رمضان في النجف الاشرف ... دعاء كميل ومفاتيح الجنان والفطور ”فسنجون“..!!
[align=justify]ماان يشهد ثلة من اهالي المدينة رؤية هلال شهر رمضان من اعلى جبل الحويش او من احد الذكوات البيض التي كانت تشتهر بها النجف وهي المرتفعات التي كانت تحيط بمحلات النجف القديمة المشراق والبراق والحويش والعمارة او من اسطح المنازل حتى يهرع بعض الصبية والشيوخ يبلغون دواوين المراجع الدينية التي كان يزدحم على ابوابها الناس للتيقن والتبلغ برؤية هلال شهر رمضان لافرحة اعظم من هذا القدوم .
ثمة استنفار في البيوت القديمة .
وحكايا النساء عن التحضير لاطباق رمضان واعداد موائد الافطار هاهي تباشير حلول الشهر الفضيل قد حلت وعلا صوت المؤذن من المنارة الحيدرية.
مرحبا .. مرحبا ياشهر رمضان مرحبا .. مرحبا ياشهر الغفران مرحبا .. مرحبا ياشهر القران.
النجفيون اعتادوا ان يمارسوا طقوسهم الخاصة التي قد لاتختلف عن مايمارسه اخوانهم المسلمون في ارجاء المعمورة الا في بعض التفاصيل المحلية منذ اول يوم من هذا الشهر الكريم تتعزز فيه مملكة النساء داخل البيت ويسلم الرجال مقاليد الاعداد للفطور الى النساء وقد اشتهرت النجف باقامة ولائم الافطار التي تقام في كل بيت حيث يتقاطر المدعويين الذين يكونون عادة من الاقرباء او الجيران او رفاق العمل وفي صورة اخرى لمظاهر رمضان تزدحم ازقة النجف القديمة بربات البيوت والفتيات وهن يحملن الصواني (الاطباق ) وقد وضع فيها عدد من الصحون وقد عرف عن النجفيات اجادتهن لاكلات قل نظيرها في مدن عراقية اخرى ومن ابرزها واشهرها طبخة (الفسنجون ) وهي عبارة عن وجبة طعام من الدجاج المحشي او المطبوخ مع المرق والمحشى بالفستق وحب الرمان وما ان يحل موعد الافطار حتى تفترش المائدة بانواع (المرق ) وربما تمتلئ المائدة بنفس (الاكلة ) بعد ان تصل صحن الجيران فيصبح لها اكثر من مذاق انه مهرجان فلكلوري رائع .. اطباق محمولة على الرؤوس تدور بين ابواب المنازل والمطبخ النجفي مشهور باكلاته التي تستمد جذورها من الهند وايران وتركيا ويعمد البعض للتسابق مع الجيران لاظهار سجايا الكرم من خلال اقامة الولائم لاكبر عدد من الناس بما فيهم الفقراء والزائرين للمدينة والغاية اولا واخيرا هو العمل لوجه الله والتقرب اليه في جانب اخر من المدينة وبعد الانتهاء من تناول الفطور يتجه العشرات الى المساجد والى ضريح الامام علي بن ابي طالب (ع) لقراءة القران الكريم والادعية الشهيرة (دعاء كميل ومفاتيح الجنان) وترى العشرات من المسلمين القادمين من ارجاء المعمورة يزاحون سكان النجف في مساجد (الهندي والترك والاخوند والخضراء ) لقراءة القران والادعية الدينية ويظهر اصحاب المحلات التجارية فنونهم في اظهار الزينة ابتهاجا بايام شهر رمضان حيث تأخذ المنافسة طريقها في ابراز معالم الزينة وقد يعود البعض مسرعا الى بيت احد الاصدقاء لحضور امسية ادبية يقيمها الداعي في مجلسه الادبي والمجالس الادبية او كما يسميها بعضهم (الدواوين) في النجف الاشرف محك لاظهار الملكات والمواهب مثلما يقول المؤرخ الدكتور محمد باقر البهادلي حيث تطرح فيها الافكار والاراء السياسية المختلفة القديمة والحديثة وفيها يدور الحديث عن الادب وفنونه قديما وحديثا من شعر ومقالة ومساجلات ادبية ومطاردات شعرية بمختلف انواعها ويحضرها جمع من العلماء والادباء والشعراء وغيره وماكثر المجالس في النجف وقد لاتجد بيتا من بيت النجف انذاك ليس فيه ناد او منتدى وقد ذكر المرحوم جعفر الخليلي بعضها حين يقول: مضيت الى ديوان بيت الشرقي واذا مانتهى مجلسه اقصد ديوانا اخر وهو ديوان الشيخ جواد الجواهري ثم اتوجه بعد الانتهاء الى ديوان السيد محمد علي بحر العلوم.
وقد اشتهرت مجالس رمضان بالوان الادب حيث يقرأ فيها (ادب الاخوانيات ) حيت تكون في مجال الغزل والوصف وادب (المفاكهات). وكان الشعراء في مجالس رمضان يتبارون في الشعر وقد تمتد مطارداتهم الشعرية في رمضان حتى الى ماقبل الفجر حيث يتحلق المجتمعون (اي يجلسون على شكل دائرة ) ويبدأ احدهم بالبسملة ولما كان اخر حروف البسملة هو حرف الميم فيطلب من ذلك الذي يليه في جلسته ان يأتي ببيت شعر يبدا بحرف الميم وهكذا الحروف التي يليها وعند نهاية شهر رمضان يعقد مجلس كبير دون تحضير مسبق في دار المرجع الاعلى ويخصص المرجع هذا اليوم لقاءاته ومقابلاته في مايتعلق برؤية هلال شهر شوال وليس ببعيد تزدحم ارصفة النجف باطباق (البقلاوة والزلابية) التي تغدو فاكهة رمضان المفضلة بعد تناول الافطار وفي هذه المدينة المقدسة.
يمتلك شهر رمضان مكانته المحببة عند الاهالي فهو يجمع بين الفرح العارم ولذة العبادة وتعب الصيام ومتاعبه فحلول شهر الخير رمضان يعني ان تتحول المدينة الى درة متوهجة وعالم ايماني روحاني تهدأ فيه النفوس وتستقر الارواح المتعبة الباحثة عن الراحة والامل.
عبادات وزيارات
يعد النجفيون شهر رمضان الشهر الذي ينقطعون فيه الى العبادة والصلوات في اكثر اوقاته اذ يشهد النشاط الاقتصادي وميدان الاعمال هدوءأ قريباً من الجمود والتوقف فترى سكان المدينة يقضون جل اليوم الرمضاني لاسيما نهاره في التعبد والزيارات للمراقد القريبة من النجف الاشرف لاسيما مرقد الامام علي بن ابي طالب(ع ) ومرقد مسلم بن عقيل(ع ) في مدينة الكوفة كما ان كلا من مسجدي السهلة والكوفة يشهدان حضوراً واضحاً من الصائمين الباحثين عن خلوة العبادة والانقطاع الى الله تعالى وتأتي قراءة القران الكريم وختمه خلال الشهر الفضيل في المقدمة ثم تاتي قراءة كتب الادعية المعروفة ككتاب ضياء الصالحين ومفتاح الجنان وهذه الكتب وغيرها تضم فصولاً خاصة باعمال شهر رمضان المبارك والحصول على الثواب والغفران وهو ما ينهمك عليه المؤمنون وهناك من يتخذ من هذا الشهر وهذا شيء متعارف عليه في هذه المدينة من قراءة الكتب الثقافية والادبية سبيلاً حيث يتجه الكثيرون الى اقتناء الكتب لقراءتها في رمضان ولكن الشيء الذي يمتاز فيه النجفيون وقد تعلم منهم سكان المدن الاخرى ذلك هو زيارة كربلاء المقدسة يوم الخميس اذ ينطلق الناس زرافات وافراد وبعد اداء صلاة الظهر الى كربلاء لاداء مناسك الزيارة لمرقدي الامامين الحسين والعباس عليهما السلام وفي يوم الخميس يمكن ملاحظة خلو شوارع النجف من المارة بسبب ذهاب اغلب سكان المدينة الى كربلاء وهناك يأدون الطقوس العبادية الخاصة والبعض ينتقل الى كربلاء بعد الافطار والملفت للنظر توفر سيارات النقل الكبيرة والمجانية لنقل الزائرين واعادتهم بعد اكمال الزيارة حيث يقوم الموسورون بالتبرع لنقل الزوار طلباً للثواب وايفاء النذر ومع العبادات فأن النجفيون لاينسون اقاربهم ومعارفهم والمحتاجين فان يد المعونة والمساعدة بكافة اشكالها تصل الى هولاء سواء على شكل اموال او على شكل مساعدات عينية مثل اللحوم والرز والفواكه واشياء اخرى من بينها الحلويات.
وتتشارك بعض العوائل مع بعضها في اعداد المائدة الرمضانية وغالباً ما يتم ذلك وقت الزيارات الى المراقد المقدسة بينما تقوم بعض العوائل باعداد وجبات كبيرة لافطار الفقراء والمحتاجين وهناك من يقوم بتوزيع طعام الافطار على المصلين بعد صلاة المغرب في الجوامع والحسينيات وخاصة اكلة(الفسنجون) وهو من اشهر الاكلات التي تعد في هذا الشهر وربما هو الاغلى لاحتوائه مواد غالية الثمن ثم هناك (التاجينة) النجفية والقيمة واكثر ما يوزع الطعام بشكل واسع حيث تنشغل كل العوائل والبيوتات النجفية في ذلك عند يوم القدر حيث يمكن رؤية الصواني والصحون والاواني المليئة بانواع من اشهى الاكلات وهي تنتقل من بيت الى اخر ترافقها الحلويات.
ليل رمضان
ولعل اروع واجمل مافي رمضان هو ليله البهيج وفيه تستمر الحركة حتى الصباح الباكر حيث موعد صلاة الفجر فعند انتهاء الافطار تنشط حركة الناس في شوارع النجف بشكل كثيف لايعيق ذلك حتى الليالي الباردة والممطرة وتتجه افواج والاف من ضواحي النجف واحيائها باتجاه المدينة القديمة فتكاد الشوارع تمتلئ بالحركة البشرية وتتركز اكثر الحركة في المنطقة المحيطة بالصحن الحيدرية الشريف حيث المحال التجارية وقلب المدينة النابض.
وهناك من تفتقده طوال العام ولاتجده الا في ليالي رمضان في المدينة القديمة والحقيقة ان جواً ايمانياً وشعوراً طهرانياً يسود الروح والمكان مع انطلاق( دعاء كميل) من الصحن الحيدري الشريف فترى الالاف من البشر مصغين بكل حواسهم الى المعاني العرفانية لهذا الدعاء المؤثر ومثل الحركة الدائبة الواصلة الى الفجر فان الزيارات العائلية هي الاخرى تاخذ مداها ونشاطها فالتزاور بين الاسر والعوائل التي ابعدتها بعضها عن بعض الاخر مشاغل الحياة والهموم الفردية وتعود من جديد وخاصة بين العوائل التي كانت تتجاور لسنوات طويلة في محلات وحواري النجف القديمة لكن التوسع العمراني وضيق الازقة والبيوت جعلها تنتقل الى الاحياء الحديثة الواسعة لكن شهر رمضان ولياليه النورانية الرائعة اعادت هذه العوائل الى المكان الاول حيث الجار الاول والحبيب الاول والمنزل الاول ومما يمكن اضافته هنا هو تلك الالعاب الرمضانية التي يمارسها الصغار والكبار بحثاً عن التسلية البريئة والبهجة كما هو الحال مع لعبة المحيبس والمسابقات الاخرى التي تعتمد الذكاء والثقافة العامة وقوة الذاكرة وهذه المسابقات بما ازدهرت بشكل لافت للنظر بالسنوات الاخيرة التي اعقبت احداث التاسع من نيسان.
مجالس الادب والتراث والمنظرات
ربما كانت النجف الاشرف من المدن القليلة التي استمرت فيها المجالس الادبية والتراثية التي تقام في بعض البيوت وهي التي تعرف بالصالونات في اماكن اخرى من العراق وقد اشتهرت النجف بمجالسها وصالوناتها وكان هناك اكثر من مجلس يشار اليه في المناسبات والتواريخ وكانت كل اسرة نجفية معروفة تقيم مجلسها الخاص وهو يختلف تبعاً لرواده والموضوعات التي يتناولها.
وفي شهر رمضان تزدان النجف بعدد من المجالس والصالونات والمنتديات وعقد الندوات بعضها يومي وبعضها اسبوعي والاخر موسمي يعقد في احد ايام الشهر الفضيل والنوع الثالث منتشر بشكل واسع حيث ينتقل المثقفون والرواد من مجلس الى اخر طيلة ايام الشهر وفي كل يوم هناك موضوع جديد مختلف في السياسة والعلوم والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والتراث والدين والفلسفة والشعر ولاتخلو هذه المجالس من النوادر والطرائف والمناقشات والمناظرات التي تصل حد الهجوم الادبي والشعري ويمكن الاشارة هنا الى بروز عدد من الشعراء المعروفين من خلال هذه المنظرات التي تدور في هذه المنتديات حيث اظهروا فيها الملامح الاولى لنبوغهم الشعري والادبي ،ودائماً ماتلتئم هذه المجالس في رمضان بعد الافطار يبدا عريف الحفل موضوعه الذي يشرحه المحاضر ثم يبدأ النقاش والاستفسار لتعم الفائدة الجميع ويتخلل ذلك توزيع للحلوى والمرطبات او الشاي والحقيقة ان المجالس الرمضانية خلال السنتين الماضيتين قد تركزت موضوعاتها على القضايا السياسية المعاصرة ومنها مسألة الانتخابات العام الماضي ومن المرجح ان يكون الاستفتاء على الدستور هو الموضوع الشاغل للمجالس وروادها وهي في كل الاحوال تضيف فائدة جديدة وتكشف عن اشياء جديدة كما هو معروف عن المجالس الادبية.
الماجينة من الاعياد الشعبية والتي تصادف في منصف شهر رمضان الكريم هي الماجينة وفي هذا اليوم الذي يمثل ولادة الامام الحسن بن علي بن ابي طالب(عليه السلام ) تعم مظاهر الفرح والسرور كل ارجاء مدينة النجف الاشرف ولايكاد بيت في المدينة لايعد لهذا اليوم عدته من توفير الماجينة وهو الزبيب الناشف والحلويات المختلفة حيث يدور الاولاد الصغار وهم يحملون الدفوف والطبول على البيوت بحثاً عن كرم اهل الدار في اعطائهم الماجينة اقتداءً بالحسن بن علي(ع) المشهور بكرمه حيث يلقب بكريم اهل البيت(ع) والويل لمن لايدفع الحلويات لهولاء الاولاد حيث يتهم بالبخل والفقر ويرافق نقر الطبول وقرعها ترديد اغنية شعبية تتفق مع هذه المناسبة وكذلك فان هذا اليوم يعده النجفيون يوماً مباركاً حيث يشترون الحلوى باسماء ابنائهم الصغار ويقومون بتوزيعها على الناس وتسود ليلة الماجينة احتفالات شعبية تتمثل بالمواليد والقراءات الشعرية والاحتفالات المفرحة.
ليلة استشهاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)
في ليلة العشرين على واحد وعشرين من رمضان وهو يوم استشهاد الامام علي بن ابي طالب(ع) تعيش المدينة طقوس حزينة مع تدفق الاف من الزائرين من المدن العراقية الاخرى للمشاركة في احتفالات الاستشهاد ويقوم الاهالي والمواكب الحسينية بتنظيم مجالس تعزية بهذه المناسبة فيما تعد موائد الطعام والشراب للصائمين وخاصة القادمين من المدن الاخرى وتجري زيارة الضريح المقدس بزيارة خاصة حيث تتلى ادعية بهذه المناسبة ويمكن وصف هذه الليلة الرمضانية بالمدينة بانها الليلة الاكثر حزناً التي تتخلل شهر رمضان المبارك وتمتد الاحتفالات الى الندوات العامة والمنتديات الادبية حيث يجري ابراز السيرة العلوية والصفات الانسانية والقيمة لصاحب
المناسبة.
بانتظار هلال العيد يشترك النجفيون من السكان الاصليين للمدينة في تناول اكلة ساخنة ومميزة بطعمها وذلك بعد الافطار. وهذه هي(الحريرة ) التي تصنع في البيوت وتباع في محال عامة والشوارع ويقبل عليها الناس بكثافة ومع الاجواء الرمضانية المبهجة وتسارع ايام الشهر الفضيل بالسير الى نهايتها يبدأ الاهالي باستعدادتهم لاستقبال ايام عيد الفطر المبارك ومنها باعداد كعكة العيد وشراء ملابس العيد للاولاد والاطفال ولكن الشيء الاكثر تراثية وله طقوسه الشعبية المعروفة انها رؤية هلال العيد حيث يتجمع الناس على قمة جبل الحويش المطل على منخفض النجف لمراقبة ظهور الهلال بسبب كون هذه المنطقة مفتوحة ويمكن رؤية الهلال منها بسهولة ويبقى الحال هذا ربما اليومين الى حين اتمام الرؤية فيقوم الشهود بالمثول امام المرجع الديني للادلاء برؤيته للهلال مع مصادقة شخص اخر من نفس المكان او من مكان اخر وحينها يتم اعلان العيد فتسود الفرحة وتفتح المقاهي والمطاعم ابوابها مبتدأ شهراً جديداً وتأخذ المدينة بالعد بانتظار رمضان جديد وفي ايام العيد تشهد مدينة النجف الاشرف قدوم ملايين الزائرين من العراق وخارجه لزيارة الامام علي بن ابي طالب(ع) وكذلك لزيارة مقبرة وادي السلام حيث يرقد الاحباب والاعزاء من الاهل والاقارب.
فبكل الاحوال فأن للنجف الاشرف هذه المدينة المقدسة طقوسها واجواءها الرمضانية الخاصة التي تشترك فيها مع المناطق الاخرى او تنفرد بها وهي اجواء يسودها التعبد والزيارات والقراءات والفرح وعودة الصلاة بين الذين سبب الزمن الجفاء بينهم وابعدتهم عنها ظروف الحياة ومشاغلها.
عاد رمضان مرة اخرى ليطل من جديد على المؤمنيين داعيا اياهم الى عام جديد يغدو فية الوئام والسلام جسراً للقاء الاحبة ولتعلو الاكف الى الباري عز وجل داعية بان يحفظ هذا الوطن واهلة وان ينعم علية بالخير والامان.
من - الوكالة الاسلامية + وكالات اخرى[/align]