مؤرخ فرنسي: المذهب الشيعي أكثر تقدمية...!!!
إمّانويل تود:
إيران أكثر حداثة من تركيا وأقل خطراً على السلام من أميركا
المستقبل - الاحد 22 تشرين الأول 2006 - العدد 2424 - نوافذ - صفحة 12
ترجمة بسّام حجّار
يرى المؤرّخ والباحث في الديموغرافيا، إمّانويل تود، أنّ عمليّة التحديث التي تشهدها إيران أهمّ بما لا يُقاس من تصريحات رئيسها المثيرة للجدل. ومن هنا اقتراحه، المثير للجدل، هو أيضاً، قيامَ شراكةٍ بين أوروبا وإيران.
يبدو المؤرّخ المتخصّص بالتنبؤ بانهيار إمبراطوريات عصرنا الحديث هذا، واثقاً من انهيار ما أسماه في آخر مؤلّفاته ("ما بعد الإمبراطوريّة: دراسة في تفكّك النظام الأميركي"؛ دار نشر غاليمار، باريس 2002، ودار الساقي، لندن ـ بيروت 2003 للترجمة العربيّة) "الإمبراطوريّة الأميركيّة" التي فقدت وسائل السيطرة، وانخرطت في "حروبها المسرحيّة" ضدّ الإرهاب.
ما يدلي به إمانويل تود في الحديث الذي أجراه معه فيليب كوهِن (مجلّة "ماريان" الأسبوعيّة الفرنسيّة في عددها المؤرَّخ في 137 تشرين الأول 2006) يتعارض كلّياً مع السّائد في أوساط المثقفين في أوروبا والعالم، وخاصّة عقب التصريحات الناريّة المتكرّرة التي أطلقها (وما زال يطلقها) الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حول "محو إسرائيل" عن الخارطة وحول حقّ إيران في مواصلة أبحاثها النوويّة.
إيران، إسرائيل، لبنان، وأوروبا هي محاور حديث تود، الفرنسي، نصف الأميركي (بالمولد)، و"محطّمُ أيقونات الآراء الشائعة" كما يحلو لمريديه أن يسمّوه.
في ما يلي نص حديثه بالعربيّة:
***
ماريان: هل تقرّ مسعى جاك شيراك الأكثر تساهلاً مع إيران؟
إمانويل تود: إنّه لأمر حَسَنٌ أن ينتقل المرء من موقف المواجهة إلى موقف التفاوض. غير أن المسألة الإيرانيّة ينبغي أن تُقارَب من زاوية موازين القوّة بين أوروبا والولايات المتحدّة.
أميركا بلدٌ آفلٌ وعدوانيّ يسعى وراء النزاع لأجل النزاع. قُبالةَ أميركا تقف أوروبا مرتبكةً بالتأكيد، غير أنّ مصلحتها الاستراتيجيّة تقضي بالحفاظ على السلمِ والتجارة والتعاون مع جيرانها. والحالُ أنّ السياسة الأميركيّة تهدفُ إلى السيطرة على منابع النفط التي تحتاج إليها اوروبا واليابان، بغيةَ الحفاظ على هيمنتها على هاتين القوّتين. لقد رفض جاك شيراك وغيرهارت شرودر أن يشاركا في تدمير العراق، حتّى أنّهما عملا لكي يُحجم العالم عن تمويل الحرب الأميركيّة. كان الهدف التالي هو إيران، البلد الواقع في المحيط الأمني لأوروبا. فقد يكون في صالح الأوروبيين أن يعملوا على حمايتها من الاعتداء الأميركي نظراً لكون إيران مصدراً آخر للتزوّد بالنفط الأمر الذي يزيد من هامش حريّتهم إزاء روسيا. لا شكّ في أنّ للقيم الجامعة شأنها. ولكن ينبغي لأي سياسة دوليّة حكيمة أن تسعى وراء التوفيق بين هذه القيم وبين الدفاع عن المصالح القوميّة أو القاريّة إذا ما كُتِبَ النجاح لتوسيع الاتحاد الأوروبي.
وما هي مصلحة الأيرانيين في كلّ هذا؟
ـ لاحظت من خلال أحاديث أجريتها مع دبلوماسيين إيرانيين رفيعي المستوى، إنّ تكامل المصالح الإيرانيّة والأوروبيّة هي قناعة راسخة في طهران. على المستوى الاقتصادي، بالطبع، ولكن أيضاً على المستوى الدبلوماسي: فإذا ما صرفنا النظر عن الاتهامات التي توجّه لإيران، وصور النساء المتشحات بالسواد، يتضح لنا أن الإيرانيين منخرطون في مسارٍ من عدم الانحياز، هو أقرب إلى مسار الديغوليّة. والحقيقة أن الديغوليّة هي إيديولوجيّة قوّة من الصفّ الثاني على غرار إيران اليوم.
ولكن هل تجوز الثقة برئيس يصرّح في محو إسرائيل عن الخارطة؟
ـ عندما التقيت الدبلوماسيين الإيرانيين أوضحت لهم الجانب الذي يجعل تصريحات الرئيس أحمدي نجاد غير مقبولة، وخاصّة في نظر الأوروبيين. ولكن هل يمكن لأحد منّا أن يفكّر في الواقع الإيراني بصرف النظر عن هذه المداخلات المثيرة للجدل؟ الإيديولوجيّة لها حساب، والكلمات لها وزنها، لكنّ الواقع هو الأهم. إيران لا تملك الإمكانيّات التي تجعلها قادرة على محو إسرائيل التي، من جانبها، عمدت مؤخّراً إلى تدمير جزء من لبنان. لا شكّ في أن للإسرائيليين هواجس أمنيّة مشروعة، ولكن يتعيّن على الأوروبيين اجتناب رؤية "يهوديّة المركز" للسياسة العالميّة. لقد أظهر الهجوم على لبنان استمرار أميركا عدوانيّة ساعية لجرّ حلفائها إلى الحرب. وهذا الهجوم يشكّل منعطفاً، لأنّ الولايات المتحدة باتت أشد خطورة على السلام في العالم من إيران.
ألا يقلقك الرئيس الإيراني؟
ـ إيران تسلك مساراً تحديثياً يمنعها من السقوط في نوعٍ من "النكوص الإسلاموي". إنّ المثَلَيْن الصالحين في نظر إيران هما الثورتان الفرنسيّة والروسيّة. وعلى غرار ما جرى في هاتين الحالتين، يؤدّي انتشار التعليم إلى أزمة إيديولوجيّة وسياسيّة تفضي بدورها إلى إسقاط نظام ملكيّ تعقبه حقبةٌ من العنف الضاري يليه انخفاض تدريجي في مستويات التشنّج وخروج من الحقبة الإيديولوجيّة المتشدّدة. تبرزالأزمة السياسيّة عندما يُجيدُ نصف الناس القراءة والكتابة؛ بعد ذلك يُخفّض تعليم النساء نسبة المواليد، ما يؤشّر إلى تحديثٍ عقلي وثقافي. لقد أعقب الثورة الإسلاميّة انخفاضٌ كبير في نسبة المواليد حتّى بلغ المعدّل 1.2 (أي معدّل مساوٍ لمعدّل الولايات المتحدة، وأقلّ بأشواط من معدّل تركيا: 4.2). بهذا تكون إيران، في نظر أي باحثٍ في الديموغرافيا، أكثر حداثة من تركيا.
وإذا كانت إيران ليست ديموقراطيّة كاملة، فإنّ ثورتها وسجالاتها السياسيّة الداخليّة وانتخابتها المتواصلة تنمّ بوضوح عن مناخٍ ديموقراطي لا يُقارن بالسائد في تركيا التي تبقى ديموقراطيّة تحت سيطرة عسكريّة. وقد أقمتُ رهاني هذا على حقيقة أنّ إيران تشهد ما شهدته أميركا فيما مضى، وهو ولادة ديموقراطيّة من رحمٍ دينيّ يؤدّي فيه التشيّع، وهو متغيّر ديني ينطوي على قيم التمرّد والسجال، دوراً مماثلاً للدور الذي أدّته البروتستانتيّة التي كانت منبع الديموقراطيّة الأميركيّة. كتبَ توكفيل: "إذا أرسَت ديانة ما جذوراً راسخةً في صلبِ ديموقراطيّة، فحذارِ أن تزعزعوها". واستناداً إلى قولِه لا ينبغي لنا أن نقيم مبدأ التعارض بين الديانة والديموقراطيّة.أحمدي نجاد تحدّث أيضاً عن "خرافة" اسمها المحرقة...
ـ الأوروبيون يشعرون، بحقّ، بأنّهم مذنبون في (ارتكاب) جريمة كبيرة. ولكنّ شعورهم بالذنب هذا لا ينبغي أن يقودهم إلى (ارتكاب) أخطاء أخلاقيّة أخرى. فلن يكون مقبولاً أن تندّد أوروبا بأحمدي نجاد وأن تحجم في الوقت نفسه عن استخدام قوّتها الاقتصاديّة لإرغام إسرائيل على القبول بدولة فلسطينيّة. وعلى من يضنّ بمصير إسرائيل أن يسأل عن تخلّيها عن قرارها المستقلّ عن أميركا. كان المِثال التقليديّ للعداء للساميّة يكمن في تعظيم شأن اليهود في (أحداث) التاريخ. أمّا معادو الساميّة الحاليون فيفترضون أن 6 ملايين نسمة يسيطرون على قرار بلد من 300 مليون. لذلك فإنّ التهديد الذي يحدق بإسرائيل فعلاً ينشأ عن هذه التبعيّة حيال الولايات المتحدة لا من تصريحات الرئيس الإيراني المعادية للسامية.
إلى حدّ السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي؟
ـ إنّ الحجّة التي يدحض بها الإيرانيون اتهامهم بالسعي لامتلاك سلاح نووي تبدو هي حجّة من المستوى الرفيع: فإذا كنّا قادرين، يقول الإيرانيون، على مواجهة القوى العظمى قاطبة بـ"لا" حاسمة حول وقف برنامجنا النووي المدني، فما الذي يُحْوِجنا إلى امتلاك قنبلة نووية؟
ولكن، أيّا كان المبرّر، أليس من الأفضل أن تمتلك إيران، واليابان أيضاً، سلاحاً نووياً؟ إنّ الدرس الوحيد الذي تعلّمناه من تجارب التاريخ هو أنّ الخطر الأساسي، في المجال النووي، ينبع من اختلال التوازن. وكان اختلال التوازن هو السائد سنة 1945 عندما كانت الولايات المتحدة هي المالكة الوحيدة لقنبلة نووية استخدمتها. على الضدّ من ذلك لم تتحوّل الحرب الباردة إلى حرب ساخنة، والهند وباكستان تجريان مفاوضات منذ امتلاكهما السلاح النووي. وأخيراً، لا بدّ أن نلتفت إلى المنطقتين اللتين تشكلان اليوم مسرحاً لحالٍ من التوتّر الدولي، أي منطقة آسيا الشرقيّة، حيث اليابان التي لا تملك سلاحاً نووياً تواجه الصين التي تملك سلاحاً من هذا النوع؛ ومنطقة الشرق الأوسط، حيث إسرائيل وحدها تملك هذا السلاح.
أجل، لكن إسرائيل ديموقراطيّة،بينما إيران...
ـ إنّ الفكرة القائلة إنّ بإمكان مواطني بلدٍ، وبذريعة أنّه بلد ديموقراطي، أن يجتمعوا ويقرّروا فيما بينهم بأنّ لهم الحقّ في قصف مواطني بلد آخر، هي فكرةٌ سوف تودي، في آخر المطاف، بالديموقراطيّة.
ألن تؤدّي النزعة القوميّة الإيرانيّة، مدعومةً بالتعصّب الديني، إلى كوارث؟
ـ لنفترض أن هذه المرحلة هي مرحلة تهافت الإمبراطوريّة الأميركيّة ونشأة عالم متعدّد الأقطاب. لذا فمن الجيّد أن تبرز قوة إسلاميّة كبرى تنمو في ثناياها أشكالٌ ديموقراطيّة غير معهودة ولكنّها واعدة. بسبب (حرب) لبنان عاد الفرنسيون إلى خطّ المواجهة من أجل تحديد علاقات أوروبا مع هذه القوّة الناشئة. والحال أنّ فرنسا، وهي قوّة من الصفّ الثاني، بإمكانها ان تقبل طوعاً بأن تتولّى قوّة أخرى من الصفّ الثاني، أي إيران، حماية الشيعة في لبنان كما تحمي فرنسا المسيحيين. لستُ عليماً بأسرار الآلهة، غير أنّني لا أفهم وجود قوات فرنسيّة في لبنان من دون تشاور مسبق مع إيران. ومن شأن شراكة الأمر الواقع الفرنسيّة الإيرانيّة أن تحمي لبنان من التهديدات السوريّة والإسرائيليّة. كما لا بدّ لشراكة إيرانية فرنسيّة إيجابيّة، وفاعلة في مجال الحدّ من انتشار الأسلحة النووية لأجل السلام، أن تكون البديلَ لهذا الارتجال المُلتَبِس.
http://www.almustaqbal.com/Nawafez.aspx?pageid=30436