دورالتحالف السعودي امريكي فى حرمان الحجازيين من رعايةالمقدسات وأنصبة الثروة البترولية
[align=center]دور التحالف السعودى الأمريكى فى حرمان الحجازيين من رعاية المقدسات ومن أنصبة الثروة البترولية *[/align]
كتابات - فكرى عبد المطلب
لم يكن التغلغل الأمريكى المُبكر ، فى المنطقة العربية ، إلا عبر تلك المملكة الكائنة فى قلبها، باسم المملكة السعودية ، حين منحت الأخيرة امتيازات التنقيب عن النفط لواحدة من أضخم الشركات الأمريكية ، العاملة فى هذا المجال ، والتى عُرفت – عالمياً – فيما بعد ، باسم (أرامكو) ، وهو ما كان يتوافق مع طبائع الاستعمار الجديد ، فى شتى أرجاء الكوكب ، والتى تتخذ من الهيمنة الاقتصادية مدخلاً للهيمنة السياسية والثقافية ، بديلاً عن الهيمنة العسكرية المباشرة ، لبلوغ غايات الهيمنة المتعددة ، وهو ما عبرت عنه الولايات المتحدة الأمريكية ، بجلاء ، فى عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى ، بحثاً عن دور عالمى ، ظلت تملأ فاعلية مساحاته قوى الاستعمار الأوربية الغربية ، ولاسيما البريطانية ، التى شكل وجودها السياسى والاقتصادى والعسكرى المؤثر فى المنطقة العربية ، وخاصة فى الجزيرة العربية ، من جهة عقبة كأداء أمام الطموح الأمريكى لوضع قدم ثابتة فيها ، ومن جهة ثانية مجالاً حيوياً لتنشيط رأس المال الأمريكى ، العامل – أساساً – فى مجالات التنقيب والاستخراج والتكرير والنقل والتسويق للنفط . وهو ما حدا بالشركات الأمريكية ، المختصة بهذه الشئون ، للعمل فى الأراضى (السعودية) ، من خلال الشركات البريطانية المحتكرة للامتيازات النفطية فى هذه الأراضى .
واستناداً إلى ذلك ، فإن مدار هذا البحث سينصب على شرح وتحليل الدور السياسى لشركات النفط الأمريكية ، ولاسيما آرامكو ، فى مملكة آل سعود ، خلال العقود السبعة الأخيرة ، من القرن المنصرم ، بوصفه الأساس الذى تشكلت ، من خلاله ، عرى التحالف السعودى -الأمريكى ، مع بدايات الصعود العالمى للقوة الأمريكية الجبارة ، والتى وفرت لمملكة آل سعود غطاء سميكاً من الحماية السياسية والعسكرية ، بعد عقود من الحماية البريطانية الغابرة لتلك المملكة .
1 – الذراع الاقتصادية الأمريكية فى جزيرة العرب :
ارتبط عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة السعودية – كما هو معلوم – بعلاقات سياسية وعسكرية خاصة مع بريطانيا ، منذ زمن بعيد ، ولاسيما فى الفترة الواقعة بين عامى 1915و1924 ، حيث كانت إمارة ابن سعود فى بادية نجد بمنزلة محمية بريطانية خالصة ، وجدت فيها شركات النفط البريطانية مبتغاها الاحتكارى ، وخاصة (ايسترن بتروليوم كومبانى) و(إينك) ، اللتين بلغت أسهم الحكومة البريطانية فيهما ما بين 23.75 و40 بالمئة ، مما سهل لشركة اينك الحصول على امتياز خاص لأنشطتها فى منطقة الأحساء ، أفصح فيلبى، وهو المستشار البريطانى لابن سعود ، عن شروطه ، فى الآتى :
1 – حق احتكار الشركة للبترول ، ولاحتياطى المعادن الأخرى ، وكذلك حق وامتياز استخراج هذه المعادن الذى يشمل إقامة المنشآت ونصب المعدات .
2 – حق احتكار استخدام منطقة الامتياز ، كما يتراءى لها ، بما فى ذلك الحق فى حفر الآبار وتوصيل أنابيب البترول ، وإنشاء خطوط السكك الحديدية والمبانى ، ومد خطوط البرق والتليفزيونات إلى آخره ، وذلك مع حق احتكار إنشاء مصانع تكرير النفط ، واستخدام المياه المكتشفة فى منطقة الامتياز (وإن كان يمكن للحكومة استخدام كل هذه الخطوط – فقط – فى حالة وقوع الحرب) .
3 – حرية استخدام جميع موانىء البلاد ، بما فى ذلك توسيعها ، مع احتفاظ الدولة (السعودية) بالرقابة عليها .
4 – حرية بيع وتصدير النفط والثروات الطبيعية الأخرى المستخرجة ، وفى الوقت ، ذاته ، لا تملك الحكومة الحق فى التدخل فى أعمال توجيه الامتيازات ، وإنما تلتزم – فقط – بأن يدفعوا لها الرسوم الجمركية المستحقة على ما يقومون باستيراده من مواد غذائية وملابس وبضائع أخرى .
5 – الإعفاء من رسوم الضرائب وإيجار الأراضى .
6 – حق الشركة فى التنازل عن (أو بيع) الحق والامتيازات الممنوحة لها سواء على أجزاء (أو كلية) لواحدة أو لعدد من الشركات الإنجليزية .
7 – حق الحصانة ، فى العربية السعودية ، لممثلى الامتياز ، الذين يعدون مسئولين أمام الحكومة البريطانية ، فقط .
وبذلك فقدت إمارة ابن سعود – من خلال أول اتفاقية امتياز نفطية – كل حق لها فى مناطق الامتياز ، وفى الثروات الطبيعية ، الكامنة فى أعماق تربتها ، بل وحتى فى مخزون مياهها، فى حين خلت الاتفاقية من أى نص يمنح الإمارة أدنى حق فى استخدام المنشآت والمعدات والمرافق التابعة للشركة ، فى أوقات السلم ، إلى جانب تمتع الشركة بحصانة ضد قوانين الإمارة ، وحريتها المطلقة فى نقل كل أو جزء من حقوق امتيازاتها لأية شركة بريطانية ، دون التعهد بدفع التعويضات الملائمة لحكومة الإمارة ! وذلك مقابل حصول ابن سعود على عشرين بالمئة من أسهم هذه الشركة ، أو أية شركة أخرى ، قائمة ، إلى جانب إيجار مقابل فترة التنقيب ، يبلغ ثلاثة آلاف جنيه إسترلينى ذهباً .
بيد أن النتائج السلبية لسنوات التنقيب ، التى كانت تطول لأكثر من ثلاث سنوات حملت الشركة البريطانية على نقض اتفاقها مع ابن سعود ، بعد أن دفعت له أربعة آلاف جنيه إسترلينى ، فقط ! .
وأمام تراجع شركات النفط البريطانية ، المعزز بالتقديرات السلبية للمصارف البريطانية فى مجالات الاستثمار النفطية ، وجدت الشركات الأمريكية ، العاملة فى هذه الأنشطة - وبدعم من حكومتها – فرصتها السانحة فى السوق السعودية ، التى صارت آنذاك نهباً لمختلف رؤوس الأموال الأوربية .
لذا ، يمثل مطلع الثلاثينيات ، من القرن المنصرم ، التاريخ الذهبى للشركات الأمريكية ، من خلال الزيارة التى بدأها مسئول حكومى أمريكى (!) فى شتاء العام 1931 إلى مدينة جدة ، هو (ش.كرين) ، حيث تمخضت مباحثاته مع ابن سعود عن موافقة الأخير على استقبال بعثة جيولوجية أمريكية محدودة ، برئاسة (ك.تويتشل) ، التى وجدت – بعد بدء أعمالها – أن التركيب الجيولوجى للأراضى (السعودية) يبشر بالكثير من الامكانات النفطية ، ما حمل الأمريكيين على إغراء ابن سعود بمبالغ مالية سخية ، مقابل منحهم امتيازاً للبحث عن النفط ، وذلك على الرغم من عدم حاجة السوق العالمية لمصادر طاقة جديدة آنذاك ! .
إلا أن السياسة الأمريكية – رغم برجماتيتها – لم تكن معنية ، كثيراً ، بالتقديرات البحتة ، فيما يتصل بهذا النشاط الاقتصادى ، بوصفه – كما أسلفنا – بوابتها إلى التغلغل السياسى فى قلب المنطقة العربية ، وذلك فى ضوء حساباتها الاستراتيجية ، بعيدة المدى .
واللافت ، أن قبول ابن سعود للعرض الأمريكى – ومن قبل للعرض البريطانى – كان تعبيراً عن تدهور الوضع الاقتصادى لسلطنة ابن سعود ، فى نهاية العشرينيات وأواثل الثلاثينيات ، إذ تقلصت حركة التصدير ، وانخفض العائد من الحجيج ، بعد تراجع أعدادهم من مائة وخمسين ألفاً عام 1926 إلى عشرين ألفاً ، فقط ، فى العام 1933 ، الى جانب تدنى المحصول الزراعى ، وخفض بريطانيا مساعداتها المالية لابن سعود ، والتى كانت تشكل نحو أربعين بالمئة من دخل سلطنته ، ففرغت خزانتها ، وتوقف دفع رواتب الموظفين ، وكذا المبالغ الخاصة بالقبائل الموالية ، فاشتدت وطأة المضاربات ، وامتنعت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا عن منح ابن سعود قروضاً جديدة ، فى الوقت الذى كان ملزماً فيه بسداد مستحقات تقدر بمائتين وتسعة عشر ألف جنيه استرلينى ، مما حدا بأعداء ابن سعود ، فى الداخل والخارج، لتأليب القبائل البدوية ضده ، ما هدد وجود مُلك ابن سعود ، الذى وجد فى رأس المال الغربى الاحتكارى وسيلته لجلب الأموال التى تعزز من تماسك سلطنته ، ولم يكن مصدر هذا التمويل سوى شركات النفط الأمريكية ، بعد تراجع الشركات البريطانية .
وقد كتب الانجليزيان : ك.تيوهيندهيت وأ. هاميلتون ، عن أوضاع السوق العالمية للنفط ، يقولان : " فى عام 1930 قل الطلب على البترول فى الولايات المتحدة ، وقد انهارت السوق تماماً بعد اكتشاف البترول فى شرق تكساس فى اكتوبر من العام نفسه إذ إن سعر البرميل قد هبط من 1.3 دولار إلى 5 سنتات " .
وأضاف أنه بعد " عدة سنوات (كانت قد) حققت فيها شركات البترول أرباحاً ضخمة اصطدمت فجأة بواقع أن عليها أن تحقق حتماً خسائر فادحة " وهو ما أدى إلى أن " تتخلى العديد من الشركات الأمريكية ، وخاصة الشركات الصغيرة ، عن عملياتها بالخارج ، فى الوقت الذى استمرت فيه بعض شركات البترول الضخمة فى العمل فى الشرقين الأوسط والأدنى (...) مع أنها فقدت الثقة بمستقبل البترول فى الجزيرة العربية (!) وهو ما حمل "شركتى : (تكساس أويل) و(جلف كوربوريشن) على رفض " عرض تويتشل بشأن الحصول على امتياز فى المملكة السعودية " .
ويشرح الكاتبان كيف أن الشركتين لم تكتفيا " بمجرد الشك فى تقديرات الجيولوجى الأمريكى بل إنهما لم تشاءا أن يخرقا اتفاقية " الخط الأحمر " (وأن) الشركة الوحيدة التى جازفت (بالعمل مع تويتشل) كانت " ستاندارد أويل كومبانى أوف كاليفورنيا " ، والمعروفة ، اختصاراً ، باسم (سوكال) .
وهكذا ، وصل تويتشل إلى الحجاز فى أبريل 1931 ، مركزاً ، فى البداية ، على الأبحاث المتصلة بوجود الماء (...) فى تربة وادى فاطمة ، على طريق مكة المكرمة ، تبعها برحلة أبعد إلى الشمال ، بحثاً عن مناجم ذهب مهجورة ، وصفها بأنها أقرب إلى مناجم الملك سليمان الأسطورية (!) .
ولكنه ، فى شتاء 32 – 1933 اتجه شرقاً إلى الأحساء ، ثم توجه إلى الرياض لمقابلة ابن سعود ، حيث بادره تويتشل قائلاً : " أن هناك فارقاً بسيطاً بين جيولوجية البحرين وجيولوجية البر ، ولذا فإن تم العثور على البترول فى البحرين فمن المرجح أن بلدكم أيضاً تحتوى على البترول " .
وبحسب تقرير أحد المسئولين البريطانيين فى منطقة الخليج ، وهو السير لاسى فإن المستشار البريطانى لابن سعود ، المدعو جون فيلبى هو الذى بدأ قصة البترول السعودى فى خريف عام 1930 ، حينما بادر ابن سعود بالقول أنه " مثل الرجل النائم فوق كنز مدفون " ، وذلك تمهيداً لزيارة المسئول الأمريكى تشارلز كرين إلى الرياض ، وهو ما شجع القنصل الأمريكى العام فى لندن ، (أبرت هالستيد) على لتوجيه رسالة ودية إلى فيلبى ، يحثه فيها على لقاء مسئول أمريكى ، سيكون له دوره المؤثر فى قصة النفاذ الأمريكى إلى البترول السعودى ، وجاء فيها : " اسمح لى أن اعرفك بالسيد (فرانسيس ب. لوميس) المحترم نائب وزير الخارجية الأمريكى السابق ، والرجل الشهم الذى عرفته وحاز على رضائى بالفعل منذ سنين عديدة (...) ، لقد أعجب السيد لوميس بعملك فى الصحراء كثيراً (!) ويرغب فى مقابلتك " .
ويشير لاسى إلى أن اللقاء بين الاثنين قد تم بالفعل فى يوليه 1932 ، حيث أوضح فيلبى للوميس مدى حاجة ابن سعود للموارد المالية السريعة ، مقابل منح الأمريكيين امتياز التنقيب عن النفط فى أراضى مملكته وذلك بقوله : " إن الملك سيكون مهتماً أكثر بحجم المبلغ الذى سيدفع مقدماً ، و(أنه) من المفضل (أن يكون) بالجنيهات الذهبية ، و(ذلك) من (ضمن) تفاصيل الاتفاقية الدقيقة " .
بيد أن فيلبى سارع – أيضاً – إلى إبلاغ زملائه البريطانيين ، العاملين فى ميدان البترول بفحوى الخطة الأمريكية لاقتناص امتياز بترول مملكة ابن سعود ، ليجد ممثلو الشركة الأمريكية (سوكال) أنفسهم فى منافسة مع الشركة البريطانية (آى بى سى) .
والمدهش أن فيلبى لم يجد حرجاً فى الاعتراف بقبوله ألف دولار شهرياً مقابل تعزيز مساعى الشركة الأمريكية ، وكذلك فى قبول دفعات مالية سرية من البريطانيين ، ولا فى تحديد أسعار لدفعات أخرى ، بالتفاهم مع ابن سعود ووزير ماليته عبد الله سليمان ، بلغت قيمتها مائة ألف جنيه ذهبى ، كى يدفعها الأمريكيون لهم (!) .
ويذكر لاسى أن البريطانيين منحوا فرصة ثانية لضمان سيطرتهم على البترول السعودى ، لكنهم اتبعوا نفس التكتيك ، الذى لجأوا إليه قبل عشر سنوات ضد الرائد هولمز : أى عرقلة الأمور دون أى محاولة جادة للتعهد بشىء ، فقد قال لهم ماسحوهم أنه لا وجود للبترول فى بلاد العرب ، وحتى لو كان هناك بترول فى باطن قبة الدمام ، فقد كانت الشركة (البريطانية) تملك بترولاً فى العراق أكثر من احتياجاتها لأن السوق العالمية اتسمت حينئذ بفرط الانتاج وتدهور الأسعار .
ومع ذلك ، فقد اعترف مسئول بريطانى ، هو (ستيفن لونجرج) أنه توجه إلى جدة ، فى ربيع 1933 ، فى محاولة لإبقاء الأمريكيين خارج المنطقة ، وهو أمر كان صعباً فى ظل حديث لونجرج المتذمر عن دفع مائتي جنيه شهرياً ، فقط ، لابن سعود ، بينما كان الأمريكيون على أتم الاستعداد لدفع نصف المبلغ الذى كان ابن سعود يطالب به ، وهو خمسون ألف جنيه ، على الأقل ، شهرياً .
ذلك أن أحداً لم يدرك أثناء المساومات قيمة الثروة المعدنية ، المفترض أنها ستؤدى إلى ربط مملكة ابن سعود ربطاً وثيقاً بالدولة التى لم يكن لها حتى عام 1933 ممثل دبلوماسى فى جدة ، أى الولايات المتحدة ، وذلك على الرغم من أن ابن سعود حاول حتى آخر لحظة ترجيح كفة البريطانيين ، ولم يتخل عن هذا – كما يقول لاسى – إلا عندما قال له الدبلوماسى البريطانى أندرو ريان بهدوء أن يقبل العرض الأمريكى (مال مقابل لاشىء) والذى لم يكن سوى أوهام الاكتشافات البترولية ، كما حاول أندر وريان تضليل ابن سعود .
وعلى الرغم من دخول الشركة البريطانية (إيسترن بتروليوم كومبانى) المنافسة مع الشركة الأمريكية (سوكال) للتنقيب عن الثروات الطبيعية فى مملكة ابن سعود ، فإن الأخير فضّل الشركة الأمريكية : أولاً لأنها كانت على استعداد لتقديم القروض دون إبطاء ، وثانياً لأن ابن سعود كان يخشى ، وفى ذهنه الصراع الطويل مع إنجلترا ، تغلغل الشركة البريطانية فى مملكته فى ظروف سيطرة إنجلترا على الشرق الأوسط بأكمله .
ومن ثم ، رأى ابن سعود أن نشاط (سوكال) يمكن أن يوازن (...) – بدرجة ما – تأثير إنجلترا فى المنطقة بحسب ما ذهب المؤرخ الروسى ألكسندر ياكوفليف .
بيد أن العامل المؤثر فى اتجاه ابن سعود إلى (سوكال) هو عرضها المالى المُغرى ، والقاضى بمنح ابن سعود خمسة وثلاثين ألف جنيه استرلينى ذهباً ، وذلك على الرغم من قرار الرئيس الأمريكى روزفلت بحظر تصدير الذهب فى 20 أبريل 1933 .
وكانت المباحثات بين الحكومة السعودية وممثلى شركة سوكال - وهم : رئيسها لورد هاميلتون ، والنائب السابق لوزير الخارجية الأمريكى ف.لوميس ، ووساطة القنصل الأمريكى فى لندن أ.هالستيد – قد بدأت فى ديسمبر ، من العام 1932 ، والتى حاول الجانب السعودى أن يصل من خلالها إلى شروط أقل إجحافاً فى اتفاقيته الجديدة ، مستفيداً من خبرته فى الاتفاق السابق ، مع البريطانيين ، وتضمنت هذه الشروط :
1 – تقوم الحكومة السعودية بتأجير المنطقة اللازمة للشركة مقابل أن تدفع (الشركة) لها مقدماً ما مقداره 5 آلاف جنيه ذهباً .
2 – تحصل الحكومة على 30% من صافى أرباح التنقيب وبيع البترول .
3 – تقدم الشركة للحكومة قرضاً فى حدود مائة ألف جنيه إسترلينى ذهباً .
وفى التاسع والعشرين من مايو عام 1933 وقع لورد هاميلتون مع وزير المالية السعودى عبد الله سليمان اتفاقاً يمنح شركة (سوكال) امتيازاً بالبحث والتنقيب عن البترول ، فى مساحة قدرها 932 ألف كيلو متر مربع ، لمدة 66 عاماً ، وفى السابع من يوليه ، من نفس السنة ، وقع ابن سعود مرسوماً برقم 1135 ، يعطى لهذا الامتياز ضماناته .
إلا إن شروط الاتفاق كانت تعطى أرباحاً أقل ، مما فى فى دولة العراق المجاورة ، نظراً للاهتمام الضعيف بالبترول المتوقع فى السعودية ، إلى جانب عامل آخر أهم ، هو حاجة ابن سعود الماسة للموارد المالية ، وهو ما أوضحه فيلبى ، نقلاً عن ابن سعود : " لو أن أى شخص عرض مليونا من الجنيهات لأعطيته كل الامتيازات التى يطلبها " .
ولهذا لم تتعدل ، كثيراً ، شروط امتياز سوكال عن شروط الامتياز البريطانى عام 1923، التى اتسمت بالطابع الاستعمارى ، نفسه ، وذلك على النحو التالى :
1 – للشركة الحق فى التنقيب واستخراج وتصدير النفط ومنتجاته سواء كان فى حالته الخام أو مكرراً فى منطقة الامتياز .
2 – للشركة الحق فى إنشاء وسائل الاتصال اللازمة لعملياتها بما فى ذلك اللاسلكى والبرق وأنظمة التليفونات والسكك الحديدية ووسائل النقل البحرى والبرى .
3 – تقبل الحكومة توفير الظروف الملائمة من أجل حصول الشركة على الأراضى اللازمة لإقامة عملياتها ، وللشركة الحق فى استخدام الأراضى المملوكة بأسعار مخفضة ، وفى حالة أن تكون هذه الأراضى ملكاً لجهات خاصة تدفع فيها متوسط الأسعار السائدة فى تلك المنطقة. وليس للشركة أى حق فى امتلاك أو استخدام أى أرض فى الأماكن المقدسة أو تلك التى لها قيمة تاريخية أو أثرية ..
أما البند العاشر : فقد نص على إعفاء الشركة " من فرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة عليها ، و(كذا) من الضرائب المعتادة على المعدات الضرورية والمواد الغذائية وغيرها (وكذلك) المستوردة لصالحها " .
أما الجديد فى هذه الاتفاقية فكان التزام الشركة فى المادة التاسعة بـ : " بأن تعيد للحكومة المناطق التى لم تستخدمها والتى رأت الشركة أنها لن تستخدمها فى المستقبل (!) وذلك فى غضون 90 يوماً من حفر الآبار " كما تشترط المادة 23 " الاستخدام الواسع بقدر الإمكان للمواطنين السعوديين للعمل فى مؤسسات الشركة " ، ناهيك عما يسمى التزام الشركة ، وفقاً للمادة 36 " بعدم التدخل فى الشئون الإدارية والسياسية للعربية السعودية " وأن تقوم " بإنشاء مصنع لتكرير البترول " .
أما الشروط المالية للامتياز فتحددت فى الآتى :
- تدفع الشركة 4 شلنات ذهبية عن كل طن بترول (!) .
- أول قرض يحين موعده عام 1933 سيكون فى حدود 30 ألف جنيه استرلينى ذهبى ، يمثل نصف حساب حصة الحكومة مقابل حق الانتفاع بالأرض .
- يقدم القرض الثانى عام 1935 ، وهو فى حدود 20 ألف جنيه استرلينى .
- تُدفع رسوم إيجار سنوياً بدءاً من عام 1933 وحتى اكتشاف البترول بكميات تجارية .
وفى العام 1939 أبرمت الشركة مع حكومة ابن سعود اتفاقاً تكميلياً ، حصلت بموجبه على امتياز العمل فى مساحة قدرها 207.2 آلاف كيلو متر مربع ، لمدة ستين سنة ، وكذلك على الحق فى استخراج الثروات الطبيعية الأخرى فى البلاد ، على مساحة قدرها 153 ألف كيلو متر مربع ، بعد أن دفعت 140 ألف جنيه استرلينى .
وطبقاً لهذا الاتفاق ، تعهدت الشركة بدفع إيجار سنوى ، فى حدود 20 ألف جنيه استرلينى حتى يتم اكتشاف البترول فى المناطق الإضافية ، التى أستأجرتها بالسعر التجارى ، أو أن تعيد هذه المناطق .
كما تدفع الشركة 100 ألف جنيه استرلينى ، دفعة واحدة ، فى حالة اكتشاف البترول ، وتقدم للحكومة السعودية 230 ألف جالون بنزين و100 ألف جالون كيروسين مجاناً ، سنوياً .
وكانت سوكال قد نقلت امتيازها إلى شركتها الفرعية (كاليفورنيا آرابيان ستاندرد أويل) ، فى العام 1933 ، التى تنازلت ، بدورها ، وبعد ثلاث سنوات عن نصف أسهمها لشركة (تكساس أويل) المعروفة اختصاراً بـ (تكساكو) ، وذلك مقابل ثلاثة ملايين دولار ، دفعت نقداً ، كما تعهدت بدفع 18 مليون دولار أخرى ، من نصيبها من الدخل ، بعد بدء استخراج البترول بكميات تجارية .
ولكن ، بداية من الحادى والثلاثين من يناير 1944 أصبحت شركة البترول المتحدة تسمى (آرابيان أمريكان أويل كومبانى) أى شركة البترول الأمريكية - العربية ، التى باتت تعرف اختصاراً بـ (أرامكو) .
وفى الثانى عشر من مارس ، من العام 1947 تم إبرام اتفاقية بين أرامكو والمساهمين الجدد، وهما شركتان أخريان امتنعتا عن أخذ ما استحق لهما من أرباح أرامكو لعدة سنوات ، ما كلف مساهميها نحو 496.2 مليون دولار ! .
وقد ذكر رئيس إحدى الشركتين ، فى معرض حديثه عن سبب جذب " شركات أمريكية جديدة" أن ابن سعود كان مهتماً بزيادة المدفوع ، " بينما لم تكن إمكانات " سوكال " و" تكساكو " تسمح بتسويق كميات البترول التى استطاعوا استخراجها " ، مشيراً إلى أن شركتى (إيكسون) و(موبيل) استطاعتا " فتح أسواق جديدة للبيع ، بالإضافة إلى أنه كانت لديهما إمكانات مد خطوط البترول إلى البحر المتوسط " .
لكن السبب الرئيسى – كما يقول ياكوفليف – هو أن " مجموعة روكفلر " ، التى كانت ترأس كلاً من (سوكال) و(إيكسون) و(موبيل) كانت تتعجل زيادة وجودها فى الجزيرة العربية ، حيث تم اكتشاف كميات هائلة من النفط الرخيص ! .
إلا إن رخص ما وصف بالذهب الأسود فى مملكة ابن سعود لم يكن – كذلك – لدى ابن سعود. إذ يقال " أنه عندما تسلم وزير مالية عبد العزيز (ابن سعود) أول دفعة من ثمن امتياز البترول – 350000 جنيه ذهبى – قام بوضعها فوراً تحت سريره (!) " .
ولكن أبناء الوزير عبد الله السليمان – كما يقول لاسى " ينكرون ذلك اليوم . إنهم يتذكرون (فقط) وصول الصناديق الثقيلة إلى بيتهم فى جدة فى صيف عام 1933 ، إلا إن نقلها حال دون حملها إلى الطابق الأعلى حيث كانت العائلة تنام " .
ويضيف : " إن ظهور 35000 جنيه ذهبى فى السعودية عام 1933 كان حدثاً كبيراً (فقد) كانت المملكة تفتقر إلى بنية إدارية : وكان التجار فى الخارج يصدرون التأشيرات ، وكان وزير المالية يحتفظ بالخزينة فى بيته (!) " ، بعيداً عن أعين الحجازيين الذين كان ابن سعود قد استنزف مواردهم ، من قبل .
ويتابع لاسى قائلاً : " لم يكن هناك تمييز بين ما هو عام وما هو خاص ، لقد اعتبر عبد العزيز (ابن سعود) المال الذى دفعته ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا بمثابة ملكه الخاص ، وليس ملكاً للدولة التى كانت مفهوماً لا يعنى الكثير بالنسبة إليه " .
.