خطاب مع الحسين (ع) في أربعينيته
خطاب مع الحسين (ع) في اربعينيته
ماذا أقول فيك وأنت الحسين
سيدي كل هذه السنين التي مرت والأجيال التي انصرمت , وما أكثر حادثاث الزمان , يبقى يومك , ويبقى دمك وتبقى خالدا على مر السنين والأيام ، يا ابن البتول وسبط الرسول يا نجما أضاء في سماء العالم مزق الحجب وبدد الظلام , كم كنت يا سيدي عظيما فلقد ذدت عن حياض الحق وآثرت على الظلم والجور ورفعت راية الإسلام عاليا , وما كنت تطيق عسف العاسفين ولا جور الظالمين وما كنت ترضى أن تشهد طغيان الظلم على مرأى منك وأن ترى الاستبداد والاستعباد على مقربة منك ,فخضت المعركة مرفوع الرأس شامخ الجبين وضحيت بنفسك وعيالك ومالك وأطفالك ، كم كنت عظيما يا أبا عبد الله عندما وجدت الإسلام على مفترق الطرق إما طريق الحق والسؤدد أو طريق الظلم والجور والانحطاط , فآثرت على نفسك طريق الحق والرشاد ، سيدي إن صنعك يوم ألطف صنع العاشق الولهان الذي يضحي في سبيل معشوقه بكل ما هو عزيز ، فكان الله جل في علاه اعز ما عندك فأعزك الله وأصبحت ثار الله في أرضه , وما زال سيدي دم الضحايا يفور في ارض كربلاء وكأن الأشلاء لا يزال منظرها المؤلم ملقى على الترب , ويبقى عاشوراء هو يوم النصر حيث انتصر الدم على السيف وانتصرت الفضيلة على الرذيلة , سيدي ماذا أقول في مصرعك انه والحق يقال كان امتحان صعب لهذه الأمة فليست المعركة بينك وبين يزيد ، شخصين مجردين بل كانت بين مبدأين أساسيين في الحياة هو صراع ما بين الخير والشر ، الفضيلة والرذيلة , مصلحة فرد ومصلحة مجتمع , ولكن الغريب في الأمر إن الذين قتلوك يعلمون علم اليقين قدرك ومكانتك ودناءة يزيد وحقارته ولكنهم أطاعوا يزيد واحترموا أمره ثم انثالوا عليك يقطعونك بالسيوف ويقتلون أولادك وأصحابك ويسبون نساءك , كم كانت النتيجة خاسرة وكم ابتعدت الأمة عن طريقها الصحيح بعد هذه الفاجعة الكبيرة والمؤلمة ، سيدي كان الله في عونك وأنت تخاطب تلك القلوب القاسية وتقول لهم (( اتقوا الله لا تقتلونني فأني ابن بنت نبيكم )) ولو كان هذا الخطاب مع الجبال الرواسي لخرت لذلك ولكنك يا سيدي تخاطب من استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وغشيتهم محبة الدنيا فأعمت أبصارهم واصمت أسماعهم وطبعت على قلوبهم فأنى لمن ران على قلبه أن يعي هذه الكلمة أو يقنع بهذا الدليل , ولكنك يا سيدي لم تترك معهم بابا إلا وطرقته ولعلك تستنفر فيهم الحمية الجاهلية فيهم وتستثير النخوة العربية عندهم لعلها هي العلاج الأخير قائلا لهم (( ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا احسابكم وأنسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون )) فأثبتوا لك يا سيدي وللعالم إنهم بعيدون كل البعد عن العروبة في لبها وجوهرها لما فيها من خلق رفيع وذوق سليم وعقل راجح ورأي حصيف , فكم كنت يا سيدي صادقا حين خاطبت القوم بعدما أحاطوا بك كما يحيط السوار بالمعصم قائلا (( ويلكم أيها الناس أتظنون إنكم بعد قتلي تتنعمون في دنياكم وتستظلون في قصوركم ، هيهات فعن قريب سيحاط بكم وتكونون أذل من قوم الأمة وسيسلط عليكم رجل ثقيف يسقيكم كأسا مصبرة )) وكم كنت شجاعا يا سيدي وأنت تعرف هذا المصير وتعلم علم اليقين عندما خاطبت محمدا ابن أبيك قائلا ((قد شاء الله أن يراني قتيلا )) فقال لك محمدا فما معنى حملك النسوة معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال فقلت له (( قد شاء الله أن يراهن سبايا )) وعندما علمت إن القوم غير تاركيك أردت أن تعذر أصحابك فقلت لهم (( هذا الليل قد عشيكم فاتخذوه جملا )) فأبوا إلا أن يفدوك بأنفسهم وأموالهم وأهليهم قائلين ( نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك ) هنيئاً لك سيدي بهذه الصحبة وهنيئاً لهم ولا عجبا عندما قلت فيهم (( ما رأيت أصحابا ابر ولا أوفى من أصحابي ولا أهل بيت ابر وأوفى من أهل بيتي )) فالموت عند أصحابك يا سيدي تحت ظلال الأسنة أهون عندهم مما يعمله ولاة الأمور من ظلم وجور وتحمل المشاق مهما عظمت أهون من مغالطة الضمائر والاحتيال ، وانك كما قلت لم تخرج أشرا ولا بطرا ولا مسدا ولا ظالما وإنما خرجت للإصلاح في امة جدك وان تأمر بمعروف وتنهى عن منكر , وعزمت على أن تقلم أظفار الباطل وترفع كلمة الله عاليا فأطلقتها صرخة مدوية والى الأبد .
ورحلت يا سيدي وتركت في كل قلب حسرة وفي كل نفس لوعة وفي كل دار مأتم فلقد جل المصاب وفدح الخطب وفقدك سيدي مثير للشجن ومرسال للدموع . سيدي لقد كان لك ما تريد وهنيئاً لك في ملكوتك فشجرة العقيدة الراسخة التي سقيتها بدمك الطاهر قد آتت آكلها وها هم محبوك قد جاءوا إليك زحفا على الأقدام في موكب مهيب تعجز الأقلام والأفكار أن تنقل وتصور ما حدث في الطريق إلى كربلاء صدور عارية يا سيدي . عامرة بأيمان أقوى من الجبال تحث الخطى وسط فنون من صناعة الموت وتشق طريقها أليك تتحدى الإرهاب في أقوى معاقله في الدورة والسيدية و أللطيفية والإسكندرية وجبلة ومويلحة والحلة لا تهاب الموت بل الكل يتمنى أن ينال الشهادة في تلك الرحلة الماراثونية المليونية والكل تنادي لبيك يا حسين عاقدين الحناجر على ولائك سيدي وولاء أبيك وجدك فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا ...