هذا الكويتب :تفوق على الجميع بخلط الأوراق .....
عمائم الفتنة وغوغائية الجماهير
GMT 21:15:00 2007 الأحد 11 فبراير
الاتحاد الاماراتية
--------------------------------------------------------------------------------
الأثنين 12 فبراير 2007
عبدالله بن بجاد العتيبي
من مقتدى الصدر إلى حسن نصرالله، ومن بن لادن والظواهري إلى الزرقاوي، ومن خامنئي إلى أبي قتادة الفلسطيني، "عمائم" طغت أخبارها وصورها وجرائمها على المشهد السياسي والإعلامي العربي، في زمن يخنق فيه صوت العقل والحكمة وتنتشي الأيديولوجيا والعاطفة.
(تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغبٍ في ازدياد)، هكذا نزف عقل المعري ذات عاطفة فلسفيّة جيّاشة سبحت به في لجج الحياة ومتاعبها ولأوائها، فكان نزيفه حكمة باقية وجمالاً خالداً.
كم مما في دواخلنا وحولنا وبيننا مما يثير لواعج الحنين لماضٍ لم يكن يوماً، وحلم لن يتحقق أبداً، غير أن خيالنا يحيل الماضي لأسطورة كاملة لا تشوبها شائبة أو يدانيها نقص، ويجعلنا نحسب أن أحلامنا الورديّة ما هي إلا استشراف واقعي، ثم نكتشف أن ترهات الأماني تبسط أرائكها لترقد عليها أفكارنا، ونحن في الحالين نؤجر عقولنا للوهم طائعين ونستسلم للخرافة راغبين، ننحر عقولنا على عتبات العاطفة المقدّسة، ونغتال معرفتنا على قبور الخرافة العتيدة.
الأوضاع السياسية في منطقتنا تملأ القلب ألماً وحيرةً وتشاؤماً، من حماقات القوى العظمى التي لا ترعي أذناً للناصحين من قادة المنطقة، إلى بوم الطائفية الناعب على خرائب بلداننا المهدمة بأيدينا أو بأيدي غيرنا، نعيب يلحِّنه الطائفيون الجدد وتغنيه بيادق الشطرنج التي ينصبها هذا وذاك، ويتلاعبون بها من وراء ستار تارةً، وأمام العالمين تاراتٍ وتارات.
ألسنا نرى دجلة والفرات يسيلان على خديّ العراق كأنما هما دمعتان أزليتان تشكوان غياب الحكمة وسيطرة التعصّب وثأر الإخوة من بعضهم بعضاً، فهو منذ القديم متشحٌ بالسواد حتى سمّوه بـ"أرض السواد"!
وأزواج القضيّة الفلسطينيّة الخالدة تصارعوا على الزوجة ثم دعسوها بأقدامهم في نوبة غيرة عليها زعموا!، وها هي مكّة المكرّمة تشهد اتفاقهم برعاية تاريخية من المملكة العربية السعودية ومن خادم الحرمين الشريفين شخصياً، وكلّنا أمل ألا يعودوا لبلدهم المحتلّ ليقتتلوا من جديد، ويحضّروا أفرادهم لمعارك قادمة. ولبنان تحاصره فوّهات بنادق "حزب الله" التابع مباشرة لإيران لا للبنان، تلك البنادق التي منعتها الحرب من التوجّه إلى إسرائيل فوجهها الحزب إلى خصومه في الداخل، إلا أنه يحسن إخفاء بنادقه خلف ستار من محاولة التعقلُن والمعارضة السلميّة.
ليس جديداً أننا نشهد اليوم عودة مريعةً للأصوليّة والتطرف والخرافة، نشهده من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، من "المحافظين الجدد" في أميركا، إلى الإسلام السياسي و"القاعدة" في الدول العربية، مروراً باليمين المحافظ في فرنسا، والصفويّة الحركية والسياسية في إيران، وثمارها المشؤومة في العراق ولبنان بشكلٍ ظاهر، وفي غيرهما بدرجة أقل.
إذا تركنا الشرق والغرب، وركَّزنا النظر أكثر على منطقة الشرق الأوسط فإننا سنجد لتلك العودة للأصوليّة محرّضات كبرى منها الحماقات السياسية التي ترتكبها الدول العظمى واحدةً تلو الأخرى، ومنها الحماقات العدوانيّة الإسرائيليّة على لبنان والقدس وفلسطين كلها، كما أن منها فشل الخطط التنمويّة في كثير من الدول العربية، والفساد الذي ينخر في كثير منها ويدفع ضريبته المواطن البسيط، ومنها تضخيم الخوف من الآخر، وغير ذلك كثير.
إننا نشهد دون شكٍ ردّةً جماعية، من العقلانية إلى الأصولية على مستوى القيادات والنخب، من مثقفي عصر النهضة العربية إلى منظّري "القاعدة" الشرعيين، ومن العقلانية للخرافة على مستوى الجماهير.
عندما نقلِّب صفحات التاريخ نجد أن "السُّنّة" كانوا هم الأكثرية في التاريخ الإسلامي، وهم الذين يمثلون السلطة في طول التاريخ الإسلامي وعرض الرقعة الإسلامية على الأرض، وبما أنهم كانوا كذلك فإن مرجعيتهم كانت على الدوام مرجعيّة سياسية لا مرجعية دينية، بمعنى أن من يقود الجماهير السُّنيّة ويتحكم في حركتها –في الغالب- هو السياسي أو (ولي الأمر) وليس الفقيه.
وعلى الجانب الشيعي كان الشيعة أقليّة، والأقليّات في الغالب تكون أكثر تنظيماً من الأكثرية، ولم تكن لهم مرجعيّة سياسية (حيث المرجعية السياسية في المذهب الشيعي هي لصاحب الزمان أو الإمام الغائب)، وبالتالي كانت مرجعيّتهم التلقائية مرجعية دينية، يقودها المراجع الدينيون من خلال آلية صارمة تربط الجماهير الشيعية بمرجعيّاتها، وقد تغيّر الوضع مع الثورة الإسلامية في إيران حيث أصبحت المراجع الدينية قيادات سياسية، تسيّر الأيديولوجيا المتعصّبة خياراتها السياسية وترتّب أولويّاتها.
غير أن هذا لا ينفي أن الشيعة قد حكموا دولاً وسيطروا سياسياً في حقب وأماكن معينة من التاريخ الإسلامي، ولكنهم كانوا سياسيين قبل أن يكونوا شيعة، ومسلمين قبل أن يكونوا فُرساً، وباستثناء الحقبة الصفوية المتطرفة، فقد حكم الشيعة في مصر زمناً ليس بالقصير أيام الفاطميين، وحكموا العراق في دولة بني بويه لقرون، لكنّ ما تصنعه إيران وسياساتها اليوم لا يجد نظيراً له في السيطرة السياسية الشيعية في النموذجين البويهي والفاطمي، بل هو أقرب ما يكون إلى ما صنعته الدولة الصفوية الفارسيّة المتدثرة بدثار التشيُّع، وتصريحات قادة إيران (جمهورية الثورة الإسلامية) كلها تصبّ النار على وقود المنطقة وتشعلها بأقصى ما تستطيع من قدرة.
ولا يغيب عنّا هنا تصريح الملك عبدالله الثاني عن الهلال الشيعي، ولا تصريح الملك عبدالله بن عبدالعزيز لصحيفة "السياسة" الكويتية والذي تحدث فيه عن حملة لتشييع السُّنّة وقال: "نحن نتابع هذا الأمر، وعلى علم بأبعاد عملية التشييع وإلى أين وصلت.. لكننا نرى أن هذه العملية لن تحقق غرضها لأن أكثرية المسلمين الطاغية التي تعتنق مذهب أهل السُّنة والجماعة لا يمكن أن تتحول عن عقيدتها ومذهبها، وفي آخر الأمر فإن الكلمة هي كلمة أكثرية المسلمين، والتي تبدو المذاهب الأخرى غير قادرة على اختراقها أو النيل من سلطتها التاريخية".
إن العجب لا يقف عند قيادات غير مسؤولة، بل يتعداه لجماهيرٍ غوغائية متعصبة ومحتشدة، إن نفسيّة جمهور نصرالله في الساحات اللبنانية تمتلك ذات نفسية جمهور بن لادن والظواهري خلف شاشات الفضائيات والإنترنت، وهي ذات نفسية جمهور هتلر أو موسوليني أو ماوتسي تونغ، وذات نفسيّة الجمهور الذي كان يهتف للزعيم الخالد جمال عبدالناصر، أو الديكتاتور البائد صدّام حسين، إن هذه الجماهير ليست سوى تروسٍ بلهاء في ماكينةٍ صمّاء يديرها التعصّب وتغذيها الخرافة، وتدفعها غرائز الإنسان البدائي الوحشيّة، وتقودها عاطفة هوجاء موغلةٍ في تطرفها.
حين كان الزرقاوي وعصابته المنتسبة للسُّنّة تفجّر وتقتل الشيعة في العراق، كان كثير من العقلاء المنتسبين للسُّنّة يستنكرون أفعاله وجرائمه وتفجيراته وتقتيله، ولكننا بالمقابل حين نراقب العصابات والمليشيات المنتسبة للشيعة في العراق وهي تقتل وتفجر وتدمر وتقوم بمذابح جماعية وترحيل قسري للسُّنّة لا نجد لكثير من عقلاء الشيعة استنكاراً واضحاً وصريحاً لها، ولا موقفاً قويّاً ضدّها، فلماذا هذا السكوت؟ ما أسبابه؟ وما مبرراته؟ الطائفية فتنة، وتحويلها لبرنامج سياسي لهذه الدولة أو تلك في المنطقة، أو لهذا الحزب أو هذه المليشيا، مؤذن بفتح أبواب جهنم على المنطقة بأسرها، جنهم ستصطلي بنارها كل الأطراف لا فرق بين سُنّيٍ وشيعي، فالطائفية فتنة، وفتنة عمياء وصمّاء لا ترى ولا تسمع ولا تفكر ولا تفرّق بين ضحاياها.