خطباء و و رواديد ام مطربون ؟؟
جاء في كتاب المكاسب - الشيخ الأنصاري - ج 1 - ص 297 - 298
وظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق أو باطل ، فقراءة القرآن والدعاء والمراثي بصوت يرجع فيه على سبيل اللهو لا إشكال في حرمتها ولا في تضاعف عقابها ، لكونها معصية في مقام الطاعة ، واستخفافا بالمقرو والمدعو والمرثي . ومن أوضح تسويلات الشيطان : أن الرجل المتستر ( 3 ) قد تدعوه نفسه - لأجل التفرج والتنزه والتلذذ - إلى ما يوجب نشاطه ورفع الكسالة عنه من الزمزمة الملهية ، فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم والمراثي ونحوها ، فيتغني به ، أو يحضر عند من يفعل ذلك . وربما يعد مجلسا لأجل إحضار أصحاب الألحان ، ويسميه " مجلس المرثية " فيحصل له بذلك ما لا يحصل له من ضرب الأوتار من النشاط والانبساط ، وربما يبكي في خلال ذلك لأجل الهموم المركوزة ‹ صفحة 298 › في قلبه ، الغائبة ( 1 ) عن خاطره ... ويتخيل أنه بكى في المرثية وفاز بالمرتبة العالية ، وقد أشرف على النزول إلى دركات الهاوية ، فلا ملجأ إلا إلى الله من شر الشيطان والنفس الغاوية .
احسب اني سأغير بهاء هذا النص الجرئ الذي نطق به الشيخ الانصاري, شيخ الطائفة , لو حاولت ان ازيد على ما قال رضي الله عنه , و لا شك ان اكثر مراجعنا يقولون بنفس هذا الحكم .. لكنهم اكتفوا بالنطق بالحكم العام دون ان يشخصوا الموضوع تاركين هذا الامر للعامي المغمور بالاهواء و النوازع و قلة المبالاة بالشرع المبين و الخضوع التام لسلطان العادة , و ما فعله الشيخ الانصاري هنا هو ان قام بتشخيص الموضوع و وضع خطباء المنبر و الرواديد امام ما يرتكبونه من اثام يحسبونها تقربهم الى الله تبارك و تعالى .
كان بعض المثقفين ينذر المجتمع بالويل و الثبور لو اتجه الفقيه الى جعل تشخيص المواضيع واحدة من مهماته , و الحقيقة ان ما يفوت المجتمع من ترك الفقيه لهذه المهمة الجسيمة اكثر خطرا مما لو اقتحم الفقيه الميدان و تدخل في التفاصيل قمعا للتدليس و اخراسا لألسنة كانت و ما زالت تزعم انها تنطلق في ممارستها من فتاوى المراجع المطلقة !
الشيعة اليوم بحاجة الى مرجع كالشيخ الانصاري يوضح لهم ان ذكر الحسين في مجالس الطرب لا صلة لها بالحسين صلوا ت الله عليه .. فما هو معنى ان يكرر الخطباء ابيات شعر ينطق بها المطرب العراقي القديم ناظم الغزالي
يا حادي العيس هل مرت بك الابل
بالامس قد كانوا هنا و اليوم قد رحلوا
و خلفوا في سويدا القلب نيرانا
ما هي علاقة القضية الحسينية بالابل و عودتها و تماوج النفس مع طور التخميس المعروف لدى الخطباء!!
هل تختلف اطوار الخطابة التي يتعلمها طلبة العلم عن اطوار الغناء ؟ لا يوجد اختلاف و قد ذهلت حقا حين رأيت ان كثيرا من اللطميات القديمة و الحديثة تشبه اغاني قديمة و حديثة و منها لطميات للشيخ الجليل ياسين الرميثي و الشيخ وطن , فضلا عن الرواديد الجدد الذين مصخوها وطينوها كالملا باسم و غيره !!
مثلا
يوجد تسجيل للشيخ الرميثي يتضمن الكلمات التالية
بيش و بيا ثمن** اتوافي ام الحسن
تقابله اغنية لسعدي الحلي تقول
لو زعل لو رضه
لخاطر المرتضى
و الملاحط ان الطور هو نفسه فلماذا اعتبر عوام الناس المتعصبين مجلس سعدي الحلي مجلس فسوق و مجلس غيره مجلس عبادة !! و اكثر المراثي تجد لها نظيرا في الاغاني .
و قد رأينا من الرواديد ممن يحفظون الاغاني و يتغنون بها في الاماكن الخاصة بعيدا عن الانظار , و في بعض المناطق يخضع الخطيب لاختبار اهل المنطقة فعليه ان يسمعهم صوته , و ينوح لهم قليلا !!, فأن راق لهم استأجروه و ان لم يعجبهم الصوت قالوا له اذهب لا حاجة لنا بك !!
ان نص الشيخ الانصاري يشرح بأختصار غير مخل كل ما نشاهده جميعا في المجالس الحسينية .. كبكاء البعض على مصائب المت بهم و ربما حسبوا انهم يبكون على الامام الحسين .. وهذا امر محسوس و معروف و هو الذي يفسر لنا انتشار بعض اللطميات دون غيرها في صفوف المغتربين او ممن يعانون من الام الفراق و الحنين للاهل .و الاكثرية من الناس تعرف في حقيقة الامر سبب بكاءها و نواحها الدائم .. الاخوة الذين دخلوا الى ايران و لم يجدوا مجالا لسماع الاغاني اضطروا للتعويض عنها بلطميات الرادود ابو بشير و الملا باسم , و هكذا ابتذلت الثورة الحسينية و جدية الامام الحسين بهذه المهازل السمجة و الافاعيل القبيحة التي تتنافى مع "احياء امر اهل البيت" وهو في الواقع اماتة لامر اهل البيت.
ليخبرنا اللطامة عن سبب تفضيلهم لبعض اللطميات على بعضها الاخر, ما هو سبب الاعجاب الشديد ببعض اللطميات و ما هو سبب بعضها الاخر ما دامت كلها تتحدث عن الامام الحسين ؟
انا مثلا افضل بعض لطميات الشيخ ياسين الرميثي ك "يحسين بضمايرنه" و "خذ يامحمد" و "هذي تربية حيدر" و العديد من اشعار الشيخ هادي القصاب .. لما اجد فيها من هدفية و روح اسلامية عالية لا علاقة لها بالجانب الشخصي و تفريغ الام الفرد و اسقاطها _ عن عمد _ على ثورة الحسين .
ان البكاء على الامام الحسين و مصائب اهل البيت عليهم السلام ليحتاج الى هذه الاساليب المبتدعة , كالغناء الذي يسمونه نواعي , و الرقص الذي يسمونه لطما , و لا يحتاج الى ان يتظاهر الخطيب بالبكاء , و كنت حين استمع للاشرطة الحسينية اتصور ان الخطيب ينحب و ينشج , و تبين لي حين شاهدتهم انهم كذابون و يتظاهرون بالنحيب بطريقة مقززة تدل على الاحتراف و المهنية و التكسب اكثر من دلالتها على الحميمية و الصدق و الاخلاص .
بقي ان نشير ان الخطباء المنبريين و الرواديد ينظر اليها نظرة احتقار و ازدراء من قبل طلبة العلم المجدين الساعين للاجتهاد , و فضلاء الحوزة .. فيقال هذا قارئ نواعي على سبيل الاحتقار و الازدراء .وهذه النظرة هي الاخرى خاطئة و مسفة مسرفة في الحكم , اذ انها سلمت بواقع خطباء المنبر الخاطيء و استسلمت به و ابعدت نفسها عنه , و المفروض في الخطيب و المبلغ الحسيني ان يكون مشتبها بالرسول الاعظم الذي كانت وظيفته الرئيسية التبليغ ((و ما عليك الا البلاغ المبين )) ولذا وجب على المراجع و الفضلاء ان يكونوا خطباء منبريين و مبلغين على طريقة النبي و الامام المعصوم . لا ان يدلس بعضهم بالقول بأن مستواه ارفع من ان يصبح روزه خون او مبلغ !!
فلتكن عند كل شيعي قضية يدافع عنها .. يجب ا ن يكون عارفا بتفاصيلها, و من تدبر في احاديث امامنا الصادق سيفهم بوضوح مدى معاناته من شيعته حين يصرون على عدم الامتثال له عليه السلام و من غرر الروايات المروية عنه انه قال ( خصلتان في شيعتنا وددت لو افتديتهما ببعض لحم ساعدي : النزق و قلة الكتمان ) و روي عنه ( لوددت ان السياط على رؤوس اصحابي حتى يتفقهوا ) ترى اين الرواديد من التفقه في الدين "الثقافة الدينية المعمقة" الذي هو مفهوم اعم مما من كتب الفقه الاعتيادية !! السنا ننقاد الى المجالس الحسينية بدافع النزق ؟ و الرغبة الجامحة ؟ و التفريغ عن الهموم و الغموم ؟ و تبديل الجو ؟ و خضوعا لسلطان العادة ؟
لو كان قدومنا لتلك المجالس احياء لأمر اهل البيت لأسكتنا الخطيب المغني , و لمنعنا الرادود من ان يتجاسر و يقرأ شعرا مهينا و يتضمن اكاذيب و قصص غير واقعية لتهييج السامعين !!
فنحن نعرف ان الرادود المتكسب لا يشعر بخطورة ما ينشده من مضامين كاذبة تؤخذ كمسلمات لدى الفرد العادي غير المعني بدارسة التاريخ و قراءته , ثم ان علينا ان نخجل من عقولنا حين نذرف العواطف اعتمادا على روايات كاذبة و اقاصيص لم تحصل تأريخ لم يقع و ينقله الخطيب و الرادود للتهييج و اثارة النفوس , و نهمل الوقائع الصحيحة الموثفة لملحمة الكربلاء التي تهيج النفس و تثير المشاعر و تدمع لها العيون دون الحاجة الى ممارسات الخطيب و الرادود المحرمة .
انك قد تقرأ لأبطال و ثوار ليسوا من ابناء ملتك و دينك , و على ارض ليست ارضك , ربما كانوا وثنيين و عباد اصنام , و لكن تهيج نفسك و تبكي حين تطلع على مجريات نضالهم المرير في سبيل اهدافهم الانسانية المشروعة , فكيف بك اذا كان الامر متعلقا بالحسين بن علي سيدنا و مولانا و امامنا المفترض الطاعة و الذي وعدنا بالثواب الجزيل اذا ما بكينا او تباكينا لمصابه ؟ اليس من الاولى هو ان تعرف المجالس المنبرية بقضية الحسين و ثورته و تاريخ الفترة التي عاشها , لأخذ العبر , و الانتفاع من اخطاء الماضي . و الاعتبار من وقائع التأريخ .