في مسرحية في لندن: جورج بوش معتوه وطوني بلير أحمق والحرية لفلسطين
كتب الي أحد الأصدقاء:
تعرض في مسرح الفنون بحي ليستر سكوير في لندن مسرحية كوميدية عنوانها:
"جنون جورج دوبيا أو عودة إلى سترينج لوف" (The Madness of George Dubya or Strangelove Revisited)
تتهكم المسرحية بصناع القرار في واشنطن ولندن، وتقدم للمشاهدين صوراً مضحكة (مبكية) للشخصيات المتنفذة في العاصمتين، فهي إما أنها شخصيات حمقى وجاهلة تدار من حيث تدري أو لا تدري (جورج بوش وطوني بلير) أو شخصيات خبيثة وماكرة وجشعة وتسعى لخدمة مصالح فئوية ولو على حساب سلامة البشرية (الوزراء والمستشارون المحيطون بكل من الرجلين).
وتتلخص قصة المسرحية برؤيا مرعبة لرئيس الولايات المتحدة جورج "دوبيا" – الذي لا يفارق دميته (التيدي بير) – في وقت تتسارع فيه الأحداث وتسخن الأجواء باتجاه غزو عسكري للعراق. يرى الرئيس جورج (الجبان والجاهل وشديد النسيان) في نومه بأن كارثة توشك أن تقع. وسبب الكارثة أن آمر قاعدة عسكرية أمريكية في الأراضي البريطانية يصاب بحالة من الهوس تشبه تلك التي صورها فيلم "الدكتور سترينج لوف" ((Dr. Strangelove لبيتر سيلرز (1964). يهيأ للجنرال الأمريكي بأن مصادر المياه الطبيعية في الولايات المتحدة قد سممت بفعل فاعل هو في هذه الحالة صدام حسين (النظام السوفياتي في حالة بيتر سيلرز). ورغبة في الانتقام، يأمر الجنرال طائرات أمريكية تحمل قنابل نووية بالتوجه مباشرة لضرب العراق مستهدفة بالدرجة الأولى المتحف والآثار البابلية، وبالدرجة الثانية مدينة الموصل في شمال "فرنسا" انتقاماً من جاك شيراك ومن فرنسا لتعطيلهم عمل الأمم المتحدة. تنطلق الطائرات من قاعدتها في بريطانيا، ويصل الخبر إلى الضباط البريطانيين الذين يسارعون بالاتصال برئيس الوزراء، ويسعى الجميع جاهدين لتوقيف الطائرات وإعادتها إلا أن ذلك يتعذر بسبب احتفاظ الآمر لنفسه بالرمز (الشيفرة) التي يمكن بسببها فقط إقناع الطيارين العدول عن مهمتهم. في تلك الأثناء يجري حوار بين ضابط بريطاني وآمر القاعدة الأمريكية. يطلب البريطاني إذناً بالجلوس، فيقول له الجنرال الأمريكي: "هل أنت لواطي"؟ يجيب الضابط البريطاني: "لا، معاذ الله، أنا يا سيدي ضابط في سلاح الجو الملكي". وهنا يقول الجنرال الأمريكي: "هذا ما قصدته بالضبط، فأنتم كلكم، مثل كنيستكم الأنجليكانية، لواطيون".
تتعاظم المخاوف من أن يؤدي القصف النووي إلى حرب عالمية ثالثة وإلى استثارة الرأي العام الإسلامي على أمريكا وبريطانيا، وهنا يستدعى رئيس الوزراء طوني دبلوماسياً عربياً (ربما رمز إلى السفير العراقي) طالباً أن يباشر العراق إلى إسقاط الطائرات الأمريكية قبل أن تصل إلى هدفها، ولكن بم وقد جرد العراق من كل سلاح؟ وهنا يخطر ببال طوني أن يطلب من شارون التدخل لإسقاط الطائرات، ولكن منذ متى يستمع شارون أو يصغي؟ وفي هذه اللحظة تتحول الكوميديا إلى دراما، حيث يقدم الدبلوماسي العربي (العراقي) مرافعة أمام طوني ومن حوله من القادة السياسيين والعسكريين مستعرضاً فيها تاريخ النكبات التي حلت بالعراق منذ أن حطت بأرضه جنود بريطانيا في مطلع القرن العشرين. وكان السرد أميناً ومفصلاً وعميقاً وفي غاية البلاغة، وموجهاً أصابع الاتهام إلى بريطانيا وأمريكا اللتين يسرتا وصول البعث إلى الحكم وعززتا كيانه، ومن ثم ساندتا تسلط صدام واستيلاءه على مقاليد الامور، ثم سلحتاه وحرضتاه على إيران، وأخيراً أغريتاه بغزو الكويت تمهيداً للحرب التي تبعتها سنون طوال من الحصار والتجويع والحرمان. ومن أهم ما ورد في مرافعة الدبلوماسي العربي تسليط الضوء على النفاق والكيل بمكيالين مذكراً طوني بأن صدام كان قد أبدى استعداده للانسحاب من الكويت مقابل انسحاب إسرائيل مما احتلته عام 1967 في فلسطين.
وبينما الجميع في حيرة من أمرهم ماذا عساهم يفعلون، يعثر على آمر القاعدة – الذي شرب حتى الثمل – إلا أنه ما يلبث أن ينتحر مطلقاً على نفسه الرصاص.
ينتحر الآمر ويذهب معه سر الشيفرة، ولم تبق سوى دقائق معدودة على وصول الطائرات الأمريكية إلى أهدافها، وهنا تفاجئ الفتاة التي تنظف مكتب الآمر الأمريكي الساسة والقادة العسكريين باحتفاظها بقصاصة ورقة مدون فيها الرمز المطلوب كانت قد أخذتها من مكتب الجنرال أثناء التنظيف دون علمه. وهنا تبدأ المساومة وتظهر المفاجأة. "أعطوا فلسطين حريتها" كان طلبها الأول، وهنا يضج الساسة والعساكر، ما هذا الذي تقولين؟ لكنهم لا يملكون معها شيئاً وقد لفت جسدها بحزام ناسف على الطريقة "الاستشهادية" مهددة بالضغط على الزرار إذا ما اقترب منها أحد وبذلك يضيعون وتضيع الشيفرة. يوافقون في نهاية المطاف، فتطلب منهم الحرية للشيشان، وبعد تردد يوافقون، ثم تطلب أن توقع أمريكا على اتفاقية كيوتو، وأن تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهكذا، وبعد أن تتحقق المطالب وقبيل ثوان من التفجير يحصل العسكر على الشيفرة فينجحون في إيقاف الطائرات.
وهنا يصحو الرئيس جورج من نومه فزعاً، ويقرر أن يدعو مستشاريه ووزرائه إلى اجتماع عاجل حتى يعيد النظر في سياسات بلاده، فلابد من أن تتوقف بلاده عن إيذاء البشر وتلويث البيئة ودعم الظلم والظالمين، وبينما يحدث نفسه بكل ذلك ويؤنبه ضميره تحيط به مجموعة من الأشخاص يلبسون المراييل الطبية ويتكممون بالكمامات الطبية، فيشدون وثاقه ويحقنونه بالإبر، ويلبسوه سترة المجانين، وينتهي به المطاف في بيت أبيض حصين، أقنعه مساعدوه بأن من مصلحته ألا يغادره على الإطلاق لأن الأعداء له بالمرصاد.
بقدر ما كان التهكم بالساسة البريطانيين والأمريكيين مضحكاً، كان سرد حقائق التاريخ أميناً ونزيهاً. ولعل الجديد الذي يقدمه هذا العمل المسرحي المذهل هو التصريح بما كان حتى وقت قريب محرماً في دور المسرح والسينما، ولا أقصد بذلك النقد اللاذع لجورج بوش أو طوني بلير، فهذا موجود منذ زمن وبكثافة في كافة الدوائر، وإنما أقصد الموقف المؤيد بلا تحفظ للشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، والنقد غير المبطن لشارون وللاحتلال الإسرائيلي، لدرجة التصريح بأن بريطانيا هي التي خلقت إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني الذي شرد من أرضه ودياره، ولدرجة المطالبة بالحرية لفلسطين، شعار مسيرة المليونين في لندن يوم 15 فبراير 2003. ولئن كان ثمة ما يمكن أن يستنبط من ذلك، فهو أن هذه الشجاعة "المسرحية" إنما هي انعكاس للتحول في موقف الرأي العام في بريطانيا وفي الغرب بشكل عام. لقد قدمت المسرحية منظفة مكتب الآمر الأمريكي في صورة "فتاة استشهادية" تمكنت من التسلل إلى هذا الموقع الحساس في قاعدة عسكرية أمريكية تاركة للمتابع لوقائع المسرحية أن يستنتج أو ينسج التفاصيل.
ينتهي عرض مسرحية جورج دوبيا في الثالث والعشرين من أغسطس.