ماذا يُفعل بالعراق؟ نحو من 655 ألف عراقيّ قضوا (یابلاش!!!!!)
ماذا يُفعل بالعراق؟
حازم صاغيّة الحياة - 13/10/06//
نحو من 655 ألف عراقيّ قضوا منذ الحرب الأميركيّة في 2003، أي 15 ألفاً في الشهر الواحد. الرقم الذي نشرته مجلة «ذي لانسيت» مبالغ فيه على الأرجح. وربما مبالغ فيه كثيراً. لكن حتى لو قلنا ان ربع الرقم صحيح كانت النتيجة قرابة 164 ألفاً، أو قرابة 3800 شخص في الشهر الواحد.
هنا ننتقل من الأرقام الى المعاني، حيث يُستحسن، من دون ادراك أو تحفظ أو تلطيف، الجهر بالفشل الصارخ، الساحق الماحق، للحرب التي شنّتها الولايات المتحدة، في فكرتها وفي واقعها أيضاًً. ان فشلاً في هذا الحجم لا بدّ أن يقود، حتى لو حسنت النوايا، الى الجريمة. والجريمة قد تغدو ابادة، لا سيما في ظلّ الإصرار على المضيّ في ما ثبت فشله، وفي ظلّ التبجّح الأميركيّ بنجاحه وبانتصاراته (وطبعاً بانتصارات الديموقراطيّة في العراق).
قد يقال، في قالب سؤال سجاليّ يُقصد به الابتزاز أو الإحراج: لكنْ هل يعني هذا ترك العراق في عهدة صدام واستبداده؟ والجواب، بكثير من الألم والمعاناة، وكثير من التشاؤم والقنوط: نعم. فقياساً بهذه النتيجة التي تداهمنا الآن، كان صدام ليضعنا أمام موت بيولوجيّ أقلّ وأمام موت سياسيّ أبطأ!
وهذا ما لا صلة له اطلاقاً بالمنطق النضاليّ الرخيص والعديم المسؤولية الذي يطحن دم العراقيّين في طاحونة خطّه السياسي «الصائب»، كلّ ما يهمّه ان يسوق مضابط اتّهام ضدّ الاحتلال تُعلي من شأن المقاومة («غير العبثيّة» طبعاً).
ذاك ان المشكلة التي يطرحها العراق في وجوهنا أكبر من الاحتلال، ذكيّاً كان أم غبيّاً، لطيفاً كان أم جلفاً، علماً بأن هذا الاحتلال غبيّ وجلف. بل ان المشكلة المذكورة أبعد من السياسة بالمعنى الذي تُحمل عليه كلمة السياسة، علماً بأنها تتقاطع، حكماً وتعريفاً، مع السياسة، المحليّ منها والاقليميّ والدوليّ.
ان مشكلة العراق انه، وهو في ذلك مثل بلدان عربيّة وعالمثالثيّة كثيرة، مشروع فاشل. فليس بلا دلالة ان الفيديراليّة التي أجازها مؤخّراً البرلمان ذو الأكثريّة الشيعيّة، مرفوضة سنيّاً، بل هي أحد بواعث المقاومة أو ما يُسمى كذلك. وليس بلا دلالة، في المقابل، ان العراق الجمهوريّ لم يستطع، منذ نشأته في 1958، ان يحافظ على وحدته الا بدرجة بعيدة من القسر ابتدأه عبدالكريم قاسم وتوّجه صدام حسين. وهو قسر لم يكن يؤسّس تماسكاً أكبر ووحدة فعليّة تظهر نتائجها على مدى زمنيّ أبعد، بل كان يمعن في تفتّت مستور ومخبّأ هو الذي يتّخذ راهناً شكل التشظّي الفجائعيّ.
فلا الفيديراليّة، إذاً، ممكنة، ولا الوحدة البسيطة ممكنة، ولا العودة الى الملكيّة المرفقة بوجود بريطانيّ متفاوت ممكنة، ولا الرجوع الى الزمن السلطانيّ للعثمانيّين ممكن، فيما التقسيم أكلافه هيوليّة أكان ذلك دماً وفرزاً سكانيّاً في كركوك وبغداد والبصرة، أم كان أبعاداً إقليميّة لا تنذر الاّ بانهيار المنطقة كلّها.
تتّضح الاستحالة هذه على نحو أقلّ مباشرة، وأقلّ ذكاء في الوقت نفسه، حين نجد الساعين الى وفاق وطنيّ يستنجدون بالعشائر علّها تطفئ جذوة الطوائف، وبالعشائر ايّاها يستنجد الساعون الى المقاومة التي تبغي، أقلّه كلاميّاً، طرد المحتلّ وتجديد وحدة العراق.
وحين يكون علاج العنف والتفتّت بالعشائر، قلْ على الدنيا السلام. أما الدنيا المقصودة فتلك التي ابتدأتها عشرينات القرن الماضي حين نشأ العراق دولةً واحدة ومجتمعاً يُفترض أنه واحد. وهو زواج لم ينجح بين شكل سياسيّ حديث وواقع عربيّ - اسلاميّ حادّ في توازناته العصبيّة وعاجز، في آن معاً، عن توليد شكل بديل لاجتماعه. وفي هذا جميعاً نبقى في العنف وفي ما قبل السياسة مما يسمّيه بعضنا ديموقراطيّة وبعضنا مقاومة. والعياذ بالله!