فرحة الزهراء
يوم التاسع من ربيع الأول من كل سنة يوم يحتفل به الناس ويصطلح على ذلك اليوم عيد الزهراء أو فرحة الزهراء عليها السلام , ولا يزال الناس مختلفين في أصل ذلك العيد ولماذا سمي بذلك مع إنه لم يرد به نص جلي يعتمد عليه أو رواية مؤكدة يركن إليها وهناك بعض الروايات تشير من قريب أو بعيد إلى ذلك اليوم ومنها رواية أحمد بن اسحق ألقمي والتي يذكرها أبن طاووس عليه الرحمة في كتاب ( زوائد الفوائد ) وفيه إن ذلك اليوم التاسع من ربيع الأول يوم البركة , يوم الحبوة , يوم نزع السواد , يوم سرور أهل البيت عليهم السلام .. وهذه الرواية من شواذ الأخبار لا تفيد علما ولا عملا . ولذا نرى إن ابن طاووس يقول في ( الإقبال ) أعلم ان هذا اليوم وجدنا فيه رواية عظيمة الشأن – الى ان يقول – ولم اجد فيما تصفحت من الكتب الى الآن موافقة اعتمد عليها للرواية ثم يقول فإن اراد احد تعظيمه مطلقا لسر يكون في مطاويه عن غير الوجه الذي ظهر فيه احتياطا للرواية فكذا عادة ذوي الرعاية ... ومنهم من يرى ان تلك الافراح كانت تقام لما وقع في هذه الايام من المناسبات . فمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم ( 12 – 17 ) ربيع الأول , وتشرف السيدة أم المؤمنين خديجة بزواجها من الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذه الايام ولادة الامام الصادق عليه السلام يوم ( 17 ) ربيع الأول الى غير ذلك من الاقوال والآراء ولكن اشدها واقربها من الواقع هناك روايتان الأولى ما ذهب اليه المجلسي ( قدس سره) حيث قال ( ان وفاة مولانا الحسن العسكري عليه السلام كانت لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول ) وكذلك ذكر الكليني في كتابه ( الحجة ) والمفيد في ( الارشاد ) وإبن شهر آشوب في ( المواليد ) فإذا كانت وفاة الامام العسكري عليه السلام كما ذكر هؤلاء فيكون ابتداء ولاية الامام المهدي ( عج ) يوم التاسع من ربيع الأول فلعل تعظيم هذا اليوم لهذا الوقت المفضل .. والرواية الاخرى والجديرة بالاحترام هي التي ذكرتها الكتب المعتبرة ومنها صحيح البخاري في ص248الجزء الرابع طبعة مصر حيث روى عن عائشة ( رض) قالت : أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرحبا بإبنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر اليها حديثا فبكت فقلت لها لما تبكين ثم اسر اليها حديثا فضحكت , فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال , فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , حتى قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألتها فقالت أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة واحدة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي فبكيت ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم إنك أول أهل بيتي لحاقا بي وما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك . وقد ذهب بعض الناس في اتخاذ الشيعة لهذا اليوم انه مقتل عمر بن سعد عليه لعائن الله قاتل الحسين عليه السلام . وكانت في زمن الخمسينيات من القرن الماضي الميلادي تمارس بعض الاعمال الغير مبررة في مثل هذا اليوم ومن تلك الممارسات اذكر بعض مما جاء في مذكرات عمنا الجليل المغفور له العلامة المحقق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب صاحب كتاب مصادر نهج البلاغة واسانيده وقد سمي السيد رحمه الله عبد الزهراء لولادتة يوم فرحة الزهراء عليها السلام , حيث يذكر في مذكراته إن في التاسع من ربيع الأول في بعض البيوتات توضع اطباق أمام كبار الضيوف في ذلك اليوم وهي مغطاة بغطاء لطيف ونظيف ولكن بعد رفع الغطاء يجد الضيف الاطباق قد ملئت ببعر الابل او بأشياء مماثلة فيضحك الضيف بإستغراب واستحسان ويعرف ان اليوم هو يوم فرحة الزهراء ثم يقدم له بعد دقائق ما يليق بمقامه من مائدة فاخرة .
وقد يعمد بعض الناس في صبغ شيبة رجل وقور ذي شيبة بيضاء وهو وسط الشارع بصبغة حمراء او خضراء ويستقبل ذلك الشيخ هذا الفعل بالابتسامة الحلوة التي تنم عن الرضا وتدل على طهارة الضمير . وقد يعمد بعضهم الى قطعة من النقود المعدنية ويلسقها بالارض بمسمار او ما شاكل ذلك فيمر احد الاعراب فيهوي عليها فرحا بما وجد فيجدها عاصية عليه واصوات الضاحكين تتعالى عليه مصحوبة بالتصفيق والاهازيج امعانا في السخرية والاستهزاء . أو يدلي بعضهم بسنارة من اعلى السوق فتقع على عمة عالم كبير او عقال شيخ جليل أو سدارة موظف محترم فما يشعر الناس الا وهو مكشوف الرأس وما على رأسه معلق في الهواء واصوات الضاحكين تتعالى في السوق من كل جانب ومكان و لا يقل هوعن ضحكهم والصياح معهم . أو يأتي أحدهم الى رجل محترم وسط المجلس ويشغله بالكلام ثم يأتي آخر دون علمه فيخيط عباءته مع الوسادة التي بجانبه وعند انصرافه من المجلس فيقوم والوسادة تسير في أثره والضحكات تشيعه . ويقول السيد في مذكراته يتساوى ايام الناس في عيد الزهراء عليها السلام
في الريف وفي القرية وفي المدينة وحتى في النجف الاشرف على مستوى الحوزة العلمية فقد حدث ان شيخ الشريعة الامام محمد الحسين كاشف الغطاء هذا الرجل العظيم الذي دوخ المستعمرين وهز الكيان البرطاني ايام زعامته الدينية على قصرها . حضر مجلس الدرس على عادته فلما رقى المنبر واستهل البحث قام تلامذته وحضّار بحثه بأجمعهم على اتفاق بينهم فخرجوا وتركوه وحده فأبتسم وناداهم كفى كفى عودوا الى بحثكم فلما عادوا واستقر بهم الجلوس تركهم وخرج عن المكان ولسان حاله يقول واحدة بواحدة . وكانت تلك الامور مقتصرة على النكة البارعة والنادرة المضحكة , ثم سف بعض الجهلاء والسفهاء فقاموا باعمال بشعة ومستنكرة , الامر الذي دعا الامام المصلح كاشف الغطاء ان يحرمها دفعة واحدة في خطابه التاريخي الذي القاه في الصحن الحيدري الشريف يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر سنة 1353 هجري واختار هذا اليوم لكثرة الزوار الوافدين على النجف الاشرف ولقرب الاحتفال المعتاد عليه في عيد الزهراء عليها السلام وذلك من اجل ان يبلغ الشاهد الغائب ومن اشد المنكرات التي كانت تمارس في ذلك الوقت هي ما يسمى ( الطرقات ) وهي عبارة عن خرق تلف بها بعض المفرقعات تعمل على شكل كرة ترمى امام الناس المارة وتطلق اصوات مرعبة ولا تخلو من المخاطر لما يتطاير منها من مواد حارقة وجارحة وكما هو الحال في الوقت الحاضر من استخدام بعض ضعاف النفوس العيارات النارية وبدون أي مبرر يذهب الكثير من الناس ضحايا تلك الاعمال . وكانت افعال الناس في ذلك اليوم تنتهي بمجرد ان تغرب شمس يوم التاسع من ربيع الأول ويعود كل الى مكانته واحترامه وقد زالت هذه العادة تماما ولم يبق لها عين ولا أثر والحمد لله رب العالمين والسلام على الزهراء البتول يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حية .
