ال سعود

سلطان الرفاعي

العربية السعودية هي بلد المحظورات الثلاثة:
لا تتكلم . ففي بلاد يتفشى فيها الضجر . تصبح الاشاعة المتنقلة الشغل الرئيسي للجميع ،والصمت حماية ضد الوشاة المدنيين أو الدينيين ، المتبرعين أو المكلفين ، والذين يترصدون وينقلون الأقوال.
ولا ترَ. ان تضافر العادات السائدة والرغبة المنافقة في تجنب التعرض للأذى قد ولد في هذا البلد ضرباَ من العمى لا مثيل له الا في الأنظمة الديكتاتورية ، وان كان أكثر حدةَ بسبب ثراء البلد.
ولا تسمع. ففي خضم الثرثرات والتفاهات المتبادلة في واقع الحياة الاجتماعية في جدة والرياض . قد يوصلك قول أو نقد الى الهلاك .تجنَب الشخص الذي نقله اليك همساً، واعلم أن المستمع الجيد انسان معرض للمخاطر دوما.
كن أعمى ،وأخرس، وأطرش، وستكون رجلاً محترماً في العربية السعودية، وبوسعك أن تجمع ثروة طائلة . ولكن هناك حدود لكل شيء . ان الصمت المتواطئ الذي يطوق هذا البلد قد يصعب تحمله، ويحدث، بين الحين والآخر أن يخترق هذا الصمت ، مقال، أو كتاب ، يتناقله الناس تحت معاطفهم ، ويثير عند من يقرأه الذكريات المريرة . ولكن الأمر يقف عند هذا الحد . ان المهاجرين ، شأنهم شأن السعوديين متواجدون في البلد لكسب المال وليس لمحاربة نظام مكنهم من الاثراء. هنا المعبود هو العجل الذهبي . أما الحكومات الاجنبية التي ترسل وزراءها الشحاذين ، على امتداد السنة ، فانهم يسخرون من احترام حقوق الانسان .
تتحدثون عن هذه الحقوق هنا؟ ان الكلمة النهائية حتى اشعار آخر هي للريال. انه كالرمال ، يخفي ويتكتم على كل شيء.
لا أحد يعرف العدد الحقيقي لأفراد عائلة آل سعود . هذا سر من أسرار الدولة . تقدر اليوم بسبعة عشر ألف ، منها سبعة آلاف ذكر . ان العائلة كثيرة التوالد (كان للملك عبد العزيز ستة وثلاثون ولدا ، وللملك سعود مائة وابنان) . وهي تشكل اليوم طبقة اجتماعية حقيقية . انها طبقة مميزة ، بالطبع، لها قوة مالية هائلة وتحيا حياة باذخة ، ويسيطر الأمراء على كل مرافق الحياة ، وهم متواجدون في كل مكان . وكما يقول عامة الناس عنهم: ((انهم أهل البيت)) . وفي المقابل لا يتعدى أفراد الأسرة المالكة في عُمان خمسة وعشرين أميراً، ويعيشون حياة اعتيادية مثل بقية افراد الشعب ، ولا تسمع عنهم الأقاصيص .
ويسجل أعضاء الأسرة المالكة السعودية جميعا في قائمة مدنية ، يُحتفظ بها بسرية كاملة ويتلقى الأمير الشاب من رتبة متوسطة تعويضا شهريا يُعادل اليوم مليون فرنك فرنسي ، وهذا التعويض يزداد مع العمر ، وازدياد الأعباء العائلية . وحينما يتزوج يُمنح ديناً بدون فائدة لبناء قصره ، وغالبا لا يرده. وكثيرا ما يتقدم الأمراء والأميرات الى الملك بعرائض للحصول على مساعدة مالية استثنائية ونادرا ما تُرفض طلباتهم.
ولكي نأخذ فكرة يمكن أن نضرب كمثل أميراً في العائلة الملكية ، من الوزن المتوسط، ويبلغ من العمر أربعين عاماً ، فهذا يحق له أن يحصل :
1-قصر في الرياض وقصر آخر في جدة.2-خيمة كبيرة مزودة بكل وسائل الراحة والرفاه في نجد. 3-قطعة أرض صحراوية يقضي فيها عطل الأسبوع في الشتاء.4- شقة في باريس أو لندن. 5-شقة صغيرة في اسبانيا .6-كراجا للسيارات يتسع لدزينة من السيارات ، من بينها المرسيدس والbmw.وعلى الأقل سيارتين من طراز تويوتا أو نيسان وسيارة gmc أو ما يشابهها لنقل الأولاد أو الخدم الفليبينيين. وسيارة الأمير الخاصة تحمل رقماًمتميزاً مزداناً بالشعار السعودي ، شجرة نخيل بين سيفين متقاطعين . وحينما يأتي الى باريس ، فهو ينزل عادة في فندق جورج الخامس ، ليكون على مقربة من شارع الشانزيلزه ويتناول طعام الغذاء في مطعم الفوكينز وهو ملتقى السعوديين الميسورين خاصة في فصل الصيف ، وحينما يأتي الى كان فهو يفضل أن ينزل في فندق نوكا هيلتون حيث يسود مناخ شرق أوسطي يدعو الى الانشراح .
وكان الملك عبد العزيز قد طلب من الأمراء الابتعاد عن الأعمال ونصحهم : ((لا تنافسوا التجار في ميدانهم ، والا نافسوكم في ميدان السياسة)) ولكن أحدا لم يأخذ بهذ النصيحة.
وبعد أن مات الملك فيصل الذي كان يُشكل آخر عقبة أمام اقبال الأمراء على الأعمال والصفقات ، انغمس كل الأمراء، من صغيرهم الى كبيرهم ، في الأعمال والفعاليات التجارية ، فتكاثرت الشركات التجارية التي تحمل أسماءهم صراحة أو أسماء وسطاء مزورة ، وضرب الملك فهد شخصيا ً مثلاً يُحتذى حينما كشف عن مطامحه الاقتصادية والمالية بشكل علني.
ومثل هذا النشاط التجاري يمكن أن يكون مجزياً دون أن يسبب أي مخاطر لصاحبه . وما على الأمير الا أن (يُعير) اسمه وشبكة علاقاته العائلية . ومن النادر أن يُساهم بشيء من ماله الخاص ، اذ يُصار الى استدانة المال اللازم من المصارف المحلية ، بفوائد رمزية لا تُذكر . أما العمل اليومي فيعهد الى عدد من اللبنانيين والسوريين والمصريين--، وحينما يتحسن الوضع العام للشركة قد يُعين الأمير مساعداً أو مساعدين من الأمريكان ، وعلى الأرجح من الانكليز الذين يتقاضون اقل الرواتب من بين الاوروبيين والغربيين في السوق السعودي --
ويملك الكثير من الأمراء اقطاعيات منحت لهم بدون مقابل ، وهكذا ، فان أحد انجال الملك له الحق في ان تكون له الكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالمنشآت ، سواء من حيث البناء أو الصيانة ويمكن أن نخمن ان الأمير يتقاضى مردودا مريحا في هذا القطاع خصوصا وأن الدولة اولت المنشآت الرياضية مؤخرا ًعناية استثنائية . ويملك ابن آخر للملك شركة تحتكر حق المراقبة الفنية على الآليات جميعاً ، بما فيها السيارات، وبما ان عدد السيارات والشاحنات التي تعمل في السعودية مرتفع للغاية ، فيوسعنا أن نتخيل الأرباح التي يجنيها هذا الأمير.
وبعض الأمراء لا يتحرجون من استخدام اساليب مريبة تحقق لهم الاثراء الفاحش السريع. وهناك الكثير من الوقائع والتي تربط اسماء بعض الأمراء بتهريب الخمور ومشتقاته . اذ يحق لهم، بالاضافة الى الدبلوماسيين . ان يستوردوا شاحنات ضخمة ، دون التعرض الى مضايقات مصلحة الجمارك . وكما يحدث عادة في كل البلدان التي تحظر الاتجار بالمواد الكحولية فان التجارة بالخمور مزدهرة وكثيرة الأرباح اذ يبلغ سعر قنينة الويسكي من ماركة بلاك لابل في السوق السوداء 1000 ريال اي 1600 فرنك فرنسي . خصوصا في احتفالات رأس السنة ، في حين لا يتجاوز سعرها 500 ريال في الأوقات العادية . ويهمس البعض بأن بعض الأمراء متورطون باستيراد المخدرات ايضا .------
واذا كشفنا عن التجاوزات الصغيرة فلا بد من التحدث عن تجارة رُخص الاقامة التي يتاجر بها الكثير من آل سعود بدون خجل أو احراج(تجارة بشر) . تكلف رخصة الاقامة لمدة سنتين 4500 ريال أي ما يعادل 7200 فف وليس غريبا ان يكون احد الأمراء قد أمن 400 رخصة لزبائن من الباكستان او الهند ، أو بلدان أخرى، ومعروف أن هناك عددا من السعوديين الصغار الذين يستثمرون الغرباء لتحسين دخولهم في نهاية الشهر. ومن نافلة القول ان استيراد اليد العاملة لارضاء بعض الأمراء ، يزيد من عدد المهاجرين بطريقة فوضوية ويفاقم من اشكالات سوق العمل الذي يشكو من الاشباع والتخمة.
ولكن لم يعد كبار الأمراء يقنعون ، ومنذ زمن بعيد ، بهذه الأرباح الصغيرة وكلما ارتفعت مكانة الأمير في السلطة كلما ازدادت حاجته الى المال والأرباح . ان العائلة السعودية شغوفة بالمال الى درجة الجشع.
-----------
الأمير الوليد بن طلال المتحدر من جدة شركسية وأم لبنانية هي بنت رئيس وزراء لبنان الأسبق رياض الصلح. لقد أصبح هذا الأمير ، وهو في سن الأربعين مليارديراً------
الأمير محمد بن فهد وهو ابن الملك فهد ويرأس مجموعة شركات البلاد وهي اهم مجموعة في السعودية وقد عين حاكما للمنطقة الشرقية أملاكه لا تعد ولا تحصى----
-------
ولكن كل هذه الثروات تعتبر لا شيء اذا قورنت بثروة الملك فهد --------وأخيرا ، ولكي نختم هذه القائمة الطويلة من الممتلكات التي حصل عليها الملك فهد . وهي قائمة غير نهائية- لا بد من الاشارة الى انه قد أمر ببناء جزيرة اصطناعية متصلة بارض المملكة بطريق خاص مزروع بالعطور الخاصة . وقد اقيم على شبه الجزيرة هذه قصر باذخ ضخم له مينا خاص لليخوت ، شارك في تزيينه وتصميمه كبار المهندسين الفرنسيين والايطاليين . وهناك يقضي الملك ثلاثة ارباع السنة .
ويدير الملك فهد أعماله بواسطة مستشارين أو أسماء مستعارة سعودية أو أجنبية . ومن أهم هذه الأسماء هو رفيق الحريري ، رئيس وزراء لبنان الحالي . وقبل أن يحتل هذا المنصب ، بدأ رفيق الحريري ----------
وتدل كل الوقائع اليوم على أن كل عمليات شراء الأراضي في بيروت وضواحيها التي قامت بها العائلة المالكة السعودية ، وعلى رأسها الملك فهد قد جرت عن طريقه (بيع وطن).

وكم هناك من وقائع أخرى حول هذه الشخصية الخرافية التي بدأت من الصفر ، وأضحت اليوم تملك مالايقل عن اربعة مليارات من الدولارات ( قبل استلام رئاسة الوزراء اللبنانية؟؟؟) وتسعى اليها الشخصيات الكبيرة في العالم ان الحفاوة التي يستقبل فيها الحريري في باريس - الذي شاء ان يعمل في السياسة لأنه لم يكن ينقصه إلاها - لها اكثر من دلالة .
لكن الارتقاء السياسي لهذا الرجل لايفعل مفعوله عند الامراء السعوديين ، اذ مازال رئيس وزراء لبنان في نظر العربية السعودية ( مستخدماً) عند العائلة المالكة ، يمكن الاتصال به هاتفيا في منتصف الليل لطلب خدمة أو استشارة ، وهو لايزور السعودية الآن إلا بصفة شخصية وليس كرئيس للوزراء أو بصفة رسمية فهل يحلم ، بأن يهرع كبار الامراء الى المطار الى استقباله بالحفاوة اللائقة والسجادة الحمراء المفروشة ؟ (( اعوذ بالله من الشيطان الرجيم )).(هكذا وردت باللغة العربية في النص الفرنسي)
إن الأمير سلطان ، وزير الدفاع هو الآخر من اكبر اغنياء العالم . فهو يملك قصورا في كل المدن الكبرى في المملكة وقصرا في المغرب ، ومزرعة كبيرة في كاليفورنيا ، وعدة شقق في باريس وفيلا في كورشونيل ، وفندق ميريديان في الخبر في الاقليم الشرقي وهو يملك الى جانب هذا كله مزارع رائعة مزودة بأحدث التجهيزات في كل مكان تقريبا في المملكة ، وهو يبيع انتاج المزارع الى الجيش السعودي ، بلا قيد ولا شرط ، وتقدر ثروته بمليارات الدولارات----

غير ان هذا الولع بالمال يمكن ان يورط الامراء في سلوك طريق الفساد الخبيث ويمكن القول ان هذا الفساد الذي لم يكن غائبا قط عن الحياة العامة في السعودية ، قد أضحى، مع مرور الزمن ، وخاصة بعد تسلم الملك فهد الحكم ، مؤسسة هائلة لعلها ((المؤسسة الوحيدة)) . انه اسلوب في الحكم ، وفي توزيع ريعية النفط ، ورافد كبير في ((سقاية)) اجهزة الدولة السعودية ، ولكن ازدياد عدد المنتفعين ، وشح الموارد وجشع الأمراء السعوديين ، قد أحدث خللاً في آلية هذا الأسلوب من جهة ، وأفرز ساخطين في بعض الأوساط ، وخاصة عند المتدينين والشباب ، من جهة ثانية.

وتأتي عائلة الأمير سلطان النائب الثاني لرئيس الوزراء السعودي ووزير الدفاع والشخص الثالث في النظام في رأس قائمة المستفيدين من المال السريع.
كان خالد بن سلطان ، الابن الأكبر للأمير سلطان ، هو القائد العام للقوات العربية والاسلامية ، في حرب الخليج . وقد شكك الكثير في كفاءته الاستراتيجية والعسكرية خاصة الجنرال شوارتزكزف الذي (راعاه) في مذكراته لأسباب لا تخفى على أحد . وكان مكلفا اضافة الى القيادة العامة ، بتأمين اقامة ما يقارب ال 600000 الف جندي وتزويدهم بالغطاء المناسب ، وقد برع في هذا الميدان كمنظم ورجل اعمال ماهر اكثر من براعته في ادارة المعارك زاد في اسعار المشتريات وربح فقط من هذ الحرب المباركة ثلاثة مليارات دولار ، واضطرت الحكومة الى استبعاده بعد عدة اشهر من تحرير الكويت تحت ضغط رجال الدين خاصة بعد ان فاحت الرائحة.
وقد تألم الأمير (من دون شك) من الاهانة التي لحقت به ، وهو لا يستحقها، اذ يشابه الآخرين فيما أقدم عليه . صحيح انه كان يميل الى تقديم نفسه على انه (أب النصر الذي تحقق) . وهذا ما لن يغتفره له الملك فهد ولكنه بدأ بالاشراف على الثروة الطائلة التي حصل عليها ، متنقلا بين لندن والرياض بعد ان اضاف الى ملكيته الخاصة الصحيفة اللبنانية ((الحياة)) . وقد اثبت الأمير ، في ممارسته لهواية الصحافة ، انه اكثر احتراما وليبرالية مما كان متوقعاً .

وتستمر السبحة، ويطل الأمير بندر بن سلطان السفير الحالي للمملكة في امريكا ، فهو اكثر وجوه العائلة شهرة في الوسط الاعلامي -انه ابن وزير الدفاع ومن ام ((سوداء)) وقد عاش سن اليفاع بصعوبة ، ذلك ان الاسلام لا يعترف بابن الزنا ، ولكنه لا يطالب بمعاملة كل الاولاد معاملة واحدة . وقد اهمل ابنه بندر الى حد كبير ، مما دفع بالملك فيصل الى التدخل ، وتوبيخه . ومنذ ذلك الوقت تبدل سلوك الأمير سلطان واخذ يعامل ابنه بشيء من الحنان. وقد تولدت عند بندر الشاب بسبب وضعه الخاص . رغبة في التفوق لا يشاركه فيها بقية اخوته . انهى دراسته في مدرسة الطيران الملكية البربطانية بنجاح ، وتخرج كضابط طيار ، بعد ان تلقى تدريبه في الكليات الأمريكية المختلفة ، ثم عين عضوا في البعثة العسكرية السعودية في الولايات المتحدة ، ثم ترقى واصبح ملحقاً عسكريا في واشنطن ، ثم سفيرا لبلاده في ذات البلد.
---------
-------------
ومعروف أن الملك فهد قد أيد جورج بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ودعم حملته مادياً بايحاء من الأمير بندر ! وانعكس هذا التأييد سلبا وادى الى فتور في العلاقات مع ادارة بيل كلنتون -----------وليس من يجهل بأن الديمقراطيين لا يحبون السعوديين ، في اعماقهم، ولا يطيقون ملكيتهم المتخلفة ------
واقام بندر علاقات مميزة مع كل الشخصيات ذات الوزن الثقيل في الصناعة الأمريكية وخاصة شركات الأسلحة. ان جزأً كبيراً من كل العقود العسكرية التي وقعت عليها العربية السعودية ، أثناء وبعد حرب الخليج، قد تحققت بفضله . واستخدم البريطانيون ايضا ذكاء بندر وبراعته(عمولة) ايضا في بيع طيارات التورنادو للسعودية وقد جرى كل هذا بالتنسيق مع المقربين من الملك فهد .
يطمح لوزارة الخارجية بشدة، ولكن ثراءه الفاحش من عمولات الصفقات العسكرية قد حرمه من هذا المستقبل حتى الآن.

من كتاب السعودية الديكتاتورية المحمية
جان ميشيل فولكيه
اصدار ميديويست للنشر
منشورات اليان ميشيل


منقول عن الحوار المتقدم