إستغلال الاحزاب الشيعية الحاكمة للجيش والداخلية يعزز الخراب
باتت الطائفية السياسية تنخر الجيش والداخلية العراقية تماما كما تنخر جميع مؤسساته الاخرى، ومستوى الاداء الإداري في الوزارات ذات العلاقة ينحدر الى مستوى الفوضى الممزوجة بالسرقات والرشوة حيث كل مدير ومستشار هو عبارة عن اقطاعي صغير في مكانه والدائرة الحكومية هي اقطاعيته وإقطاعية حزبه الخاصة ،يوظف فقط الأقرباء وأصدقاءه( ومعظمهم من منتسبي حزبه )...إما إذا دخلت إلى مقرات الوزارات ستجدها مليئة بشعارات حزب الوزير(كأنها جامع أو حسينية ) وكأن هذه الوزارة ملك خاص لحزب الوزير.انتشار الصور الشخصية لعائلتي الحكيم والصدر مثلا والتي تحتل نفس أماكن صور صدام حسين يمثل نوع جديد من بناء عبودية الفرد التي عانى منها العراق الويلات ، بل تعدت إلى القيام بتسمية المعسكرات والفرق والالوية والافواج والسرايا والدوائر الامنية ومراكز الشرطة، والأحياء السكنية والأماكن والشوارع والساحات العامة والمستشفيات القريبة منها ، والجسور بأسماء هاتين العائلتين( بالضبط كما فعل صدام سابقا الذي اختصر تضحيات العراقيين على مدى أجيال بشخصه وأطلق أسمه على كل شئ في العراق ).
الحكومة التي يدين وزراؤها بالولاء للطائفة أكثر من ولاءهم للقسَم الذي أقسمه كل منهم بالعمل للوطن والشعب لم تعد لديها القدرة في السيطرة على وزراءها حينما " يزعلون " على الحكومة ويعلقون عضويتهم فيها إلى أجل ما ، لا لخلافهم مع حكومتهم هذه على إجراء أو قرار يتعلق بمصير الوطن والشعب ، بل لأن إحدى ميليشيات بعض القادة الحكوميين تحرشت بميليشيات أخرى من قادة حكوميين آخرين ، والكل يردد مع نفسه مقولة الدكتاتور الساقط " أنا القانون " .
لا يزال معظم قادة هذه التنظيمات يبرأ نفسه من الممارسة الطائفية في سبيل الضحك على الذقون، لأن هذا الادعاء لا يبرهنه الواقع بل يفنده و لا يؤكده، وها هو الشعب العراقي المدمى يختنق بالنفس الطائفي الأسود، بعد أن تحول على أيدي بعض العراقيين والعرب من تجار الدين والمذهب والشعارات القومية والطائفية بدعوى مقارعة المحتل، وبدعم هائل من بعض الدول العربية والاسلامية والإقليمية كل حسب أجندتها، تحول إلى مرتع سهل للحرامية و السفاحين. والملفت أن كل ذلك وغيره يتم في خضم أساليب التجهيل الحكومي للمواطن عما يجري في البلد بأساليب إعلامية بالية واللجوء إلى التبريرات الجاهزة للتنصل عن المسؤولية.
ان اساس تركيبة القوات المسلحة العراقية الجديدة ( الحرس الوطني ) حمل في ذاته ومنذ الولادة خطأ سياسيا بنيويا يعتمد المحاصصة الطائفية - القومية و يبتعد عن نهج البناء المؤسساتي على اساس الوحدة الوطنية. ومثلما وقف صرح الأمة العربية وباني مجدها صدام حسين وراء الهزيمة المنكرة للجيش العراقي ابان كارثياته ، تتحمل اليوم الحكومة الحالية المسؤولية الكاملة عن الفشل الذريع للقوات المسلحة العراقية في تأدية مهامها لأنها حكومة تتسم بالضعف والخذلان وعدم إمكانية المواجهة الحقيقية ، والتخفي خلف الشعارات والإستعارات والعواطف الإعلامية الفارغة، دون مقدرة حقيقية على حماية أرواح الناس ومممتلكاتهم ولا القدرة الفاعلة على مواجهة الأطراف المجرمة التي هي وحدها باتت تختار الطريقة والكيفية والأسلوب المتخذ في تنفيذ المجازر الجماعي.
حال النزاهة في القوات المسلحة العراقية حالها في بقية مؤسسات الدولة والمجتمع بضياع ملايين الدولارات العراقية في عقود وزارتي الدفاع والداخلية وفضائح الاسلحة الفاسدة ! وبسيادة الولاءات العصبوية دون الوطنية و(فايروس) العصابات الطائفية والمفاهيم الميكافيلية وبالاصابة بداء " الغيبة " الذي تفشى مؤخرا في كل الوزارات ... وبحصر التعيينات لأغراض توسيع الحاشية ! وبالعشعشة واستخدام السيارات الحكومية للاغراض الشخصية والعائلية.. وباستغلال المسؤولين لمناصبهم وعلاقاتهم وصلاحياتهم المالية والإدارية وما موجود تحت تصرفهم من اموال الدولة لتحقيق المنافع الشخصية بحيث يتحول الضابط من شخص متواضع الامكانيات الى صاحب ثروة ومالك للعقارات والمكائن والسيارات بفضل ما يحصل عليه من اتباع طرق ملتوية وحيل قانونية.... وبالمكافآت الى المنتسبين او غير المنتسبين بحجة الجهود المبذولة لانجاز عمل ما والتي تحولت الى وسائل لاستعباد الحرس والمرؤوسين ولشراء ذمم المسؤولين في الدولة .
يجري تنفيذ الكثير من عمليات الخطف والقتل والتصفيات بملابس الجيش والشرطة وباسلحتهما وسياراتهما، الامر الذي يعزز الشعور بالقلق وعدم الثقة لدى المواطنين ، بينما ازدادت عمليات العنف والخطف والقتل على اساس الهوية لتزيد من تعقيد الوضع ، خاصة منذ تفجير مرقد الامامين في سامراء ، وهي تأخذ في بعض المناطق طابعا منظما. وبعد احداث سامراء اخذ نشاط الميليشيات يرتدي بصورة متزايدة طابعا طائفيا ، وتجلى ذلك في ارتكاب جرائم الخطف والتعذيب والتهجير القسري وحتى القتل تبعا للهوية المذهبية . ووجد البعض في العمل لدى الميليشيات مهنة تؤمن له القوت في وقت تستشري فيه البطالة وتعزّ فرص العمل . فيما تشير معطيات اخرى الى تحول قسم من تلك الميليشيات الى مافيا جريمة منظمة.... لقد تعاظم دور الميليشيات ، حتى حلت في احيان وحالات كثيرة محل مؤسسات الدولة . ويعني هذا ما يعنيه من تغييب لدورالدولة واضعاف لهيبتها وعرقلة لتاسيس دولة القانون والمؤسسات وتخريب للديمقراطية.
تؤكد شهادة الجنرال مارتن دمبسي ، المسؤول عن ملف تدريب القوات العراقية المسلحة ، امام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الاميركي ان القوات العراقية تتحسن لكنها لازالت مبتلية بالطائفية والفساد وتعاني من افتقار القيادات وانسحاب عشرات الالاف من العناصر ، ومنهم لا على سبيل الحصر 32000 شرطي بين تموز وكانون الثاني 2005 . ويضيف دمبسي ان الشرطة الوطنية هي الاكثر اشكالية بالمشاكل الطائفية ، وتصله اسبوعيا التقارير بان مراتب الشرطة الوطنية يتم اقصائها لاسباب طائفية ، وفي بعض الحلات تغير الحكومة بعض القيادات الناجحة لانها تشعر انها بحاجة الى موالين لها!.. ويؤكد دمبسي " ان المسؤولين العراقيين يقدمون رشاوى في بعض الاحيان لرجال الشرطة سواء بمنحهم العمل او كنتيجة للفساد ... على سبيل المثال فان المسؤولين في كربلاء والنجف قد زوروا وثائق اعداد من الشرطة بين 60000 – 75000 في قوائم الرواتب ومن هذا العدد فان 10% – 20 % هم مجرد اشباح ومسجلين فقط للحصول على رواتبهم ".
الملفت للانتباه والاسف الشديد أن الضباط الذين راجعوا وزارة الدفاع استجابة للدعوة بعودة الضباط الي الجيش الجديد فوجئوا بمن يخبرهم أن الضباط الذين تزكيهم الأحزاب الشيعية يعودون كضباط أما الذين يزكيهم الحزب الاسلامي أو المستقلين فيعودوا كجنود ومراتب وبغض النظر عن رتبهم السابقة...
لقد ازدادت المعونات الأمريكية للقطاع الأمني بالعراق من 3.24 مليار دولار في كانون الاول 2004 إلى 13.7 مليار في حزيران 2006. يذكر ان الخطة السنوية لعام 2007 تطالب بزيادة اكثر من 50000 جندي وشرطي عراقي الى الحجم الحالي ليصل الى قرابة 325000 فرد بداية عام 2008 بغية قيادة الدوريات اليومية ونقاط التفتيش وحراسة القواعد والدور السكنية والمهمات الحاسمة الخطيرة الاخرى. وبالرغم من أن 277600 عراقي أكملوا التدريبات الأولية للالتحاق بالأجهزة الأمنية، نجد أن العديد من الجنود المدربين يتركون اعمالهم دون تسليم اسلحتهم ومعداتهم، خصوصا في قوات الشرطة. لقد ازداد حجم الجيش العراقي من أربعة الوية و23 كتيبة في تشرين الثاني 2005 إلى 25 لواء و85 كتيبة في شهر آب 2006، بما يشمل 115 ألف جندي إضافي مجهز ومدرب. لكن القوات العراقية لازالت غير مؤهلة للعمل مستقلة من الإشراف والدعم الخارجي ولن تستطيع العمل وحدها دون مساعدة خارجية حتى 2010 وفق كوردسمان في تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية المعنون"القوات العراقية غير مؤهلة للعمل بدون قوات التحالف حتى 2008"في الموقع الالكتروني" http://www.csis.org/ ".
ان الارهاب ليس فقط عبارة عن سيارة مفخخة او شخص يطلق النار على البشر لكن الارهاب ايضا" هو كل ما يتعارض مع مصلحة المجتمع وامنه وازدهاره" والأضرار بالمصلحة العامة . الشرطة تبتز الاموال، والحرس الوطني يستعرض عضلاته على ابناء المدن وهو يضع نقاط تفتيش ليس فيها غير الحجارة وعرقلة الطريق. ليس من واجبات هؤلاء ان تكون هناك حالات مواجهة بينهم وبين العصابات العشائرية وعصابات الاجرام التي اطلقها القائد البعرورة من السجون التي كانوا يقبعون فيها بسبب جرائمهم كعمليات السلب والسرقات والتهريب كالشقاوات .... المدن العراقية حزينة وشوارعها مظلمة .. جسورها مقفلة .. شوارعها مقفلة ..الخراب عارم في كل العراق ..