مشاهدات بصرية من وسط اللهب في مدينة زرعت بالدم
الف حرب وحرب في ليالي البصرة.. ضحيتها الانسان (ثمن)التصارع على مصالح السلطة
مشاهدات بصرية من وسط اللهب في مدينة زرعت بالدم وخضبت بحناء العداوات وغباء من يقتلون العراق
الملف برس /البصرة –يوميات عاشها معهم فرات احمد
طوال يوم الاربعاء حاول سمير الاتصال بكل اصدقائه ومعارفه ، لابلاغهم بالغاء حفل زفافه المفروض ان يقام اليوم الخميس ، وكنت احدهم ، قال لي بالحرف الواحد انهم يقتلون العراق ، يقضون على الاشياء التي لم يستطيع صدام والاميركان القضاء عليها .
هذه الاحاديث المغمسة بطلع النخيل في فيحاء العراق،بات لها طعم الدم، وسط مشاهد،اعتقد الناس ان مدينتهم قد غادرتها بعد سقوط صنم صدام في بغداد .
سألته الى متى سيتم تأجيل العرس، فقال ،المدينة زرعت بالدم ، وسقيت بالعداوة وحتى لو توقفت العمليات، فعلينا اولا الاطمئنان على ارواح كل الاصدقاء والاقارب، واداء واجب الزيارة لكل من فقدناهم، ويبدو انهم كثرة وربما يزدادون بسبب طيش وغباء البعض الذين يتصورون انهم بقتلهم لانفسهم يفعلون شيئا ،فهم يقتلون بلد بحاله، ومن ثم اغلق سمير هاتفه وهو حزين مثله مثل عشرات الالاف من البصريين الذين يرون مدينتهم تحترق .
حكاية سمير قد تكون الابسط بين عشرات القصص الانسانية التي بدأت تنتشر في مدينة يمكن لها ان تلفظ انفاسها الاخيرة عقب عمر يمتد لاكثر من 1400 سنة من الابداع والحضارة والثقافة بالاضافة الى عمر سابق قبل دخول الاسلام للعراق وبنائه من قبل عتبة بن غزوان .
قد تتوقف العمليات قريبا ، ونزف سمير لعروسه، لكن من يعيد الطفلة امل الى امها بعد ان خرجت لكي تشتري الحلوى كعادتها، من المحلات المجاورة، الا انها لم تعد ليس لاقفال المحلات المجاورة بسبب الاعمال العسكرية، لكن لانها تعثرت بشيء مزروع في الارض انفجر عليها وتناثر جسد" امل" البصري الجميل ، الذي كان يمكن ان تكون امرأة لها ثقلها في بلاد شبعت الضيم والموت .
ام امل اصيبت بحالة هستيرية، عندما سمعت ما حدث لابنتها اغمي عليها وعندما فاقت سألتهم عن ابنتها وهي غير مصدقة ما حدث ، حكوا لها الحادث بالتفصيل ، خرجت بلا عباءة ولا حجاب للشارع وهي تنادي بصوت عالي :" الله لاينطكيم ، هسه صرتوا زلم وينكم من جان صدام يدزكم للسجن مثل الحيوان ، وين المعممين الي وياكم، هذوله ....مو رجال دين ".
احد المسلحين من الميليشات عندما سمع ام امل -وهي امرأة في الثلاثين تحمل شهادة الدبلوم في التمريض ويعمل زوجها الذي يحمل شهادة البكالوريوس في الادارة والاقتصاد عاملا بأجر يومي في ميناء ابو فلوس ( كجول) مثله مثل اولئك الاميين رفاقه، بينما ينعم الجهلاء والاغبياء بالملايين –اقترب منها قائلا :" استحي يا مرة احنا جاي انجاهد وبنتج هسه وصلت للجنة مثل جماعتنا التي ينكتلون"!!!!!!!! .
ام امل فقدت السيطرة على نفسها وقالت :" يمكن البت راحت الجنة لانها طفلة،بس انتوا وربعك النار قليلة بحقكم " ، ثم بصقت عليه ، سحب مسدسه، واطلق رصاصة على ام امل مرديها قتيلة، ملتحقة بابنتها .
الغداء وسبل المعيشة بدأت تنفذ من البصريين المحاصرين في بيوتهم ، فهو يخشون الخروج للشارع بسبب العمليات العسكرية، حيث يختبئ المسلحين بين المنازل ويطلقون بين الفينة والاخرى النار على رجال الجيش ويعاودون الاختباء بين المنازل ، وحتى وان هدأت العمليات ، وتوقفت على حد قول ابو كريم (معلم من منطقة الابلة) فانهم لا يستيطعون الخروج للشارع لاسباب اهمها قيام المسلحين بزراعة العبوات الناسفة في اغلب الشوارع الرئيسية والفرعية في المنقطة وباقي المناطق ، ومن ان المحلات والاسواق مغلقة ، ولاتوجد هناك اسواق .
واضاف ابو كريم قائلا:" الطعام بدأ ينفذ وكذلك الماء الصالح للشرب، وماء الغسل منقطع منذ يومين او اكثر، نحاول ان نقتصد بالاكل، حتى السباحة قللناها ونحن في البيت لان عددنا كبيرعملنا يانصيب للاقتصاد بالماء، فكل اثنان يفوزان بالقرعة سوف يستحمان والبقية تنتظر دورها لليوم الثاني ، لا اعرف كم سوف يبقى الماء لدينا ، والطعام .
وليس ببعيد من المنطقة التي يسكنها ابو كريم في الابلة، وبالتحديد في منطقة المعقل، هجمت بعض العوائل على قاعدة الاباتشي البريطانية سابقا ( مديرية تدريب الشرطة حاليا) من اجل الحصول على بعض الطعام او المعلبات او صمون الجيش من اجل تناوله ، بينما سرق البعض الاخر السيارات او المعدات ، وحمل المسلحين الاسلحة وخرجوا .
وشهدت مناطق الداكير وسوق الجملة والحكيمية علميات نهب واسعة للمحال التجارية من قبل البصريين الجياع الذين تضرروا جراء شحة الغذاء في المدينة التي فرض عليها حظرا للتجوال جراء العمليات العسكرية.
مصدر امني في قيادة عمليات البصرة اوضح ان الحكومة تفكر بالحصول على بعض الاغذية والمعلبات والطعام والفواكة من الحاويات المطروحة في ميناء ابو فلوس العائدة لبعض التجار وتوزيعها على الناس، وتعويض التجار بعد انتهاء العمليات.
واضاف ان الحصول على هذه الكميات ممكن لكن الصعوبة في كيفية الوصول للعوائل ، لاننا نعرف ان المسلحين زرعوا الشوارع فلا نستطيع ان نضحي بجنودنا ، ولا بالعوائل التي قد تخرج ويتعثر احدهم بالعبوات الناسفة، ليقتل، وتوقع ضحايا بين الابرياء ، اننا ندرس الخطط والافكار وقد نصل الى نتيجة في هذا الموضوع قريبا .
واضاف قائلا :" لكن يبدو ان المسلحين يخططون لتجويع الناس وسمعنا عن هذا الامر عصر الاربعاء ، حيث دخلت سيارات بطة السوق في قضاء الزبير، وهو السوق الذي بقى عاملا طوال الايام الماضية ،وفتحوا النار بالهواء الامر الذي اجبر اصحاب المحال التجارية والباعة المواطنين للفرار ولا اعتقد ان السوق سوف يفتح ابوابه ، قريبا ، انهم يطبقون خطة لجعل المواطن يطالب الحكومة انهاء الحملة ، فهم لا يفكرون بالناس" .
صديقي سمير ينوي حمل بعض المواد الغذائية واستغلال سيارة اخيه من الزبير الى ابعد منطقة يمكن ان يصل اليها من اجل ايصال هذه المواد الى اهل خطيبته في منطقة الجمهورية التي تشهد وضعا امنيا مترديا ، مشيرا الى نفاذ دواء السكر لدى والدة خطيبته.
سمير قد يناله رصاص المسلحين ويمكن ان يقتل او يقع في قبضة رجال الجيش ليسجن ومن ثم يتم سؤاله عن وجهته الحقيقية حتى يفرج عنه ، وقد يصل سالما الى منزل حبيبة الامس ، خطيبة اليوم، وزوجة المستقبل المجهول ، وفي حال وصوله عليه القيام بسفرة اخرى يتحدى بها الصعاب للعودة لبيت اهله. انها من حكاية الف ليلة وليلة، بل من حكاية الف حرب وحرب شهدتها البصرة ، كان المواطن وسيبقى الضحية الاولى ، و(( كفى الله المومنين القتال )) .
المصدر : الملف برس - الكاتب: الملف برس