نجاح محمد علي ينضم الى الكتاب العرب
عن إعدام صدام
بقلم: نجاح محمد علي
إعدام صدام في يوم عيد الأضحى قد يُكسب المالكي شعبية لدى الرأي العام الشيعي داخل العراق وربما خارجه، لكنه جعله يخسر الرأي العام العربي والاسلامي المتعاطف في أغلبيته مع صدام أثناء حكمه وبعد سقوطه بعملية الغزو العسكري الأجنبية، وقبل تنفيذ حكم الاعدام فيه.
ميدل ايست اونلاين
فليحذر من يحارب الوحوش أن يتحول الى وحش!
فردريك نيتشه
هل أن ما يجري في العراق يؤكد ما يردده البعض من أن الشيعة الذين رفضوا معظم النظم وعهود الحكم منذ زمن السقيفة ومرورا بالعهود الأموية والعباسية وما بعدها الى الخلافة العثمانية وأنظمة الحكم المتعاقبة في العراق الحديث، وغيره من البلدان، يجيدون فقط فنون معارضة الحكام في بلدانهم، ويتقنون كل ما يوصلهم الى الاستشهاد كقرابين فداء على مذبح الحرية ولكنهم لايحسنون أن يكونوا حاكمين؟
هذا السؤال يجيب عليه - حتى الآن على الأقل - الواقع العراقي الراهن الذي يعكس أن الشيعة الذين كانوا ضحايا القتل والاعدامات والتغييب والارهاب، وهم يقتلون يوميا حتى في يوم عيد الأضحى المبارك، لا يعرفون بالفعل أساليب الحكم وتكتيكاته بالرغم من التجربة الايرانية الناجحة في التعامل مع الحكام السابقين في عهد الشاه المخلوع!
ومبدئيا نسجل أن التعاون مع الولايات المتحدة لاسقاط النظام السابق، والقبول بمبدأ المحاصصة الطائفية والأثتية، ومجرد الوثوق بواشنطن، هو خطيئة سياسية كبرى ارتكبها بعض زعماء الشيعة نشاهد آثارها كل يوم في عراقنا الذبيح.
وفي قضية "إعدام صدام" من بدء المحاكمة حتى التنفيذ، لابد أن نؤكد هنا أن التوقيت في يوم عيد الأضحى – أو في يوم عرفة - كان فخّا أميركيا وقع فيه الأخوة الحكام، إذ تؤكد معطيات عدة أن الحكام العراقيين (الشيعة طبعا)، اقتنعوا بواسطة تسريبات أميركية مدروسة ومقصودة، أنهم إذا لم ينفذوا حكم الاعدام يوم السبت، فانهم لن ينفذوه الى الأبد "لأن الأميركيين سيقومون بتهريب صدام من سجنه الى خارج العراق، أو أنهم - أي الأميركيون - سيرضخون للضغوط الدولية والاقليمية التي ستزيدها شحنا الماكنة الدعائية غير الودية مع الشيعة، الى أن يُصبح من الصعب على واشنطن الموافقة على إعدامه".
الحكام العراقيون الشيعة، تعاطوا مع الأسف الشديد، بقضية إعدام صدام من خلفية ثأرية، وهذا حقهم كمواطنين تضرروا في حقبة صدام، الاّ أنهم لا يملكون هذا الحق .. حاكمين. وجاء تصويرُ الواقعة بالجرأة التي ظهر فيها الرئيس السابق، وتحوله الى "بطل" بعد أن كان المفروض معاقبته على ما اقترف! والهتافات التي أُطلقت من قبل بعض من سُمح لهم بحضور الواقعة، لتزيد من ضبابية المشهد العراقي المنقسم طائفيا منذ مؤتمر لندن منتصف ديسمبر 2002 برعاية السفير زلماي خليل زادة، ويسميه بعض الشيعة الحاكمين "أبو عمر" للتأكيد على نزعته الطائفيّة!
كذلك فان هروب "الرئيس الكردي" من التوقيع على الحكم لاصدار مرسوم بتنفيذه كاجراء شكلي نص عليه الدستور وقانون المحكمة الخاصة، وقبول رئيس الوزراء القيام بالمهمة وهوالمستعجل جدا لابلاغ عوائل ضحايا صدام "فرحة العيد: إعدام صدام"، جاء ليدثر هذه القضية بلباس طائفي يُضاف له أن مكان الاعدام كان الشعبة الخامسة لمخابرات النظام السابق المعنية باعدام الاسلاميين الشيعية خصوصا من حزب الدعوة الاسلامية الذي ينتمي له رئيس الوزراء ومستشاروه.
إعدام صدام في يوم عيد الأضحى – أو في يوم عرفة، يُكسب رئيس الوزراء نوري المالكي شعبية لدى الرأي العام الشيعي داخل العراق وربما خارجه، لكنه جعله يخسر الرأي العام العربي والاسلامي المتعاطف في أغلبيته مع صدام أثناء حكمه وبعد سقوطه بعملية الغزو العسكري الأجنبية، وقبل تنفيذ حكم الاعدام فيه. وهذا ما كان يجب أن يشرحه للمالكي مستشاروه ويحذروه من عواقبه.
ومن السهل أن تُنفذ الحكومة العراقية حكم الاعدام، وأن نشاهد مستشاري المالكي على الفضائيات، ونستمع لهم في الاذاعات ونقرأ لهم في بقية وسائل الاعلام وهم يدافعون عن "قرار التنفيذ".. نعم ليس صعبا عليهم أن يشتموا معارضيهم ويسخروا ممن بكى أو تباكى على صدام - وفيهم عدد كبير من الاعلاميين العرب – لكنهم، أي مستشاري المالكي، فعلوا ذلك ونسوا أنهم ماعادوا اليوم في خانة "المعارضة " لصدام وحكمه الذي ذهب مع الريح بغزوة أنجلو اميركية، وتحولوا هم الى حكامٍ لشعب يعترفون هم أنه يتألف من "مكونات " عديدة!
لن أدخل في تأريخية، وفقهية الخلاف حول تحديد "هلال العيد" في شهر رمضان بشكل خاص، ولكن ما أريد قوله هنا هو ان الحج الذي يؤدي الى عيد الأضحى، إنما هو مواقيت وأمكنة، وأن إعدام صدام تمّ في يوم العيد أو في يوم عرفة بحسب التوقيت الشيعي، وهو يوم من أيام الله خصوصا إذا عرفنا أن من لم يدرك عرفة لم يحج، والحج عرفة.
وهنا أشير الى أنني من دعاة توحيد العيد خصوصا الأضحى لأن حجاج المسلمين الشيعة والسنة متوحدون فيه: ينحرون الأضاحي في يوم واحد!
ولن أدخل في جدلية الاحتلال و مشروعية المحكمة التي أصدرت حكم الاعدام على صدام - وأنا وأسرتي وأسرة زوجتي وأسرة خالي وخالتي وبعض أبناء عمومتي من ضحاياه- كما لن أخوض في تحميل فريق الدفاع عن صدام الموهوس بالاعلام والبحث عن الشهرة، والذين أوقعوا بموكلهم عندما تركوه يتحدث ليقدم للمحكمة وعلى طبق من ذهب اعتراف بالقتل، وكانوا يتعاملون معه كرئيس وليس كمتهم يبحث عن براءة، أي أنهم رضوا بأن يحدد هو ما يريد قوله في المحكمة، بينما هم مشغولون بالشكليات ولعبة الانسحاب المتكررة من القاعة، فساهموا مع الاحتلال، في أن لا يحصل صدام على محاكمة عادلة!
لن أدخل في تفاصيل كل ذلك – الآن على الاقل- لكن ....ما أود قوله هنا في هذه العجالة هو إنّ صدام كان "سنيّا " وإن ّ يوم عيده هو السبت والقانون لايجيز اعدامه في يوم عيده، وإن الشيعة الحاكمين، لم يجيدوا حتى الآن لعبة الحكم وما فيها من مرونة ودبلوماسية والتعاطي مع "الآخر" ومع الوقائع من باب "لكل مقام مقال" و"نحن معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم"...
فهل تحقق ذلك في إعدام صدام؟
وقبل ذلك لماذا أختيرت قضية الدجيل "الشيعية"...لتكون الحبل الذي التفّ حول عنق صدام ... صبيحة عيد الأضحى المبارك، ولتفجر معها ذلك الانقسام الطائفي البغيض الذي زرع بذرته الأميركان، ولتُقبر معه إجابات عن أسئلة تظل صعبة؟
لقد كان بامكان المحكمة اذا كانت مستقلة أن تبدأ بالقضايا الكبرى التي تحرك عواطف الرأي العام العربي والاسلامي لصالح ضحايا "الأنفال" و"حلبجة " بشكل خاص، دون الشروع في قضية تُعدُّ سهلة في حسابات عدد الضحايا، وأن يصدر حكم الاعدام في تلك القضايا الكبرى التي لا ترتبط من قريب أو بعيد بشيعة العراق، ولا تثير شبهات-يبدو أنها مقصودة- حول ....الانتقام الطائفي!!
وليحذر من يحارب الوحوش أن يتحول الى وحش!
أليس كذلك؟
--
وما من كاتبِ الا سيفنى وُيبقى الدهرُ ماكتبت يداهُ
فلا تكتب بكفك غير شيء ُيسرك في القيامةٍ أن تراهُ
نجاح محمد علي - دبي
إعدام صدام ...وثروة العراق في البنوك السرية !
إعدام صدام ...وثروة العراق في البنوك السرية !
نجاح محمد علي
أكثر من 35 عاما من فيلم طويل سجل الجرائم التي ارتكبها الرئيس العراقي السابق صدام، لم تترك دقيقتان منه ،لدى الرأي العام المتباكي عليه،الا صورة " البطل الذي هوت به المقصلة وهو يؤدي الشهادتين!"..
دُفن صدام ودفنت معه اسرار لاتريد أطراف عدة الكشف عنها، ومنها بالطبع الأموال الضخمة التي أكدت الوثائق الأمريكية،قبل العراقية أنها تُقدر بـ" مائة " مليار دولار موزعة في حسابات سرية في بنوك عالمية.
وإذا لم تكن الادارة الأمريكية حصلت على معلومات حول هذه الأموال،فان الواضح –حتى الآن- هو أن هذا الملف يكاد يغلق مع إعدام صدام،ومع " تقليل "الولايات المتحدة ودول غربية من " كفاية الادلة " بيد السلطات العراقية حول مقدار وكمية هذه الاموال وأسماء الدول أو البنوك التي أُودعت فيها هذه المليارات ، مع ملاحظة أن هذه الادلة تقل بكثير عما بيد السلطات الاميركية في الوقت الحاضر .
لقد أكدت تقارير محفوظة لدى المخابرات المركزية الاميركية ( سي آي أي ) في وقت سابق بعد اعتقال صدام، أن هذه المبالغ المسروقة والتي كانت تشكل الثروة الحقيقية السرية لصدام تصل الى مائة مليار دولار، جمعها صدام منذ عام 1990 حتى 2003 .
واعتمدت المخابرات الاميركية لتأكيد حجم الثروة الضخم الذي تم تهريبه،على تقارير، أعدها بعض خبراء التفتيش على الاسلحة في العراق ، الذين أتيحت لهم فرصة الاطلاع على الكثير من الأسرار في العراق في عهد صدام حيث كانوا يتصفحون الوثائق السرية ويقومون بتصويرها وتوثيقها لديهم.
ومن أهم هذه الوثائق ما ورد في تقرير أعده مفتش الامم المتحدة وخبير الاسلحة " جارلس دولفر " الذي أكد أن الأموال التي جمعها صدام منذ عام 1990 الى عام 2003 تبلغ نحو مائة مليار دولار .
كما أن هناك وثيقة سرية عثرت عليها قوات الاحتلال الاميركي أثناء دخولها بغداد وتفتيشها لوثائق البنك المركزي ، تشير بوضوح الى أن صدام وجه رسالة الى محافظ البنك المركزي أمره فيها ، بتسليم كل من قصي صدام ، وحكمت مزبان ابراهيم ، مبلغ (920000000) تسعمائة وعشرين مليون دولار ، ومبلغ (90000000) تسعين مليون يورو لإخفائها في مكان آمن.
وبينما لم تحظ هذه القضية بالاهتمام الكافي من الحكومة،ربما بسبب انشغالها بالشأن الداخلي حيث العملية السياسية القلقة، والوضع الامني المتردي ، فان المسؤولين الاميركيين - قبل اعدام صدام- أولوا هذا الملف اهتماما كبيرا خصوصا وأن هذه المبالغ أعتبرت أرقاما خيالية وانفراد مجموعة من الاشخاص بالتصرف بها يشكل مخاطر كبيرة ومن شانها ان تمد الجماعات المسلحة المرتبطة بحزب البعث بامكانات ضخمة ، لذا فان وزارة الخزانة الاميركية كانت أعدت فريقا خاصا لمتابعة هذا الموضوع بالاضافة الى تعاونها وتنسيقها مع المخابرات المركزية الاميركية ، وقامت بارسال وفود الى سوريا وعمان وسويسرا والدانمارك واليابان ،ودول اخرى لتقصي الحقائق وجمع المعلومات عن هذه المليارات من الدولارات الموزعة في بنوك عالمية وبأرقام سرية. كما أن هناك معلومات عن رجال مال كانوا يقومون باستثمار الأموال لصدام ، دون استثناء ابنة صدام " رغد " التي يعتقد المسؤولون الأمريكيون والعراقيون أنها مطلعة على جانب مهم من الحسابات السرية لأبيها، وكانت آخر شخص من العائلة التقى بها وتحدث اليها مطولا بشأن خططه المستقبلية ، وتزداد الشكوك حول وجود ثروة كبيرة من المال تحت تصرفها ، من خلال صرفها السخي للملايين والتي تستثمرها لتغذية الأعمال المسلحة في العراق وتوزيع الأموال على البعثيين والاعلاميين والسياسين العراقيين المعارضين للنظام ولشخصيات اعلامية وسياسية عربية .
كذلك فان المعروف أيضا فان برزان التكريتي هو واحد من أهم حملة مفاتيح الأسرار لعدد غير قليل من الحسابات السرية ، ولهذا فقد حظي باهتمام خاص من قبل الأمريكيين من خلال التحقيق معه والذي تناول أسرار هذه الاموال أكثر مما تناول تورطه في عمليات قتل وأسرار تشكيل جهاز المخابرات في عهد النظلم البائد.
وإذ لم تُعرف بعد المعلومات التي كشفها برزان التكريتي للأميركيين ،فان المطلوب من الحكومة العراقية أن تضع على طاولتها هذا الملف الذي يجب أن لا يُغلق مالم يتم استرجاع هذه الاموال الى البلد بدلا من "استجداء" الدول المانحة ، فلربما عمل برزان لانقاذ حياته من الاعدام ,بعد أن شاهد صور تنفيذ حكم الاعدام بأخيه الذي حكم البلاد بلغة الموت التي شاركه في صياغتهاـ اللهم الا إذا بقيت في ذهنه الدقيقتان فقط مما سمع بتفاصيلها من المحامين .!!!
--
وما من كاتبِ الا سيفنى وُيبقى الدهرُ ماكتبت يداهُ
فلا تكتب بكفك غير شئ ُيسرك في القيامةٍ أن تراهُ
لان نجاح منا فجارية الحي لاتطرب
أخذ أسراره معه إلى القبر: تواطؤنا مات معه
جريدة الوطن - 6 / 1 / 2007م - 8:31 م
بقلم : روبرت فيسك [1]
لقد أسكتناه إلى الأبد. في اللحظة التي سحب فيها جلاد صدام المقنع عتلة فتحة الإعدام في بغداد، أصبحت أسرار واشنطن في مأمن. الدعم العسكري السري الفاضح والمفرط الذي قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا لصدام على مدى أكثر من عقد لا يزال القصة المسيئة جدا التي لا يريد رؤساؤنا ورؤساء وزرائنا أن يتذكرها العالم. والآن رحل صدام حسين، وهو الرجل الذي كان يعرف مدى الدعم الغربي الذي تلقاه العراق فيما كان صدام يرتكب بعض أبشع الفظائع التي ارتكبت منذ الحرب العالمية الثانية.
رحل الرجل الذي تلقى شخصيا مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتدمير الحزب الشيوعي العراقي. بعد أن استولى صدام على السلطة، أعطت الاستخبارات الأمريكية أتباعه عناوين بيوت الشيوعيين في بغداد والمدن العراقية الأخرى في محاولة لتدمير النفوذ السوفيتي في العراق. داهمت مخابرات صدام جميع البيوت واعتقلت جميع سكانها وعائلاتهم وقتلتهم جميعا. كان الإعدام العلني من نصيب المتآمرين؛ أما الشيوعيون وزوجاتهم وأولادهم فكانوا يتلقون معاملة خاصة: أقصى درجات التعذيب قبل إعدامهم في أبو غريب.
هناك أدلة متزايدة في العالم العربي بأن صدام حسين عقد سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولين أمريكيين كبار قبل غزوه لإيران عام 1980 - كان يشاطر الولايات المتحدة الاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية في إيران ستنهار حالما يرسل صدام فرقه العسكرية عبر الحدود - وتلقى البنتاجون تعليمات لمساعدة الآلة العسكرية العراقية من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية عن الوضع العسكري على الجبهة الإيرانية.
في أحد الأيام الباردة، وليس بعيدا عن مدينة كولون، التقيت تاجر الأسلحة الألماني الذي يعود له الفضل في إجراء الاتصالات الأولى بين واشنطن وبغداد بطلب أمريكي.
قال لي "سيد فيسك... في بداية الحرب، في سبتمبر 1980، دعيت لزيارة البنتاجون، وهناك أعطوني أحدث صور الأقمار الصناعية للخطوط الأمامية الإيرانية. يمكنك أن ترى كل شيء في الصورة. كانت هناك مواقع المدافع الإيرانية في عبدان وخلف خور مشهر، وخطوط الخنادق للجانب الشرقي من نهر قارون، سواتر الدبابات - الآلاف منها - في جميع مناطق الجانب الإيراني من الحدود وصولا إلى كردستان. لا يمكن أن يطلب أي جيش أكثر من هذا. وسافرت مع هذه الصور من واشنطن جوا إلى فرانكفورت، ومن هناك سافرت على الخطوط الجوية العراقية مباشرة إلى بغداد. كان العراقيون ممتنين جدا جدا!" كنت مع القوات الخاصة العراقية في ذلك الوقت، تحت القذائف الإيرانية، ولاحظت كيف نصب العراقيون مواقع مدفعيتهم بعيدا عن الخطوط الأمامية مع خرائط مفصلة عن الخطوط الإيرانية. وسمح قصفها لإيران خارج البصرة لأولى الدبابات العراقية بعبور نهر قارون خلال أسبوع. ورفض قائد وحدة الدبابات العراقية تلك ضاحكا أن يخبرني كيف استطاع أن يختار المعبر النهري الوحيد الذي لم يكن محميا من القوات المدرعة الإيرانية. ومنحه صدام في ذلك الوقت رتبة لواء بعد هجوم الدبابات شرق البصرة، الذي نجح بفضل معلومات المخابرات الأمريكية.
يقول تاريخ إيران الرسمي عن حرب الثماني سنوات مع العراق إن صدام استخدم الأسلحة الكيماوية لأول مرة ضد إيران في 13 يناير 1981. واصطحبت وزارة الدفاع العراقية مراسل وكالة أسويشتد بريس في بغداد محمد سلام إلى موقع حققت فيه القوات العراقية انتصارا عسكريا شرق البصرة. قال محمد سلام "بدأنا نعد - مشينا لأميال وأميال في هذه الصحراء اللعينة ونحن نعد فقط. وصلنا إلى الرقم 700 واختلطت الأرقام في ذهننا واضطررنا أن نبدأ بالعد مرة أخرى... كان العراقيون قد استخدموا، لأول مرة، خليطا -غاز الأعصاب يشل الجسم وغاز الخردل يجعلهم يموتون اختناقا. لذلك كانوا يبصقون دما". في ذلك الوقت، ادعى الإيرانيون أن هذا المزيج الرهيب أعطته الولايات المتحدة لصدام. أنكرت واشنطن ذلك، لكن الإيرانيين كانوا على حق. المفاوضات المطولة التي قادت إلى التواطؤ الأمريكي في هذه الجريمة البشعة ما زالت سرية - كان دونالد رامسفيلد أحد الذين أوكل إليهم رونالد ريجان تولي مهمة تلك المفاوضات في تلك الفترة - مع أن صدام كان يعرف بلا شك أدق التفاصيل. لكن وثيقة لم يتحدث عنها الإعلام كثيرا تحمل عنوان "صادرات الولايات المتحدة البيولوجية والكيماوية الحربية ذات الاستخدام المزدوج إلى العراق وتأثيرها المحتمل على النتائج الصحية لحرب الخليج"، تؤكد أنه قبل 1985 وبعد ذلك، أرسلت شركات أمريكية شحنات، بموافقة الحكومة الأمريكية، عناصر بيولوجية إلى العراق. وخلصت تلك الوثيقة التي هي عبارة عن تقرير لمجلس الشيوخ إلى أن "الولايات المتحدة زودت الحكومة العراقية بمواد ذات استخدام مزدوج ساهمت في تطوير برامج الصواريخ البيولوجية والكيماوية العراقية بما في ذلك... مصنع لإنتاج العوامل الكيماوية الحربية ورسوم فنية ومعدات تعبئة مواد كيماوية عسكرية". ولم يكن البنتاجون غافلا عن مدى استخدام العراق للأسلحة الكيماوية. عام 1988، على سبيل المثال، أعطى صدام موافقته الشخصية للكولونيل ريك فرانكونا - وهو ضابط أمريكي في الاستخبارات العسكرية وواحد من ستين ضابطاً أمريكياً كانوا يقدمون سرا معلومات مفصلة للضباط العراقيين عن الحشود الإيرانية والتخطيط التكتيكي وطرق تقييم الأضرار الناتجة عن القنابل - ليزور شبه جزيرة الفاو بعد أن أعادت القوات العراقية الاستيلاء عليها من الإيرانيين. ونقل فرانكونا إلى واشنطن أنباء استخدام العراقيين للأسلحة الكيماوية لتحقيق ذلك الانتصار. وفيما بعد، قال أحد كبار ضباط الاستخبارات العسكرية الأمريكية، الكولونيل وولتر لانج، إن استخدام الغاز في ساحة المعركة من قبل العراقيين "لم يكن يشكل قلقا استراتيجيا عميقا".
لكنني شاهدت النتائج. في قطار طويل كان يشكل مستشفى عسكرياً في طريق العودة إلى طهران من الجبهة، شاهدت مئات الجنود الإيرانيين يبصقون دما وبلغما من رئاتهم، وكانت العربات مليئة برائحة الغاز لدرجة أنني اضطررت لفتح النوافذ، وكانت أذرع الجنود ووجوههم مغطاة بالحروق. وفيما بعد، ظهرت فقاعات جديدة على جلودهم فوق الحروق الأساسية. كان الكثير منهم قد احترق لدرجة مخيفة. هذه الغازات نفسها استخدمت فيما بعد ضد الأكراد في حلبجة. لا عجب إذا كان صدام حوكم أولا بسبب مقتل فلاحين شيعة وليس بسبب جرائم الحرب ضد إيران.
ما زلنا لا نعرف - وبموت صدام فإننا ربما لن نعرف مطلقا - كمية القروض المادية الأمريكية للعراق، التي بدأت عام 1982. الدفعة الأولى، والتي صرفت في شراء أسلحة أمريكية من الأردن والكويت، وصلت إلى 300 مليون دولار. بحلول عام 1987 تلقى صدام وعودا بتسهيلات ائتمانية وصلت إلى مليار دولار. وبحلول عام 1990، قبيل غزو صدام للكويت، وصلت قيمة التجارة بين الولايات المتحدة والعراق إلى ثلاثة مليارات دولار ونصف سنويا. بإلحاح من وزير الخارجية العراقي حينذاك طارق عزيز، ضغط وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت جيمس بيكر لتقديم ضمانات ائتمانية أمريكية جديدة بقيمة مليار دولار.
في عام 1989، قدمت بريطانيا، التي كانت تقدم أيضا مساعدات عسكرية سرية لصدام، ضمانات ائتمانية بقيمة 250 مليون جنيه إسترليني للعراق بعد توقيف الصحفي فرزاد بازوفت، الكاتب في صحيفة الأوبزرفر، في العراق بقليل. بازوفت، الذي كان يحقق في انفجار في مصنع في الحلة كان يستخدم نفس العناصر الكيماوية التي كانت ترسلها الولايات المتحدة، أعدم لاحقا. وبعد فترة برر نائب رئيس الوزراء البريطاني الحفاظ على تسهيل القيود على بيع الأسلحة البريطانية للعراق وجعله أمرا سريا بأن "الأمر كان سيبدو مثيرا للسخرية لو أننا، وبعد فترة وجيزة من تعبيرنا عن غضبنا من طريقة معاملة الأكراد، تبنينا موقفا أكثر مرونة في قضية بيع الأسلحة".
وكان صدام يعرف أيضا أسرار الهجوم على الباخرة الأمريكية يو إس إس ستارك عندما شنت طائرة مقاتلة عراقية في 17 مايو 1987 هجوما صاروخيا عليها وقتلت عددا كبيرا من طاقمها وكادت أن تغرقها. وقبلت الولايات المتحدة العذر الذي قدمه صدام بأنه كان هناك خطأ في التعرف على الباخرة الأمريكية وأن الطيار العراقي اعتقد أنها كانت باخرة إيرانية، ورفض صدام حينها أن يسمح للولايات المتحدة بإجراء مقابلة مع الطيار العراقي.
لقد ماتت الحقيقة كلها مع صدام حسين في غرفة الإعدام في بغداد. لا بد أن الكثيرين في واشنطن ولندن تنفسوا الصعداء لأن الرجل المسن تم إسكاته إلى الأب