موضوع للمناقشة:الإيرانيون في العراق... عمق استراتيجي بعد تجرع السم
[frame="3 80"]الإيرانيون في العراق... عمق استراتيجي بعد تجرع السم
http://www.assafir.com/Photos/Photos...007/134513.jpg[/frame]
محمد علي حريصي
التحقيق يعتمد على محللين غربيين بالدرجة الاولى
في العام الذي نجحت فيه الثورة الإسلامية في إيران (1979)، كان صدام حسين يتسلم زمام الحكم في العراق بعد انقلاب على الرئيس أحمد حسن البكر. ولم يكد يطاول التغيير نظامي طهران وبغداد، حتى بدأ التراشق بالاتهامات، وسرعان ما تحولت الاشتباكات الحدودية بينهما الى حرب دموية وامتدت من العام 1980 حتى العام 1988 عندما اعلن الامام الخميني قبوله بـ«تجرع السم» والموافقة على وقف اطلاق النار.
استمرت العلاقات في حالة شبه انقطاع على الرغم من تبادل الزيارات بين وزراء البلدين، في ما قبل سقوط بغداد بقبضة «قوات التحالف» بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003 ثم تشكيل أول حكومة عراقية بعد صدام، كانت طهران أول من اعترف بها. وقفزت العلاقة بين ايران والعراق إلى أعلى مستوياتها في ظل الحكومة الثانية التي ترأسها إبراهيم الجعفري، وحافظت على زخمها بعد تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء.
وفيما رأى كثيرون ان العراق المحتل صار حلقة من حلقات الحصار على الجمهورية الاسلامية في ايران، اصبح المسؤولون الايرانيون يتحدثون بثقة عن تحول العراق الى عمق استراتيجي لإيران، وخط الدفاع الأول ضد أي محاولة لاجتياحها أو احتوائها ومحاولة تغيير نظامها.
الحلفاء
تشير صحيفة «نيويوركر» في تقرير أعده الصحافي سيمور هيرش، الى انه قبل غزو العراق، افترض مسؤولون في الإدارة الاميركية متأثرين بمنظّرين من المحافظين الجدد، أن وضع حكومة شيعية في العراق قد يؤمن التوازن الموالي لأميركا مع المتطرفين من السنة، بما أن الغالبية الشيعية في العراق كانت مقموعة أيام صدام حسين. وقد تجاهل هؤلاء التحذيرات بشأن الصلات بين قادة الشيعة في العراق وإيران، حيث عاش بعضهم منفيا لسنوات طويلة.
في العام ,2004 بدأ يتضح مدى التأثير الايراني على القوى العراقية الموالية لطهران، خاصة بعد «الانتفاضة» التي قادها جيش المهدي وخاض خلالها معركة قاسية مع الاحتلال الاميركي، وخلال كل المفاوضات السياسية التي كان يشهدها العراق في اطار العملية السياسية.
وفي الفترة الاخيرة، توارى السيد مقتدى الصدر، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع آية الله كاظم الحائري، المقرب من آية الله السيد علي خامنئي، عن الأنظار. وتقول صحيفة «الغارديان» البريطانية ان كبار قادة جيش المهدي لجأوا الى ايران بانتظار انقضاء الخطة الامنية الجديدة لبغداد، مشيرة الى ان ايران عمدت على مدار ثلاثة أسابيع الى إخراج الصف الاول والثاني من القيادات العسكرية لجيش المهدي من بغداد، بهدف الحؤول دون ضرب البني التحتية لتيار الصدر.
وفي الاساس، تعتمد ايران في امتدادها العراقي على «فيلق بدر»، الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي تأسس أوائل الثمانينيات، وظل يتدرب ويتسلح في إيران على مدى أكثر من 20 عاما. وبعد العودة إلى العراق عقب الغزو، غير الفيلق اسمه إلى منظمة بدر، وتعهد بتسليم أسلحته في حال استقرار الوضع الأمني.
ويعد حزب «الدعوة» أحد أبرز الأحزاب التي ارتبطت في مرحلة ما بطهران، بعدما كان آية الله محمد باقر الصدر اسسه خلال الخمسينيات. وقد أعلن الحزب وقوفه إلى جانب الثورة الايرانية وتحالف معها، الى ان بدأ الحزب نقاشا داخليا في بداية الثمانينيات افضى الى الالتزام بالإطار الديني لكن من دون الدور المطلق لولاية الفقيه، ما خلق تباينا بين الحزب والقيادة الدينية في ايران، وأفضى لاحقا الى انشقاق في الحزب. وفي مرحلة ما بعد صدام، ظلت العلاقات التي تربط بين حزب الدعوة وايران قوية.
الفخ
تدرك الادارة الاميركية اليوم في ظل تخبطها السياسي، انها باتت تدفع في العراق بشكل يومي ثمن هذه الحسابات الخاطئة. وقد أصبح محافظوها وصقورها يتساءلون: هل وقعنا فعلا في فخ إيراني؟
في محاولتها لاستدراك الموقف ـ المأزق، اختارت الادارة إجراء تحول مهم في استراتيجيتها في الشرق الأوسط، تقودها نحو موقع أقرب الى مواجهة مفتوحة مع طهران. فقد حددت ايران كالتهديد الاجنبي الرئيسي للولايات المتحدة في العراق. وقد رأى البعض في هذا الامر محاولة من قبل واشنطن ليس فقط لتبرير فشلها العراقي، بل لخلق رد فعل قد تستغله لاحقا كعذر لشن حرب على ايران، خاصة مع اتساع رقعة مشكلة الملف النووي.
وعلى الرغم من ان الإدارة اطلقت موجة من الاتهامات حول تورّط إيران في العراق وعرضت أجهزة تفجير متطورة تم ضبطها في العراق، زعمت أن مصدرها إيران، وقام الجيش الأميركي بتوقيف واستجواب المئات من الإيرانيين في العراق، الا ان الادارة الاميركية رحبت بعقد المؤتمر الاقليمي ـ الدولي في بغداد السبت الماضي، وجلست الى طاولة محادثات واحدة بحضور الايرانيين.
وكان جوهر رسالة الإدارة بهذا الخصوص أنّ الاوضاع الامنية والاقتصادية والسياسية السيئة في العراق، لم تكن نتاجا لفشلها في التخطيط والتنفيذ، بل بسبب التدخل الإيراني. كما حدد الرئيس الاميركي جورج بوش العدو الجديد للولايات المتحدة بـ«قوة القدس». لكن المعلومات الاستخباراتية الاميركية تشير الى ان الأدلة ضد «قوة القدس» لا تزال موضع تساؤل.
وتنقل صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية عن مدير الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد الأميركية عباس ميلاني، قوله ان «قوة القدس» هي «النخبة المنتقاة من جيش النخبة العقائدي». وفيما يتساءل بعض الخبراء عما إذا كانت هذه القوّة موجودة فعلاً كوحدة رسمية منفصلة عن بقية الحرس الثوري، أشارت الصحيفة وفقا لميلاني ونقلا عن نواب إيرانيين، الى أن العدد الحقيقي وتفاصيل أخرى عن هذه القوة تبقى سرا، حتى على البرلمان الإيراني.
من جهتها، تقول صحيفة «الزمان» العراقية ان قيادة «قوة القدس» يقودها «عميد معروف باسم أبطحي خدم سابقا في لبنان»، فيما يقود الشبكة العراقية جمال جعفر محمد علي إبراهيمي، أو «مهدي مهندس».
وفي موازاة التصعيد العسكري لمواجهة الدور الايراني العسكري في العراق، عمدت واشنطن الى محاولة التأثير على الموقع السياسي الذي تحتله طهران في العراق والمنطقة. وقد بدأت الادارة الاميركية حملة تحريض واسعة النطاق ضد الدور الايراني، متهمة طهران بأنها المساهم الأول في عمليات القتل والتهجير.
وسعت الولايات المتحدة الى تثبيت هذه النظرية عبر اللعب على الوتر المذهبي (سنة وشيعة) والقومي (الفرس العرب). وقد عمدت جاهدة في هذا السياق الى تشكيل حلف عربي يشمل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، ويعمل على مقارعة النفوذ الايراني داخل العراق وخارجه.
الهدف
غير ان طهران بدت واثقة من قدرتها على احتواء الهجمة الاميركية. وبدلا من الانكفاء، أعلنت عن نيتها تعزيز دورها العسكري والاقتصادي في العراق. وأشارت الى استعدادها دعم الجيش العراقي بمدربين ومعدات وأن تضطلع بمسؤولية كبرى على صعيد إعادة إعمار البلاد.
ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب في معهد «ذي هاريدتج فاونديشن» الأميركي جيم فيليبس لـ«السفير»، ان ايران «تتبع مسارين سياسيين في العراق: علاقات جيدة مع الحكومة العراقية، والرهان على النفوذ من خلال الميليشيات الشيعية».
ويعتبر فيليبس ان طهران تريد ان تبقى الساحة العراقية «على غليانها»، وذلك بهدف «عدم إراحة الاميركيين، ساعية في الوقت ذاته الى القضاء على أي ديموقراطية مستقرة تضعف تبعية الأحزاب السياسية الشيعية الى ايران، والى العمل على ان يشكل الشيعة العراقيون حكومة تكون على مقاس الحكومة الايرانية».
وفيما يرى فيليبس ان طهران تسير نحو تحقيق هدفها، على اعتبار ان «قوة القدس تقوم بالعمل ذاته الذي تقوم به في لبنان (تدريب وتجهيز وتسليح الميليشيات التي تخدم مصالحها)»، يعتبر خبير شؤون الارهاب والشرق الأوسط في «مجلس العلاقات الخارجية» الاميركية ستيفن سايمون، لـ«السفير»، ان ايران «تخسر» في العراق!
ويشرح سايمون ذلك بالقول ان «ايران تريد عراقا ضعيفا لكن مستقرا يحكمه الشيعة من دون تواجد عسكري اميركي. ورغم ان تحركات طهران تتمحور حول هذا الهدف، الا انها لم تنجح في تحقيقه بعد: الوضع في العراق يتدهور، والتواجد الاميركي يتزايد».
لكن طهران تكرر في الفترة الأخيرة التأكيد على انها أمست قوة إقليمية كبرى بالفعل، تستطيع تأمين الحماية للمنطقة. وفي موازاة استعراضها لعضلاتها في الخليج عبر المناورات المستمرة، باتت تركز على الهدف الذي تسعى اليه في مقابل مساهمتها الفعلية في ادارة الوضع العراقي: على الولايات المتحدة مغادرة المنطقة عسكريا وتحديد امتدادها السياسي المتقلص.. والجلوس معها الى طاولة شطرنج إقليمية.
في تشرين الثاني الماضي، قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد «الشعب الايراني على استعداد لمساعدتكم للخروج من هذا المستنقع بشرط واحد.. عليكم أن تتعهدوا بتصحيح موقفكم.. عودوا وخذوا جنودكم الى ما وراء حدودكم».