رسالة مفتوحة إلى الشيخ القرضاوي

[align=center]"لو تزعل نزعل.."

رسالة مفتوحة إلى الشيخ القرضاوي

مهلا..التقريب لا يأتي من طريق الديكتاتورية والتحريض والحجر على العقول

ادريس هاني/ المغرب

hani_dr@maktoob.com [/align]

يشهد الله أنني حاولت أن أجتهد وسعي ، لكي أتفهم ما جاء في تصريحكم خلال مؤتمر الحوار بين المذاهب الإسلامية الذي أنهى مؤخرا أشغاله في الدوحة..وذلك لأنني أريد أن أصدق نفسي بأن ما يصدر عنكم هو نابع من تقدير خاطئ ومتسرع للأحداث وليس وراءه نية سوء وتبييت مدبر. أتمنى أن أبقى على هذا الاعتقاد وأرفض سواه ولو كان هو الحقيقة المرة.. فلو أردت أن أقرأ تحركاتكم الأخيرة وأحللها حسب ما يفعل عادة كل مهجوس بداء المؤامرة الذي عفانا الله منه ، لقلنا الكثير مما لا تحمد عقباه ؛ بينما نحن ننشد وحدة المسلمين ونكف أن نزيد في الطين بلة كما ألفيتكم تفعلون هذه الأيام . ففي مثل هذا الظرف العصيب ، وحيث الوضع لا يتحمل أصلا إلا أن تنبري وأمثالك لرأب الصدع وتصحيح المواقف ، والكف عن الانفعالات الهوجاء، رأيناكم تنزلون أنفسكم وعقلكم منزلة العوام . وتصدقون بالإشاعات نفسها التي يجود بها الإعلام المضلل . وتتساهلون في اتهام الشيعة بكل صنوف التهم كما لو كانوا مجرمين يتربصون بكم الدوائر. وكما لو كان حقا ثمة مشروع شيعي تآمري على السنة .وهو أمر مشين لا يرضي عاقلا في هذه الأمة ، بل لو كان الأمر كما تزعمون لتصدينا له بلا هوادة ولن تصلكم النوبة لتخلطوا بعد ذلك أخماسا بأسداس. وكنا ننتظر منكم أن تخرجوا من قصوركم المنعمة ورفاهيتكم الفاحشة وتذهبوا إلى العراق وتقبلوا أن تتواضعوا وتجلسوا مع السيد السيستاني على الحصير وتأكلوا من يابس مأكوله وتلطخوا أحديتكم الملكية بالطين ، لتطلعوا على موقفه وعلى رؤيته وهل هو حقا يسمح بالطائفية أم لا..لكم أن تزوروا المراجع وتتحدثوا إليهم بدل كل هذا التهريج والتمسرح الرديء في كيل التهم للعلماء والمراجع الشيعة وأنتم يوميا تشهدون مئات الضحايا الشيعة يفجرون في الأسواق وتدمر مساجدهم وحسينياتهم ومقامات أئمتهم..لم يخرجكم كل هذا عن طوركم يوما ولا اقتضى منكم توجيه الاتهام للجهة المسؤولة..بل لم يردعكم ذلك عن المضي قدما في اتهام الشيعة وحدهم وتحريض النظم ضدهم.

والحق يا سيدي أنكم لا تفعلون سوى المزيد من إذكاء نار الفتنة والتفرقة المقيتة بخطابكم اللامسؤول. بل إن حركتكم للتقريب بين المذاهب الاسلامية تحمل من المفارقات ما يجعل الحليم حيران ، حيث نراها محاولة طائفية للتقريب ، تنطلق من محاولة الضغط النفسي والتعبئة لفرض وجهات نظركم على الطرف الآخر وتحشيد التهم ضدهم ، ما يصح وما لا يصح . وخلق جو من الريبة للضغط على الشيعة بأن يكفوا عن جملة أمور ، ما صح منها مقبول وما لا يصح لا معنى له إلا أن يكون التقارب عندكم أن لا وحدة مع الشيعة إلا بأن يصبحوا سنة رأسا..وهذه يا سيدي ليست بسياسة تقريبية صحيحة ، بل هي تبشير يمارس بالضغط والقهر والبهتان. فلم ينج من لسانك حتى سيد المقاومة لما نلت من معتقده ووصفته بالمتعصب. تقبلون منهم الدماء وترفضون منهم أن يخالفوكم بعض الاعتقاد. وكانت أمامك مندوحة في أن تتحدث عن المقاومة دون الانزلاق إلى وصف معتقده بالتعصب ، لكنك تفرض نفسك قاضيا وحكما. وتجعل من نفسك متسلطا على الأمة مرجعها الأوحد.

لقد غاظني تصريحكم الانفعالي في مؤتمر الدوحة كما غاظني كل ما صرحتم به قبل ذلك. وغاظني أنكم وجدتم في سماحة الشيخ التسخيري وأمثاله أشخاصا طيبين طالما دللوكم فوق العادة. لتطالبوه بما لا سلطان له عليه..ولا زلت أذكر أنك على الهواء يوما وفي برنامج الشريعة والحياة قد قمعت الشيخ التسخيري على إثر أحداث قتل طالبان لتسعة من الديبلوماسيين الإيرانيين في مجزرة مشهودة..وقد بدوت حينئذ حكيم الحكماء وأنت ترفض حتى أن تسمع من الشيخ التسخيري تأوها لقاء ذلك الفعل الوحشي والنهج المتطرف لهذه الجماعة..وحينئذ مجدت في طالبان واعتبرتها دولة الخلافة الإسلامية..وفي الوقت نفسه لم تتحدث عن المجازر التي حصلت في مزار شريف ولم تنفعل انفعالك هذه الأيام بل وانفعالك في هدم طالبان لبعض من تلك الآثار البوذية..وقلت له حينها :لا، لن نقبل منك ذلك.. بل نحن نريد أن نوحد المسلمين ولا نريد أن نزيد في الطين بلة..أنت يا سيدي حكيم حينما تشاء ومنفعل حينما تشاء..وليسمح لي محمد سليم العوا الذي حاول من خلال الوفد الذي توجه إلى طهران من الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ـ ولا زلت أسأل هل كل من فيه يصدق عليهم علماء المسلمين مع احترامي للجميع ومنهم أصدقاء ، وهل كل من كان خارجه يصدق عليه أنه ليس من علماء المسلمين : مرة أخرى مصادرة العناوين والأسماء للنطق باسم الأمة في تنظيمات ومؤسسات شللية ـ ، الذي حاول أن يبرر موقف القرضاوي بأنه تعبير عن مشاعر السنة . وكنت أتمنى لو يراعي هو أيضا مشاعر الشيعة ويكف عن استفزازهم والتطاول على مراجعهم بالحيل اللفظية والأساليب الغارقة في التقية التي يتهمون بها الشيعة بالجملة وهم يمارسونها ويغرقون فيها إلى الركبة. والحق أن السنة لم يهيجها سوى أمثالكم وإعلامكم ومنابركم التي تقدم صورة زائفة عما يجري في العراق . وتصور الحرب الطائفية في العراق كأنها جريمة شيعية ضد السنة..مع أنكم تعلمون علم اليقين بأن كل ما صدر عن الشيعة في أقسى الحالات إن هي إلا ردود فعل ودفاع عن النفس. ولا وجود لمرجع وعالم شيعي يقبل بقتل السنة في العراق وغير العراق. بل إنهم أفتوا بعدم رد الفعل حتى لو قتلوهم صبرا..ولا زالت فتوى مراجع الشيعة حاجزا منيعا ضد القتل على الهوية..لكنكم تهولون من الأمر حد البهتان ، وتحاولون تزييف الصورة لتجعلوا من ذلك قتلا ممنهجا يقوم به الشيعة بصورة تفوق الخيال، ونسيتم أمريكا ونسيت الإرهابيين..بل إنكم تأبون حتى عن تجريم الإرهابيين بأسمائهم وتعتبرونهم مقاومين . لم ترقوا إلى التمييز بين الإرهابي منهم والمقاوم إلا بعد أن انفضح أمركم ..إن قصتك مع الشيعة يا سيدي هي أبعد من حدود العراق ، لأنك تحدثت عن الخطر الشيعي وامتداده في البلاد الخالصة للسنة..قلت ذلك في مصر وفي غيرها..وتحركت باتجاه آسيا لتحرض هذه الدول الآمنة ضد الخطر الشيعي وأن تستثير سنيتها لتورطها في مغامرات طائفية مغرضة وحاولت أن تقحم الأكراد في الموضوع لا لأنهم قوة سياسية في العراق ، بل باعتبارهم سنة..

دعني سيدي أقول لك بأنك ، بهذه الحركات المكوكية الطائفية ، تجاوزت حدك ومارست سلطانك الغاشم وبدأت تتصرف كأمبراطور يصادر الأمة حقها في الاختلاف وويكرهها بالضغط على تبني الرأي الواحد ويستهين بعقول الأمة..إنك حينما تتحدث عن محاولة للتشييع الممنهج للسنة تقوم بها إيران ، وتطلب من إيران أن توقف هذا النشاط وتتحدثون عن تدابير جلية وخفية، فأنت تستهين بكل المتشيعين وتحاول أن تحرض وتعبئ الرأي العام ضدهم كما لو كانوا حالة شاذة ونبتة غريبة ، وهو أمر فعله قبلك آخرون عبثا، تارة بالتلميح تقية وتارة بالتصريح وقاحة..ودعني أحدثك عن أن عملية التشيع هي عملية حرة تتعلق بمقارعات فكرية عادة ما تتم بالبحث الحر والحوار العلمي ، وليست بالتبشير..يضيرني جدا أن أرى نفسي من خلال خطابك وخطاب الكثير من البسطاء الذين يستسهلون الأمر ويتأستذون علينا بجهلهم كما لو تعلق الأمر بعوام مغلوب على أمرهم ..بل يؤسفني أن تتحدث عن تبشير من هذا القبيل ، إلا أن يقال لقد فشل تبشيرك مقابل التبشير الشيعي..وهل التشيع يصلح للتبشير؟! هذا دليل كافي على أنك تجهل كوعك من بوعك في هذا المجال..لا سيما وأنت تتطاول وتعتدي وترى في المتشيعين ضحايا تبشير ربما مغرر بهم..هل مثلك يقول عنا ذلك..وهل علماؤكم بذلوا من جهد البحث ما قام به عوامنا؟! .. أنت بهذا تزكي الخطاب الذي يجعل من كل متشيع باحث عن مصلحة ما ، ولا تريدون الاعتراف بأن هناك حق وهبه الله للإنسان في أن يختار ما يطمئن إليه في أمور الاعتقاد. لذا أقول لك يا سيدي هذا اعتداء سافر منك ومن أمثالك مرفوض وساذج حد الغباء..أيقال هذا فيمن نذر حياته وزهد في دنياكم وكلفه هذا الاختيار كل صنوف الحرمان والظلم والحصار والإزعاج ـ وما تقولونه هو من جنس تلك الابتلاءات ـ أجل ، إننا لم نربح مثلما ربحت أنت سيدي، حيث أصبحت أميرا في قطر، لا ندري كيف ذلك وأنت ابن الفلاح الفقير الذي برح الديار المصرية خفية ـ ويشهد الله أنك كنت أشرف وأعظم في نظرنا، عالما ابن فلاح منك متأمرا ـ ..لم نربح مثل قصورك ولا مثل أرصدتك حتى باتت مؤسساتك بمثابة دولة داخل الدولة..أيزعجك أمر فكرة تنطلق عفو الخاطر هنا أو هناك وأنت تنصب لدعوتك منابر في كل الدنيا..ما هذا الهراء؟!..هل تملك شجاعة هؤلاء في أن تحقق فيما تقول وتصطف إلى الحقيقة؟!..بل إنني أدعوك ، أو قل إنني أحرجك بالقول: هل تمتلك الشجاعة لتقف لحظة تأمل وتبحث في مصادر معرفتك وتبحث فيما إذا كان هذا المذهب خاطئا أم صائبا..هل فعلت ذلك في حياتك وهل فعلته من باب أن التقليد في الاعتقاد لا يجوز في حق العوام بالأحرى العلماء..إنك لم تفعل ولا تريد أن تفعل..بل أتحداك وأنت تعلم من صحاح كتبكم أن الصلاة على محمد دون الآل بتراء..أتحداك أن تصلي الصلاة السنية الحقيقية التي علمنا رسول الله (ص) إياها ، وتكف عن صلاتك البتراء من على منبرك الأزلي: الشريعة والحياة. لكنها المكابرة والعناد أعاذنا الله منهما..لماذا كل هذا الاعتداء على أناس تحاول اليوم أن تحرض عليهم المجتمع والنظم لتقهرهم وتقطع أنفاسهم وربما تذبحهم..وكيف تجرأ على الاستهانة بعقول هؤلاء كما لو كانوا في حكم المحجور عليهم فكريا ، ومنهم أعلام علماء ومثقفون وأطر خبروا الأفكار واطلعوا على الشريعة..بأي حجة تمنعني بأن أعبر عن رأيي في معتقد بدلت فيه كل جهد وانقلبت حياتي دونه ، جهدا وجهادا ومرارة وليس حياة أميرية مخملية كما هو حالكم في التبذخ .. هل أتخلى عن شيء اجتهدت كثيرا لمعرفته والقطع به فيما أنت لا زلت تجهله أو لا تعلم منه إلا ما يعلمه العوام، فقط لإرضاء سياستك الدينية التي تريد بها ابتلاع العالم..لماذا لم يقل في حقك أحد إنك تسعى للتوسع والاحتلال والسيطرة على الخطاب الديني في العالم العربي..إننا نملك أن نبين لك وللعالم بأنك غير مؤهل لأن تصادر على غيرك رأيه..ونناظرك في هذه المدرسة التي تحاول أن تشيطن كل من دعى لها في حين أنك تصب أفكارك وعقائدك علينا صباح مساء..هل ضاق عليك أن يكون الناس أحرارا في دنياهم..عن أي تدبير تتحدثون، وهل الضغط على إيران وغيرها سيوقف سيل الحقائق..أجل ، إنني شخصيا أعرف بأنكم تدركون أن إيران غير قادرة على أن توقف ما تسمونه بالمد الشيعي..لأنكم تدركون أن مدرسة أهل البيت(ع) ، ليست مادة للتبشير بل هي مادة للحوار والعلم والبحث والنظر..هذا استهانة منكرة بفكر أهل البيت..وأنتم تدركون أن الأمر فوق أن تتعاطوا معه بهذه السذاجة..أعرف أنكم تدركون أن لا إيران ولا غير إيران من شأنها أن توقف ما ليس موضوعا لمنع النظم والدول..لكنني أعرف جيدا غايتكم؛ أنكم تحاولون أن تحييدوا إيران وبعض المؤسسات من أن يكون لها دخل لما تهيئون أنظمتكم ونفوذكم لذبح المتشيعين في البلاد العربية..تريدون أن تفتكوا بهم وتطلبون حيادا إيرانيا.. وهذه هي تقيتكم وما تخفونه من خلال حركتكم التي طالت المشرق والمغرب..ولكن ، ثق تماما سيدي ، فنحن لسنا ممن يخشى عجركم وبجركم..بل نحن فوق أن تتأستذ علينا أو تحاول أن تحجر علينا ، أو تضغط وتحرض ضدنا لأننا ندرك من علم الشرع وعلم دنياكم ما يجعلكم تبدون في نظرنا كالعوام..بل إننا لسنا ممن يرهبه هذا الانفعال والفوضى الخلاقة التي تبثها بخطابك التحريضي ، لأننا حسينيون بامتياز..وإنني أعرف أن ذوقك لا يستسيع ذلك ولا يعرف معنى لهذه الثقافة..لكن دعني أحدثك بها اليوم قبل أن تشهدها أنت وأمثالك غدا..لا أرهبك بحسينيتي لأنني لست إرهابيا من جنس الإرهابيين الذين دافعت عنهم في كل مكان وفي كل مناسبة..ولكن حسينيتي تعلمني أمرا لا تعلمه ..وتعطيني شيئا لم تعطه..أن انتصر كمظلوم على الظالم..و أن أختار الموت على ركوب العار..فحرض ما شاءت لك نبرتك فإنك لن تستطيع بتحريض أن توقف شيئا..لأن لا شيء مما تقوله هو واقع بالفعل.

ثم إنك تتحدث عن معتدلين ومتطرفين..في حين أراك تنال من التشيع الذي يستوي فيه المعتدلون والمتطرفون..ولست مؤهلا لكي تقسمنا إلى فسطاطين..فهل المتشيع لأهل البيت هو متطرف بالضرورة؟!..يا للبهتان!..أن يتشيع المسلم لا يعني أنه يكفر السنة أو يقطع معهم إسلاميا وإنسانيا ووطنيا..ولكن لأنك تقرأ الأمور على مذاقك ومبلغك من العلم ، حيث ترى أن التشيع كافي لتحقيق هذه القطيعة، فذلك رأيك لا تفرضه على غيرك..نحن مع الوحدة والتقريب حتى النخاع ، وكتبنا حول ذلك ولا زلنا نعمل لذلك خارج مهرجاناتكم التي جعلتموها مصيدة لإهانة الشيعة والضغط النفسي عليهم..هل تريد من الشيعة أن يحرقوا تراثهم حتى ترضوا عنهم، حسنا.. فهل أنتم مستعدون لحرق تراثكم..أسألك بالله ، هل إذا حرقنا كتاب الكافي ، هل ستطلب من على برنامج الشريعة والحياة أن يحرق القوم كتاب "منهاج السنة"، الذي يكفر الشيعة عن بكرة أبيهم ويستهين بعلي والزهراء(ع) فداهما روحي ونفسي؟!..إنك لن تفعل ولا غيرك سيفعل! ونحن نقول لك ليس هذا شأنك ولا تملكون له مكنة..بل لا يضيرنا أن تظل تلك الكتابات التهريجية تنشر في دنيا الناس من كل أشكال التجديف ، لأنكم أدركتم أن زمان التجديف ولى وبأن الناس بدأت تدرك أن قرونا من التجديف خلت إن هي إلا خدعة لأمة بكاملها مارستموها ولم تعد تجدي نفعا. بل وجب على السنة أن يحاكموا كل من كذب عليهم ومارس التهريج الطائفي في أوساطهم.

إننا لم نجد لك انفعالا في كل مقاتل الشيعة..ولا سمعنا لك ما يصلح ان يكون موقفا حاسما وواضحا ودقيقا وتعادليا في المقام.. مشكلتكم مع المتشيعين أنهم يشكلون لكم حرجا تاريخيا..هذا أتفهمه..بل دعني أكون معك صريحا، وأنا لا أمارس تقية، لأنني لا أمنحكم موضع الرعب الذي يفرض علي تقية، ولا أرى فيكم من يستحق أن يكسر عقولنا وقلوبنا لنخافه على أرواحنا التي حملناها فوق أكفنا. فالذي لا يبلغ به إحساسه بالحرية وقيمة ما يدين به أن يموت فداه عند الاقتضاء فلا يستحق ذلك الاعتقاد قطعا. وما أعظمها من خاتمة أن يقضي الإنسان شهيدا مظلوما في سبيل مجد العترة العلوية الطاهرة..وهب أنك عبأت الدنيا وحرضت الغادي والبادي في السر والعلن، واتهمت إيران وشكوتها ضرك، وطالبتها بما ليس في يدها ، فماذا ستفعل يا شيخ القرضاوي إزاء من شيعه الحسين وليس فلان وعلان ولا شيعته أمم ولا خيل ورجال.. ذلك الحسين الذي لم تقل عنه شيئا في كل ملاحم وعظك وإرشادك الجزيري حتى في أيام عاشوراء..لشد ما هو قاسي قلبك تجاه مأساة أبي عبد الله الحسين..ثم تقول في كل مناسبة إننا نحترمهم ونوقرهم دون أن يحزنك ما أحزن شيعته..هذا مع أنك حاولت أن تبكينا في مسرحية الطاغية التي قضى فيها ابن جبير على يد الطاغية الحجاج..وكم رأيتك تحاول أن لا تنسى تفصيلا واحدا من تفاصيل مقتل الشهيد سعيد بن جبير..والحق يقال؛ أن الشيعة لم يقولوا في مقتل الحسين ما قلته في مقتل سعيد بن جبير وهو لعلمك تلميذ وفي للسيد زين العابدين بن الحسين (ع)..فلتقم كل دنياك إذن ، واقلب سافلها عاليها فدون ذلك خرط القتاد..ومع ذلك لا نشط ولا نبتغي الفتنة ونحن جنود للتقريب والوحدة ومستعدون للموت في سبيلها حرصا على إصلاح الأمة ووفاء لها وليس طلبا للنفوذ ولا لأي اعتبار آخر، رضا برضا الله!.. نعم قد يكون من بين هؤلاء من هم في حكم العوام..وقد يكون من بينهم طامع في جاه يفتقده أو في مال يفتقر إليه..كل هذا ممكن ، لكن مثل هذا موجود عندكم أيضا وفي مؤسساتكم، فلماذا هذا الاختزال؟!..لكن أن تعتبر أي متشيع هنا أو هناك بصورة عفوية وطبيعية هو صنيعة إيرانية ، أو تساؤلكم ماذا ستستفيد إيران من عشر من المتشيعين هنا وهناك ، فهذا اعتداء سافر وعاري من العلم والأخلاق..لأن الموضوع شخصي وأحب أن أؤكد على أنه مطلب شخصي غير قابل للتهويل..فحينما أقتنع برأي كلامي هنا وموقف تاريخي هناك وبمسألة فقهية هنا و اجتهاد هناك ، لا دخل لأحد في ذلك إلا أن يكون طاغوتا يريد أن يعبد من دون الله..وكنت أتمنى لو ترقى أعلى من ذلك لتقول ، كما قال ذلك السيد النبيل عنوان التسامح الأزهري ، الشيخ شلتوت رحمه الله ، بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، وأن تقول: كن من شئت واذهب أي مذهب لكن أنت حيثما ذهبت ابن بار لهذه الأمة..أن تجعل الانتماء كبيرا للامة فلا يهولك سلطان المذاهب ..وما تعبيرك بالتبشير إلا لأنك تمارس التبشير ومهجوس به حتى النخاع..فأنت تصادر الإنسان حقه في أن تكون له علاقة معرفية وعرفانية خالصة مع ما يدين به..يمكنك ان تحرس دولا ومؤسسات تخشى عليها من الإفلاس، لكنك لن تحرس عقولنا من أن تمارس حقها في الاجتهاد وحرية التفكير..بل نحن أرفع من أن يقول عنا أمثالكم أننا ضحايا التبشير الإيراني..نرجو أن تتعقلوا أكثر وتخدموا التقريب والوحدة من طرقها الصحيحة لا من طرق الاستبداد والتجديف والتهريج..ولعلمك ، كان بإمكانكم أن تستفيدوا من تجربة المتشيعين في مسألة التقارب ، لأنهم الوسط الذي خبر المدرستين ويدرك ما لكل واحدة وما عليها..وهو وسيط جيد..وما انفتاحنا على هذه المدرسة النبيلة بأعلامها إلا لأننا منفتحون أكثر منكم ولأننا لا نحمل الأمراض الطائفية والأصنام المذهبية التي تأسر عقولكم..كان عليك أن تدافع عن المسلمين والوحدة بينهم كيف كان شأنهم ، فهم مسلمون بأي مذهب من المذاهب الاسلامية..لكنك أصبحت تتحدث عن مناطق خالصة لهذا المذهب وذاك..فلقد دخلت التقريب من حيث خرجت منه..وعبرت عن خلفية طائفية مقيتة ظننا خطأ أنكم منزهون عنها..سيدي بدل أن تتحدث عن متشيعين ، كان عليك أن تتحدث عن ألوان الأديان والمذاهب الهدامة التي تفتك بشباب المسلمين وتغزوهم في ديارهم..كان عليك أن توجه رياضتك الفتوائية والوعظية والتحليلية لهؤلاء، وترد على من يتحداكم بالنيل من القرآن ومن محمد من على قناة "الحياة" لأحد قمصانها ما فتئ يدعوك للبراز حتى بح..إنك تتحرك في الاتجاه الذي أرادته إسرائيل وأمريكا من زرع الشقاق بين المسلمين..وأنا أعرف جيدا أنك ضد المشروع الصهيوني والأمريكي في المنطقة ، لكنك بتحريضك هذا تقدم لهم مسوغات وفرص ذهبية.. بل يا ما تمنينا أن تسمعونا ولو مرة واحدة من برنامجكم التبشيري من على الجزيرة توجيها ونقدا لوجود قواعد أمريكية حيث أنت ، هي الأكبر من نوعها في المنطقة، لمرة واحدة فقط، حتى نطمئن على أنك من جنس العلماء الذين يقولون الحق ويبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وهو شعار الاتحاد الذي ترأسونه.. لقد كنت في البداية حذرا مما جاء في كتاب أخينا وصديقنا الدكتور أحمد راسم النفيس حينما كتب: القرضاوي : هل هو وكيل الله في الأرض أم وكيل بني أمية..والحق ، بدأت أعتقد أن الكاتب كان ينطلق من حقائق ، وينطلق من واقع تهويلاتكم وتحرشكم وتحريضكم للنظام المصري ضد من مارس حقه في الاعتقاد والبحث والاختيار..كل ما يمكن أن أقوله لك سيدي ، أن محاولاتك غير المحسوبة لن تجعلنا نحيد عن خطاب التقريب والوحدة بين المسلمين ، ولنا أصدقاء نبلاء من كل المدارس الاسلامية ولا نشعر بما تشعرون به..

إننا نجد العالم الإسلامي مرة أخرى على حافة الانزلاق إلى فتنة طائفية..بالتأكيد ليست تلك هي المرة الأولى التي تحرشت به هذه الفتن وربما لن تكون آخر مرة يحدث ذلك..لذا تعين وجود العقلاء على مر العصور وتوالي الأزمة ، كضامن لاستمرار صوت الضمير وخطاب العقل متى ما اهتزت أركان الأمة وشط بها ما حل بها من حوادث كبرى وما ألم بها من مصاب جلل..كانت الفتن وربما ستظل تطل علينا بوجهها الذميم مرة بعد أخرى، طالما لا أحد يستطيع ان يتكهن بمستقبل يخلوا من حمقى ومن مغرضين..ولكن وجود العقلاء في كل جيل ضمانة لاستمرار التدافع باتجاه تقليص الفجوة، حيث المستقبل زاخر وواعد بأشكال من النضج البشري الكفيل بتفكيك الكثير من آثار المركب التاريخي المتحكم بين المختلفين من أبناء الأمة الواحدة..ليس الحديث عن الوحدة والتقريب أمرا يسيرا..وليس الدعاة إليها بمنأى عمن يتحرش بهم ويهون من غايتهم النبيلة..فالصبر على الوحدة يفوق كل صبر..والصمود في إقرار حد أدنى من التقارب يفوق كل صمود..فجهاد المسلمين الأكبر هو اليوم تقارب بين المذاهب ووحدة بين أهلها..أقول هذا وبين يدي كتاب للأستاذ محمد سليم العوا وهو ممثل الاتحاد ورسوله..والأستاذ سليم العوا رجل مثقف وذكي وأكثر تسامحا من القرضاوي في هذا المجال بالتأكيد..كتاب قيم يستحق أن نتوقف عنده مليا..قيمة الكتاب ليس فيما أورده الكاتب ، وإن كان هذا القدر من الاستئناس بالآخر مفقود بشكل كبير عند غالبية المختلفين..إنما قيمة الكتاب أنه جاء في وقته المناسب..وقبل ذلك دفعني إلى قراءته وهو في الأصل نص لمحاضرة ألقاها هذا الأخير . كان الأخ الهاشمي من قناة المستقلة ، يمتحن ضيوفه لنوع من الديمقراطية المفتوحة والحوار الصريح الذي يتناول كافة القضايا التي شغلت ولا زالت تشغل العقل المسلم وتؤرقه..تارة ينجح وتارة يخفق..وقد أثار انتباهي متدخل في إحدى برامجه ، شخص يدعى الدغيم..تناول كتاب سليم العوا بالكثير من الازدراء، واعتبر أن محاولات محمد سليم لا تعدوا قراءة سطحية باعتباره رجل قانون لا علم له بالشريعة.. وهذا تجديف يطال كل من يقترب من الوحدة بين المسلمين حتى لو كان سنيا..لكن ما أثار انتباهي حقا هو اللغة الطائفية البغيضة التي تمنيت أن لا تنطلق من أي فضائية من فضائيات عالمنا الإسلامي..ولا ان ينطق بها شخص محترم في زمن كان أحوج بنا إلى ان نخفف من وطأة الخلاف ونتجه إلى ما يعزز وحدتنا ..لكننا وكما يجب ان نعترف لا زالت عالقة بنا بعض عصبياتنا الجاهلية...فالوحدة والتقريب غدت فريضة غائبة، لا والله ، بل فريضة مستقبحة مرفوضة يتطاول عليها الكثير ويستهين بها الغفير من المسلمين..يا لطيف كم هو حال الأمة في عجرها وبجرها..عنادها واستكبارها..يستحكم بها داء الكراهية ويسهل عليها التنميط ويغلظ لديها القول وتساء عندها النوايا.قرأت نص محاضرة محمد سليم ، وان كانت مختصرة أشد الاختصار لكنها وافية في مضمونها بالغة في غايتها..فهي مع كل ذلك كبيرة بمقاصدها مهمة بزمانيتها.

إننا إذ نشد على يد الكاتب و ندعم ما تراءى له واجبا وهو حقا واجب إذا أدركت ان لا فلاح لهذه الأمة مع تفرقها..ولا مجد لها مع نفور أهل مدارسها..ولنقف بصراحة على ما هو حقيق ونصحح ما نراه غير حقيق..مساهمة منا بتعزيز هذا الطريق..وهو باب للجهاد مفتوح، من شاء ولجه ، والويل لمن لم يسهم فيه بالقليل أو الكثير..أهم ما جاء فيه ، وما أوردته في هذا السياق إلا لأذكر الشيخ القرضاوي إن نفعت الذكر..حيث يرى الأستاذ العوا بأن نصيب معرفة السنة بالشيعة أقل من نصيب معرفة الشيعة بالسنة..هذا كلام حق أدركه وأنا ابن هذه البيئة السنية..لكنني أتمنى على الشيخ القرضاوي أن يعتبر بهذا الكتاب ، المختصر لكنه المفيد في رسالته..فمحمد سليم العوا مؤهل أكثر للحديث عن الوحدة والتقريب من شيخنا القرضاوي هداه الله للتثبت وقلة الانفعال..بل أقول له ولغيره بعد أن تحرش بهم وحرض عليهم الرأي العام والنظم: اتقي الله و كفى اعتداء و ظلما و استبدادا..فمهما ضغطت ومهما أرعدت وأبرقت فلن توقف حق الناس في أن يمارسوا حقهم في الاعتقاد..ولا يمكنك أن تنزع الحسين من قلوب محبيه..وسأقول لك ما قالته زينب:" كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فولله لن تمحو ذكرنا..". ففي رسالة التقريب إما أن تقول خيرا أو تصمت..أما ما تسمونه الحديث الصريح ، فهو اعتداء وتهريج لا رصيد له من الواقع..لأنكم كنتم دائما فوق الصراحة وأبعد منها إلى حدود التحرش والتبشيع لصورة الشيعة..فمتى يؤوب شيخنا القرضاوي إلى الحقيقة ويكف عن العناد والتحريض ، فنعود ونحترمه كما احترمناه دائما؛ عالما معتدلا لا زعيما طائفيا!