زهير احمد القيسي : لا أرثيك!!
منذ سنوات لم اسمع عنه شيئا، فقط حين عملت العام الماضي (2006 ) في قناة الديار الفضائية في بغداد قيل لي انه يقّدم (ومن داخل غرفته فقط) أحاديث استذكارية بناء على طلب القناة ، غير ذلك فصمته مطبق ولا شيء يدل على انه على قيد الحياة!!.
انأ أحدثكم اليوم عن مثقف عراقي موسوعي شغل حياتنا لأكثر من خمسين عاما ثم جاءه (دوران الفلك) فأسقطه من الذاكرة ومن الذاكرين. انه زهير احمد القيسي صاحب العلامات المهمة في الثقافة العراقية لعقود متتالية فكأنه (موسوعي) هرب خطأ من عصر الجاحظ ليستقر في عصر البرتقالة !. قرأ أكثر من عشرة آلاف كتاب وخطّ بيديه العراقيتين مؤلفات كثرآ: أدبية/ علمية/ لغوية/ رياضية/ تاريخية.. الخ فكأنه خلّف للأجيال التالية ما سيبقيه في الضمير الثقافي العام. منذ سبعة أعوام أو يزيد ترجّل القيسي مرغما عن صهوة الإعلام والثقافة والأدب والرياضة بعد أن كان فارسا مثيرا للرأي والجدل والطرافة ، جاءته الضربة القدرية التي اسمها (الجلطة الدماغية) فأسقطته في الفراش وحيداً عليلاً ، ثم حاصرته الضربات البشرية : إهمالا ونسيانا وعقوقا فأوصدت الباب بين القيسي والعالم فكأنها رثته قبل الأوان وأعلنت الحداد عليه مبكراً .!!
كان زهير احمد القيسي لدى الخاصة والعامة اسماً عصّيا على النسيان أن كان في هيأته أم في انسدال لحيته أم في صوغ عباراته وأسلوبه التوصيلي المشّوق ولهذا أصبح حينا من الدهر نجما بارزا في الإذاعة والتلفزيون ، الأولى حيث كان يعّد برنامجه الممتع (اسمك عنوانك) وفي الثانية كان يقدّم بنفسه برنامجه الشهير (اليوم السابع) وفيه انزل اللغة وعلومها من برجها الشاهق إلى مستوى الناس في الشوارع.. إما الرياضة، وتحديدا رياضة الشطرنج، فكان من روادها الأوائل حيث ترجم لها وعنها وخصّص لها الزوايا اليومية والأسبوعية وقرب مفاهيمها و(دسوتها) العالمية للقارئ والرياضي فكان من دواعي انتشار هذه اللعبة في العراق أمس واليوم وغدا. وتحتم هذه الوقائع الموثّقة على تلك العناوين المذكورة أن لاتنس زهير القيسي وهي تراه مضطجعا في محبس قاهر مهجور، لكن توالي سنوات العقوق واستمرار مسلسل الإقصاء للقيسي الإنسان والموسوعي الجماهيري اثبت إننا مازلنا نرتع في زمن الطغيان وتجهيل ما لايجهل وتهميش ما هو أمضى من المعرفة ولذا يحتم علينا أن نطلق صرخة ساخنة من هذا المنبر الحر :
أيها القيسي.. يا زهير احمد القيسي.. حيث ما كنت أرجو أن تجيب وتهمس بوجودك فقد تداخلت الوقائع وما عدنا نفرق بين الموجود والراحل قبل الأوان!.