واشنطن تغير الوجهة من عداء السلفيين الى محاربة الشيعة ....سيمور هيرش
واشنطن تغير الوجهة من عداء السلفيين الى محاربة الشيعة
سيمور هيرش
تحول استراتيجي :
في الأشهر القليلة الماضية، وفي وقت تدهور فيه الوضع في العراق، قامت إدارة جورج بوش، عبر دبلوماسيتها العامة وعملياتها السرية، بإجراء تحول مهم في إستراتيجيتها في الشرق الأوسط
«إعادة التوجيه» تلك، حسبما يسميها البعض في البيت الأبيض، قادت الولايات المتحدة إلى موقع أقرب نحو مواجهة مفتوحة مع إيران وبعض أجزاء المنطقة، دافعةً إياها باتجاه نزاع طائفي متّسع بين الشيعة والسنة. وبهدف تقويض إيران، ذات الغالبية الشيعية، قررت إدارة بوش إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان، تعاونت الإدارة مع الحكومة السعودية، وهي سنية، في عمليات سرية تهدف إلى إضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية المدعومة من إيران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات تستهدف إيران وحليفتها سوريا. وكانت إحدى النتائج الجانبية لتلك النشاطات دعم المجموعات السنية المتطرفة التي تعتنق رؤية عسكرية للإسلام وهي معادية لأميركا ومتعاطفة مع القاعدة.
ويكمن أحد الجوانب المتناقضة لهذه الإستراتيجية الجديدة، في العراق، حيث تأتي غالبية عنف المتمردين ضد القوات الاميركية، من القوى السنية وليس الشيعية. ولكن من وجهة نظر الإدارة، تعتبر العاقبة الأبرز والعميقة وغير المقصودة للإستراتيجية الجديدة هي تقوية إيران. وقد أطلق رئيسها محمود أحمدي نجاد تصريحات تحدٍ بشأن إزالة إسرائيل وحول حق بلاده بمواصلة برنامجها النووي. والأسبوع الماضي، قال أبرز قادتها الدينيين آية الله علي خامنئي، في تصريح تلفزيوني، إن "الحقائق في المنطقة تظهر أن الجبهة المتغطرسة، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، ستكون الخاسر الأساسي في المنطقة".
بعد أن حملت ثورة العام 1979 الحكومة المتدينة إلى السلطة، قطعت الولايات المتحدة علاقتها مع إيران وبنت علاقات أوثق مع قادة الدول السنية مثل الأردن ومصر والسعودية. ثم أصبحت هذه الحسابات أشد تعقيداً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وخصوصاً مع السعوديين. فالقاعدة منظمة سنية، والكثير من ناشطيها يتحدرون من دوائر متدينة متطرفة داخل السعودية.
قبل غزو العراق في العام ,2003 افترض مسؤولون في الإدارة، متأثرين بإيديولوجيين من المحافظين الجدد، أن وضع حكومة شيعية هناك (في العراق) قد يؤمن التوازن الموالي لأميركا مع المتطرفين السنة، بما أن الغالبية الشيعية في العراق كانت مقموعة أيام صدام حسين. وقد تجاهلوا تحذيرات مجتمع الاستخبارات بشأن الصلات بين قادة الشيعة في العراق وإيران، حيث عاش بعضهم منفيين لسنوات. الآن، ولسوء حظ البيت الأبيض، عقدت إيران علاقة وثيقة مع حكومة نوري المالكي الشيعية.
ونوقشت السياسة الأميركية الجديدة، في خطوطها العريضة، على الملأ. وخلال شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في يناير الماضي، قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس إن هناك «اصطفافا استراتيجيا جديدا في الشرق الأوسط» يفصل بين «الإصلاحيين» و«المتطرفين»، مشيرة إلى أن الدول السنية تمثل مراكز الاعتدال، فيما تقع إيران وسوريا و«حزب الله»، حسبما قالت، «في الجهة الأخرى من هذا التقسيم». (سوريا ذات غالبية سنية تحكمها الطائفة العلوية). وأضافت أن سوريا وإيران "اتخذتا خيارهما وهو زعزعة الاستقرار."
ومع ذلك، فإنّ بعض التكتيكات الجوهرية لإعادة التوجيه ليست علنية. ففي بعض الحالات، ابقيت العمليات السرية مستترة، من خلال ترك التنفيذ أو التمويل للسعوديين، أو من خلال إيجاد طرق أخرى للالتفاف حول الآلية النظامية لصرف المخصصات في الكونغرس، على حد قول مسؤولين حاليين وسابقين مقربين من الإدارة.
وقال لي (الكلام لسيمور هيرش) عضو بارز في لجنة المخصصات في مجلس النواب إنه سمع عن الاستراتيجية الجديدة، ولكنه أحسّ بأنه، وبعض زملائه، لم يتم إطلاعهم عليها بشكل لائق. وأضاف «لم نحصل على أية معلومات.. سألنا عما يدور، فأجابوا أن لا شيء يحصل.. وعندما وجّهنا أسئلة محددة، قالوا سنطلعكم عليها في ما بعد»، واصفاً ذلك بـ"المحبط جداً".
إن اللاعبين الأساسيين وراء إعادة التوجيه هم نائب الرئيس ديك تشيني، ونائب مستشار الأمن القومي اليوت ابرامز، السفير الأميركي في العراق (ومرشح لمنصب سفير الأمم المتحدة) زلماي خليل زاد، ومستشار الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان. وفيما كانت رايس مسؤولة بشكل وثيق عن رسم السياسة العلنية، قال المسؤولون الحاليون والسابقون إن الجانب السري كان موجهاً من قبل تشيني. (ورفض مكتب تشيني والبيت الأبيض التعليق على هذه القصة، أما البنتاغون فلم يجب عن أسئلة محددة ولكنه قال بأن «الولايات المتحدة لا تخطط لحرب مع إيران»
إن التحول في السياسة دفع السعودية وإسرائيل إلى ما بشبه «العناق الاستراتيجي الجديد»، لا سيما أن كلا البلدين ينظران إلى إيران على أنها تهديد وجودي. وقد دخلوا (السعوديون والإسرائيليون) في محادثات مباشرة، والسعوديون، الذين يعتقدون أن استقراراً أوسع في إسرائيل وفلسطين سيعطي لإيران نفوذاً أقل في المنطقة، أصبحوا أكثر تدخلاً في المفاوضات العربية الإسرائيلية.
وقال مستشار حكومي أميركي له علاقات وثيقة مع إسرائيل إن الاستراتيجية الجديدة «تعتبر تحولاً رئيسياً في السياسة الأميركية. إنها بحر من التغييرات»، مضيفاً أن الدول السنية "متخوفة من انبعاث شيعي.. وهناك امتعاض متنامٍ حيال مراهنتنا على الشيعة المعتدلين في العراق.. لا يمكننا ردّ الفوز الشيعي في العراق ولكننا نستطيع احتواءه".
وقال لي الباحث في مجلس العلاقات الخارجية فالي نصر، الذي كتب بشكل موسع عن الشيعة وإيران hkوالعراق إن «نقاشاً جرى على ما يبدو داخل الحكومة حول أيهما يمثل خطراً أكبر: إيران أو الراديكاليون السنة»، مضيفاً أن "السعوديين والبعض في الإدارة يعتقدون أن التهديد الأكبر يتمثل في إيران وأن الراديكاليين السنة هم الأعداء الأقل شأناً.. انه انتصار للخط السعودي".
من جهته، قال المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في إدارة بيل كلينتون مارتن انديك، والذي عمل سفيراً لدى إسرائيل، إن «الشرق الأوسط يتجه نحو حرب باردة خطيرة بين السنة والشيعة». وأضاف انديك، وهو مدير مركز «صابان» حول سياسة الشرق الأوسط في مؤسسة «بروكينغز»، أنه من غير الواضح، من وجهة نظره، ما إذا كان البيت الأبيض مدركاً تماماً للمضامين الإستراتيجية لسياسته الجديدة.
وقال إن "البيت الأبيض لا يضاعف رهانه في العراق فحسب، بل يضاعف المراهنة عبر المنطقة، وذلك قد يصبح شديد التعقيد. وكل شيء مقلوب رأساً على عقب".
ويبدو أن السياسة الجديدة للإدارة من أجل احتواء إيران تعقّد استراتيجيتها من اجل كسب الحرب في العراق. ومع ذلك قال الخبير في الشؤون الإيرانية باتريك كلوسون، ونائب مدير معهد واشنطن للأبحاث حول سياسة الشرق الأدنى إن علاقات أوثق بين الولايات المتحدة والسنة المعتدلين وحتى الراديكاليين قد تبث «الخوف» في حكومة نوري المالكي و«تجعله قلقاً من أن السنة قد يكسبون الحرب» الأهلية هناك.
واعتبر كلوسون أن ذلك قد يعطي المالكي حافزاً من أجل التعاون مع الولايات المتحدة في قمع الميليشيات الشيعية الراديكالية، مثل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر.
وبالرغم من ذلك، تبقى الولايات المتحدة، في الوقت الراهن، معتمدةً على تعاون القادة العراقيين الشيعة. قد يكون جيش المهدي معادياً للمصالح الأميركية، بشكل صريح، ولكن الميليشيات الشيعية الأخرى تعتبر حليفة للولايات المتحدة. وكلاهما، مقتدى الصدر والبيت الأبيض، يدعمان المالكي.
واقترحت مذكرة، كتبها مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي في أواخر العام الماضي، أن تحاول الإدارة فصل المالكي عن أشد حلفائه الشيعة راديكاليةً، من خلال بناء قاعدته وسط السنة المعتدلين والأكراد، ولكن حتى الآن، تميل النزعات نحو الوجهة المعاكسة. ففيما يستمر الجيش العراقي بالإخفاق في مواجهاته مع المتمردين، فإن نفوذ الميليشيات الشيعية قد ارتفع بشكل منتظم. وقال لي المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارة بوش فلينت ليفيريت «ليس هناك أي شيء عرضي أو يدعو إلى السخرية» في الإستراتيجية الجديدة تجاه العراق، ويتابع "الإدارة تحاول جعل القضية أنّ إيران أكثر خطورة واستفزازاً من المتمردين السنة بالنسبة للمصالح الأميركية في العراق، في حين أنك تجد، إذا ما نظرت إلى عدد الإصابات الحالية، أنّ الهجمات التي تصيب الأميركيين من قبل السنة هي أكبر من حيث الخطورة". ويقول ليفيريت "هذا كله جزء من حملة اتخاذ خطوات استفزازية لزيادة الضغوط على إيران، وتقوم الفكرة على أساس أنّ الإيرانيين في مرحلة ما سيردون، وبالتالي يصبح الباب مفتوحاً أمام الإدارة لضربهم".
وقد أعرب الرئيس جورج بوش، في كلمة ألقاها في العاشر من يناير الماضي، عن هذه المقاربة حين قال إن «هذين النظامين (إيران وسوريا) يسمحان للإرهابيين والمتمردين في استخدام أراضيهما للتحرك من وإلى العراق»، مضيفاً أن "إيران توفر دعماً مادياً للهجمات على القوات الأميركية. سنحبط الهجمات على قواتنا. سنعترض تدفق الدعم من إيران وسوريا، وسنعمل على تدمير الشبكات التي تؤمن الأسلحة المتطورة والتدريب لأعدائنا في العراق".
في الأسابيع التي تلت ذلك، أطلقت الإدارة موجة من المزاعم حول تورّط إيران في حرب العراق. ففي 11 فبراير الماضي أظهرت التقارير أجهزة تفجير متطورة تم ضبطها في العراق، وزعمت الإدارة أن مصدرها إيران. وكان جوهر رسالة الإدارة بهذا الخصوص أنّ الوضع السيئ في العراق لم يكن نتاجاً لفشلها في التخطيط والتنفيذ، بل بسبب التدخل الإيراني.
إضافة إلى ذلك قام الجيش الأميركي بتوقيف واستجواب المئات من الإيرانيين في العراق، وفي هذا الإطار قال أحد مسؤولي الاستخبارات السابقين أن «الأوامر صدرت إلى الجيش في آب الماضي للإمساك بأكبر عدد ممكن من الإيرانيين في العراق»، مضيفا «لقد قاموا باحتجاز 500 شخص دفعة واحدة، ونحن نتعامل مع هؤلاء للحصول على المعلومات منهم»، مضيفاً أن «هدف البيت الأبيض يكمن في جعل القضية تبدو أنّ الإيرانيين يقومون بإثارة التمرد وأن إيران، في الواقع، تدعم قتل الأميركيين». ويقول مستشار في «البنتاغون» أنّ القوات الأميركية اعتقلت مئات الإيرانيين في الأشهر الماضية، لكنه اخبرني أنّ من بين هؤلاء عدداً كبيراً من العاملين في مجال المساعدات الإنسانية «تم الإفراج عنهم خلال فترة قصيرة» بعدما اخضعوا للتحقيق.
وفي وقت أعلن وزير الدفاع الأميركي الجديد روبرت غيتس في الثاني من يناير «أننا لا نخطط لحرب على إيران»، فإنّ أجواء المواجهات باتت أعمق. وبحسب مسؤولين أمنيين وعسكريين حاليين وسابقين، فإنّ عمليات سرية تمّ تنفيذها في لبنان ترافقت مع عمليات سرية استهدفت إيرن، حيث قامت فرق عسكرية وفرق عمليات خاصة بزيادة وتيرة نشاطاتها في إيران لجمع المعلومات الإستخباراتية. وبحسب مستشار البنتاغون، فإن بعضها تجاوز الحدود لملاحقة ناشطين إيرانيين في العراق.
وخلال مثول رايس أمام مجلس الشيوخ، طرح السيناتور الديموقراطي جوزف بيدن، سؤالاً محدداً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة خططت لتجاوز الحدود الإيرانية أو السورية للقيام بملاحقات، حيث أجابت رايس «من الواضح، أنّ الرئيس لن يقدم على أي قرار خارج إطار حماية قواتنا، لكن الخطة تقضي بالقضاء على هذه الشبكات في العراق»، مضيفة "أعتقد أن كل شخص سيفهم ذلك، الشعب الأميركي ينتظر من الكونغرس أن يتوقع قيام الرئيس باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية قواتنا".
وقد دفعت إجابة رايس الملتبسة بالسيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا تشاك هاغل، المعروف بانتقاده للإدارة، إلى الرد قائلا "يتذكر البعض ما حدث في كمبوديا في العام ,1970 عندما كذبت حكومتنا على الشعب الأميركي قائلة إننا لم نتجاوز الحدود باتجاه كمبوديا، وفي الواقع كنا فعلنا ذلك. أعرف شيئاً حول هذا الأمر، كما هي الحال بالنسبة للبعض في هذه اللجنة، وبالتالي، السيدة الوزيرة، عندما تشرحين السياسة التي يتحدث عنها الرئيس فإنّ أمراً كهذا يعتبر خطيراً جداً جدا".
ويترافق القلق الذي تبديه الإدارة حول دور إيران في العراق، بالإنذار المتواصل الذي تطلقه تجاه البرنامج النووي الإيراني. ففي حديث لشبكة «فوكس نيوز» في 14 كانون الثاني الماضي، حذر تشيني من أنّه خلال سنوات قليلة، سيكون هناك احتمال في أن تصبح «إيران مسلحة نووياً ومتحكمة بإمدادات النفط، وقادرة على التأثير بشكل غير ملائم على الاقتصاد العالمي، ومستعدة لاستخدام التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى أسلحتها النووية لتهديد جيرانها والدول الأخرى حول العالم». وقال "إذا ذهبتم للتحدث مع دول الخليج، أو إذا تحدثتم مع السعوديين والإسرائيليين والأردنيين، ستجدون أنّ المنطقة بأكملها قلقة... التهديد الذي تمثله إيران يتنامى".
وتقوم الإدارة حالياً بتفحص موجة من المعلومات الإستخباراتية الجديدة حول برامج الأسلحة الإيرانية. وقد أخبرني مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون، أنّ المعلومات التي أوردها عملاء إسرائيليون يعملون في إيران، تزعم أنّ طهران قامت بتطوير صاروخ عابر للقارات بمراحل دفع ثلاثية، قادر على توجيه عدد من الرؤوس المتفجرة الصغيرة، بدقة محدودة، إلى داخل أوروبا. إلا أنّ صحة هذه المعلومات ما زالت موضع نقاش.
لقد شكلت حجج مشابهة، تناولت التهديدات الوشيكة لأسلحة الدمار الشامل والتساؤلات التي أثارتها الاستخبارات في الإعداد لهذه القضية، مقدمة لغزو العراق. وقد استقبل كثيرون في الكونغرس هذه المزاعم حول إيران بحذر. ففي مجلس الشيوخ قالت السيناتور هيلاري كلينتون في 14 فبراير الماضي "لقد تعلمنا جميعاً الدروس من النزاع في العراق، وعلينا أن نطبق هذه الدروس على أي من المزاعم التي تثار حول إيران، لأن ما نسمعه هو انذار غير رسمي، وعلينا أن نحرص على ألا نتخذ مجدداً قراراتنا استناداً إلى معلومات تتجه إلى أن تكون خاطئة".
ويواصل البنتاغون بهدوء إعداد خطة مكثفة لضربة محتملة لإيران، وهي عملية بدأت في العام الماضي تحت إشراف الرئيس. وفي الأشهر الماضية، أبلغني مسؤول استخبارات السابق، أنّه تم تشكيل فريق خاص للتخطيط على مستوى كبار القادة العسكريين، حيث جرى تكليفه بوضع خطة لقصف إيران يمكن تطبيقها خلال 24 ساعة بناءً على أمر يصدره الرئيس.
في الشهر الماضي، أبلغت من قبل مستشار في سلاح الجو وآخر في البنتاغون، أن فريق التخطيط حول إيران تلقى مهمة جديدة وهي تحديد أهداف في إيران يمكن أن تكون مصدراً لتجهيز ومساعدة المقاتلين في العراق، بينما كان التركيز في السابق على تدمير المنشآت النووية في إيران واحتمالات تغيير النظام. وتتواجد الآن في بحر العرب حاملتا الطائرات «إيزنهاور» و«ستينيس». وفيما تقضي إحدى الخطط بتخفيض مهمتهما بحلول الربيع المقبل، تتوقع مصادر عسكرية أن تصدر الأوامر بالإبقاء على وجود الحاملتين في المنطقة بعد وصول حاملات جديدة. (من ضمن مصادر القلق الأخرى، جاءت المناورات العسكرية لتظهر ان حاملات الطائرات ليست محصنة لمواجهة تكتيك إرسال عدد كبير من السفن الصغيرة، وهي تقنية طبقها الإيرانيون في السابق، حيث تمتلك الحاملات قدرة محدودة على المناورة خصوصاً في المناطق الضيقة كمضيق هرمز على السواحل الجنوبية لإيران. (ويقول مسؤول كبير سابق في الاستخبارات إنّ خطط الطوارئ الحالية تسمح بتنفيذ هجوم بحلول الربيع. لكنه يوضح أنّ الضباط الكبار في رئاسة الاركان يراهنون على أن لا يكون البيت الأبيض على هذه الدرجة من الحماقة للقيام بذلك وسط ما يجري في العراق وما ستثيره من مشكلة في وجه الجمهوريين في العام 2008).
لعبة الأمير بندر :
اعتمدت جهود الادارة لتحجيم القوة الايرانية في الشرق الأوسط بشكل كبير، على السعودية والأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان. وقد عمل بندر في منصب سفير الولايات المتحدة لمدة 22 عاما، حيث حافظ على صداقة مع الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني. وفي ظل منصبه الجديد، استمر في الاجتماع بهما بشكل سري. وقد قام مسؤولون في البيت الأبيض بزيارات عديدة الى السعودية مؤخرا، بعضها غير معلن.
في أكتوبر الماضي، توجه تشيني الى السعودية لعقد لقاء مفاجئ مع الملك عبد الله وبندر. وذكرت «التايمز» حينها ان الملك حذر تشيني من ان السعودية ستدعم حلفاءها السنة في العراق اذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب. وقال لي مسؤول استخباراتي اوروبي ان اللقاء ركز أيضا على المخاوف السعودية من «صعود الشيعة»، وانه ردا على ذلك "بدأ السعوديون يستخدمون نفوذهم المالي".
وفي عائلة ملكية تظللها المنافسة، تمكن بندر على مر الأعوام من بناء قوة تعتمد بشكل كبير على علاقته الوثيقة بالولايات المتحدة، التي تعد حاسمة بالنسبة للسعوديين. وخلف بندر في منصبه كسفير الأمير تركي الفيصل؛ استقال تركي بعد 18 شهراً وخلفه عادل الجبير، البيروقراطي الذي عمل مع بندر. وقال لي دبلوماسي سعودي سابق إنه خلال فترة عمل تركي، عرف هذا الأخير بلقاءات بندر ومسؤولي البيت الأبيض وبينهم تشيني وآبرامز. وقال المسؤول السعودي «اعتقد ان تركي لم يكن سعيداً بهذا الأمر». لكنه أضاف انه رغم ان تركي لا يحب بندر، فإنه تشارك معه في هدفه وهو مقارعة انتشار القوة الشيعية في الشرق الأوسط.
ويعود الفراق بين السنة والشيعة إلى انقسام مرير من القرن السابع، حول من الذي يجب ان يخلف النبي محمد. وهيمن السنة على خلفاء القرون الوسطى والإمبراطورية العثمانية، فيما نظر الى الشيعة على انهم دخلاء. عالمياً، 90 في المئة من المسلمين هم من السنة، لكن الشيعة يمثلون غالبية في إيران والعراق والبحرين، وهم أكبر جماعة مسلمة في لبنان. ان تمركزهم في منطقة هشة غنية بالنفط أثار القلق لدى الغرب والسنة حول انبثاق «الهلال الشيعي» ـ خاصة بالنظر الى تنامي القوة الإيرانية "الجيوسياسية". لا يزال السعوديون ينظرون الى العالم من خلال الإمبراطورية العثمانية، عندما كان السنة يحكمون، والشيعة في أسفل الدرجات»، كما قال لي فريدريك هوف، وهو ضابط عسكري متقاعد يعمل كخبير حول الشرق الاوسط. وأضاف انه إذا نُظر الى بندر على انه يحدث تحولاً لدى السياسية الاميركية تجاه السنة، فإن هذا الأمر سيعزز موقعه لدى العائلة الحاكمة.
ويسيطر على السعوديين الخوف من أن تتمكن إيران من قلب موازين القوى ليس فقط في المنطقة بل في بلدهم أيضاً. ففي السعودية، أقلية شيعية في مناطقها الشرقية، حيث أهم حقول النفط، وحيث ترتفع حدة التوتر المذهبي. وتعتقد العائلة الحاكمة ان الناشطين الإيرانيين، الذين يعملون مع الشيعة المحليين، كانوا وراء العديد من الهجمات الارهابية داخل المملكة، وذلك بحسب فالي نصر. «اليوم، الجيش الوحيد القادر على احتواء إيران ـ الجيش العراقي ـ دمر من قبل الولايات المتحدة. نحن نتعامل مع إيران التي تستطيع ان تكون قادرة نووياً وتملك جيشاً نظامياً من 450 ألف جندي». (السعودية تملك جيشاً نظامياً من 75 ألف جندي) ويضيف نصر إن «السعوديين يملكون وسائل تمويل ضخمة، وعلاقات قوية بالإخوان المسلمين والسلفيين» ـ المتشددين السنة الذين يعتبرون الشيعة مرتدين. «في المرة الأخيرة التي شكلت فيها إيران تهديداً، تمكن السعوديون من تحريك أسوأ أشكال الإسلاميين الراديكاليين. حينما يخرجون من الصندوق، من الصعب إعادتهم إليه.
لقد أدت العائلة الملكية السعودية دور الراعي وكانت في الوقت ذاته هدفاً للمتشددين السنة، الذين يعارضون الفساد والانحطاط بين آلاف الأمراء. وهؤلاء الأمراء يراهنون على انه لن يتم الانقلاب عليهم طالما انهم مستمرون في دعم المدارس الدينية والجمعيات الخيرية المرتبطة بالمتشددين. إن الاستراتيجية الجديدة للإدارة تعتمد بشكل أساسي على هذه المساومة.
ويقارن نصر الوضع الحالي بالفترة التي ظهرت فيها القاعدة للمرة الأولى. ففي الثمانينات وأوائل التسعينات، عرضت الحكومة السعودية تقديم العون المالي لحرب وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية على الاتحاد السوفياتي في افغانستان. وتم إرسال المئات من الشبان السعوديين الى مناطق الحدود مع باكستان، حيث أقاموا المدارس الدينية ومخيمات التدريب ومنشآت التجنيد. وحينها، كما اليوم، فإن العديد من الناشطين الذين تلقوا أموالا سعودية، كانوا من السلفيين. وبينهم طبعاً، كان أسامة بن لادن ومساعدوه، الذين أسسوا القاعدة عام .1988
في هذه المرحلة، قال لي مستشار الحكومة الاميركية إن بندر وسعوديين آخرين أكدوا للبيت الأبيض انهم «سيراقبون المتطرفين عن كثب. كانت رسالتهم: خلقنا هذا التحرك، ونستطيع التحكم به. ليس الأمر اننا لا نريد أن يرمي السلفيون القنابل؛ إن الأمر يتعلق بالجهة التي يرمونها بها ـ حزب الله، مقتدى الصدر، إيران، والسوريون أيضا إذا استمروا بالعمل مع حزب الله وإيران. وقال الدبلوماسي السعودي إنه من وجهة نظر بلده، فإن الانضمام الى الولايات المتحدة في تحديها لإيران، يعد مخاطرة سياسية: ينظر الى بندر على انه مقرب جداً من إدارة بوش. ويقول لي الدبلوماسي السابق «لدينا كابوسان. امتلاك إيران القنبلة وهجوم الولايات المتحدة على إيران. أفضل ان تهاجم اسرائيل الإيرانيين، حتى نستطيع إلقاء اللوم عليهم. إذا نفذت أميركا الأمر، نحن من سيلام.
نصر اللـه: الأميركيون يريدون تقسيـم العـراق ولبنـان وسوريـا إلى دويلات طائفية
خلال العام الماضي، توصل السعوديون والإسرائيليون وإدارة بوش الى سلسلة من الاتفاقات غير الرسمية حول توجههم الاستراتيجي الجديد. وقد شمل هذا الأمر أربعة عناصر رئيسية على الأقل، كما قال لي مستشار الحكومة الاميركية: أولا، طمأنة إسرائيل الى ان أمنها هو الأمر الأسمى وأن واشنطن والسعودية والدول الخليجية الأخرى تشاركها قلقها حول إيران.
ثانياً، يحث السعوديون حماس، الحركة الاسلامية الفلسطينية التي حصلت على دعم إيران، على التخفيف من عداوتها لإسرائيل والبدء في محادثات جدية حول التشارك في القيادة مع فتح، الجماعة الفلسطينية الأكثر علمانية. (في شباط الحالي، توسط السعوديون حول اتفاق في مكة بين الفصيلين. ومع ذلك، عبرت الولايات المتحدة وإسرائيل عن عدم رضاهما عن الشروط. الأمر الثالث هو ان تعمل إدارة بوش بشكل مباشر مع الدول السنية من اجل كبح الصعود الشيعي في المنطقة. رابعاً، توفر الحكومة السعودية، بموافقة واشنطن، الأموال والمساعدة اللوجستية لإضعاف حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. ويعتقد الإسرائيليون إن فرض ضغط مماثل على حكومة الأسد سيجعل من الأمر أكثر ليونة وسيفتح الباب أمام المفاوضات. أن سوريا قناة أساسية لتمرير الأسلحة الى «حزب الله». والحكومة السعودية أيضا في خلاف مع السوريين حول اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق، في بيروت عام ,2005 حيث تعتقد ان حكومة الأسد مسؤولة عن الاغتيال. والحريري، الملياردير السني، كان مقرباً جداً من النظام السعودي والأمير بندر. (أشارت لجنة تحقيق دولية الى ان السوريين متورطون، لكنها لم تقدم دليلاً مباشراً؛ هناك خطط لإجراء تحقيق آخر عبر إنشاء محكمة دولية.
يصف باتريك كلاوسون، من معهد واشنطن حول سياسات الشرق الأدنى، التعاون السعودي مع البيت الأبيض بالاختراق المهم. وقد قال لي «يدرك السعوديون انهم إذا أرادوا من الادارة ان تقدم عرضاً سياسياً أكثر سخاء الى الفلسطينيين فإن عليهم حث الدول العربية على تقديم عروض أكثر سخاء الى الإسرائيليين». وتظهر هذه المقاربة الدبلوماسية الجديدة «مستوى مرتفعاً من الجهود والمهارة التي ليست مرتبطة دائماً بهذه الادارة. من يقود الخطر الأكبر ـ نحن أم السعوديون؟ حين يصبح الموقع الاميركي في الشرق الاوسط في أدنى مستوياته، فإن السعوديين يعانقوننا. علينا ان نحصي نعمنا». غير أن لمستشار البنتاغون رأي مخالف، حيث يقول إن الادارة التفتت الى بندر على انه «بديل» لأنها أدركت ان الحرب الفاشلة في العراق ستترك الشرق الأوسط «عرضة للاغتصاب.