فم الجنون السلفي "رواية "
http://www.rasid.com/media/lib/pics/1171501381.jpg
"روايــــــه"
محمد ناصر
(1)
[align=justify]كمن تتسابق الريح فيه يعود مشرقا من جديد؛ ليحلم بماض لم تره الألوان، يفكر في ضياع مستقبل عاشه أمام عينيه، العبثية الزاهية، رمي الأحجار في البحر، فتاته التي يعشقها، تكفيره... كلها أشياء تذكره بأيام طفولة نسيها منذ ترعرعه على أرض هذه البلاد التي ينظر لها بازدراء، سنينه التي كبر فيها حتى تخرج من الثانوية مُلِئت بسلسلة من أفكار التكفير، فمناهج الدين ومدرسيها والخوف من الرسوب علامات تطرف لم تستوقف الطالب الصغير، هواجس استطاع نسيانها في الصف الثالث الثانوي، إذ لم تقف حجر عثرة أمام إصراره على تفوقه الدراسي، إصرار طالما تبجح به أمام زملائه الصغار، كبر أكثر، شاهد في نفسه رجلا مقبلا على مستقبل مشرق، مستقبل بددته الأيام، فحولته إلى ركام متنكر حتى لمذهبه الشيعي، ركام صنعته لحىً كثيفة السواد لم يستطع تذكر الفرق بين طولها وقصر ثوبها غير أنه يعرف تماما أنها تتنكر لغنى منطقته، فبقعة الزيت الراقدة تحت خارطة القطيف ليس للشيعة منها سوى التلوث، سحب الدخان تشكل خيطا شديد العتمة كأنه رسول يبشر ضميره بالموت الجماعي لأهل المنطقة، رائحة دخان النفط تحتل أنفه دون أن يرى ثمن استنشاقه له، يتأمل في النجوم ليسألها عن سبب الحقد السلفي على بني جلدته، تذكر شخصيات التقارب في منزل الشيخ حسين، شاهدها بعينيه عبر شاشات التلفاز، وهي تتهم الشيعة بإتباع البدع والغلو، شخصيات صنفها الشيخ حسين معتدلة، وسطية المنهج.. حسين لا يتقبل نظرة الشيخ حسين تجاه الوسطيين، فبرغم اعتدالهم تجاه الشيعة غير أنهم يحظون بامتيازات واسعة لا تتوفر لأي شيعي, تساءل قلبه أليس هذا بحد ذاته تمييز طائفي سعى الوسطيون قبل غيرهم لتفنيده في البلاد، سأل النجوم عن حقل القطيف وأبو سعفة النفطي أليس هذا الحقل فقط كفيل بأن يعيش منه جميع أقرانه في المحافظة على أحسن وجه كريم؟!!
الفقر والحرمان الذي تعيشه أسرته يحمل حقدا رفيع المستوى، حقد لا ينساه سوى للحظات، شيعيته مكمن الداء.. هكذا يردد حين يشتد النقاش مع صديقه حمزة الشيعي المتدين، بات المستقبل في عينيه أبوابا مغلقة، لا المعدل الدراسي المرتفع يشفع له لدخول الجامعة، ولا الفوز بشركة النفط التي تمارس التمييز الطائفي ممكن بخلاف ما يشاهده من تجاوزات للطلاب السنة المتقدمين لنفس الوظائف التي يحمل مؤهلاتها أكثر منهم، قناعته بدأت تتشكل ضد كل تراب الوطن، أصبح الحقد الخاطئ محل تفكير جدي في مخيلته، الشيعة والسنة، الوهابية، العلمانية كلمات لم تعد تعنيه، أصبح كافرا بكل شيء، إلا بإصلاح وضعه بأي طريقة ممكنة... العاصمة الرياض مقصده، طالما تنكر لها وامتدح الحجاز الذي زار مسجد الرسول فيه، تعرف على تراث حضاري مغيب تماما كما غُيب تراثه عن خارطة الوطن، هم يجمعه مع هم الحجازيين، ضميره الرافض لفكرة التوجه للعاصمة يتغلب عليه عقله وحلمه الذي سينتشله وأبويه من الفقر، عاصمة لا تهبط أسراب الحمام في ساحات مساجدها كما في مدينة الرسول، مآذنها لا تتسم بالرشاقة، خطبها لم يتعرف عليها، حي السويدي مركز الفكر التكفيري في العاصمة، فالخطب فيه غالبا ما تخرج عن المألوف، علماء سلفيون يكفرون المجتمع السعودي، الشيعة الحلقة الأضعف في خطبهم، يجاهرون بوجوب اجتثاث الشيعة من تراب الوطن، يعتبر الشيخ سليمان شيعة القطيف (روافضا للحكم السعودي) برغم إعلان ولائهم له، يشدد في خطبه على إثبات الولاء لإيران، رفض كل ما يصدر من هيئة كبار العلماء، عدم الإفطار مع الدولة...، موضوعات يناقشها بحماسة كبرى في مجلسه الكبير في حي السويدي دون أن يردعه أي قانون يجرم العنف الطائفي، يمسك بلحيته الكثيفة ويطيل الصمت، يرفع رأسه وينظر للحشد، سبابته موجهة نحو السماء، يده اليسرى تقبض بعنف على المنصة، يحدث الناس عن تحرك الشيعة، يخوِّفهم من انتشار التشيع في سوريا وأرض الكنانة، الحكومة بنظره ترفض العظة من سقوط حكومة طالبان السلفية والعراق السني، يدعوها لأخذ الدروس والحفاظ على منهج السلف...، حاجباه يقتربان من بعضهما وصوته يزداد علوا:
- يجب على الدولة إزالة الشيعة، فهم وربي سرطان خبيث، فإن لم يُستأصل سيؤدي هذا المرض لموت للمملكة...
برغم خوف حسين من الوهابية التي تكفره غير أنه تشجع للدراسة في العاصمة التي ستطؤها رجلاه لأول مرة، القلق من الفكر التكفيري يسافر معه، كلما ازدادت المسافة قربا من العاصمة توغل الخوف في قلبه أكثر، أضواء العاصمة تُفتت الظلام المطبق على أربع مائة كيلو متر هي المسافة الفاصلة بين الشرقية والعاصمة، الأضواء تُخفي النجمات التي تأمل بها طوال الطريق، طرق واسعة، وجسور تقلل إشارات المرور، ومبانٍ شاهقة الارتفاع... مناظر شاهد فيها عظمة الإنسان وقدرته الهندسية، يفكر في تغيير التخصص الذي راوده منذ دخوله للثانوية، فالطب يعني له الكثير، ما رآه أوشك أن يغير تخطيطه، فبرج المملكة تصميم هندسي شدَّه لحد كبير حتى صرف النظر عن تخصص الطب، لم يعرف أن العقبات في حياته للتو تبدأ، فجأة تقفز في ذهنه مآثم الوطن الذي لم يقدم له سوى الشتائم والتكفير في مناهج الدراسة، وفي الفتاوى التي يصدرها علماء السلف وسط مباركة وصمت الجميع، إحساس يقتل داخله كل شيء يدعم الوطنية ووحدتها...
- وطني يعتبرني خائنا.. كافرا ومذنبا لأنني استهوي مذهبا شيعيا لم أعد قادرا على التخلي عنه.
أفكار ظن حسين أنه متمسك بها، إذ لم يعرف أن السنوات كفيلة بتغير عقله تماما كما تغير الأفاعي جلدها.. أفكار تدور في خيال هذا الشيعي، تحاكي مأساة حياته المباشرة، تفاصيلها، مدى الظلم الذي تعرضت له، ينظر نحو نجمة بعيدة لا يكاد ضوءها يصل إليه، يتذكر سبب عدم قبوله في الجامعة برغم أنه حاصل على معدل يقترب كثيرا من العلامة الكاملة، الطب وأحلام الجراحة، الهندسة، الراتب المغري... كل شيء تبخر بسبب لحية طويلة ما رست التمييز الطائفي ضده.
- لو كنت في مصر لدخلت الطب حتى لو كان معدلي جيدا.. دعك من التفكير في المستقبل، فالبطالة تملئ حتى الأطباء (!!)
حديث النفس يدخله في مواجهة نفسية لم يكن مستعدا لها، يفكر في السفر الذي حلم به في أيام الصبا، لم يجد ذاكرة؛ ليتعلم كيف يفكر في المستقبل، فالمستقبل بات غامضا ومقرفا حدَّ الغثيان، لم تكن الرياض سوى محطته الأولى التي أكتشف فيها هوية وطنية جديدة، العقل المتحجر، الشك، اليقين، الهموم الدينية، المصلحة، المواطنة، القتل جميعها سمات وطن تشكل في ذهنه، وطن لم يعطه سوى التكفير في المناهج الدراسية، قاتلة هي الأفكار التي تغزو ضميره، وقت الصلاة جاء، التثاقل يملؤه، تساؤل عن جدوى صلاة المسلمين إن لم تقربهم...
- أيها الرافضي قم وصلِّ العشاء، فالصلاة أفضل من شركك يا عابد الحجر من دون الله؟!
كلمات قاسية ومفاجئة لم يشأ سماعها في قلب العاصمة الرياض، فلم يعد حسين راغباً في دخول مناظرة في الاختلافات العقائدية، فهي أنشودة عفنة تُرجعه للماضي، التغيير الذي طرأ عليه قبل التوجه للرياض من أجل الفوز بالجامعة العصية عليه جعله يرفض فكرة الرد في الأمور العقائدية، سحاب تفكيره يمرُّ كطيف سريع في ذلك الموقف الافتتاحي، تأمل شوارع المدينة متذكراً قريته الصغيرة التي لا تتماشى مع مثل هذه الشوارع المزدحمة، لحظات شعورية تسيِّر خياله نحو أفق الجبال والطبيعة المصطنعة في ذهنه، الفكرة التي تراوده مرارا عززها قول عابر السبيل الذي شتمه وغادر دون سابق إنذار..
- والآن ماذا لديك يا حسين بعد أن رفضتك الجامعة.
- لا أعرف يا حمزة، فربما هي الهجرة هرباً من كل هذا السوء الذي صنعه البشر في هذه البلاد.. واقع مُضْطَهِد لكرامتنا، فأينما أتجول في المدينة أشعر أني غريب عنها غير منتمٍ لترابها كما تخبرني به وسائل الإعلام، رفضت في الجامعة لأني شيعي هذا كل شيء...
- هون على نفسك فالصورة ليست كما تعتقد، فالشيعة يدخلون الطب وبقية التخصصات، وعدم القبول لا يعني أنه نهاية المطاف..
- أنسيت أنك رفضتَ مثلي برغم أن معدلك مائة في المائة...
ابتسامة حمزة التي تعود عليها حسين تعانق جو الحديث الهاتفي الذي أجراه حسين مع صديقه الحميم، مكالمة جعلته أكثر مأساة من ذي قبل.
- يا صديقي لقد قالها لي من اختبرني ما الفرق بين الشيعي والحمار، فأجبته الطاولة.. عندها رفضني، وقال أنت لم تجتز المقابلة الشخصية.. أضعت مستقبلك بيدك...
- لا تفكر في الهجرة.. عدني أنك ستعيد النظر.
رغبة تراوده منذ القدم في زيارة موطن الشاعر نزار قباني الذي عشق شعره، فأحدث فيه انقلابا على المعتقدات الدينية، حفظه أكثر مما حفظ من تعاليم الدين وآيات القرآن في فترة تدينه، دمشق التي تعني له الكثير من الموارد المعرفية، تعني أيضا خروجا من كابوس التفرقة المذهبية.. يهذي في صمته الأبدي.
- لا أستطيع البوح بأربعة أحرف في وطني (ش.ي.ع.ي)، فإن قلتها في مطعم في القصيم ربما قتلني الإرهاب الأعمى الذي لم يفرق بين البصلة وقشرها...
الخوف وسمات التطرف، واللحى الكثيفة السواد تعطيه التساؤلات التي لم يقتنع بإجابتها التقليدية.
- لم تتم تقصير الثياب بهذه الصورة البشعة، ولم أُكفَّر، وكأنني مذنب، ولماذا لا يعيش موطني في سلام ووحده حقيقية؟!!
وبرغم أنه لم يسبق وأن وسوس بينه وبين نفسه غير أن الكلمات التي خرجت من فهمه حزينة التقطها الشيخ محمد أثناء عشاءه بقرب حسين في مطعم بخاري، الشيخ محمد يطلق لحيته ويبالغ في تقصير ثوبه تيمنا بالسنة النبوية.
- كأنك لست من العاصمة؟!
- بالطبع..
- هل من مشكلة أحلها لك؟!
- ليتي ما ولدت هنا، فلم أعد أطيق الاحتمال.. الكل ينظر لي على أنني شيعيّ بغيض له ذنب دون باقي البشر، ولا يعرف من أمور دينه أي شيء، بل الشرك والكفر سمتي أينما ذهبت.
كلمات خرجت حاملة مرارة تاريخ أريد له أن يتربع على كتفه، فكاد أن يجعل السماء سوادا في عينيه.. صمت أغرب من الصمت ذاته.. أمسك الشيخ محمد بلحيته.. أخذ يطيل النظر والتفكير، تأمل وقال:
- الشيعة أيها الشاب كفار فعلاً، ولن أجاملك على حساب معتقدي، فأنتم تعبدون القبور، وتريدون بناء البقيع، وتخرجون عن ثوابت الأمة الدينية، وهذا ما يؤكده العلماء التابعين للسلف.
- من نحن هل تعني (أنا) أم منطقتي.. لم أعد أفهم أيها الشيخ ما يعني الجميع.. أريد فقط أن أعيش في وطني بسلام كباقي البشر دون أن أتهم في وطنيتي، أو يشكك في ديني لأني شيعي فقط!!
- لا سلام دون الإسلام الصحيح والعقيدة الناصعة... شتمكم للخلفاء الراشدين الثلاثة، وبقية الصحابة أمر يخرجكم عن الدين!!
الخوف يزداد مع توغل السواد الذي يأذن في استحياء لبزوغ ضوء النجوم التي عانقت بنايات المدينة المرتفعة، استقل سيارة الأجرة برفقة الشيخ، هذه المرة لا تخرج وسوساته من قفصه الصدري.. التفكير في عدم رفض طلب الشيخ للصعود للسيارة كاد ينزعه جلده...
- آه وقعت في محظور لا بد أنني مختطف كما يحصل في العراق، لا بد أن الشيخ سيفتي بقتلي على الفور...
نظر نحو السائق، أمره بالتوقف، قاطعه الشيخ محمد
- لا تتوقف.. فصديقي حسين سيذهب معي وسأضيفه، وإني لأقسم عليك أن لا ترد طلبي لأنني أريد الهداية لك.
نوع من الاطمئنان يجول في جسده النحيل، واستفهامات تظهر وتختفي.. الظلام يهيمن على السيارة والطريق وعر، الشيخ يسكن في هجرة خارج الرياض.. توقف فجائي!!...
- ما الأمر يا شيخ محمد؟
- سنأخذ سيارتي التي أوقفها في منتصف الطريق الصحراوي لنتجه لمقر إقامتي.. إنزل يا رجل.
موافقة على اضطرار، فلا مجال للعودة ثانية، طريق شاق تملؤه الكثبان الرملية، ولا ضوء يلوح في الأفق.. كأنك تجلس في مركب يُبحر وسط محيط مظلم لا ترى فيه، إلا النجوم على غير عادتها في المدن الصاخبة التي تمنى زيارتها منذ تحوله للعلمانية.. خوف وجنون يتفاعلان في داخل جسده النحيل، وسؤال يقفز؛ ليؤكد ما يفكر فيه هارباً تارة منه ومتوغلا فيه عدة مرات
- ستقتلني أيها الشيخ في هذا المكان الذي لن يكتشفك فيه، إلا الله؟!
- ما عاذ الله، فالقتل ظلم كبير، وأنا لا أريد إلا الهداية لك، ولست ممن يقتل المسلمين.
- لكنك تقول أن الشيعة كفار ومشركون!
- ليس العامة منهم، بل العلماء الذين يضللون الناس عن دين الله الحق.
- لا تقلق بشأن عقيدتك، فإن شاء الله ستكون على خير بعد أن نوضح لك العقيدة الصحيحة.
صمت يعم السيارة التي لم تتوقف عن الصعود والهبوط في الكثبان الرملية، وكأن الأفق لا يحمل معه هجرة أو مدينة وإنما تسير الأمور على ظلال مبين.. خيام معزولة عن عولمة الحضارة...
أرح ركابك من أينٍ وعثرِ كفاك جيلان محمولا على خطر
هذا ما شد تفكير حسين عند سماع أصوات الماعز والجمال التي بدت مضطربة من دون معرفة السبب.
- أهذه أماكن تسكنونها.. إنها تشبه زمن العرب الأوائل؟!
تعليق لم يرق كثيرا للشيخ محمد
- بل قل مكان للمجد يُعبد فيه الله ويقدس على طريقة السلف الصالح.. كتب الله لك الهداية على يدهم إن شاء الله.
كلمة أعادة ما يتناساه من خوف فتك به طوال الطريق..
- لا تقلق فالآن وبعد أن نأكل سويا ما جُهِّزَ لنا سنجتمع باكرا في مجلس الهجرة الكبير، ونتحدث معك وسيتحدث العلماء عن البدع التي كنت تمارسها في مذهبك الشيعي.
- لكنك لم تناقشني كي أغير معتقداتي التي تظنها سيئة، فأنا لست متدين كما تظن...
- تناقشنا في الطريق وهذا يكفي إن أردت الرجوع للحق!!
يقين يشبه التاريخ الذي قاده لفكرة العلمانية كبديل عن حل التنازع الديني
- فهمت أيها الشيخ وقد اقتنعت بما قلته لي في السيارة، وفي الحقيقة كنت أفكر طوال الطريق في معتقدك ووجدته سليما وخاليا من البدع الضالة.
- بارك الله فيك، فقد هداك وسيكتب لك الجنة إن نفذت ما يطلبه منك علماء الرحمن.
ظن أن هذه العبارات أنهت معركته بمجرد الإقرار بعقيدة السلف.. ينظر للسماء، فيراها صافية وتزينها أسراب النجوم البعيدة، يشد انتباهه نجم بعيد فيسأل الشيخ
- هل سبق لك التأمل في النجوم؟!
- لا أشعر بما تقول فبدلا من هذا التأمل عليك أن تقرأ في كتب الدين التي توصلك للجنان، التأمل يقود إلى الفلسفة، وهي أمر محرم في العقيدة الصحيحة، وما أصابك هو بقايا من معتقدك الشيعي الذي يرفض الحق دائما.
(2)
صباح لم يكن موفقا لحسين الذي لم يعتد النوم في هدوء الصحراء، فحين جلس وشاهد رذاذ الندى يغطي العشب البري، جعله ذلك المشهد الشاعري يفكر في وجه فتاته التي يزورها في بيتها خلسة دون علم أهلها، التقاها في ساعة ليل باردة.. ذكَّرَه الندى بنعومة خدها، ضاجعه دون الاكتراث لما يقوله جمع الكهنوتيين الشيعة والسنة، تذكر شفاهها التي تذوقها لمرة واحدة فقط ثم تركته؛ لتتزوج من شخص أجبرت عليه سرعان ما طلقها بعد أن اكتشف أنها فاقدة لغشاء بكارتها، تأوه من الذكريات المفعمة باللذة، فجأة تُغلق النافذة التي سافرت به نحو الندى وخد الحبيبة، يلفته ظل يسير نحو زريبة الماعز، إمرأة بدوية لها من القوام ما لم تشاهده عيناه في سرير داعرة تعرف عليها في بلاد العم سام التي زارها لمرة واحدة فقط.
- أنت هنا يا حسين!!
صوت الشيخ محمد الذي قاطع تمتعه بجسد البدوية التي خرجت من أجل حلب الماعز لم يترك فيه سوى الفزع المباغت، حدثه الشيخ عن ضرورة عدم الوقوف في مثل هذه الساعة التي تمر فيها النساء من أجل حلب الماعز، غضب في وجه الشيخ سببه انتهاك قانون الهجرة، النساء يذهبن في هذا الوقت لجلب الحليب لأسرهم، العذر الوحيد لحسين أنه لم يكن يعرف أي شيء عن قانون الهجرة التي يتزعمها الشيخ عايض الذي دعاه الشيخ محمد لزيارته، خطوات يسيرها وفي ذهنه شيء واحد فقط:
- قبل أن تسمع لي أيها الشيخ الجليل أريد العودة لدياري فقط.
- هدئ من روعك يا فتى، فنحن نريد أن تصف لنا مجتمعك الرافضي.. نسمع عن الشيعة كثيرا، هم ليسوا بشرا مثلنا.. لهم ذيل، ولم يؤمنوا بالرسول، ويقولون أن جبرائيل خانه، فنزل على علي بن أبي طالب...
- كيف نكون هكذا، وأمامك مؤخرتي.. هل ترى فيها ذيل.. أنظر ليس فيها ذيل.. ألا ترى...؟!!
- لا.. لا يا حسين استغفر ربك، وكفَّ عن محاولة نزع سروالك أمام الأعيان...
- نصدقك هذا ما زاد عندنا وهو كناية عن حجم ذنبكم.
هذا ما قاله الشيخ عايض مبتسما ابتسامات خجولة تُنذر بزوال هيبة الشيخ محمد لدى الحضور.. تدارك من الشيخ لهذه المعضلة:
- إنه يقصد أطال الله في عمرك أن بعض ما يقال عن الشيعة ليس صحيحا لكنه مؤمن بعقيدة السلف، وهو معنا كما أقسم لي أثناء حديثي معه..
لم يكن يتوقع أن هذه الكلمات ستحل الموقف، وستجعله مبتعدا عن الموت الذي راوده في مخيلته طيلة الساعات التي قضاها في الطريق إلى الهجرة والمكوث فيها ليوم واحد.
(3)
هم رُسِمَ في جبين حسين، عدم نجاحه في المقابلة الشخصية سبب رفضه في الجامعة، فكرة عدم الاستسلام تراوده لكنه يصطدم بشيعيته التي تعيق تحركاته في العاصمة، عدم الرغبة في الاتصال على الشيخ محمد الذي وعده بحل مشاكله بعد إعلانه (ظاهرياً) الولاء للسلفية له ما يبرره، فأمر الانضمام لم يحسمه بعد، تساؤلات تدور في عقله، فهو الشاب غير المؤمن بالوهابية، تفكيره العلماني لا يفضل المذهب الشيعي، يرى الأمور بشكل يبتعد كليا عن الميتافيزيقيا، لم يبقَ له إلا زيارة شخصية علمانية في العاصمة، فهي الخيار المحبذ له، الوطنية وعدم التمييز الطائفي والمناطقي سمات يحمله الفكر العلماني الذي استقطبه سريعا، الكاتب العلماني المحارب تركي يفتح مكتبه الخاص للزائرين، فكرة رسختها كتابات تركي في ذهنه:
- مرحبا أليس هذا مكتب تركي؟
- نعم لكنه غير موجود!!
لعلّها المفاجئة الأولى التي يصطدم بها، فصوت تركي يدل على انه داخل مكتبه، ظنّ أن السكرتير يكذب، أصر على لقاء الكاتب:
- لكني أسمع صوته!!
- عذرا أنا لم أقل أنه ليس موجودا لكنه مشغول مع إحدى صديقاته!!
لم يعد حسين يعرف الصواب من الخطأ.. تساءل في نفسه عن كيفية جلوس فتاة في كامل زينتها دون أن تعترض الهيئة على هذه الخلوة غير الشرعية، الدقائق تذهب والنجوم تتحرك دون تحقق خروج تركي من داخل المكتب، وجه السكرتير تبدو عليه علامات الإرهاق والملل، رسائل حثت حسين على مغادرة المكان بعد عدة ساعات قضاها في المكتب...
- إلى أين تذهب ربما ينتهي تركي بعد نصف ساعة، فقد جلست كثيرا، ولم يعد أمامك المزيد من الانتظار.
ارتياح عام شكلته حروف السكرتير في نفس حسين الذي بدا متململا هو الآخر من جلوسه.. انتهى دوام السكرتير منذ ساعتين، لكنه لا يستطيع الخروج قبل مديره حسب التعليمات.
- لا أعتقد أني سأجلس أكثر، فقد جئت من أجل السلام على الكاتب تركي، وأنا من محافظة القطيف في المنطقة الشرقية.
- تلك المنطقة تسكنها الشيعة أليس كذلك؟!!
سؤال بدا غريبا للغاية، فحتى السكرتير العلماني يقولها وكأنه يتمنى عدم وجود سكان شيعة في تلك المنطقة، أسئلة كثيرة طرحها السكرتير على حسين الذي أراد المغادرة لكنه لم يستطع بسبب التساؤلات التي أخفت الخبث بين سطورها...
- لا تسألني كثيرا عن المعتقدات الشيعية، فأنا أتبنى المنهج العلماني، ويعني ذلك أني لست مهتما لأوضاع الشيعة والسنة من الناحية العقدية لذا أعذرني.
- لكن الشيعة أناس مخربون للوطن وولاؤهم لإيران!!
جدال يرفع صوتها كثيرا، تركي يخرج من مكتبه، يفتح الباب؛ ليكشف عن فتاة تشرب قهوتها التركية، ضحكها يصل لأذنه بمجرد فتح الباب، صوت لم يعرف كيفية توغله بقلبه لمجرد سماع ذبذبته، فحسين المتعطش للمرأة التي أحبها وغاب عنها منذ اللقاء الوحيد لا يستطيع تحمل أصوات ونظرات النساء...
- من أنت؟
سؤال مباغت من تركي، حسين الذي يفكر في تلك الضحكات مربك في الإجابة، يستجمع قواه، وفي داخله يشعر بتنميل يبدأ من أطراف أصابعه وينتشر في ساعديه، يتمنى أن لا يصل لرجله، كي لا تأتي مرحلة التقلص الشديد التي تأتيه بدون سبب، يشعر بضيق شديد في التنفس، يحاول الظهور بمظهر القوي عبر الحفاظ الممكن على توازنه...
- أنا حسين جئتك من القطيف من أجل السلام عليك والتناقش معك، عرفتُ عنك الكثير من خلال الصحف والقنوات الفضائية، وقرأت كتاباتك كلها تقريبا.
- وماذا تريد، كان عليك أن تأخذ موعدا..
- لا داعي كنت سأنصرف لكن سكرتيرك أصرّ على مناقشتي في أشياء لا أؤمن بها متهما منطقتي بالولاء لإيران؛ لأننا شيعة فقط...
- سوسن أنظري لدينا شيعي هنا.. ستفهم كل شيء فقد كنا نتحدث للتو عن الشيعة، وهو ما جعلها تضحك بشكل كبير، ربما سمعتَ ضحكتها؟
- نعم.. لكني لم أكن أعرف أنها تضحك لمجرد الحديث عن الشيعة.
- لا تأخذ الأمور بحساسية يا حسين، فقد كانت نكته على أحد المشايخ الشيعة المعروفين، وهو صديق التقيته في الحوار الوطني، وبرغم فطنته وبديهته السريعة غير أنه كان مرتبكا في بدء حديثه.
كلمات استفزت في حسين شيعيَّته التي قرر التخلي عنها، تأكد أن الشيخ حسين الذي يخالف نظرته هو المقصود في حديث تركي:
- ليس من المنطقي أن يرتبك الشيخ حسين إن كنت تقصده، فلقاءاته كثيرة جدا، وهي كفيله لرفع التكلف عن لسانه.
- بل ارتبك بسبب شتم أحد المتطرفين في الحوار للشيعة ولم يرد عليه بحرف واحد.
الغضب لا يستطيع حسين السيطرة عليه، وجهه يزداد تشنجا، تنميل أطرافه ينتهي، يستعيد حيويته المعتادة، يتحدث بثقة عالية:
- إن كان المشايخ الشيعة لا يعرفون الحديث مع مثلك، فهو لأنك تحتفي بهذه الفتاة الرائعة في الجماع...
صدمة غيرت مسار لعبة المناقشة، قرر حسين وصلها بالحدث اللبناني الذي اتهمه الكاتب في زاويته بالمغامر.
- هل تضيع وقتك في اللعب مع الفتاة، أم أنك تجلس لتشاهد التلفاز وترى بنفسك ما يصنعه الشيعة في بنت جبيل، ومارون الراس، ولا أدري لماذا لم تدون تلك الانتصارات الكبيرة للشيعة وللعرب والمسلمين جميعا في أي مقال كتبته بخصوص القضية.
القسوة هي كل شيء أريد من الكلمات، ينقلب حال سوسن، شوه الكحل خدها بعد انهمار الدموع الناعمة، غادرت مسرعة دون أن تنطق بكلمة واحدة سوى أنها تساءلت عن كيفية السماح لمثل هذا الشخص بالدخول للمكتب:
- من أدخلت لنا.. كنا في أنس كبير، فضيعه هذا الرافضي المعتوه (!!)
صمت عم المكتب، فضل حسين المغادرة ووجهه محمرا جدا من الغضب...
- حسين أرجوك أجلس كي نتناقش، يبدو أنك مستاء للغاية من الطائفية التي نرفضها جميعا!!
لم يتمالك حسين نفسه، فعلامات الانهيار سرعان ما ظهرت لتعلن عن موجة بكاء هستيري في المكتب أظهر خلالها كل ما لاقاه من تمييز، الوطن المتنكر للثروة التي منحتها أرضه للوطن، الحقد الطائفي، رفضه من الجامعة، فقر منطقته... أشياء كثيرة تخرج من ضمير مجروح:
- أين ما أتجه وأولي وجهي يقال لي أنك شيعي رافضي حتى سوسن التي غادرت عندما استفزها كلامي أخرجت ما في نفسها عن مذهبي.. أنكم جميعا مجرمون وانتهازيون تصرون برغم زعمكم التحرر من الوثن الطائفي أنكم ضد الطائفية في البلاد.
- اعذرها، فهي فتاة شفافة لحد كبير، واستفزازك لها أخرج ما لم ترغب في كشفه، فأحيانا يجب على المرء كتمان ما يشعر الآخرين بالحساسية، وهذا ما تعلمناه في احترام الطرف الآخر.
لم يكترث كثيرا لحديث تركي، فحالة من الهذيان وعدم التركيز سادت ذهنه، جعلته يخرج بعد أن ترك عنوانه لدى تركي..
(4)
شوارع ملأى بلحى طويلة ومجالس لا يريد البقاء فيها لثوان، اضطراره لحل موضوع الجامعة دافع للجلوس والعودة مرة أخرى للشيخ محمد الذي أعطاه عنوانه في حي السويدي في العاصمة الرياض، يجلس الشيخ في إحدى المجالس المتدينة، والمعروفة في الحي بعدائها لكل رافضي، المجلس المفتوح لكل أتباع السلفية في البلاد يحمل وجوها شديدة التكشير، كلمة شيعي لا تفارق موضوعات المجلس التي يطرحها زعماءه...
- لا مجال لأن أظهر أي شيء متعلق بالشيعة.
هذا ما أصر عليه بينه وبين نفسه طوال الطريق..
- السلام عليكم
صمت مطبق لدى أصحاب اللحى والثوب القصير، يلتفت الشيخ محمد لصوت حسين، يهتم كثيرا لقدومه، إشارات بين تناقلها الجالسين...
- مَنْ حبيبي حسين عليك السلام... يا مرحبا.. يا مرحبا.. أخي في الله.
- من أين أنت أيها الشاب؟!!
سؤال قاطع به الشيخ سليمان تحية الشيخ محمد..
- من القطيف!!
- لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.. ماذا تريد.. قف مكانك، ولا تدخل لمجلسنا إن كنت شيعيا، فهذا السجاد طاهر ولا نريد له التنجس بمثلك (!!)
- لا يا شيخ سليمان لقد ترك الرافضة وآمن بالله فلم يعد مشركا، أخذته بنفسي لمجلس هجرتنا، وأُقنع هناك من قبل شيخنا الكبير جزاه الله عن عمله خيرا..
- الحمد الله أنك اهتديت للدين الحق، وتركت الشرك والرافضة عنك.. يجب عليك يا أبني أن تعيش وسطهم برغم أنهم مجرمون أوباش يخربون الأوطان ويوالون إيران وليس لهم أي ولاء لوطنهم الذي رباهم، فتاريخهم مليء بالغدر، وإن استطعت أن ترى شيعيا في مكان ما بحيث لا تكتشف من قبل القانون فاقتله، ذلك وربي يدخلك أعلى عليين ويؤهلك للمكوث مع الحور العين...
كلمات أحسها قاسية الوقع، فالثقافة الداعية للقتل لا تفارق فم الشيخ سليمان، تظاهر بتأييد كلمة الشيخ، وفي خفايا ضميره لم ترق له، غضبه من المفردات التي يستخدمها الشيخ ضلّ محشورا في صدره، قلق يسيطر على تنفسه، وتنميل أصابعه يبدأ بالانتشار حتى يصل لبطنه، ففخذه، فساقه، تقلصات جسدية بدت غير مسيطر عليها، يطلب التوجه لدورة المياه، لم يشعر أن مفاجأة تنتظره في دار الخلاء، الجملة لم تكن واضحة لكنه فهم منها التهكم على كل من لا ينتمي للسلفية، عاد والصمت وذهول الموقف يسيطران عليه في تلك اللحظات، بينما يضاعف الشيخ سليمان تقديم نصحه له راحت مخيلته تتذكر قهقهات ياسمين التي لم يرها، إلا مرة واحدة، أخذ يربط بين ما يقوله الشيخ سليمان عن مذهبه، وبين ما قالته ياسمين معترفا في ضميره أنه يعجز عن الربط بين الموقفين، فجأة يسأل الشيخ سليمان:
- يا شيخ أنا على عقيدة أهل التوحيد الآن لكن أعذرني أني سألت بشكل غير لائق.
- أبدا تفضل هداك الله.
- تعرفون أن الحرب تدور رحاها في لبنان، وأن حزب الله يقود معركته ضد اليهود فهل يجوز لي أن أدعو لنصرة أهل الحق في هذه المعركة؟!!
عينان متجهمتان، تعديل في جلسته المتربعة على الأرض، نادرا ما يطيل الشيخ سليمان قبضته على لحيته لكنه هذه المرة أطال القبضة والنظر في حسين، لم يقل شيئا مدة ثلاثين ثانية، يفكر في إجابة، فجأة ينفعل، يداه تتشابكان وعروق رقبته تظهر برغم أنه سمين، سؤال جعله يشاهد أمامه الشيطان، كأنه يريد أن يقتله...
- لا تذكر أمامي هذا الحزب الرافضي الذي قتل أهلنا في العراق، وسبا نسائنا، ولا يجوز علينا أن نفصل بين ولائه المطلق لإيران وبين معاركه التي يخوضها، الفاسد فاسد، ونقول اللهم أوقع بأسهم بينهم ومهد الطريق لأهل الحق كي ينصروا دينك في فلسطين، ويحرروا لبنان من نجس إسرائيل، ولا تمكن الرافضة الذبّاحين من هذا...
انفعال لم يكن موفقا في نظر الشيخ عبد الرحمن الذي أبدا رأيا فقهيا مختلفا بعض الشيء، المقاومة اللبنانية في نظره تحمل سلاحا مشروعا يقاتل الاحتلال، يدافع عن العرض والنفس، يستشهد بهذه الحالة التي عاشتها شعوب في ديار غير المسلمين، أراد أن يفصل بين عقيدة القتال الصادقة، والعقيدة الدينية الصحيحة؛ ليخرج من الورطة، هدوءه المعتاد وقراءاته المكثفة في تراث الشعوب غالبا ما تثير ضده الأصوات الأكثر تطرفا في الجماعة، ذكره الشيخ محمد بضرورة إطاعة أوامر أمير الجماعة الشيخ سليمان، الفلسفة والعمل بالعقل مرفوض بينهم:
- ماذا تقول يا شيخ أتتحدث في حضرة الشيخ سليمان؟!!
لوم وجهه الشيخ محمد للشيخ عبد الرحمن جعل حسين يلتفت لمنزلة الشيخ سليمان بينهم، إذ رآه متشددا، ومهيمنا على المجلس وربما على الحركة الجهادية التي شاهدها تلميحا ولم يصرح له أحد بها..
- تفضل يا شيخ سليمان حدثني أكثر عن فجور الشيعة..
دون أي حسابات يزيد حسين من حجم لعبته، لم يعتقد ولو للحظة أنه سينتهج هذا الخط، يطلب الشيخ الميكرفون حتى يسمع الجميع ما سيقوله عن الشيعة، يرفض محاضرة مكتوبة في السابق عن الشيعة، يمسح حاجباه برفق، كاس الماء يشربه كاملا، أحمر وجهه حتى قبل البدء بأول حرف في حديثه، حسين يراقب الوجوه المشدودة لخطبة الشيخ التي جاءت تلبية للسلفي الجديد:
- الشيعة أكثر الناس خداعا في العالم، وشيعة القطيف والأحساء والمدينة ونجران لا يخرجون عن هذه القاعدة، وأما تواجدهم في الحوار الوطني ما هو، إلا كذبة يريدون سوقها لنا؛ لننظر كيف يمارسون الخديعة، فقد كشفهم لبنان لنا وأسقط عنهم ورقة التوت، ولم أتعجب حين سمعت أن شيعة محافظة القطيف خرجوا بمظاهرات أيدوا فيها حزب الله الرافضي اللبناني في قلب مدينة القطيف ومدينة العوامية، إذ رفعوا صورا لأعلام الحزب الرافضي وزعيمه المعتوه، فأي وحدة يريدها الشيعة في بلدنا، فالمشرك لا تجوز الوحدة معه.
لم يستغرب حسين الخطاب التكفيري للشيخ لكنها فجع بحديث الشيخ عن بلدته العوامية التي جاء منها، ليسجل في الجامعة، لعب حسين بالنار يزداد سخونة، ينسى ضيق تنفسه، ويبدي تأييداً لمعلموة الشيخ عن العوامية، وكأنه يريد سماع المزيد عن نظرة الشيخ تجاهها:
- يا شيخ سليمان أنا من مدينة العوامية التي ذكرتها، وهي تبعد عن مدينة القطيف نحو خمسة كيلو متر فقط.
الدهشة والغضب وبعض الإرباك حال الشيخ سليمان بعد حديث حسين، أسم العوامية يعني للشيخ الكثير دون باقي المناطق الشيعية، البلدة البارزة في المحافظة كانت على موعد معه، توجه لها؛ ليلاقي أحد سكانها مشتكيا على ضرب قريبه، العوامية تشكل له ثأرا خاصا ليس له علاقة بأعمال الجهاد الدعوية، حسين يمثل له طعم انتقام حقيقي، يصرف النظر عن تدبير مكيدة له لأنه بوابة لهذه البلدة التي يريد الانتقام منها، يضطر الشيخ لتوضيح ما يحمله تجاه البلدة وأهلها:
- هل تعرف أن بلدتك أحمل ذكرياتها المؤلمة، مرة توجهت لأحد سكانها من أجل التباحث في مسألة ضرب قريب لي أتهم ظلما وعدوانا بأنه عشق فتاة من فتيات البلدة، فقاموا بضربه وتحطيم رأسه وسيارته.. تمكنت الشرطة من سجن أخيها المعتدي على قريبي، وبرغم أن قريبي نال من الفتاة وضاجعها، إلا أني وضحت الموقف الشرعي في هذه المسألة، فلم أعتبر أن قريبي زانٍ في نظر الشرع، بل يعتبره الشرع أنه ظفر بملك يمين لأنها رافضية، وهذا ما أقنع القاضي الذي يسير على نهج السلف، جزاه الله خيرا.
جلسة لم تكن بحجم صمود حسين المثقل بالعبارات الحاقدة، لم يكن قادرا على النطق بحرف مغاير واحد، أدرك مدى ضعف طائفته، فالقضاء والتعليم كافة أجهزة الدولة وشركات القطاع الخاص ثروة مختطفة لتيار واحد لا يمكن التمرد عليه، قناعات تتبلور بشكل سريع برغم أنه يتظاهر حتى مع نفسه بعدم قبولها، ما حصل في المجلس جعله يعيد التفكير في مسلماته العلمانية، ويُحدث بعض الانقلابات الفكرية التي نالت من حياته...
تقرؤون في الجزء الثاني:
• الجامعة والمستقبل الموعود.. العمل في شركة أرامكو ذات الامتيازات الخاصة.. راتبها المغري.
عبارات يقلبها في نفسه علّها تحسم مسألة انقلابه الثوري الذي سيعدم شيعيته، وعد الشيخ سليمان في غاية الجدية.
• أحسنت يا حسين.. بدأتَ تتعلم طريقة السلف الصالح.. اليوم توجد محاضرة في مجلسنا الكبير، وسيفضح الشيخ سليمان حزب الله الرافضي، وهو يدعوك لها، ومن ثم عرض تجربتك على الحضور الذين جاء بعضهم خصيصا لك من القصيم وبريدة والدمام والخبر وحتى من مدينة عنك القطيف، وسننقل ما ستقوله مباشرة عبر البالتوك.
• آذان مشدودة تتابع ما يقوله حسين على مستوى العالم الإسلامي، الإعلانات السابقة على هذه الخطبة انتشرت في دهاليز الشبكة العنكبوتية، غرفة البالتوك لم تكفِ لعدد المستمعين، منتديات سلفية كثيرة تنقل خطبة الانقلاب العقدي، شيعة ينفون شيعيته ويعتبرون ما يجري كذبة من تلفيق الوهابيين، حضور المجلس لم يعجبوا بحديث حسين، ففيه ثغرات تتيح انتقاد الحركة السلفية، خرجوا بانطباع سيئ عن الخطبة.[/align]