ماذا .. لو كانت لدينا مقاومة !! ..
إنتهت معارك الشرف في لبنان وربما علقت مؤقتا في إنتظار فرصة أخرى تسترد فيها آلة الحرب الاسرائيلية التي تلطخت بالوحل اللبناني قدرتها على الضرب الحقيقي وليس القتال مع الابنية والشاحنات والجسور وسيارات النقل وتجمعات المدنيين .. وتستطيع في الاثناء آلة التآمر الأمريكي ان تطوع الوضع اللبناني الداخلي بالضغط والإغراء .. ودفع حالات الانقسام الى مداها الأبعد .. وتمهيد الطريق امام ضربة داخلية سياسية للمقاومة بعد أن عجزت عن ضربها او النيل منها من الخارج بالرغم من التفاؤل الكبير الذي أبداه بوش ووزيرة خارجيته .. والذي بدأ يتراجع مع تقدم سلم الصمود الذي ابداه مقاتلو حزب الله .. بقدر ما كانت أجندة حكام اسرائيل تضيق هي الاخرى لتنتهي حقا الى لا شئ .. فكل الأهداف التي وضعها الصهاينة بلعوها بدون حتى مواربة او تمويه ..
ما يمكن ملاحظته في ظل سيادة أجواء الحرب وما رافقها من مآس وكوارث ومعاناة كبيرة كانت بالدرجة الاولى هي معاناة أهل الجنوب سواء كانوا في جنوبهم او البقاع او ضاحية بيروت الجنوبية .. ان الناس كانوا يبدون التفافا يفوق التصور والخيال حول المقاومة والسيد حسن نصر الله رغم ما يمكن ان تتركه من مشاعر إنسانية مشروعة معاناة هؤلاء الناس الذين اثبتوا حقا انهم من طينة خاصة .. وهذا الالتفاف اخرس السنا كثيرة خاصة ألسن المتآمرين العرب حكام السعودية ومصر والاردن ومفتيهم وأجهزة دعايتهم .. ومن المؤكد ان الخونة العرب الذين كانوا يزينون لأولمرت فعله الاجرامي في لبنان .. بدأوا يتوجسون خيفة من إنعكاسات الصمود اللبناني على أوضاعهم الداخلية .. لهذا هرعوا الى بيروت ليس حبا بلبنان .. ولكن من أجل إيجاد مخرج يحفظ ماء وجوههم ووجوه أسيادهم .. ومثلما اخرس الخونة العرب فإنه أسقط في ايدي المتآمرين اللبنانيين الذين كانوا يعدون الساعات لقطف ثمار الانجاز العسكري الاسرائيلي المرتقب .. وهذا الالتفاف الشعبي الذي يصل الى حد المعجزة بحيث لم تستطع كل وكالات الدعاية والإعلام ان تقتنص كلمة تذمر او تخاذل واحدة لم يأت من الهواء .. ولا جاء حبا بعمامة .. ولا ساقته قدرة خطابية فذة عند السيد حسن نصر الله .. وإنما عمل دؤوب ومثابر وأخلاص وتفان ونزاهة .. ومناقبية عالية تميزت بها كل الثورات التي توجت حركتها بالانتصار .. والعلاقة بين حزب الله ومحيطه .. هي علاقة تفاعل وتثاقف ان صح التعبير .. حزب الله يعلم الناس ويرفع درجة وعيهم .. والناس تعلمه وترقى بدرجة وعيه .. وما كان لحزب الله ان ينتصر لولا دعم غير محدود من الحاضنة الشعبية .. والا فمقاتلو حزب الله لا يتحركون تحت طاقية الاخفاء ولا بد ان الناس في الجنوب يعرفونهم ويشخصونهم .. ومع ذلك ففقر المعلومات الاستخبارية الصهيونية عنهم كانت من عوامل النصر والصمود .. وحزب الله يقاتل ويتحرك من خلال أنفاق ويحتفظ بمخزون كبير من الغذاء والذخيرة ووسائل السيطرة والاتصال والطبابة وغيرها وكلها تحت الارض .. هل بناها حزب الله في ساعة غفلة من الناس او أنه كان ينتظر في كل ليلة حتى ينام الناس ويباشر مشروعه بحفر الانفاق .. ليس الأمر كذلك خاصة مع أنفاق بمثل هذه القدرة .. إذا الالتفاف الشعبي جعل الناس يجدون في المقاومة مشروعهم وفي نجاحها نصر لهم .. ويسجل لحزب الله في هذا المجال انه لم يلطخ يديه بدم لبناني .. حتى دم الخونة والعملاء الذين سلمهم للسلطة اللبنانية في عام 2000 ليرى القضاء فيهم رأيه .. ولم يسجل على حزب الله انه تدخل في حياة الناس او فرض مفاهيمه عليهم لا بشكل جماعي ولا كأفراد .. حزب الله كان فوق المفردات التفصيلية السياسية والاجتماعية التي يعيشها اللبنانيون .. ولهذا نجح في ان يكون قائدا فذا في لبنان .. وحزب الله لم يكن حزب فساد ونهب كما هي غالبية الاحزاب في المنطقة العربية خاصة في العصر الامريكي ومع تضخم ميزانياتها بحكم سياسة الافساد الامريكية في المنطقة .. واللبنانيون يعرفون ان حزب الله كان في أيام السلم حزب بناء يهتم بتقديم العون للناس ويساهم في بناء حاجاتهم الخاصة كالمسكن والمأوى والعامة كالطرقات والمباني العامة من خلال مؤسسات رعاية الشهداء وجهاد البناء وغيرهما ..
في الهجمة الامريكية الصهيونية الاخيرة ظهر واضحا وجليا ان جبهة أقليمية تمتد من ايران الى لبنان .. وهذه الجبهة الضرورية للإسناد ليست حالة شاذة في التأريخ بل غالبا ما لا تستطيع حركات التحرر المحلية تحقيق الانتصارات الحاسمة دون دعم خارجي .. ومن كانوا يعيبون على حزب الله انه يحظى بدعم من إيران وسوريا .. يتناسون ان العدو الصهيوني يحظى بدعم مطلق من أمريكا .. فكيف يكون الدعم في جهة طبيعيا وفي الاخرى معيبا ومرفوضا ..
ومما لاشك فيه ان محاولات مستميتة ستجري لافراغ النصر العظيم الذي حققه حزب الله من مضامينه وتحويله الى هزيمة سياسية او على الأقل مرحلة عابرة في إنتظار معركة أخرى حاسمة .. وتوازن القوى في المنطقة بشكل عام ليست لصالح حزب الله .. فالصهاينة لا يقفون وحدهم وأنما معهم أمريكا والدول الكبرى والغرب بشكل عام ولو بدرجات متفاوتة .. ومعهم أنظمة عربية كشفت عن موقفها في العدوان الاخير .. وأيضا حلفاء من لبنان سيلعبون دورا أكبر في المرحلة القادمة ..
وأمريكا ومعها إسرائيل بدورها لن تكتفي بالرد على إنتصار حزب الله في لبنان .. وانما ايضا في المنطقة الهشة والرخوة .. العراق .. لأن أوضاع المنطقة متداخلة .. وتحركات القوات الامريكية في الأيام الاخيرة .. وتصريحات زلماي زاد حول قوات إيرانية وتدخل ايراني هو بعض من ملامح الرد القادم .. وأوضاع العراق من حيث فشل السياسات السارية .. وعجز قوات الاحتلال بل تواطؤها في إنعدام الأمن وتصاعد الارهاب وغياب الخدمات والشلل الاقتصادي .. هذه الاوضاع تؤهل العراق لأن يساهم بقسط كبير في هزيمة المشروع الامريكي - الصهيوني في المنطقة .. إنما نقطة الضعف الاساسية في العراق هي عصابات الارهاب البعثي الوهابي ودورها المشبوه .. وخدماتها سواء المجانية او المدفوعة الثمن لقوات الاحتلال .. مشكلتنا في العراق .. اننا بحاجة الى مقاومة .. ولو كانت لدينا مقاومة لتغير وجه التأريخ في المنطقة كلها وليس في العراق او لبنان ..