ثقافة الخوف في المجتمعات الدينية
ثقافة الخوف في المجتمعات الدينية
زكي لطيف
أتذكر قبل عدة سنوات وفي تلك الليلة المشهودة، كيف أن تلك المرأة ذات الصوت الجبهري تتوعدني بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن لم اغسل رجلي مع زوجتي وفقا للعرف السائد في مثل هذه المناسبة! أنكرت عليها ما تقول وغالبتها على الممانعة، وسط استنكار الحاضرين، بعدها بأسابيع تزوج احد أصدقائي بعد أن قام بغسل رجليه مع زوجته إلا انه طلقها بعد ذلك بأشهر معدودة !
قبل عدة سنوات تساقط على قرى بعينها دون أخرى وفي نفس المنطقة ثلج البردي بكثافة، فخرج رجال الدين يتوعدون الناس وينددون بالأوضاع، داعينهم إلى التوبة والابتهال والرجوع إلى الدين ودفع الحقوق الشرعية، وان هذا البردي الذي سبب أضرارا مادية رسالة من السماء !!
في المجتمعات الدينية التقليدية تستحكم ما يمكن تسميتها بثقافة الخوف، في مسيحية القرون الوسطى كان البابا يمثل حكومة دينية موازية للسلطة الملكية وكان يصدر صكوك الغفران باسم الله ويضفي على الملك الشرعية ويعاقب كل من يخالف المسيحية المستبدة والملكية المتغطرسة ، عند اليهود الإسرائيليين ثقافة مماثلة، فأي تنازل عن ارض فلسطين يعتبر بمثابة مخالفة عظيمة وخطيئة لا تغتفر، بل أن مخالفة أي من تعاليم الدين اليهودي مجلبة للغضب الإلهي وحلول نقمة الله على إسرائيل وشعبها، ولعل في قتل رابين دليل على ذلك، فقد شاع عند الكثير من المتدينين اليهود أن الله عاقبه لمصالحته أعداء شعب إسرائيل وهم الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس الراحل ياسر عرفات ، ومن هذا المنطلق تتعامل القيادة السياسية الإسرائيلية مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية دينية وان ارض إسرائيل ارض مقدسة منحها الله لليهود وان التنازل عن أي شبر منها بمثابة معارضة لحكم الله تستوجب النقمة وحلول العذاب .
في المجتمع الإسلامي تنتشر ثقافة الخوف أيضا، وتتعدد مظاهرها، وإنها لثقافة تستغل فيما تستغل لتتبيث دعائم النظام الديني أو السياسي أو كلاهما، وتكبيل الجماهير بالأساطير والأوهام والفتاوى والتعاليم الدينية التي تجعل حركتها باتجاه التغيير بطيئة وبالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة، فثقافة الخوف من ضمن البنى التحتية الضخمة التي يقوم عليها النظام الديني أو السياسي أو الاجتماعي المستبد والديكتاتوري في المجتمعات الدينية المعاصرة.
حدثني احد الأصدقاء اللندنيين انه التقى بمجموعة من أهالي قريته في لندن، فقال لي انه يغلب عليهم الهوس الديني والخوف من كل شي !
أتذكر أن في اكتتاب احد الشركات الكبرى جال المتدينون بالهواتف المحمولة والفاكسات ومواقع الانترنت يتساءلون عن جواز الاكتتاب فيها، أنهم خائفون من أن يقوموا بارتكاب محظور شرعي ، رغم أن الأمور كانت واضحة ويستند الحكم على حيثيات يحددها المكلف بنفسه، إلا أن اغلبهم ذهبوا إلى المرجعيات الدينية يستفتونها ، ذهبوا إلى احد المشايخ فقال لهم هذا تكليفكم انتم لا تكليف الفقيه ويخضع هذا التشخيص للموازين العامة إلا أنهم أصروا عليه بان يسال الفقيه ويحصل على فتوى الإجازة لكي يكتتبوا وهو مطمئنين ويتداولوا الأسهم براحة بال وضمير!!
الرؤية القاتلة !
سالت عن أحداهن فقيل لي إنها لا تخرج من البيت منذ برهة وستظل على هذا الحال حتى تنتهي عدتها. سالت: لماذا. قيل لي: لأنها سمعت تحذيرا من جانب العديد من النسوة بأنها إن خرجت من منزلها ووقع نظر رجل عليها سوف يموت أو يحدث له مكروه، لذلك احتاطت لهذا الأمر وسوف لن تخرج حتى تنقضي عدتها!!
يوم السبت يوم الرحيل!
في بعض المجتمعات الدينية يعتبر يوم السبت احد أيام السفر المستحبة، وينطبق ذلك حتى على الجنائز، فمراسم العزاء إذا صادف نهايتها يوم السبت يضطر أهل المتوفى إلى زيادة أيام العزاء يوم واحد لتكون خاتمة مجلس العزاء يوم الأحد والسبب في ذلك يرجع إلى خوف أهل المتوفى من أنهم إذا انهوا مراسم العزاء في يوم السبت يموت لهم شخص آخر !! وذلك استنادا على بعض الروايات في هذا الشأن !!
ما بين نار ونار!
عندما حدثت واقعة القديح بالقطيف عام 1420هـ ، قال السلفيين بان الله احرق الرافضة بنار الدنيا قبل الآخرة لمذهبهم الفاسد، ولكن عندما وقعت حادثة مكة قالوا بأنها ابتلاء لعباده المؤمنين! وعندما حلت كارثة تسونا مي قالوا بان ذلك عقاب من الله على الفساد القائم في تلك البلاد، ولكن عندما جرفت سيول عسير العشرات من الأهالي قالوا قضاء وقدر!!
في الفقه الإسلامي هناك صلاة الخوف وصلاة الآيات ،يؤديها المسلم فريضة ، داعيا الله المغفرة والرحمة ، إلا أن الاستبداد عندما يتولى الأمور فانه يحول تلك الفرائض والواجبات والمستحبات إلى عناوين عريضة مضخمة يقصد منها بث الرعب المؤدي إلى تحقيق الخضوع الجمعي للاسثئتار بالمنافع والمكتسبات المادية والمعنوية التي يزخر بها المجتمع القائم على المنظومة الدينية .
رب ارجعون نموذجا
قام مجموعة من شبان القطيف بإنتاج فيلم سينمائي بمجهودهم الخاص، لقد كان فيلم على المستوى الإنتاجي يمثل باكورة جيدة من حيث التصوير والأداء والمونتاج، إلا انه على الصعيد التشخيصي والتحليلي يمثل جزء من إنتاج ثقافة الخوف السائدة والمستحكمة بكل شئون المجتمع، أتذكر أن احد الأصدقاء قال لي بأنه يعرف شابا لا يتجاوز عمره ال16 عاما أصيب بعقدة نفسية منه ، فراح يحطم أجهزة التلفاز والاستقبال الفضائي وتحول إلى التدين المرضي فاضطر أهله لعلاجه في المستشفى!!
اكتب هذه الكرامة وإلا!!
يتداول في العديد من المجتمعات الدينية الشيعية سير وكرامات أهل البيت سواء عبر المطبوعات الورقية أو الالكترونية بالانترنت أو الجوال، ويطلب معد مثل هذه النشرات بثها بين الناس وإلا فان منكرها أو الذي يتخذها هزوا سوف ينال العقاب الشديد!!، فالغني سوف يفتقر،والصحيح سوف يمرض، لان منكرها منكرا لآيات الله البينات، ويتداول أيضا بعض الأدعية على الهواتف المحمولة ويطلب كاتبوها سرعة إرسالها للعدد الممكن من الاصدقاء رجاء للمثوبة ودفعا للبلاء وتحقيقا للأمنيات المستعجلة !!
عباءاتكن تجلب الغضب ألإلهي!
في إحدى حملات الحج أحجم المسئول عن تسجيل طالبات الالتحاق لأنهم يرتدين عباءات غير تقليدية، وتساءل صراحة: كيف ستذهبن للحج وانتن تتشحن بهذه العباءات الغير شرعية !!وأضاف بأنه بقبولهن سوف يخالف الحكم الشرعي ويرتكب مخالفة، وهذه حافلة سوف تذهب في سفر بعيد ويجب أن لا تكون متجاوزة للأحكام الشرعية حتى يكتب لها السلامة وتحوز رضا الله!!
لماذا خسر المنتخب السعودي بطولة كاس الخليج؟
خرج السلفيون فقالوا بان السبب يعود إلى الغضب الإلهي!! كيف؟ لان نسوة سعوديات ذهبن إلى ابوظبي وشجعن المنتخب فكان هذا سببا لعدم التوفيق فخسر المنتخب البطولة !! ولكن لماذا فاز المنتخب الإماراتي رغم أن عدد كبير من مشجعيه كن من النساء!!
ادفع الخمس تغتني!
كنت بصحبة احد المشايخ فجاءه احد الأشخاص وشكا له سوء الحال وضعف تجارته، سأله: اتخمس؟! أجاب: ليس بعد!. قال: أن هذا هو السبب! أن الله غاضب عليك لأنك لا تؤذي الحقوق الشرعية فخمس وسوف تجد ما يسرك !!
ستلعنك الملائكة يا امرأة!
ولعل المرأة تعاني أكثر من الرجل في هذه المجتمعات فالمرأة التي تخرج من بيتها دون إذن زوجها ستلعنها الملائكة كما يقول ذلك رجال الدين، هنيء للمرأة الغربية إذن فلن تلعنها الملائكة إذا خرجت دون إذن زوجها لأنها غير مسلمة! فتأمل عزيزي القارئ
طلقها تم تزوج بها!
وجاء احدهم فشكا لسماحته سوء الحال مع زوجته فقال له بعد تفكير وتنعيض: إن هذا راجعا لكون زواجكما قد تم في ليلة غير من مناسبة، فطلقها ثم تزوجها مرة أخرى في ليلة سوف احددها لاحقا!!
تيار الخوف في المجتمع
في كل أنحاء حياة المجتمع الديني ينتشر الخوف وتتعدد أشكاله، ليشكل في نهاية الأمر بنى تحتية هائلة للاستبداد الديني والاجتماعي الحاكم، في المجتمعات الشيعية يستحيل إجراء ليلة العقد في إحدى ليالي محرم أو صفر،لا لنص ديني بالحرمة إنما لعادة اجتماعية ومفهوم جمعي مرتكز على ثقافة الخوف لا استنادا لفتوى صادرة أو عقيدة راسخة ، يتداول المتدينون أن آخر أربعاء في شهر صفر مجلبة للغضب الرباني والنقمة السماوية، ودفعها إنما يكون بالصدقة والدعاء ودفع الحقوق،عندما يروم المرء أن يجري عقد زواجه لا بد أن يتحري الليلة المناسبة وإلا وقع في المحظور ولم يوفق في حياته الزوجية، وعليه مثلها في ليلة دخلته ،وفي ذلك اليوم الذي يريد فيه أن ينتقل للسكن في بيته الجديد، أوعندما يهم بافتتاح مشروع معين أو البدء بعمل ما، من هذه الثقافة المستشرية انتشرت في البلدان الإسلامية ثقافة أخرى هي ثقافة السحر والشعوذة أو ما يمكن تسميتها بعلم الرمل والطست، ولعل قناتي شهرزاد وكنوز أمثلة على ذلك، بغض النظر عن صحة علوم السحر والتنجيم والاتصال بالعوالم العليا ومدى فاعليتها في حل القضايا الفردية والجماعية المستعصية على الحل بالطرق الاعتيادية.
يخشى الإنسان العربي المسلم من نقد نظامه السياسي، فلا يكاد يبوح بشف كلمة منتقدة خوفا من سطوته الأمنية والمخابراتية ،ويخشى بالتوازي من نظامه الديني خوفا كذلك من حلول النقمة والعذاب والدعاء عليه من قبل المؤمنين!! ويخشى من انتقاد نظامه الاجتماعي حتى لا يعامل بالنبذ والازدراء من محيطه الإنساني،انه يخشى من عرض أفكاره ووجهات نظره فيتعرض للنقد والازدراء والتسقيط الشخصي.
بينما تتقدم تلك الشعوب وتسير بسرعة مذهلة نحو التطور والارتقاء، تكبل شعوبنا ومجتمعاتنا بثقافة الخوف وعقيدة المحظور والمرهوب ، قديما قال احد الفلاسفة إن تلك المجتمعات التي تؤمن بالمجهول وتسلم حياتها له ،الأجدر بها أن تستعبد من الشعوب المتقدمة والناهضة،لم يجانب هذا الرجل الحقيقة، فمجتمعاتنا الإسلامية ليست سوى أسيرة لتلك الدول المتقدمة التي تنتج كل شي ونحن لسنا سوى مستهلكين، أن الخوف عقيدة وثقافة ونظام تستند عليه المجتمعات الدينية المعاصرة، إن المسيحيين الأوربيين عندما كسروا حاجز الخوف وتوغلوا في كل العلوم بما فيها العلم الروحي، اكتشفوا مجاهيل الأشياء وماهياتها وتوالت عليهم الفتوحات العلمية لأنهم لم يكبلوا أنفسهم بعقيدة كهنوتية أو عقدة دينية تحد من نهضتهم ، وهم اليوم في طليعة الأمم المتقدمة المتمدنة، بعدما أزاحوا النظام الكنسي الذي كان يكبلهم بالوعيد والتهديد إن هم تجاوزوا حدوه الذي رسمها وفقا لغاياته ومراميه ،كان ذلك بعد مئات الضحايا التي قدمها تيار الحرية في أوربا فصنع منها حضارته المعاصرة ونهضته في القرنين العشرين والحادي والعشرين ،إن الخوف هو احد أهم مرتكزات الاستبداد في المجتمعات الدينية فلا بد من أن ننتزعه من قلوبنا وعقولنا لنضعه في حجمه الطبيعي والواقعي، لنتمكن من تجاوز الاستبداد كعقبة لا بد من إزاحتها لنسير بقوة وإباء وبسالة نحو الحرية والكرامة .