أحمد الجلبي:أميركا تحولت من دولة محررة إلى محتلة
أحمد الجلبي لـ«الشرق الأوسط»: المحاصصة لا تطلق يد رئيس الوزراء في اختيار أعضاء حكومته
زعيم المؤتمر الوطني العراقي: أميركا تحولت من دولة محررة إلى محتلة
لندن: معد فياض
ينشط الدكتور احمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي ومنذ فترة ليست قصيرة بالقيام بزيارات ولقاءات هنا وهناك، فهو مرة في الرمادي بين شيوخ عشائرها، واخرى مؤديا الصلاة المشتركة في ناحية الرشيد التابعة لقضاء المحمودية، ثم نجده في كربلاء يتحدث عن موضوع الخدمات، ثم ملتقيا مجموعة من المثقفين العراقيين المغتربين، او مجتمعا مع اساتذة الجامعات.
الجلبي الذي كان خلال قيادته للمؤتمر الوطني خلال سنوات المعارضة من اكثر المتحمسين لقانون تحرير العراق، يتحدث اليوم عن خيبة أمل لما وصلته الاوضاع بعد اربع سنوات ونصف السنة من تغيير النظام، منتقدا الادارة الاميركية التي ارتضت ان «تتحول من دولة محررة للعراق الى دولة محتلة للعراق»، ومحملا المحاصصة الطائفية مسؤولية المشاكل التي تعاني منها الحكومة، ومطالبا بتغيير قانون الانتخابات، حيث وصف الانتخابات الماضية بانها مجرد استفتاء محدود على نواب معدودين.
«الشرق الاوسط» تحدثت مع الجلبي عبر الهاتف من مكتبه في بغداد، وفيما يلي نص الحديث:
*كثرت جولاتكم ولقاءاتكم في الاسابيع الاخيرة فمرة في الرمادي واخرى في كربلاء، ومرة تلتقون المثقفين العراقيين المغتربين، ما هي طبيعة هذه اللقاءات؟ وهل هناك برنامج سياسي تهيئون له؟
ـ نحن نشتغل في مجال توفير الخدمات للعراقيين وتهدئة الاوضاع في العراق، خاصة في المناطق شبه المغلقة، حيث يشعر الاهالي في تلك المناطق ان الدولة ضدهم، ونحن نعمل على تبديد مثل هذا الشعور ونشعرهم ان الدولة معهم وتعمل لصالحهم.
*هل تعملون من اجل الترويج للدولة؟
ـ أنا أشتغل لصالح العراق وكل العراقيين.
*هناك احاديث تتداول عن تكليفكم لتشكيل حكومة تكنوقراط او اشغال حقيبة وزارية في الحكومة الحالية؟
ـ هذا غير صحيح وغير وارد.
*كيف تنظرون الى الاوضاع الامنية والسياسية على الساحة العراقية اليوم؟
ـ الوضع الامني متحسن ولكنه لا يزال هشا، اما الوضع السياسي فهو محتقن ويجب العمل على حل العقد الموجودة والخروج ببرنامج عمل يمكن ان يخفف من حدة الاحتقان لصالح العراق والعراقيين.
* ماذا عن مشاريع المصالحة الوطنية التي تحدثت عنها الحكومة مرات عديدة؟
ـ اعتقد ان اهم خطوة يجب ان تتم في هذا الموضوع هو ان تكون هناك مصالحة وطنية بين المناطق المحتقنة، وهذا يوصلنا الى نتيجة جيدة بشرط وجود الدعم وتعزيز هذه الخطوات. وهنا اريد ان اقول شيئا اذا كان الناس يرون المهاترات في مجلس النواب فكيف لهم ان يتفاءلون. اتمنى ان يصبح هناك تفاهم وتوافق بين الاطراف المختلفة على حل المشاكل لأن هذا الوضع غير مفيد.
*كيف وجدتم العراقيين الذين التقيتهم في جولاتك؟
ـ الناس فرحون بالحرية التي حصلوا عليها وبحرية التعبير، لكنها في ذات الوقت مصابة بخيبة امل كبيرة من وصول الاوضاع الى هذه الصورة بعد اربع سنوات ونصف السنة من سقوط نظام صدام حسين، حيث الاوضاع الاقتصادية سيئة للغاية وازدياد اعداد البطالة وهذا يزيد من سوء الاوضاع. تصور أن اقتصاد العراق أصغر حجما من اقتصاد قطر، وهذا شيء محزن. العراق بلد غني بثرواته البشرية والطبيعية.
*التقيتم مؤخرا عددا من المثقفين العراقيين المغتربين، ما الذي اكتشفته من خلال هذا اللقاء؟
ـ هؤلاء المثقفون العراقيون جاءوا من الخارج وجلسوا في المنطقة الخضراء، حتى انهم لم يروا بغداد، وقد نظمنا لهم جولة في عدد من المناطق ومنها الكاظمية، اكتشفنا ان لديهم طاقة ورغبة كبيرتين لخدمة البلد والشعب العراقي، وهم بحاجة لمن يأخذ بأيديهم للعمل من اجل العراق، قسم منهم كان يعمل مع المعارضة العراقية في الخارج ولم يكونوا يتوقعون ان تصل الامور الى هذا الحد.
*وكيف يمكن معالجة مشكلة المحاصصة الطائفية في العراق؟
ـ هناك ظاهرة ارجو الانتباه لها وهي ان الخلافات اليوم بدأت تظهر داخل الطائفة الواحدة وليست بين الطوائف. المسألة يجب ان تخرج من اطار التحزب الطائفي الى التفاهم السياسي. على الاحزاب والحركات السياسية ان تضم اعضاء من جميع الاديان والطوائف والقوميات. المحاصصة الطائفية مشكلة كبيرة، وعلى الاحزاب السياسية ان تفهم ان الحكم هو ليست كعكة يمكن تقاسمها من قبل الاطراف التي فازت في الانتخابات، والانتخابات اصلا كانت عبارة عن استفتاء طائفي على نواب محدودين. المحاصصة الطائفية تكبل يد رئيس الوزراء في اختيار وزرائه ولو لم تكن هذه المحاصصة لكان رئيس الوزراء قد اختار اعضاء حكومته من الكفوئين والذين لهم قدرة على قيادة وزاراتهم وبالتالي يكون لنا الحق في محاسبة رئيس الحكومة على اخفاقاتها. ما يحدث اليوم هو تستر ومراعاة على الاخطاء والفساد بين الكتل السياسية المشاركة في الحكومة، ذلك أن معظم هذه الاطراف متورطة في قضية ما، والعمل يتم بطريقة اما ان تسكت على اخطائي او اثير قضية تتعلق بأخطائك، اما اذا كانت حكومة يشكلها رئيس الوزراء فسنكون في حل عن أسلوب التستر هذا.
*هل تعتقد ان اجراء انتخابات مبكرة سوف يساهم بحل المشاكل السياسية في العراق؟
ـ المشكلة ليست في الانتخابات وانما في آلية اجرائها..المشكلة في القائمة المغلقة، حيث ينتخب المواطن القائمة من غير ان يعرف من هم اعضاؤها، او يعرف اثنين او ثلاثة منهم، أي انه ينتخب ممثلين عنه لا يعرفهم. يجب ان تكون العلاقة مباشرة بين الناخب وممثله، وهذا يتم عبر القوائم المفتوحة او الدوائر الانتخابية الصغيرة. من المهم جدا تعديل قانون الانتخابات وهناك دعوات في البرلمان ومن منظمات المجتمع المدني لدراسة تغيير قانون الانتخابات لنضمن وصول ممثلين أكفاء سواء الى البرلمان او الى الحكومة.
*انت من المهتمين بموضوع النفط وكنت على رأس اللجنة العليا للطاقة، كيف تنظر الى قانون النفط المثير للجدل؟
ـ حسب الدستور العراقي الذي يجب ان نلتزم به، فان النفط والغاز العراقي ملك الشعب وليس ملك الحكومة. والقانون يجب ان يضمن اجراء تنقيبات جديدة في جميع مناطق العراق التي فيها نفط كي يستفيد سكان هذه المناطق من النفط وقيام صناعات نفطية في المناطق التي لا يوجد فيها نفط. العراق اليوم كله يعيش من نفط الجنوب، ذلك ان 93% من ميزانية العراق وبضمنها 17% هي حصة اقليم كردستان من الميزانية، كلها من مبيعات نفط الجنوب، ونحن نريد ان يكون النفط ثروة يشارك بخيراتها كل العراقيين والموضوع يجب ان يتم حسب الدستور.. وحسب الدستور فان من حق اقليم كردستان ان يستفيد من ثرواته الطبيعية ومنها النفط.
*انت تتحدث عن الدستور وضرورة الالتزام به بالرغم من ان هناك تعديلات لم تنجز حتى اليوم؟
ـ نعم هناك احكام انتقالية وكان يجب اجراء تعديلات دستورية، وايضا، حسب الدستور فان هذه التعديلات يجب ان تجرى لمرة واحدة بعد اربعة اشهر من موعد عقد اول اجتماع لمجلس النواب (البرلمان) العراقي. اليوم وبعد اكثر من سنتين على اول اجتماع للبرلمان العراقي ولم تجر اية تعديلات، وقد استنفدت الفترة الدستورية المنصوص عليها وستكون هناك شكوك دستورية في صحة التعديلات التي سيتم اجراؤها وهكذا حرمنا من هذا الحق.
*انت كنت اول من عمل، عندما كنتم في المعارضة، على العمل مع الادارة الاميركية لاصدار قانون تحرير العراق وتنفيذه، كيف تشعرون اليوم وبعد اكثر من اربع سنوات من تغيير النظام؟
ـ قانون تحرير العراق لم يكن يتحدث عن احتلال او تحرك جيوش اميركية وغيرها للدخول الى الاراضي العراقية، بل القانون ينص على ان تقدم الادارة الاميركية المساعدة والدعم للحركات والأحزاب العراقية التي كانت تعمل من اجل تحرير العراق من النظام الدكتاتوري..أنا القلق بدأ يساورني عندما قررت الادارة الاميركية تبني مشروع القرار 1483 الذي يعتبر العراق دولة محتلة. لقد حاولنا ان نثني الادارة الاميركية عن قرارهها بتبني هذا القرار والتراجع عنه والعمل على تشكيل حكومة عراقية ذات سيادة كاملة منذ سقوط النظام عام 2003، وانا كنت قد تحدثت طويلا ضد خطوات الادارة الاميركية وقت ذاك، والآن يعترف عدد من السياسيين الاميركيين الذين عملوا في العراق منذ بداية دخول قواتهم بالأخطاء التي ارتكبوها وبصحة ما كنا قد ذهبنا اليه وقالوا ان اكبر خطأ ارتكبناه هو قبول قرار الاحتلال. لقد اعتقد الاميركان ان بإمكانهم تشكيل وضع سياسي حسب تصور بعضهم. لقد قلت ان اميركا ستفقد موقعها العالي كدولة محررة للعراق وتهبط الى موقع دولة محتلة للعراق، وهذا امر مرفوض من قبل الشعب العراقي.
*انت كنت من اكثر المقربين للادارة الاميركية في حين انت بعيد عنها اليوم، ما السبب؟
ـ نعم انا كنت من المقربين، لكنني اعترضت بشدة على سياسات وممارسات بول بريمر الذي حكم العراق، وانا من المعارضين كما ذكرت لكم لاحتلال العراق. اختلفت مع بريمر فيما يتعلق بموضوع السيادة وبالتصرف بأموال العراق حسب ضوابط لم تكن موجودة، كما اني عارضت استخدام القوة المفرطة مع الفلوجة والنجف عندما كانت هناك مشاكل مع المدينتين. ومع ذلك فان علاقتي مع الاميركان اليوم طبيعية ونحن نلتقي في موضوع تقديم الخدمات للعراقيين.
*هل انت متفائل من الوضع العراقي؟
ـ أنا انسان واقعي، اقول ان الشعب العراقي عريق وقادر على ان يعمل بإبداع، وان يتعامل مع ثرواته باتزان لبناء البلد. العراق هو البلد الوحيد القادر على تصدير 8 ملايين برميل نفط يوميا، وهناك زراعة وأراض صالحة للزراعة، وهناك سياحة وتاريخ. وأنا واثق ان الشعب العراقي قادر على تجاوز خلافاته والتقدم الى أمام.