النصر المؤزر.. الحاج ميثم كاظم
النصر المؤزر
ميثم كاظم
"يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"
سأل سائل في إحدى الصحف اليومية ما هو مفهوم النصر عند سيد المقاومة الإسلامية السيد حسن نصر الله (حفظه الله تعالى). ولكي أجيب على هذا السؤال بالطبع ليس بالنيابة عن سماحة السيد حسن نصر الله يجب علينا أن نفهم أولاً معنى النصر وليس ذلك من منطق عسكري أو مادي ولكن من المنطق الإسلامي الأصيل ومن المفهوم القرآني للنصر فنحن ندين بدين الإسلام (ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وإذا أردنا أن نفهم معنى النصر يجب علينا أولاً أن نفهم التاريخ وسننه وقوانينه وأحكامه التي رسمها الله تعالى لنا في كتابه المجيد، فعلينا أن نقرأ تاريخ الأنبياء عليهم السلام وحركتهم في ساحة المواجهة لأقوامهم وهي ترسم لنا المعنى الحقيقي لـ (الصراع) و (التاريخ). وما يتطلبه هذا الصراع من الصبر والتضحية والعطاء في كل من الجبهتين وما يتخلل هذا الصراع من ألوان المحنة والعذاب والفتنة ومن تساقط وتخاذل وتبادل في المواقع في كل من الجبهتين وما يتخلله من تأييد الله تعالى ودعمه وتسديده للقلة المؤمنة في المعركة وما يتعقب هذا الصراع من نصر الله للقلة المؤمنة وسقوط جبهة الكفر والشرك والقرآن الكريم يحدثنا عن هذه القضايا وعن غيرها من شئون الصراع والمعركة الضارية بين التوحيد والشرك ويرى أن هذا هو التاريخ.
إن المراقب للصراع القائم الآن في لبنان بين الحق المتمثل بالثلة المؤمنة الصابرة وهو حزب الله والباطل المتمثل في أمريكا الشيطان الأكبر وربيبتها من الصهاينة المغتصبين لأرضنا ومن يدور في فلكهم يرى من وجهة المعادلات السياسية البعيدة عن العقيدة والإيمان بالله تعالى وقدرته وقوته وعظمته أن الورقة الرابحة في هذا الصراع هي لأمريكا والعدو الصهيوني لما يملكان من سلاح وعتاد وعدد وإن نتيجة هذه الحرب سقوط حزب الله المجاهد ورجاله الأبطال وهذه نتيجة طبيعية لمن يتبنى نظرية فصل العقيدة عن السياسة والتي نجح بها الاستعمار.
أقول لو كان الأساس في فهم السياسة أن (يد الله مغلولة) لكان هذا صحيح. وهذه مدرسة يهودية قديمة كانت ترى أن الله تعالى لما خلق الكون والإنسان تخلى عن الحكم والقبض والبسط والأمر في حياة الناس وأصبح الإنسان هو الذي يحكم ويقبض ويبسط ويأمر "وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" وهنا الأمر يختلف تماماً والمعادلات السياسية وموازين القوى تتطاير ويتضاءل دورها وقيمتها.
وحينما نستعرض آيات القرآن الكريم بهذا الصدد ونضعها في إطارها ونربط بينها نرى هذه الحقيقة بالتأكيد والآيات كثيرة بهذا الصدد.
ونقف هنا ونسأل كيف ينصر الله تعالى الفئة القليلة المؤمنة الفقيرة الضعيفة على الفئة الكثيرة الغنية القوية حسب موازين القوى والمعادلات السياسية والحسابات العسكرية والاقتصادية.
والجواب على هذا التساؤل من القرآن الكريم وهو واضح وبسيط وليس فيه تعقيد الموازنات السياسية المعاصرة التي تعلمناها وتعودناها رغماً عنا.
الجواب أن وعد الله عز وجل بالنصر حق وقاطع لا يتردد فيه الإنسان المؤمن مهما قست الظروف وامتدت المحن ولكن بشروط منها:
أولا: الإيمان بالله تعالى. وهو الأساس والقاعدة لأن الإيمان بالله تعالى يمنح الإنسان المؤمن الثقة والقوة والتوازن والطمأنينة وهي أهم القضايا في تحقيق النصر "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا".
ثانيا: العمل الصالح. ومن أهم صفاته التقوى وهي الالتزام بحدود الله تعالى وساحة الحياة هي صراع قائم بين التقوى والفجور وهي الدائرة الكبرى لجهاد المؤمن (واعلموا أن الله مع المتقين)، (فاصبروا إن العاقبة للمتقين).
ثالثا: الإخلاص. إن ما يتحمله المجاهد في سبيل الله تعالى من العنت والعذاب هو لله سبحانه وتعالى لا للعجب وللكبر ولا للسمعة والأهواء ولكن من أجله تعالى وفي سبيل مرضاته.وعند توفر هذا العنصر وهو الإخلاص يعبد الله سبحانه عبادة الصالحين بالمعية الإلهية والهداية (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
رابعا: الصبر (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) إن فترة البلاء قد تطول على المؤمنين وقد تقصر. وطول الفترة وقصرها يخضع لمستوى الإيمان والعمل ولقوانين إلهية أخرى لا نعرفها، وقد تقسو المحنة والفتنة. وعادة ما تعتبر هذه القسوة مخاضاً للنصر. تنتبه خلالها الأمة. وتستقطب فيها الطلائع المؤمنة المجاهدة عطف الأمة وثقتها. وهذا ما نشاهده اليوم من تعاطف الأمة والتفافها وثقتها بسيد المقاومة الإسلامية ورجاله الأبطال.
وخلال طول المحنة وقسوتها يصعد قوم ويهبط آخرون يطيب قوم ويخبث آخرون ويتميز الخبيث من الطيب "مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ".
وهنا نجيب بوضوح إن الغاية والنصر الحقيقي في حساب الله تعالى هي هذه المحن. إذا خرج منها المؤمنون العاملون منتصرين لم يتزلزلوا ولم تضطرب قلوبهم بل أيقنوا أن وعد الله عز وجل حق فهذا هو النصر الحقيقي، وأما النصر في ساحة المعركة فهو فرحة وهو حاصل بالتأكيد إن شاء الله تعالى وهو قريب ولا ينبغي أن نشك فيه ولا يخلف الله سبحانه وعده (نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين).
أما الفوز العظيم فهو المغفرة والجنة والطريق إلى هذا الفوز الإيمان والجهاد وتحمل متاعبه ومشاقه ببذل الأنفس والأموال. (ومن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز) إنها المحنة وإنها مخاض النصر وشتان ما بين حساباتنا وحسابات الله تعالى.