الإسلاميون العراقيون والدولة الديمقراطية القادمة - حزب الدعوة الإسلامية نموذجا ً*
كتابات - صلاح عبد الرزاق
شهدت الساحة الإسلامية العراقية تطورات سياسية وفكرية وفقهية ملحوظة خلال الربع قرن الماضي. ويعتبر التيار الإسلامي الشيعي أقوى هذه التيارات وأوسعها انتشاراً وأكثرها تنظيماً وتأثيراً في الساحة العراقية. يضم التيار الإسلامي العراقي ثلاثة مجموعات متفاوتة في الحجم والانتشار ، وهي 1-السنة العرب وهم تيار الأخوان المسلمين الذي يمثله الحزب الإسلامي العراقي 2-السنة الأكراد ويمثله الاتحاد الإسلامي الكردستاني 3- الشيعة العرب الذي يضم عدة أحزاب ومنظمات.
ولأن الشيعة يمثلون حوالي 65% من الشعب العراقي و يمثلون 80% من العرب، صار لحجمهم تأثير كبير في الساحة العراقية . يضاف إلى ذلك أن الحركات الإسلامية الشيعية تمثل الثقل الكبير بين الإسلاميين العراقيين عموماً.
ولعل أهم الحركات الإسلامية الشيعية هو حزب الدعوة الإسلامية الذي يمثله الدكتور إبراهيم الإشيقر (أبو أحمد الجعفري سابقاً) الناطق الرسمي باسم الحزب ، ثم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتزعمه السيد محمد باقر الحكيم ، ثم تأتي منظمة العمل الإسلامي التي يتزعمها السيد محمد تقي المدرسي. ويمتاز حزب الدعوة الإسلامية بأنه أقدمها تأسيساً (12/10/1957)، وأكثرها سعة وانتشاراً حيث بلغ عدد شهداء الحزب قرابة 25 ألف شهيد . كما أنه الحزب الوحيد الذي صدر قانون ضده من قبل نظام صدام يقضي بإعدام كل من ينتمي إليه أو يروج لأفكاره وبأثر رجعي. كما يضم حزب الدعوة مجموعة كبيرة من العلماء والمثقفين والأكاديميين وطلاب الجامعات والنخب المهنية ذات التأثير الاجتماعي في المجتمع العراقي. ولا يعرف عدد أعضاء الحزب حالياً إذ لا توجد تقديرات محايدة، كما أن الحزب يتحفظ على ذكر عدد من ينتمون إليه. ويمتاز الحزب بقواعد أخلاقية وفكرية صارمة لمن يريد الانتماء إليه، وعادة لا يقبل الحزب من يريد ذلك بل يقوم الدعاة بترشيح من يرونه مؤهلاً للإنتماء. ويعتمد الحزب التنظيم الهرمي ، وله حضور حركي في أكثر المدن العراقية وخاصة في بغداد والبصرة والنجف وكربلاء. ويقوم المؤتمر العام لحزب الدعوة بانتخاب قيادته كل سنتين عبر الاقتراع السري المباشر. ولذلك يرى بعض المراقبين الغربيين والإسلاميين بأنه سيكون لحزب الدعوة دوراً مؤثراً في الساحة السياسية العراقية مستقبلاً نظراً لما يتمتع به من نقد ومراجعة ومرونة وقابلية على التطور الفكري والسياسي، وانفتاح على الأفكار السياسية الحديثة ومبادئ الديموقراطية واحترام الحريات الأساسية وقبول الرأي الآخر.
وعدا حزب الدعوة الإسلامية لا تمتلك الحركات العراقية الشيعية الأخرى أي تصور محدد أو مشروع واضح للحكم والدولة القادمة. فهناك مجموعة من الشعارات والمطاليب والتصورات التي تتغير من حين إلى آخر وحسب التطورات السياسية والدولية والإقليمية. وأدبياتها تخلو من تناول قضايا الحكم وشؤون الدولة التي تدعو إليها عدا التأكيد على مفردات مثل إرادة الأمة والانتخابات وإطلاق الحريات العامة، دون ربطها في بناء نظري وسياسي يعتمد أرضية فكرية محددة.
حزب الدعوة الإسلامية ومسألة الحكم
يمكن تمييز أربعة مراحل تطورت فيها نظرية حزب الدعوة الإسلامية في مسألة الحكومة والدولة. في المرحلتين الأوليتين تبنى حزب الدعوة الإسلامية إجتهادات مؤسسه الشهيد السيد محمد باقر الصدر الفقهية-السياسية واعتبرها من أدبياته وآرائه ومواقفه وتصوراته. أما بعد استشهاده ، وبعد ظهور مشاكل النموذج الإيراني صار يفكر الحزب بتعديل نظريته لتكون أكثر واقعية ونضجاً وانفتاحاً ودوراً أكبر للشعب في إدارة الدولة والإشراف على الحكومة.
المرحلة الأولى: نظرية الشورى
في بحثه الموسوم (الأسس الإسلامية) الذي صدر عام 1961 تناول الصدر الأول قضايا الوطن الإسلامي والدولة الإسلامية وشكل الحكم الإسلامي ثم عرض لـ "تطبيق الشكل الشوري للحكم في ظروف الأمة الحاضرة". في تلك المرحلة أعتبر الصدر الأول أن (الحكم الشوري أو حكم الأمة في عصر الغيبة شكل جائز من الحكم ، فيصح للأمة إقامة حكومة تمارس صلاحياتها في تطبيق الأحكام الشرعية ووضع وتنفيذ التعاليم المستمدة منها. وتختار لتلك الحكومة الشكل والحدود التي تكون أكثر اتفاقاً مع مصلحة الإسلام ومصلحة الأمة . وعلى هذا الأساس فإن أي شكل شوري من الحكم يعتبر شكلاً صحيحاً ما دام ضمن الحدود الشرعية. وانما قيدنا الكيفية التي تمارس بها الأمة حق الحكم بأن تكون ضمن الحدود الشرعية لأنها لا يجوز أن تختار الكيفية التي تتعارض مع شيء من الأحكام الشرعية ، كأن تسلم زمام الأمر إلى فاسق أو فساق لأن الإسلام نهى عن الركون إلى فاسق بالأخذ بقوله في مجال الشهادة فضلاً عن مجال الحكم ورعاية شؤون الدولة . فلا بد للأمة حين تختار كيفية الحكم والجهاز الذي يباشر الحكم أن تراعي الحدود الشرعية ).[1]
يلاحظ في النص الآنف الذكر أن السيد الصدر الأول :
1- اعتبر مبدأ الشورى هو الأساس في شرعية الحكم الشوري ، وليس بالضرورة المبدأ الوحيد . ففي موضع آخر يقول ( من الواضح أن شكل الحكم في الوقت الحاضر لم تعالج في نص خاص على مذهبي الشيعة والسنة معاً ).[2]
2- لم يحدد شكلاً معيناً للحكم وانما أعطى هذا الحق للأمة فهي التي تختار نوع وشكل الحكم بما يتفق ومصلحة الإسلام ومصلحة الأمة .
لم يفترض وجود دور معين للفقيه المجتهد في أصل شكل الحكم ، وانما تطرق إليه أثناء حديثه عن محدوديات الحكم الشوري . فهو يميل إلى منح المجتهد دوراً رئيسياً حتى في نظام الشورى ، فهو الذي يتولى مسؤوليتين لا يشاركه فيهما غير المجتهدين الآخرين هما : 1- الإفتاء 2- والقضاء.
المرحلة الثانية: نظرية ولاية الفقيه
في نهاية السبعينات يلاحظ أن قناعة السيد الصدر الأول قد تبدلت نحو الأخذ بمبدأ (ولاية الفقيه) أساساً للحكم في الدولة الإسلامية . ففي بحثه القيم (لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية) الذي صدر بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ، ينطلق السيد الصدر من وجود المجتهد المتصدي للحكم أساساً لشرعية الحكومة ، ثم من وجوده تكتسب بقية مؤسسات الدولة شرعيتها . ومع هذا الدور الخطير للولي الفقيه لكن الشهيد الصدر يرى أن دور الأمة لا يقيده وجود الفقيه ، بل تبقى تمارس دورها في الحكم من خلال :
1- انتخاب رئيس السلطة التنفيذية أو رئيس الجمهورية . ودور الفقيه هنا هو إمضاء فوز الرئيس واسباغ القدسية والشرعية عليه كحاكم .[3]
2- انتخاب المجلس التشريعي (مجلس أهل الحل والعقد) . ويتولى هذا المجلس الوظائف التالية :
-منح الثقة لأعضاء الحكومة التي يشكلها رئيس السلطة التنفيذية .
- تحديد أحد البدائل من الاجتهادات المشروعة .
- ملء منطقة الفراغ بتشريع قوانين مناسبة .
وقد استجاب حزب الدعوة الإسلامية إلى تبني أطروحة ولاية الفقيه كمبدأ فقهي-سياسي ينظم قضية الدولة والحكومة. وجاء هذا القرار من عاملين ضاغطين هما: أن الصدر الأول قد تبناه وقام بتأصيله فقهياً، مما يعني أنه قد حسم أمره. والثاني أن انتقال قيادات وغالبية كوادر حزب الدعوة الإسلامية إلى إيران أدى إلى تعرض الحزب للضغط الإيراني المباشر ، حيث أن أطروحة ولاية الفقيه تمثل الأساس الذي تعتمده الجمهورية الإسلامية. وكانت الساحة الإيرانية تعادي كل من لا يؤمن بولاية الفقيه، وترفع شعارات (الموت لمن يعارض ولاية الفقيه). صحيح أن اهتمام الدولة الإيرانية آنذاك كان متوجهاً نحو أعداء الثورة الإسلامية من رموز وتيارات وشخصيات ومرجعيات دينية وحركات سياسية إسلامية وعلمانية إيرانية والتي لا تؤمن بولاية الفقيه، لكن حزب الدعوة الإسلامية تعرض إلى هجمة شرسة من قبل بعض أقطاب وتيارات الدولة الإيرانية ، وكذلك حملات التشكيك التي شنتها بعض أطراف المعارضة العراقية المؤيدة لطهران مثل المجلس الأعلى بزعامة السيد محمد باقر الحكيم.
المرحلة الثالثة: الدمج بين الشورى وولاية الفقيه
بعد مضي أكثر من عقد على تجربة الدولة الإسلامية الإيرانية التي تتبنى أطروحة ولاية الفقيه وبروز مشاكل فقهية وشرعية أضطرت فيها القيادة الإيرانية إلى تعديل الدستور والفصل بين المرجعية الدينية وولاية الفقيه ، وظهور حالة من الانفراد السلطوي القريب إلى حالة الإستبداد المهيمن على جميع شؤون المجتمع ، إضافة إلى استبعادها للتعددية السياسية والمذهبية، أدرك حزب الدعوة أن أطروحة ولاية الفقيه ستواجه صعوبات حقيقية إذا ما ارتؤي تطبيقها في العراق الذي يختلف كلياً عن إيران في تركيبته المذهبية والسياسية . ولذلك رأى حزب الدعوة الإسلامية الدمج بين النظريتين واعتبر أن (هناك قضية واقعية تعيشها الأمة الإسلامية ينبغي لنا أن نلاحظها بدقة وعناية وهي تعدد المذاهب الفقهية في بعض البلاد الإسلامية كالعراق مثلاً أن الصيغة التشريعية العملية الأكثر انسجاماً مع الآراء الفقهية الإسلامية المتعددة في هذا المجال هي الطريقة القائمة على انتخاب مجلس فقهي أعلى يمثل الرئاسة العامة بالطريقة غير المباشرة التي يحددها الدستور على أن يضم المجلس عدداً مناسباً من فقهاء المذاهب الإسلامية ، كأن يتكون من خمسة أعضاء، وعندئذ تتحقق الأهداف الأساسية الآتية: 1-حل مشكلة تعدد الآراء المذهبية 2-الإلتزام بنظرية ولاية الفقيه 3-العمل بالشورى والانتخاب. [1]
المرحلة الرابعة: النظام البرلماني الدستوري
بعد انتفاضة شعبان/ آذار 1991 التي عمت غالبية مدن العراق والتي ساهم فيها كل الشعب العراقي بمختلف قومياته ومذاهبه برزت الحاجة لتطوير مشروع سياسي قادر على استيعاب كل الشعب العراقي ، ويلبي حاجات الواقع ، طرح حزب الدعوة مشروعه السياسي الذي صدر في آذار 1992 في كتيب بعنوان (برنامجنا) . جاء في المقدمة (يبقى البرنامج السياسي الاسلامي يتمتع بخصوصيتين أساسيتين هما: الصلابة والمرونة فيما تتطلبه الأحكام الثابتة والمرنة، ويكون جديراً باستيعاب كل المتغيرات ومن موقع الانفتاح على الساحة والعوامل المؤثرة فيها، وليتح لأبناء شعبنا تحقيق أملهم المنشود في بعث التآلف والتعايش في ظل حياة مفعمة بالحرية وعابقة بالحب والعدل).[2]
يلاحظ أن مشروع حزب الدعوة الإسلامية لنظام الحكم في العراق قد ابتعد كلياً عن أطروحة ولاية الفقيه ، إذ لم يعد يذكرها في أدبياتها الحديثة، وعاد إلى مبدأ الشورى الذي كان يتبناه في الستينيات. كما يلاحظ عدم ورود تحفظات على النظام الديموقراطي والتعددية السياسية لكل الأحزاب والأيديولوجيات الفكرية بما فيها العلمانية والماركسية. وهذا يمثل تطوراً هاماً في الفكر الإسلامي وخاصة على الساحة العراقية التي عانت من سياسات وقمع الأحزاب العلمانية كحزب البعث والحزب الشيوعي العراقي. كما يمثل نضجاً سياسياً وانفتاحاً فكرياً مع غير الإسلاميين من النادر أن يصرح به حزب إسلامي عريق مثل حزب الدعوة الإسلامية .
يؤكد (برنامجنا) على عدة أسس ومفاهيم ديموقراطية هي (التقسيم من عندنا):
1-أن مبدأ الشورى والانتخاب الحر المباشر هو حجر الزاوية في بناء النظام السياسي ...
2- فضمن مبدأ الشورى يمارس أفراد الشعب كافة [دون استثناء أية فئة قومية أو دينية أو مذهبية عراقية] دورهم في صياغة دستور دائم للبلاد ...
3- ووفق مبدأ الشورى هذا يجري انتخاب ممثلي الشعب وبالإقتراع الحر المباشر لتشكيل مجلس وطني يتولى إصدار القوانين واللوائح وفقاً للدستور...
4-يراعى في تشكيلة هذا المجلس الطبيعة الخاصة للمجتمع العراقي المكون من قوميات ومذاهب وطوائف متعددة بما يضمن تمثيل جميع فئات الشعب العراقي تمثيلاً عادلاً.
5-على ضوء الدستور يتم تحديد وتشكيل السلطتين التنفيذية والقضائية وطبيعة العلاقات بين السلطات الثلاث اعتماداً على مبدأ فصل هذه السلطات بعضها عن بعض.
6-السلطة ونظام الحكم في العراق يجب أن لا يقوماً على أساس سلطوي فردي وطبقي أو طائفي أو ممثلاً لمجموعة أو فئة معينة. [3]
العناصر الديمقراطية في فكر حزب الدعوة الإسلامية
من خلال دراستنا لأدبيات وبيانات حزب الدعوة الإسلامية يمكننا ذكر عدة ملاحظات تؤكد التوجه الديموقراطي في فكر الحزب مثل :
1-يؤكد حزب الدعوة على أهمية تدوين دستور دائم للعراق ينظم شؤون الحكم وتغيير السلطة وحقوق المواطنين وصلاحيات المسؤولين وواجبات المؤسسات الحكومية والدستورية. إن وجود دستور دائم يمثل ضمان دائم لأداء مؤسسات الدولة ، كما يمثل صمام أمان عند الأزمات السياسية، حيث يبقى الدستور هو المرجع الوحيد لحل المشاكل المتوقعة.
2-اعتمد حزب لدعوة مبدأ الانتخاب الحر المباشر كأساس في فرز وترشيح العناصر التي تتحمل مسؤولية إدارة العراق. فالحزب يعارض أي نية أو خطوة تستهدف تعيين قسم من أعضاء البرلمان القادم كما هو الحال في مجالس الشورى في الدول الخليجية كالبحرين وعمان والسعودية. إن اعتماد مبدأ الانتخاب يجعل المرشح خاضعاً لتأثير أصوات المقترعين والناخبين، مما يعزز سلطة الشعب ويقوي دوره في اختيار السلطة.
3-بقيت الصفة الوطنية واضحة في خطاب حزب الدعوة الإسلامية، فلم يسمي المشروع (مجلس الشورى) بل أصر على أنه (مجلس وطني) يمارس فيه الشعب العراقي كله سلطته من خلاله. كما يؤكد على لأن الحكومة مسؤولة أمام المجلس الوطني وتستمد ثقتها منه.
4-غياب الصفة المذهبية من فكر حزب الدعوة الإسلامية. فمع أنه حزب يتبنى المذهب الشيعي كمنحى فكري وفقهي وديني لكنه لا يدعو ولا يمارس الطائفية المذهبية ولا الطائفية السياسية. فالحزب يعترف بحقوق جميع القوميات والمذاهب والطوائف، المسلمة وغير المسلمة. ويمثل ذلك تجسيداً واقعياً لاعلان حقوق الإنسان الذي يحترم الحريات الدينية والثقافية والسياسية لجميع الأقليات الدينية والقومية.
5-في فصل (الأقليات القومية والدينية) يؤكد حزب الدعوة الإسلامية على (1-ضمان حقوق المواطنة دستورياً لأبناء الأقليات القومية والدينية كالتركمان والآشوريين والكلدان والصابئة أسوة ببقية العراقيين). ولا يكتفي بالحقوق القومية والثقافية كما يجري الحديث في الغالب عن حقوق الأقليات، لكن حزب الدعوة الإسلامية يؤكد على الحقوق السياسية والمشاركة في إدارة البلاد وصنع القرار حيث يقول ( 2-ضمان حقوق الأقليات في المشاركة السياسية والانتخابات العامة والمحلية، وتخصيص مقاعد لممثليهم في المجلس الوطني تتناسب والحجم السكاني لهذه الأقليات داخل المجتمع العراقي). (ص 59)
6-حرص حزب الدعوة الإسلامية على وجود توازن اجتماعي وديني وقومي في المجتمع العراقي يلغي كل نزعة نحو التسلط واستغلال الجو الديموقراطي من أجل الهيمنة على السلطة والدولة من قبل فرد أو فئة أو طبقة أو مذهب أو قومية . فمع أن حزب الدعوة الإسلامية ينتمي إلى الأكثرية العربية الشيعية لكنه لا يعتبر ذلك مبرراً للهيمنة على مقدرات البلاد، بل يدعو إلى رفض أي أساس طبقي أو طائفي لحكم العراق، إذ يريده عراقاً ديموقراطياً يتمتع الجميع فيه بالاحترام والمشاركة الحقيقية في السلطة.
7-يدعو الحزب إلى الفصل بين السلطات الثلاث ، الأمر الذي يمثل وعياً حقيقياً في أهمية هذه المسألة على أداء الدولة ومؤسساتها، والحرص على عدم التدخل بشؤون السلطات لضمان قيامها بوظائفها وتحقيق العدالة بين جميع أفراد المجتمع العراقي.
8-يؤكد حزب الدعوة الإسلامية على أهمية دور المرأة في المجتمع العراقي ، ومن هذا المنطلق خصص لها (برنامجنا) فصلاً خاصاً أكد فيه على (سن القوانين والتشريعات التي تكفل للمرأة ممارستها لحقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك حق الانتخاب والترشيح) (ص 68). ويمكن مقارنة التأكيد على الحقوق السياسية بما فيها الانتخاب والترشيح لشغل مناصب حكومية وإدارية وسياسية عالية في الدولة العراقية، مع أفكار وممارسات لبعض التيارات الإسلامية في البلدان العربية والإسلامية ضد المرأة. فالحركة السلفية في الكويت مثلاً عارضت تشريع قانون يمنح المرأة حق الترشيح والانتخاب.
9-يؤمن حزب الدعوة الإسلامية بأهمية إطلاق حرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب السياسية والعمل النقابي والجمعيات المهنية.( ص 52)
10-اعتماد سياسة الإقتراع السري كوسيلة للتعبير عن رأي الشعب في اختيار النظام السياسي ومفرداته.
الحكومة الانتقالية ونظام الحكم في العراق
منذ عام 1992 كان حزب الدعوة الإسلامية يملك تصوراً واضحاً عن مرحلة ما بعد سقوط النظام فقد أكد في (برنامجنا) على أنه "في المرحلة التي تعقب سقوط النظام مباشرة تتولى إدارة البلاد حكومة انتقالية مؤقتة تتشكل من القوى السياسية الممثلة لمختلف شرائح المجتمع العراقي. وتقوم هذه الحكومة الانتقالية بتهيأة الظروف اللازمة لصياغة دستور دائم للبلاد تتشكل على ضوئه الحكومة الدائمة" (ص 44).
ويبدو أن السيناريو الذي كان في ذهن قيادة حزب الدعوة هو سقوط النظام إما بانقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية. إذ لم يكن أحد يتصور أن الولايات المتحدة ستقوم بشن حرب شاملة تسقط فيها نظام صدام لأنها كانت تدعمه سياسياً واعلامياً وعسكرياً حتى عام 1990 أي قبل غزو الكويت. ولعل ذلك قد أجبر قادة حزب الدعوة على مراجعة خططهم واستراتيجيتهم تجاه العراق والمنطقة والقوى الغربية وخاصة لندن وواشنطن.
يلاحظ أن حزب الدعوة الإسلامية لم يشارك في أربعة مؤتمرات هامة للمعارضة العراقية هي مؤتمر لندن في ديسمبر 2002 وصلاح الدين في شباط 2003 ومؤتمر الناصرية ثم مؤتمر بغداد في نيسان 2003 . وكان السبب حسبما أعلنه الحزب هو عدم تمثيل جميع القوى العراقية وعدم وجود مناخ ملائم لقرار عراقي مستقل عن الهيمنة الأمريكية. لكن عدم استتباب الأمن وبروز مشاكل حياتيه بعد سقوط النظام واحتمال تدهور الوضع السياسي الذي تهيمن عليه الإدارة الأمريكية اضطر الحزب إلى مراجعة مواقفه والقبول بالانضمام إلى قيادة الستة (المجلس الأعلى، الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني، الوفاق الوطني ،المؤتمر الوطني العراق و التيار الديموقراطي) من أجل التهيئة لعقد مؤتمر يضم جميع الأحزاب والحركات السياسية العراقية والتي تقوم بانتخاب حكومة انتقالية مؤقتة.
صناديق الانتخابات تحسم الأمور
في يوم سقوط نظام صدام في 9/4/2003 أصدر حزب الدعوة كراساً بعنوان (حزب الدعوة الإسلامية: تعريف موجز بتأسيسه ومسيرته وأهدافه). تحدث الكراس بشكل أوضح عن النظام الديموقراطي الذي يسعى لتحقيقه، حيث غابت الصياغات الأيديولوجية والكليشيهات السياسية . كما صار الحزب غير متحفظ من استخدام لفظة الديموقراطية، في حين كان يجد فيها بعداً أيديولوجياً غربياً ، ويفضل استخدام عبارة تعددية سياسية. ويرجح هذا الخطاب المنحى القوي للتوجه الديموقراطي لدى حزب الدعوة الإسلامية والتخلص من مضامين الهيمنة والتفرد والشعارات الراديكالية . لقد صار الحزب مقتنعاً أكثر بأن أهدافه وطموحاته إنما تتحقق من خلال (إقامة نظام تعددي دستوري برلماني انتخابي حر ، قائم على أسس الديموقراطية والشورى والتعددية واحترام هوية الأمة، ويتساوى فيه جميع المواطنين في حقوق المواطنة ، من غير تمييز طائفي أو عرقي، يحترم فيه واقع التنوع القومي والمذهبي والسياسي،وتصان فيه حقوق الأقليات... إن صناديق الانتخاب وحدها التي ينبغي أن تحسم إشكالية تعدد الرؤى السياسية في المجتمع ).
إن مشاركة حزب الدعوة الإسلامية في الحكومة القادمة أو الانتخابات التشريعية أو الرئاسية لن يأتي من مجرد إضافة سياسية أو مجرد ممارسة عادية للعمل السياسي في ظل ظروف ملائمة، بل يأتي استجابة لمنطلقات فكرية وسياسية، تحدد الأولويات ومدى أهمية المشاركة السياسية من عدمها. ويأتي وفق سياق متطور من البناء الفكري و اعتماد الأسس الإسلامية الأصيلة ، وفهم واعي لتحقيق مصالح الشعب العراقي، والقفز فوق كل الحساسيات القومية والدينية والمذهبية. إنه يمثل موائمة بين مفاهيم الديموقراطية الحديثة ومبادئ حقوق الإنسان وبين المفاهيم والقيم الإسلامية العليا.
* نشر في مجلة النور، العدد 145 ، حزيران 2003
--------------------------------------------------------------------------------
[1] محمد الحسيني ، محمد باقر الصدر : دراسة في سيرته ومنهجه ، / ص 351
[2] حسين بركة الشامي / المرجعية الدينية : من الذات إلى المؤسسة / ص 508
[3] محمد باقر الصدر ، " لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية " في الإسلام يقود الحياة / ص 12
--------------------------------------------------------------------------------
[1] حزب الدعوة الاسلامية / نشرة صوت الدعوة / العدد 42 الصادر في جمادى الأولى 1408 / ص 68
[2] حزب الدعوة الإسلامية / برنامجنا / ص 8 / الصادر عام 1992
[3] حزب الدعوة الإسلامية / برنامجنا / ص 49 / الصادر عام 1992
استفتاء يتعلق بالحركة الاسلامية وتطورات الساحة العراقية
رأى سماحة اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله) أن الحركة الإسلامية لا تحتاج، في عملها، لإذن خاص، إذا توفرت فيها الشروط الآتية:
1- الارتكاز على مضمون شرعي - فقهي.
2- الخطة الحكيمة للعمل.
3- الإخلاص للإسلام وأهله.
ودعا سماحته هذه الحركات إلى الارتفاع عن مستوى العصبيات المنغلقة.
هذا ما أجاب عنه سماحته في رد على استفتاء أرسله إليه جمع من العلماء العراقيين ،وفي ما يأتي نص السؤال وجواب سماحة السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله أطال الله بقاءه
السلام عليكم ورحمة الله
وبعد... فقد ظهرت في الساحة العراقية، بعد سقوط النظام الدكتاتوري العنصري الطائفي البغيض، عدة منظمات وتشكيلات وحركات وأحزاب سياسية، علمانية وإسلامية، بعضها معروف لدينا، وله تاريخ في العمل، وبعضها ظهر لأول مرة، هل تحرّمون على العراقيين الانضمام والانتماء للحركات الإسلامية، مثل (حزب الدعوة الإسلامية)، المعروف بالدعوة إلى الإسلام، والعمل من أجله، وبتقديم تضحياتٍ جسام، على طريق المواجهة مع النظام المذكور، كما أثبتت الوقائع التي جرت، والملفات التي تركتها المؤسسات القمعية الإرهابية؟، وهل أنَّ الانضمام يحتاج إلى إذن من الولي الفقيه أم لا؟
النجف الأشرف 15 ربيع الآخر/1424هـ
جمعٌ من المؤمنين والفضلاء عنهم
السيد رعد الخرسان
الشيخ علي الأسدي
الشيخ هادي الخزرجي
:
جواب سماحة السيد:
إننا نعتقد أن الحركة الإسلامية المرتكزة على قاعدة الشرعية الفقهية في مضمونها والخطة السياسية الحكيمة في حركتها والإخلاص للإسلام ولأهله في الدعوة والحركة ليست بحاجةٍٍ إلى إذن الفقيه إلاّ في الموارد التفصيلية التي تحتاج إلى الإذن، ولم يصدر منا أيّ تحريم بل إننا نرى مساعدة الحركات الإسلامية الأصيلة من القضايا الحيوية التي تتصل بالمصير الإسلامي العام في مواجهة الكفر والاستكبار ولكن من اللازم عليها الارتفاع عن مستوى العصبيات المنغلقة التي تحصر الواقع الإسلامي في دائرتها الخاصة وتنكر على المسلمين الذين لا ينتمون إليها إسلامهم والله ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
19 ربيع الثاني 1424 هـ
محمد حسين فضل الله