كربلاء تستقبل كرنافال (ريو دي شيرازي) ..!؟ - أحمد النقيب
كربلاء تستقبل كرنافال (ريو دي شيرازي) ..!؟ - أحمد النقيب
(صوت العراق) - 17-01-2008
ارسل هذا الموضوع لصديق
annaqeeb71@maktob.com
كربلاء تستقبل كرنافال (ريو دي شيرازي) ..!؟ البعض يحاول دفع أمته نحو إشراقات المستقبل.. وآخر يجرجرها لترهات الماضي .. هي ذي محصلة ما سيلي من سطور، نسوقها إبتداء كي يتكيء عليها القاريء عند قراءته بعضاً مما لايستسيغه من افكار ، وإستباقاً للبعض الراجم بالغيب والكفر للغير المخالف له ولو بحرف. * * * لا أزعم أني ممن أختزن الكثير من تاريخ مدينة كربلاء المعاصر، بيد أني اكاد استذكربعضاً من بضعة عقود مضت مما حفلت به مقدساتها وساحاتها وأزقتها. ولا أفكر قط بسرد ذلك التأريخ، فله فرسانه الذين سيكتبونه، ولو بعد حين، بكل حيادية وتجرد عن أي مؤثرات. غير أني اضع بين يد القاريء ملامح أحدث صورة لمدينة كربلاء المقدسة، بعد طي الصفحة الظلامية الماضية من عمر المدينة الحافل بعاشورائيات مستمرة.. بَشَـراً ومَـدَراً. * * * بعد زوال الدمية وقـَطع جميع الخيوط وتخريب مسرح العرض وإستبداله بدمى وخيوط أخرى، تأملنا التغيير الإيجابي في بعض مناحي الحياة اليومية للمواطن العراقي العادي. ومن جملة ما تأملناه هو فسح المجال لحرية التعبد وممارسة الطقوس والمراسيم الدينية والمذهبية ونحوها، مادامت لا تتقاطع مع حريات مماثلة او تـُبتنى على المصلحة العامة لعموم المواطنين. غير أن ما حصل بالفعل، وتحديداً في المراسيم العاشورائية، هو أننا وجدنا أنفسنا وسط فوضى كانت مبررة في باديء الأمر، لمرور عقود على منعها أو تقنينها بشكل صارم. لكن كلما مرّ عام وجدنا إن الحال باق كسابقة، إن لم نقل يزداد مظاهر لا نرى لها مبرراً أو تفسيراً. فمقابل كل جهود التنظيم والإعداد اللذان يتصدى لهما الجهات الرسمية والشعبية لإحياء هذا المناسبة السنوية المهمة، فإننا نرى من يحاول عرقلة الجهود المذكورة بشكل أو بآخر، ولسبب أو بدون سبب. وقد تكون المسألة الآنفة مما يمكن لاحقاً تجاوزها عبر اصدار تعليمات رسمية أو فتاوى فقهية، هذا غير انها (عادية وطبيعية) قياساً بالحالة العراقية عموماً، حيث التشضي سيد الموقف والمواقف. لكن الأخطر ما في الأمر هو جرجرة تلك المراسيم نحو مظاهر لم ينزل الله بها من سلطان، وتصييرها الى مقدسات لايمكن النقاش في جزئياتها، هذا غير شبه التحريم في الجدال بأصلها وفصلها ؟! * * * أعترف بأني مارست العديد من الطقوس العاشورائية، وكنت أقوى على تفسير قسم منها، والآخر أفهم من إن له ابعاد قد تتخطى مداركي، في الوقت الحاضر على الأقل.. وربما الى الأبد.. لكني لم افهم ولم يـُفهمني أحد لماذا يضربون أجسادهم بالأدوات الجارحة والسلاسل والسكاكين وحتى الأمواس، ووصولاً الى المشي على الجمر ؟! ومروراً بعديد الطقوس الغريبة والتي لم نسمع عنها في تأريخنا الإسلامي، منذ مهد الإسلام وحتى مهديّها (عج) . وأظن إن الموضوع غير خاف على بعضهم، غير أن القسم الأكبر من اتباع مذهب اهل البيت (ع) يلتبس عنهم العديد من جوانب هذا الأمر، فقهياً وتأريخياً. فيما يبقى التفسير السياسي حاضراً، وملخصه ( صدام والبعث منعوا التطبير....الخ). وهكذا.. وبالمنطق السفسطائي ( إذا سقط صدام رُفعت القامات)!! ولم يهم (بعض الأكابر)عندما شجعوا عباد الله على ضرب تلك القامات على هاماتهم لم يهمهم هذه الأخيرة.. ولم يهمهم انها كانت بعد عقود سوداء في أمس الحاجة للعلم والثقافة قبل (القامة والقيمة).. غير أن القضية أكبر من عتب بعض الأفاضل على المرجعيات الدينية (الحقيقية) بشأن سكوتها أو إنطوائها أو إحتياطاتها في مسائل ترتبط بالمراسيم الحسينية. فهناك تجارب أخرى حاول معها بعض الفقهاء (مجرد) تنقية هذا الشعائر من الشوائب العالقة بفعل الزمن . وكيف انها واجهت الهجمات الهمجية من (الحرس القديم) وأتباعهم ممن صدقوا أن ضربة (زنجيل) تمحوا ذنوب عامه الفائت بما فيها صلاته وصومه وأخلاقه وتعامله مع عباد الله !!!!. وعلى فرض ان ضربة القامة أو الزنجيل أو الأمواس وبقية الأدوات الجارحة تمحو ما تمحو من الذنوب. أو ليس من الأولى أن يتم نصح وتوجيه وتعليم هؤلاء المساكين بدينهم بدل تركهم عام كامل يصولون ويجولون قبل يوم عاشوراء.. ثم إننا نتساءل. كم هي نسبة الأموال المصروفة على (القامات و الزناجيل والطبول ) ونحوها من (الباقيات الصالحات) مقارنة بالأموال المصروفة لطباعة وتوزيع مواد تعليمية وتثقيفية لأبناء المذهب؟ هذا إن كان أصحاب أغلب (التكايا) قد طبعوا أو نشروا كتاباً أو قرصاً مدمجاً واحداً.. وبالطبع الكلام كله على فرض إنهم يقرأون ويكتبون ؟! * * * والحقيقة ان قضية إحياء المراسيم الحسينية بالشكل الشرعي والصحيح أكبر بكثير من مجرد كلمات في مقالة، وهي بدون شك تحتاج الى وقفة فقهاء ومفكرين ومؤرخين في مقابل كيانات تسمي نفسها مرجعيات دينية، مجهولة الأعلمية، كما هي مجهولة التمويل والغايات، حاولت وتحاول حشد كل الطاقات لأجل السير وفق رؤى محددة. وأظن أن الكثير من أولي العلم والوعي والثقافة يشاطروننا الرأي بإن تعرية أي كيان ديني منحرف يجرّ خلفه شطرا من هذا الشعب، بوعي أو بدونه، يستلزم تنظيم حملات فكرية مدروسة على مسارين. الأول لفضح الأسس التي يقوم ويسير عليها ذلك الكيان. والثاني، وهو الأهم، نشر الوعي بين أوساط عباد الله المستضعفين، بدل تركهم في العراء الثقافي، لتتناوشهم ذئاب وضباع بل حتى حمير المعمورة !؟ وأظن أن المجتمع الذي يهرول وراء ( منبرجي) ثلاثة أرباع كلامه أحلام وخيالات والربع الأخير كوكتيل من الروايات المشكوكة الصحة والسند، هذا المجتمع يحتاج بالفعل الى هرولة من أصحاب الفكر والثقافة لينتشلوه من الواقع الواقع في أحد سراديب كربلاء بخمسينيات القران الماضي. وإذا بقى أولي الفتوى والإفتاء بعيدين عن الفصل في قضية المراسيم الحسينية بشكل واضح وصريح، فإن كل من هب ودب سوف يتسلقون منبر رسول الله ليهيلوا على مستمعيهم الغث والسمين من الروايات والغوايات. وكنا حتماً سنعتب على المجتمع الكربلائي لو لم يكن صار من المقتنيات المتحفية، بعدما أصبحت تركيبته السكانية خليطاً من شمال العراق الى جنوبه. وذي قضية طويلة عريضة تختلط إيجابياتها بسلبياتها على الكثير. غير أن عتبنا على كل من يحمل النزر اليسير من الإدراك والفهم لمجريات الأمور وما دار ويدور في هذا الوطن المغضوب عليه من الضالين. ويعيش يومه مخدراً بقشور الحياة اليومية، دون أن يعيي أن بعضهم يحاول إرجاع عقارب الساعة الى عقود مضت. وإلا هل يعقل أن يقوم (حفاة) صاحبنا (المنبرجي) وسواه بتوزيع ملصقات كبيرة في شوارع مدينة كربلاء تحمل عديد صور المراجع ورجال الدين، وأغلبهم متوفي، وبجانب كل صورة كلام يشير حسب زعمهم الى الإستحباب الأكيد والمقارب للوجوب للتطبير العاشورائي ؟! كل ذلك على مرأى ومسمع حراس المقدسات، الذين واجهوا بشدة عصابات شعبان الماضي، ودون أن يعنينهم على ما يبدو شراذم محرم الحالي كما السابق وربما اللاحق.. فهل إن التخريب المادي هو الخط الأحمر دون المعنوي ؟ وهل إن الحرق والسلب أشد من التلويث الديني والمذهبي لملايين من أتباع أهل البيت (ع) ؟ وبالطبع لانستطيع لوم لاحماية المقدسات ولا الشرطة أو حتى الجيش المنتشر في كل شوارع المدينة المقدسة، ما دام أهل الحل والعقد بهكذا مسائل ملتزمون بالصمت منذ سنين طويلة، وليس على ما يبدو ان هناك بارقة لفتاوى تضع النقاط على الحروف بشكل علمي لتتولى السلطات الإدارية الحل العملي. ومن الآن ولغاية تصدى أحدهم لهذه القضية، سنبقى نشاهد أنفسنا يوم العاشر من محرم الحرام في فضائيات العالم ونحن غارقون في الدماء، من الهام الى الأقدام، ليس جهاداً عن الدين أوالوطن أو حتى فلسطين، بل إحياءً للمراسيم الشيرازية المقدسة؟! وإستسلاما للآلاف الكتب والكراسات والملصقات والسمعيات والمرئيات التي تحث وتوجب ( فريضة التطبير) المقدسة، والركن الجديد من أركان المذهب الشيرازي !!! وسنبقى نطمم السؤال القديم الجديد: (هل المراجع من التيار التطبيري يضربون رؤوسهم بالقامات أو يجدلون ظهورهم بالسلاسل الحديدية ؟) . فإذا كنا لم نسمع لحد الآن بأن إبن رجل دين عادي قد أدمى ظهره بـ ( فريضة الزنجيل) فمن الطبيعي أن جواب السؤال الآنف سيكون معروفاً للجميع. والحقيقة أن المعمعة التطبيرية أهون بالقياس الى مجمل المراسيم العاشورية الحالية. فعموم المراسيم تحتاج الى إعادة تقويم شرعي لها، قبل الدخول في مناسبتها للمجتمع العراقي أو المحلي أو لا. كما أن من المهم معرفة وتعريف الناس الفرق بين الفرائض المقدسة وتلك التي تجسد الإحتفاليات الدينية والتأريخية بمناسبة ما. لكن كما أسلفنا، هذا الحل لا يبدو أنه مرجح عراقياً في الوقت الراهن. فالخط الشيرازي أغرق المدينة وما حولها بكل لوازم ومواد وعدد تجعل من هذا الكيان المسمى بـ (إنسان) مجرد كتلة مدماة تركض وتصيح في حالة هستيرية تبعث على الحزن والأسف. ورغم شعار (اللاعنف) الذي يرفعه الخط الشيرازي إلاّ أن دمويتهم العاشورئية معفاة من هذا المبدأ المقدس عندهم. والحقيقة التي تخفى عن كثير، حتى من أبناء هذه المدينة، أن لا أحد منهم تفوه بكلمة تشير الى دماء غير دماء التطبير، فهل سمعنا يوماً أنهم استخدموا في أدبياتهم الحالية مفردات ( جهاد، مقاومة، إحتلال، شهادة، ... ؟). وعلى ذكر هذه الأخيرة.. فمن الطريف أن نذكر انه بعد أن رفعت أغلب الحركات والأحزاب السياسية لافتات وأسمت شوارع بأسماء قادتها الشهداء، أضطر الشيرازيون لإستذكار (الشهيد حسن الشيرازي) - أغتيل في لبنان - بعد أن غلفوه بالتناسي طيلة الفترة الماضية، كونه انتهج نهجاً يغاير المباديء التي جاءتهم من وراء البحار ( اللاعنف، المساواة، المحبة، ...الخ). فهل حقاً إننا سنبقى ننتظر 25 سنة أخرى كي تفتح الخارجية البريطانية خزائنها لنعرف من جديد أن أحفاد (أبو ناجي) يهيمون في المذاهب والحركات التي تجعل من الإسلام مجرد تراث وفلكلور وكرنفاليات .. ليس إلاّ. أحمد النقيب