موقع الشيخ محمد أمين زين الدين (قدس)
وهذا راي السيد محمد حسين فضل الله (حفظه)
جولة في أزقة الذاكرة
لقد عشت مع سماحة آية الله الشيخ محمد أمين زين الدين في بدايات شبابي في النجف وكنت منذ بداية تعرفي عليه أعرف أنه كان العالم الذي يتحسس المسؤولية الإسلامية في تربية مجموعة من الشباب الحوزوي على الإسلام من خلال الثقافة الأدبية المنفتحة على الأسلوب المشرق, وعلى الفكر المعاصر, وعلى الروحية التي تختزن في داخلها معنى الحركية والإبداع، والدعوة الملائمة لذهنية العصر.
وكان سماحة الشيخ من ضمن مجموعة من الفضلاء الذين أخذوا أسباب العلم فقهاً وأصولاً وانفتحوا على الثقافة المعاصرة وخصوصاً الأدب المصري في أسلوب الكتابة.
ولا أنسى أن من بين الذين انفتحوا عليه أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة التي كانوا يقرؤوها بشغف ويحتذونها في أسلوبه الأبي الممتع المشرق, وكانت هناك ندوات لهذه المجموعة الطيبة الذين أذكر منهم إلى جانب الشيخ المرحوم الشيخ سلمان الخاقاني وقد جمعت هذه الندوات والمطارحات في كتاب قرأت بعضه في مكتبة الشيخ سلمان الخاقاني الذي كان بيته مجاوراً إلى بيتنا في النجف الأشرف وكنت أتردد على مكتبته بين وقت وآخر.
وقد انطلق سماحة الشيخ زين الدين في تربية مجموعة من الشباب استطاع أن يثبت فيهم روح الوعي وحركية الثقافة الأدبية في الأسلوب والفكرة فكان منهم الكتاب والشعراء.
ولذلك فقد أطلق الذرة الأولى في أرض الحوزة في النجف الأشرف في نشوء جيل مسلم منفتح على العصر بأسلوب العصر وفي دائرة ذهنيته, وبهذا يعتبر سماحة الشيخ زين الدين من أوائل المجددين في هذا الاتجاه.
وقد خاض المعركة الكبرى التي بدأت في العراق وفي النجف الأشرف في موجهة التيار الماركسي والتيار العلماني المتمثل بالتيار القومي الذي كان يتبنى إيديولوجية بعيدة عن الإيديولوجية الإسلامية, فقد انطلق بعلمه وبأسلوبه ليواجه هذا التيار بالعلم وبالفكر وكان كتابه " الإسلام ينابيعه مناهجه غاياته " الذي بدأ بنشره في مجلة الأضواء التي كنا نشرف عليها بتكليف من جماعة العلماء في النجف الأشرف.
وبذلك أغنى هذه المجلة ببحوثه, باعتبارها المجلة التي انطلقت في مواجهة هذا المد العلماني والماركسي بالذات, وبذلك كان هذا الكتاب من أوائل الكتب التي أريد لها أن تقف في مواجهة التيار العلماني وفي مقدمته التيار الماركسي إلى جانب كتبه القيمة الأخرى التي ألفها في السياق التأريخي نفسه مثل " الأخلاق عند الإمام الصادق(ع) " و " من أشعة القرآن " و " العفاف بين السلب والإيجاب " و "إلى الطليعة المؤمنة ".
وربما كانت هذه الانطلاقة الثقافية هي التي فتحت أكثر من نافذة على هذا الأفق في معالجة القضايا الإنسانية والأمور التي تثر أكثر من علامة استفهام في الواقع المعاصر, وذلك بالفكر والعلم وبالكتابة.
ومن هنا فإننا نتصور أن الحركة الإسلامية التي انطلقت في النجف الأشرف كان الشيخ زين الدين أحد الذين أطلقوا روحها وفكرها وهيئوا لها الأجواء الملائمة وإن لم يكن مشاركاً فيها بطريقة عضوية, لأن قيمة حركة الشيخ زين الدين الثقافية أنها هيأت مناخاً جديداً في الحوزة يتنفس فيها شبابها الطالع روح العصر في حركة الروح الإسلامية في داخله.
وهكذا نلاحظ أنه كان يدفع بالكثيرين من طلاب الحوزة لكي يعيشوا روح الدعوة في حركة التبليغ باعتبار أن الحوزة كانت آنذاك بعيدة عن المعنى الحركي في لتبليغ الإسلامي في مناطق العراق, لجهة الذهنية التي كانت تسيطر على واقع تفكير الطالب الحوزي من أن العالم الديني ليس من شأنه أن يخطب وأن يبلغ, بل أن كل شأنه أن يدرس ويدَرس ويباحث ويبتعد عن كل هذه الأجواء, لأنها من شأن الخطباء وهم قراء التعزية حسب المصطلح فكانت هذه الأفكار الجديدة في الأسلوب الجديد المعاصر وفي حركية الإسلام في وعي المسلمين ولاسيما طلاب العلم الديني هي من بين الأسباب التي حركت خط التبليغ ولاسيما عند المراجع.
وكان الشيخ زين الدين محترماً عندهم في فكره وفي علاقته الخاصة وعندما أصدر الكاتب المصري ( أحمد أمين ) كتابه " المهدي والمهدوية "الذي عالج فيه الفكرة بطريقة سلبية, كلف المرجع الكبير السيد محسن الحكيم الشيخ زين الدين للرد على أحمد أمين, لمعرفته بمقام الشيخ وجدارته وعمق فكره وغور نظره, فكان كتابه " مع الدكتور أمين في حديث المهدي والمهدوية ".
إنني عندما أتمثل دوره, العميق في صمته, البليغ في كتاباته, الهادئ في سلوكه, الواعي في عقله, المنفتح في أفقه, في تقوى قل نظيرها, وفي استقامة قل ما رأيتها متمثلة في أحد مثله.
كان المتواضع كأعظم ما يكون التواضع, في الوقت الذي يملك فيه الكثير مما يستعرض الناس في عضلاتهم, لاسيما أنه كان مميزاً في طاقاته التي يتحرك فيها, لأننا وقد أشرفنا على مجلة الأضواء في تلك المرحلة, فوجئنا أننا لم نجد من يكتب في النجف كتابة معاصرة في مجلة إسلامية إلا القلائل, وكان في مقدمتهم الشيخ زين الدين, كان بإمكانه أن يستعرض دوره, لكنه كان الإنسان الذي ينكر ذاته, ويعطي بدون حساب وبدون مَن …
لقد عشنا معه وتعلمنا منه أن الإنسان الرسالي هو الإنسان الذي يعيش كل عمره لرسالته ويعيش كل حياته لفكره, ويخلص لدوره, ويتقي الله سبحانه وتعالى في ما يأخذه, وفي ما يدعه. كان البعيد عن كل العصبيات التي كانت تفرض نفسها على الكثير من مواقع النفوذ في النجف الأشرف, كان يخاف الله في نفسه, وفي الناس, وكان منفتحاً عن الواقع حتى عندما تختلط الأمور في الواقع.
لقد انطلق في خط المرجعية وكانت رسالته من أغنى الرسالات وأكبرها بكل هدوء وبكل صمت, وبكل وعي وبكل تقوى, حتى كان ينكر ذاته في موقعه, وموقعه كبير كبير, أننا عندما نفقد إنساناً كبيراً كبيراً تقياً تقياً عالماً عالماً, منفتحاً كل الإنفتاح, مربياً لأفضل ما عرف عن المربين, مثقفاً مجاهداً في سبيل الله فإننا نشعر أنه قد ثلم في الإسلام لا يسدها إلا القليل القليل من أمثاله وما أقله في هذه الأيام.
فرحمه الله رحمة واسعة بمقدار ما أعطى الإسلام من فكره وقلبه وروحه ونشاطه وتربيته, وبمقدار ما أعطى الأيام من عطائه التي يركز فيها معنى العزة والحرية والكرامة.
والحمد لله رب العالمين.
السيد محمد حسين فضل الله
وهذا هو عنوان الموقع
http://www.zaineddeen.net
وشكرا