف الثاني الذي صّعد اللغة وبدا كأنه إعلان حرب..!؟..
ثم، أين نحن؟، الشعب، ابناء التراب، من كل المواقف الرسمية، العقلانية والمتهورة؟!، أين نحن من الموقف المشارك في الصمت العربي على ما يجري في فلسطين، وغيابنا في العراق، وتضييع سمعتنا في العالم، أين نحن من المواقف التي صنعت لنا طالبان، وفرخت لنا فروخ الصحوة، وضخت أموال بترولنا في أجهزة دينية تكرس التخلف وتميع دور العقل؟؟.
أين موقفنا نحن الشعب، من الانفاق المالي اللامسؤول، ومن ضياع الهوية الوطنية، ومن تشتيت قيمة العلم، ومن تراخي هيبة الدولة، ومن تفشي فحولة القبيلة على حساب الوطن.؟ أين نحن من كل اشكال الفساد الاداري والسياسي وتضييع الحقوق، وإسقاط قيمة الانسان وكرامته وحقه في التعبير..؟
وعن أي موقف رسمي يتحدثون؟؟ هل الموقف الذي ناصر صدام حسين، واعتبر انتقاده خيانة، ثم تبين لنا انه وحش كاسر، دمر ثلاث بلدان عربية وألتهم دون رحمة 100 مليار من ثروتنا..؟ أم هو الموقف الذي جعلنا نمضي في سياسة امريكا الى الأبد دون حتى ان نقول لها: أين حق الصحبة؟!.
متى كان الموقف الرسمي صالحاً لان يدافع عنه اصحابه؟؟ ومتى استشارنا هذا الموقف؟ متى أصبح الموقف الرسمي وطنياً؟ بمعنى ان يمثل مصالح غالبية ابناء الوطن؟.
حق التعبير.. الذي كفلته كل الشرائع السماوية والارضية، بل وحتى شريعة الصحراء، هو ما يستكثره ابناء جلدتنا علينا، فلا حق لنا أن نغرد خارج السرب، ولا حقّ لنا أن نقول رأياً لا ينسجم وقناعاتهم.. علينا، ربما لأننا «أقلية» أو لأننا «مجرد شيعة» أن نبلع السكين ولا نجهر بمعزوفة لا يحبونها..
فقهاؤهم المتسمرون في سجن التاريخ، كما مثقفيهم وليبرالييهم، لا يمكنهم ان يتعايشوا مع التنوع والاختلاف، مهما كان مظللاً بالخيمة الاسلامية والوطنية، مجرد كونك تفترق في شكل الملبس وطريقة الأكل واشكال العبادة فأنت «آخر» لا حق لك ولا صورة ولا شكل. لاحظوا أن اسم القطيف كان تهمة في الاعلام الرسمي حتى قبل سنوات، والحديث عن الشيعة لا يمكن أن يكون في الاعلام السعودي الا اذا اقترن بالشتيمة والاسقاط.!.
ذلك لأننا عجزنا عن تطبيق مفهوم دولة الأمة، التي تمثل جميع مكونات شعبها، ونجحنا في اقامة دولة القبيلة والطائفة والاقليم.
حق التعبير أيضاً، جعل كل الشعوب في العالم تخرج عن بكرة ابيها ضد مواقف بلدانها ورفضت الحرب على لبنان، حتى في تل ابيب وحيفا خرج الناس هناك، دون أن يبرز لهم من بين الجموع مشاري ذايدي او بجاد لكي يشهرا سيف التخوين والخروج عن الوطنية؟؟
عن أي وطن يتكلمون، وماهي اسهاماتهم في تكريس الهوية الوطنية ومنع استغلال مثل هذه الاحداث في ممارسة المزيد من التمييز..؟
ماذا فعل مثقفونا المتحمسين وهم يشاهدون اخوتهم في الدين والوطن يتحول لحمهم الى شواء لذيذ لدى مجانين الفتوى، وشيوخ الانترنت، ويعلمون أن أخوتهم في الوطن منذ وعوا على هذا الكيان لم يرفع عنهم غطاء التمييز في الوظيفة والعمل والدراسة بل وحتى في العبادة.. هل نسي اخوتنا أننا لا زلنا نعامل بعقلية محاكم التفتيش، حتى ان أقل مطوع لديه الصلاحية في تغيير اسمائنا وهوياتنا وملامحنا..
ويستطيع اصغر رتبة في الشرطة أن ينكل بأكبر أكابرنا دون حسيب أو رقيب..؟!.
من الذي أعطى عبد الله بجاد ومشاري الذايدي، الحق في توزيع أوسمة المواطنة، وشرف الإنتماء؟؟! من أعطاهما الضمان بأنهما في ملكوت المشهد الوطني، يمنحان هذا ويحرمان ذاك.. كيف يحق لأحد داخل النسيج الوطني، مناطقيا، أقليمياً، مذهبياً، أن يكون لديه حق الفيتو في تقييم الانتماء الوطني..؟، هذا الكلام بحد ذاته جريمة ينبغي ان يستغفر منها مرتكبوها..
لا احد هنا يحمل دماء زرقاء، ولا أحد هنا يحمل داخله بدعة الاصول النقية، كلنا إبناء هذا التراب، وينبغي أن نتساوى في حقوقه وواجباته.. أما التمايز عن الموقف الرسمي فهو واقع..!
نعم.. كل السعوديين يسمعون موقف بلدهم ولكنهم اذا لم يقتنعوا ساروا في المنحى الآخر..
هل توافق الحكومة على الارهاب في العراق..؟؟ لماذا هناك 2000 من ابناء بلدنا يفجرون أنفسهم في المدنيين العراقيين؟؟ هل يعني أن السنة في السعودية ضد الوطن؟؟!
هل توافق السعودية على كل الحروب العبثية في الشيشان وافغانستان وغزوة مانهاتن..؟؟ هل يمكن أن نضع القبائل والمذاهب التي يعود لها هؤلاء الشباب تحت المجهر فننزع عنهم لباس الوطنية؟؟.
خذ ايضاً الحال بالنسبة للاقتصاد والاستثمار.. والسياحة والسفر والاتصالات.. كل قرارات الحكومة ومواقفها لا احد يلتزم بها، كل مهرب، وكل مثقف يدخل كتاباً، وكل شاعر، وكل مستثمر ورجل اعمال، وجامع تبرعات، وخطيب مسجد، كلهم خرجوا عن الموقف الرسمي.. هل تم عزلهم وعزل الفئات التي ينتمون لها في قفص الخيانة؟؟.
والحال ان الموقف الشيعي من الحرب على لبنان وتدميره او تأييدهم لحزب الله، لا يختصون به دون غيرهم، الشارع العام في العالم العربي، وفي السعودية نفسها أصبح مؤيداً لحق المقاومة، لم إذن التمييز ضد الشيعة؟؟
لم نكن نقبل هذا الكلام حين يصدر من مفتش في المباحث، فما بالكم حين يصدر من مثقف له مكانته بيننا..
هل يتعين على المثقفين الشيعة، وعلى الجمهور الشيعي، أن يتحول الى ببغاء، يردد ما يقوله بيان لم يعرف كاتبه من قارئه من ماليه..؟!
كيف نتحدث عن مجتمع مدني، ونحن نضطهد بعضنا لمجرد أنه أبى ان يكون ببغاء لبيان الحكومة..؟!
كيف يتكاذب علينا المثقفون وهم يطبلون بأفكار لا ترى النور في واقعهم؟؟
كل الشعوب في العالم لديها الحق في ان تعبر عن رأيها مستقلة او مجتمعة، وأن تنأى بنفسها عن موقف بلدانها، إلا نحن.. حتى لا يرمينا مثقفوا السلطة بالخيانة..
هل كانت مقالات بعض اخوتنا.. رسالة، يتعين علينا قراءتها والردّ عليها..؟!
أرجو أن لا تكون سوى فضفضة فارغة في الهواء الطلق!