ما هكذا تكلم أبو حنيفة....ياعدنان الحاقد!!!!!!!!!!!!!
ما هكذا تكلم أبو حنيفة!
ما زلتُ أمل من الشيخ عدنان الدليمي، غير ما سمعته عنه بعَمان في مؤتمر استذكار مئوية ولادة حسن البنا، و«مؤتمر نصرة أهل العراق» باستانبول! وما الاحتفال الأول إلا تجديد الإصرار على التحاقد والتباغض السياسي تحت عنوان الدين. ولا تحمد في الثاني مخالفته لوثيقة مكة، والمسلمون على أبواب موسم الحج. سدارة الدليمي الفيصلية، ولهجته البغدادية، الممزوجة بمفردات الخطاب الفقهي الفصيح المروض للنفوس، وما صدر منه باستبدال مؤتمر أهل السُنَّة بأهل العراق، كلها دعتني إلى الكتابة قلقاً من فقد عاقل طيب الطوية. إلا أن نبرة صوت الدليمي الحادة، ودمعة الإثارة الساكبة، أثناء خطابه بعَمان يُذكر بالشاعر الذي تهيجه الجموع ويهيجها. فلا أحسب نخوته للمحيط السُنّي ضد مواطنيه الشيعة: أسرعوا «قبل أن تصبح بغداد عاصمةً للصفويين»! إلا العودة إلى حماسة المحاربين، وكأنه عمرو بن كلثوم (ت 38 قبل الهجرة) يقف مرتجلاً: «ألا لا يَجْهَلنَّ أَحدٌ عَلينَا...»! ومع ذلك، أحسب ظهور الدليمي، على غير عادته، كان بفعل حماسة جموع الإخوان المسلمين، التي لا تخسر خيلاً ولا فرساناً في الهيجاء ببغداد!
ونراه ارتجل في مؤتمر استانبول أبلغ حماسة من الأولى، وأمام الجماعة نفسها، التي لم تنزع ثوب الحداد بعد على أبي مصعب الزرقاوي: «الشيعة يسحقون السُنَّة بأقدامهم»! وبأكثر تفزيعاً، ناشد الدليمي المؤتمرين: أن يصبح عنوان المؤتمر «نصرة أهل السُنَّة بالعراق»! ولا أدري، إذا كان الدليمي قد سمع كلمات زميله الشيخ حارث الضاري المهدئة، حينما قال في المؤتمر نفسه (13 ديسمبر 2006): «إنها ليست فتنة بين السُنَّة والشيعة، ولكنها فتنة سياسية». وهي كلمة صادقة، وفيها ما فيها من الأمل!
ليس الشيخ الدليمي جديداً على بغداد، وهو المولود بالأنبار 1932، وعاشر البغداديين في الخمسينات طالباً في دار المعلمين. ثم كلية التربية حال تأسيس جامعة بغداد، وأول رئيس لها كان الصابئي عالم الفيزياء عبد الجبار عبد الله (ت 1969)، ودرس على كثرة من الأساتذة (الصفويين)، حسب نعته لمواطنيه من المذهب الآخر، وفي مقدمة هؤلاء عالم نحو اللغة مهدي المخزومي (ت 1993). لا ريب،
نطالع في سيرة حياته، التي قُدمت في ترشيحه لرئاسة البرلمان: «اضطر إلى الاغتراب، إذ ذهب إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وعين أستاذاً في كلية الآداب جامعة الزرقاء الأهلية في عام 1994». ونقرأ أيضاً: «عاد إلى بغداد يوم الأول من مايو 2003 ... عُرض عليه أن يتولى وظيفة رئيس الوقف السُنّي ... وأصبح مستشاراً لرئيس الجمهورية». أصدر جريدة «الاعتصام»، وأسس تنظيماً، وترأس كُتلة التوافق، التي حصلت على 44 مقعداً. وهو أول المباركين لقيام الحكومة الدائمية، ومن الداعمين للمصالحة الوطنية.
وبهجرة الشيخ بلاده آنذاك، تبينَ أن الجميع من (صفويين) و(عثمانيين) والبعثيين أنفسهم، غدوا تحت أقدام ذلك النظام: إما قتلى وإما خارج الحدود! والجميع تنفس الصعداء بعد تبدل الأحوال: تحمل مسؤولية، أو إصدار جريدة، أو تأسيس تنظيم، أو صراخ عبر الإعلام بلا مساءلة! ولا ندم على ذلك الماضي، إنما شرور الحاضر تحتاج إلى تعميق ما بدأ الدليمي به، وهو تكريس فكرة أهل العراق، وعندها سيرى الشيخ هؤلاء (الصفويين) أقرب له من حبل الوريد. ومما لا يشك بصدقه أن المجرشة الإيرانية لا تحسب سوى حساب (جرشها). وما بينها وبين الجماعة التي تولت أمر المؤتمرين، وزلق فيهما الدليمي بما خالف طبعه، وشائج غير مخفية، فبالأمس أحد شيوخ حماس صلى بصلاتها، وبالأمس صلى ذراعها الضارب بلبنان خلف وجيه الإخوان فتحي يكن! إنها السياسة مخترقة الأديان والمذاهب! أما العراق أرضاً وشعباً، بسُنَّته وشيعته، ففي الذهنية الإيرانية التقليدية «كافر أسْت»!
هذا ما رواه مَنْ لا يطعن بسُنّيته ومتابعته للإمام أبي حنيفة، وهو الشيخ طه جابر العلواني. قال: كان والسيد مهدي الحكيم (قتل 1988) يستذكران شعر إيراني مشهور، ويضحكان: «شيعي بغداد سُنّي أسْت.. سُنّي بغداد كافر أسْت»(العراق الحديث بين الثوابت والمتغيرات). ومعناها: الشيعي العراقي سُنّي، والسُنّي العراقي كافر، والنتيجة، حسب منطق أرسطو: شيعة العراق وسُنتهم كفار! وقد حشا العلواني كراسته المذكورة بالعبارة: «الشهيد مهدي الحكيم هو صديق عزيز وفقيد غالٍ». إذن: ما حدا مما بدا ليكون أشقاء مهدي الحكيم صفويين غرباء!
أليس أبو مصعب الزرقاوي دخل عبر إيران الشيعية إلى العراق، وأن جيش المهدي دُعم من قِبل جماعات الفلوجة السُنّية عند تمرده بالنجف، ومن قِبل الإعلاميين القوميين من أهل السُنَّة. وأن المقاومة، المفترض أنها سُنّية، مباركة من قِبل آل الخالصي وآل البغدادي الشيعة! فكيف يفك الشيخ هذا التشاكل ليفتي: أن الشيعة يسحقون السُنّة! ويعطي فرصة لرافعي رايات الفتنة من خارج العراق! ولعصابات الفتنة في داخله من أشرار الطائفتين، الذين من الواجب الوطني والفقهي فضحهما، لا دفع أبناء الطائفتين إلى اللوذ بهما. وإذا حُشد المحيط السُنّي لحماية السُنّة، مثلما قام بالواجب عبد الرحمن النعيمي! رئيس مؤتمر استانبول، فما الخطأ في أن تُحشد إيران نفسها لحماية الشيعة!
ما زاد من اهتمامي، هو، على ما أظن، أن الشيخ الدليمي ينتسب مذهبياً إلى الإمام أبو حنيفة النعمان (ت 150 هـ)، الذي يُفاخر به، كونه إمام السهولة والتسامح، عندما تفاخر العراقي الأمم وتعيره بأن بلده بلد الدماء والحماقة والتعصب لما حدث ويحدث تحت سمائه. ويعلم الشيخ أكثر مني، ما هكذا تكلم أبو حنيفة! ولم يرد بغداد له فقط! ولم يكن خصماً لعلوي أو شيعي، بقدر ما كان ناصراً وذائداً. وما التقابل بين قبتي إمامي المذهبين ومنائرهما، عبر دجلة، إلا علامة رضاء لشراكة العيش ببغداد.
ما هكذا تكلم، ولا هكذا أرادها، أبو حنيفة، أن تبقى بغداد له وحده، مثلما وزع عَقارها الشيخ الدليمي في خطابه. بل هي له ولموسى بن جعفر، ولأبي منصور الحلاج، ولمعروف الكرخي، وللشريفين الرضي والمرتضى، ولإبراهيم بن هلال الصابئي، وكل جَثالِقة النصارى، وحاخامات اليهود، وعبد القادر الكيلاني. وكانت لكل مَنْ مات ودفن بمقابر: الغزالية، والشيخ معروف، والخيزران. ولكل مَنْ مات ودفن بمقبرة براثا، حيث المسجد الجامع القديم والشهير. أتمنى على الشيخ، وأنا مازلت أعده من أحد العقلاء، أن لا يغرب عن اشراقات أبي حنيفة، فما هكذا تكلم!
r_alkhayoun@hotmail.com