اضطراب " العمامة " والصمت الغريب للمراجع العظام !!!
جرت في السنين التي أعقبت سقوط النظام الفاشي العنصري بقيادة حزب العفالقة أحداث جسام كان في بعض منها دور كبير لمدع الدين والتحجج بالشريعة السمحاء . وظهر خلال هذه القترة القصيرة العديد من المدعين بالريادة الدينية ممن استبدل ( الزيتوني وقلمين ) بـ ( عمامة ومحبسين ) ، وبرزت على الساحة العراقية وجوه غريبة لمن يدعون حمل ألقاب دينية عالية المقام مع معرفة الجميع بخطل هذا الادعاء ، وتصديهم للفتوى بأمور دنيوية لا علاقة لها بالدين الحنيف بتاتا ، كلعبة كرة القدم البريئة المسلية ، وارتياد السينمات ودور اللهو البريئة ، وإكراه النسوة والفتيات بقوة السلاح على ارتداء الحجاب ، وحتى من غير المسلمات . ووصل الحد ببعض أولئك المعممين أن تصدوا بشكل سافر لعراقيين عاشوا في هذا البلد الكريم قبل أن يدخل الدين الإسلامي بلاد الرافدين ، أو حتى قبل أن يهاجر بعض آبائهم أو أجدادهم للعراق من دول الجوار ، كما حصل في تهديد أبناء طائفة الصابئة المندائية في مدينة البصرة ، أو لبعض أبناء الدين المسيحي . لا بل وصل بهم الأمر أن هددوا شريحة كبيرة من الشيعة العراقيين في البصرة ممن كان لها قصب السبق في الاستيطان من الأحسائيين أو ( أولاد عامر ) في البصرة في أول الفتح الإسلامي قادمة من مدينة الأحساء في الجزيرة العربية كما فعلت معظم العشائر العربية التي استوطنت العراق آنذاك ، أو ممن استوطن بلاد وادي الرافدين عند بداية القرن التاسع عشر الميلادي وبتشجيع من الولاة العثمانيين ، والذين جرى تشيعهم بعد عملية الاستيطان هذه من قبل ( الموامنة ) الذين انتشروا بينهم وحبذوهم في المذهب الشيعي .
وما يجري من تهجير لعراقيين داخل بلدهم تحت سمع ونظر الحكومة العراقية والمراجع الدينية العظام الذين لم يتخذوا أية إجراءات للحد من هذه الهجرة لعشرات آلا لاف من العراقيين الذين افترش العديد منهم هم وعوائلهم الأرض تحت قيض العراق اللآهب . ولم نسمع عن تحرك واضح للحكومة العراقية ( الرشيدة ) التي تضم بين جنبيها العديد من داعمي ومشجعي الإرهاب بحجة ( الوحدة الوطنية ) . لا بل فقد أخذت الحكومة العراقية تنوح ليل نهار متمنية على قوى الإرهاب البعثي أن تلقي سلاحها الذي قتلت به العراقيين وخربت بيوتهم لكي يدخلوا وفق عملية المصالحة المشبوهة في العملية السياسية الحالية . بينما يجيش البعض من ( حجج الإسلام وآيات الله الجدد) جيوشهم السرية للسيطرة على الشارع العراقي وجعل العراقيين أسرى لديهم كما كانوا أيام سلطة البعث المنهار . وجميعهم يشتركون ضمنا في نفس الهدف والمطالب التي يصرحون بها في العلن فقط مع قوى الإرهاب ومشجيعهم ، بينما اتصالاتهم السرية مع القوات المحتلة تشجع المحتلين على البقاء في العراق حماية لهم من غضب الشعب العراقي الذي اكتوى منهم أيام تسلطهم الأول زمن حزبهم الغابر . وهي نفس المطالب التي طرحتها القوى الإرهابية ، وقيادات الإرهاب العلنية في العراق كالحزب الإسلامي وهيئة علماء المسلمين ، وجماعة التوافق بانسحاب القوات الأمريكية المحتلة من العراق ، وعودة قوات الجيش والشرطة والأمن والمخابرات المنحلة مرة ثانية لكي تحتل العراق من جديد وتحت إمرتهم . ولا ندري كيف تم توافق تام بين بعض من يضعون العمائم الجديدة بألقابهم الغريبة وبين توافقهم مع قيادات الإرهاب العفالقة وجلهم من المعادين علنا لآل البيت وشيعة علي بالذات . ولماذا تم السكوت لحد الآن من قبل المراجع العظام على ما يجري من تجاوزات باسم الدين ، وتحت مظلته وأمام أعين الناس ؟؟!! .
فالمعروف لدى أبناء المذهب الشيعي أن من يصل لدرجة العلمانية أو يحمل لقبا دينيا رفيعا لا يأتي اعتباطا ولا يتم ذلك بمرسوم جمهوري ، أو بمنحة ومكرمة حكومية أو شخصية ، بل نتيجة الدرس والتحصيل لسنين عدة تفوق التصور ، ووفق تدرج علمي تقليدي منذ تأسيس الحوزة العلمية في العراق حيث كان مركز الحوزة هو بغداد والحلة ... لكن عند مهاجمة عصابات الإرهاب المذهبي ومافيا العقل الطائفي المنغلق على بغداد وحرقهم كرسي التدريس الذي كان يتقلده شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي .. انتقلت الحوزة إلى النجف على يد الشيخ الطوسي( أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي , الملقب بشيخ الطائفة 385 _ 460 هجري ) وكان ذلك في العام 448 هـ . لذا فمن المستغرب أن يظهر وبصورة غريبة وكأي نبات شيطاني أشخاص يدعون الفتوى وحمل ألقاب دينية لا قبل لهم بها نتيجة جهلهم بالدين وحتى قلة الخبرة لصغر أعمارهم ، وبسبب من عدم تدرجهم العلمي في الحوزة العلمية الدينية التي تؤهلهم لذلك. كذلك لا نعرف سبب السكوت المطبق من قبل المراجع العظام على ما يجري من قتل وتهجير وتشريد للعراقيين وخاصة الطائفة الشيعية ، وأحيانا على يد من يدعون الانتماء للطائفة ممن يخرجون لمهاجمة السلطات الرسمية بسلاحهم بين فترة وأخرى ويقتلون الابرياء من رجال الجيش والشرطة الوطنية ، بينما لم نسمع عن أي تحرك مضاد من هذا البعض أيام تسلط حكم العفالقة ، الذي كان يضم العديد منهم ، ووقوفهم موقفا مشرفا ضد حكم العفالقة .
فقد جعل مدع الدين العمامة تتأرجح على رؤوسهم ، وتضطرب محرجة بعد أن اساؤوا لها ، بما لم يسئ لها أعدائها ، وجعلوا الدين كما قال سيد شهداء أهل الجنة ( لعق على ألسنتهم ) . لكن ما يوقف تحرك هؤلاء المدعين ويوقفهم عند حدهم هي كلمة الحق التي يجب أن تخرج من فم مراجعنا العظام وتعطي لكل ذي حق حقه لكي تضع حدا لتجاوز من يتجاوزون على الدين ، ويعتدون بدون وجه حق على الناس بحجة الحفاظ على الدين . والوضع الحرج للحالة العراقية يتطلب تحركا واسعا وكبيرا من قبل كل الأطراف التي تحب الخير للعراق والعراقيين مجتمعة مع المراجع العظام ، لا تلكم الأطراف التي اتخذت من الإرهاب وقتل العراقيين مذهبا وطريقا . فلا فرق الموت التي تنتشر في بغداد خاصة وبقية المحافظات الكبرى كالبصرة والموصل وكركوك ، ولا شروط ( المقاومة الشريفة ) وقائد مقاومتهم ( الرفيق حارث الضاري ) ، أو ( الرفيق طارق الهاشمي ) بقادرة على حل معضلة الأمن العراقية . بل إن معضلة الأمن العراقية لن يحلها سوى شرفاء العراقيين وبدعم قوي وفاعل وصريح من المراجع العظام وبقية العراقيين من كافة الطيف الوطني العراقي المؤمن بالعراق الحر الفيدرالي الديمقراطي الموحد .
آخر المطاف : قطرة الماء تـثـقب الحجر.. لا بالعنف.. لكن بتواصل السقوط..
هنري مولر
* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج .
dilshad.aliotmail.com