حزب الدعوة الاسلامية المشاركة السياسية والغطاء الفكري المطلوب
حزب الدعوة الاسلامية المشاركة السياسية والغطاء الفكري المطلوب
حسن العاشور
ان التغير الذي حدث في العراق، بعد سقوط نظام الطاغية كان قد وضع الاسلاميين ومنهم حزب الدعوة امام جملة استحقاقات، شكلت مفاجأة لهم لم يكونوا قد اخذوا الوقت الكافي لاستيعابها، فتعاملوا معها دون اعطائها المدى الكامل من النقاش والتمحيص، الامر الذي ادى الى ان تكون الاستجابات محكومة بمتطلبات الامر الواقع والحرص على انتهاز الفرص التي تمر مر السحاب وليس لاحد ان ينكر عليهم هذا، لانهم كانوا قد لدغوا من الجحر نفسه، والحديث الشريف يقول: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
بدون شك ان امريكا عندما اسقطت النظام صدام سيء الصيت كانت تتحرك على وفق اولويات الاستراتيجية الامريكية الواضحة لكل ذي بصيرة، فالمؤكد انها لم تكن لتفكر بان البديل عن صدام سيكون حزب الدعوة او المجلس الاعلى او اي كيان اسلامي وانتفاضة عام 1991 هي الشاهد على ما اقول، بل انها عملت وبشكل واضح جدا على تهيئة الاجواء لابراز شخصيات وبثق كيانات كانت وما زالت تعرف بانسجامها تاريخيا مع المشروع الامريكي في المنطقة عموما وفي العراق بشكل خاص.
من هذه النقطة بالذات، والتي ينطلق منها جرس الخطر، بدا الاسلاميون وبالتحديد حزب الدعوة يفكرون جديا في الدخول الى معترك العملية السياسية خوفا من ان تضيع الفرصة الثانية بعد ان احسوا فداحة الخسائر التي ترتبت على ضياع الفرصة الاولى يوم تشكيل الدولة العراقية، ويبدو لي ان القيادة الحركية الاسلامية، وخصوصا الاخوة في قيادة الدعوة قد مزجوا تفكيرهم المبداي بشيء من البراغماتية عندما قوموا الظرف العراقي بعيد سقوط نظام صدام، حين وجدوا انفسهم يقفون امام خيارين صعبين جدا هما الانخراط في عملية سياسية لبلد تحتله امريكا او البقاء بعيدا، وبدون شك انه موقف غاية في الصعوبة والتعقيد لانه يشكل انعطافة لم تكن في الحسبان، اضافة الى ضرورة السرعة في اتخاذ القرار بشانها، لان وتيرة الحركة والتاسيس تسير دون عائق، فالدولة منهارة تتشكل دون وجود بدائل واقعية وان كل شيء يعاد تأسيسه، وما اراه ان الاثمان والمكاسب قد حسبت هذه المرة بعقلية لا ترفض بالمطلق البراغماتية في حساب المنفعة وان كانت لا تفرط بالمباديء ايضا، فقد وقف الجميع بين خيارين احلاهما مر، وامر ما فيهما انه لا بد من الاقدام على احدهما.
وما اعتقده ان الامر محكوم بمحددين اثنين، بحيثيات المسار الفكري الذي طبع الحركية الاسلامية في العراق ذي الخصوصية الواضحة لما يمثله هذا البلد من ثقل حضاري وفكري على الصعيد الاسلامي، والاتجاه سياسي الذي لا يمكن ان يرسم دون الاخذ بنظر الاعتبار بعض الظروف الموضوعية المتمثلة بالواقع المحيط، وان من ابرز ما تشير اليه تلك الظروف هو استحالة العمل الفكري الاسلامي دون الالتفات الى الواقع العراقي، فلكي تكون المعالجات ناجعة لا بد من التحرك على صعيد الواقع المعالج نفسه.
من هنا لا بد من القول بان الحركة الاسلامية عموما وحزب الدعوة بشكل عندما وقف اما المشهد العراقي بعد سقوط نظام صدام لم يجده هو نفسه ذلك المشهد الذي رافق انبثاقته اواخر الخمسينيات، وهو المشهد الذي تشكل فيه التحدي الذي صاغ بدوره اساليب الاستجابة، وايضا لم يجده هو نفسه ذلك المشهد الذي رافق الحرب العراقية الايرانية، وهو المشهد الذي تشكلت فيه انماط الممارسة الفكرية المترجمة الى فعل سياسي، وبوتيرة اقل الى فعل جهادي فالحقيقة التي يعرفها الجميع ان حزب الدعوة الاسلامية لم ينخرط في تلك الحرب بشكل رسمي وانما ابقى بينه وبين العسكر الايراني الذي قاد تلك الحرب مسافة عندما اعتمد وبشكل يكاد يكون معلن استراتيجية محاربة النظام الصدامي وحده اي انه واجه نظام الدكتاتور ولم يواجه الشعب، اضافة الى انه ناى بنفسه عن اي عمل تحت امرة الفصائل العسكرية الايرانية.
وعليه ارى ان حزب الدعوة عندما وقف امام المشهد العراقي بعيد سقوط صدام حسب احتمالات المشاركة وعدمها فوجد ان الوقوف على التل ليس اسلم، حينما ادرك بعمق ان الامريكيين هدفهم هو التعجيل في انضاج المشروع على نار ليست هادئة مستفيدين من الفراغ الذي حدث بعد انهيار الدولة لتتم الطبخة امريكية بشكل كامل، وهذا يعني ان مصير الحركات الاسلامية عموما والدعوة بشكل خاص لن يكون بافضل من مصيرها ايام حكم صدام، كما وانه قد ادرك على ما يبدو ان الدولة من منطلق الرؤية الامريكية سوف تتاسس وترسى قواعدها على ركائز ثلاث قومية، علمانية، وليبرالية، وسوف يكون للاسلاميين حضور ولكن من خلال بعض الجماعات ذات التاريخ الاسلامي والحاضر العلماني، واعتقد ان قيادة حزب الدعوة كانت محقة في ما يخص قرار المشاركة.
وعليه اود ان اقول ان قرار المشاركة لم يكن صائبا فحسب بل كان ضروريا جدا، اذ لا احد ينكر ان ما حدث خلال هذه السنوات التي اعقبت سقوط صدام هو كبير جدا في حساب انبثاق الدول وتشكيل الكيانات على وفق قواعد دستورية ما كان لتكون على ما هي عليه الان لولا الجهد المبذول من قبل الحركات الاسلامية عموما وحزب الدعوة بشكل خاص.
ولكن الى جانب هذه الايجابيات هناك سلبيات مرافقة لا بد من حدوثها، من هذه السلبيات ان اطلاق عنان الحركة السياسية على حساب الفكرية قد جمد الطروحات الفكرية عند مواقع محددة واوقفها عند مصاديق تاريخية، وهذا بدوره ادى الى مشاكل ذلك لان الفكر المتوقف عند نقاط تاريخية يبدو للمتتبع غير ذي جدوى اضافة الى ان السياسة التي لم تكن محتكمة الى الفكر ستصل الى متاهات خطيرة، ومنها ايضا ان اتساع الهوة بين الممارسة السياسية والفكر قد يؤدي الى انحرافات خاصة وان المرحلة التي يتشكل عليها العراق مرحلة مضطربة فيها الكثير من خلط الاوراق، اذ لم يتبين على وجه الدقة لحد الان ما هو نوع العلاقة مع امريكا، اهي علاقة الامر الواقع التي تستبطن مواقف مؤجلة ام هي علاقة استراتيجية ؟ ولكل من هذين النمطين حكمه الخاص ولكن لا بد من القول ان العلاقة الاستراتيجية مع امريكا تعني التفريط بمعظم المباديء، اضافة الى الخطر التاريخي المترتب على هكذا علاقة.
واعتقد ان هناك اسئلة عدة الاجابة عنها مؤجلة الان، ولكنها اسئلة ضرورية تستبين الطريق التي نسير عليها الان، وان الاجابة المؤجلة عن هذه الاسئلة حتمية تستبين الطريق التي ينبغي ان نسلكها.
http://wasatonline.com/index.php?opt...mid=64#Scene_1