العلامة المرجع فضل الله و الشيخ المفيد في كتابة " تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد "
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...ics/sayiid.gif
مع الشيخ المفيد في كتابه "تصحيح الاعتقاد"
قد تكون قيمة هذا الكتاب «تصحيح الاعتقاد» ـ في عنوانه ـ باعتبار انّه يثير امامنا مسألة مهمة، وهي أن كتب الاعتقاد، المؤلفة من قبل علماء المسلمين الشيعة ـ لا تمثل الفكرة النهائية الحاسمة في اعتقادات الشيعة لانها انطلقت من اجتهادات هؤلاء العلماء في فهم القواعد والنصوص التي يحفل بها التراث الشيعي في الكلام والتفسير والفقه ونحوه، الامر الذي يترك المجال واسعاً للدخول في مناقشة هذه الاعتقادات الاجتهادية من دون مشكلة لا سيما إذا عرفنا ان هذه الاعتقادات لم تؤسس كبرنامج عقيدي منهجي على مستوى القاعدة العامة من قبل الائمة عليهم السلام الذين هم المراجع للشيعة في التفاصيل العقيدية التي قد يختلف فيها الشيعة عن السنة ـ بل كان الحديث عنها ـ في الغالب - كردّ فعل للاتهامات الموجهة للشعية في عقائدهم في كلمات الاثارة التي يحاول البعض تحريكها في مواجهة الخط الاسلامي الذي يسيرون عليه في خلافهم للمسلمين الآخرين لايحاء بانحرافهم عن الاستقامة في الدين.
وفي ضوء ذلك قد نحتاج في كل مرحلة من مراحل نمونا الفكري ان نضع تراثنا العقيدي الاجتهادي في نطاق البحث والمناقشة. فقد نكتشف خطأ في اجتهاد، وانحرافاً في تصوّر، وضعفاً في حديث مما يؤدي إلى تصحيح بعض ما اخذ الناس به من عقائد. وقد نلاحظ ـ كما لاحظ الشيخ المفيد في كتابه ـ ان مؤلفي الاعتقادات كانوا خاضعين للسطحية في فهم هذا الحديث أو ذاك ـ أو مخطئين في توثيق رواية لا وثاقة لرواتها، أو منطلقين في استنتاجهم لترجيح رواية على رواية معارضة لها.
وربما كانت ضرورة هذا اللون من المناقشة واعادة النظر في امثال ذلك، منطلقة من شياع هذه الاجتهادات العقيدية لدى العامة، وتأثيرها السلبي على النظرة الاخرى للتشيع في هذه التفاصيل البعيدة عن التوازن في النظرة وفي النتائج.
وقد يخضع الناس في بعض المراحل التاريخية المتأخرة لتقديس العلماء المتقدمين، لا سيما إذا كانوا من المؤسسين للمذهب في نتاجهم العلمي، فيتهيبون مناقشتهم وتخطئة اجتهاداتهم بحجة قربهم من زمان الائمة المعصومين(ع) مما يجعل افكارهم قريبة من مواقع الحقيقة التي لا تبتعد مصادرها عنهم كثيراً بالحجم الذي تبتعد به عنا، أو بحجة المستوى العلمي الكبير الذي يتضاءل امامه علم المتأخرين.
ولكننا عندما ندرس نتاج امثال هؤلاء الاعلام، فاننا لا نجد هناك اشياء خفية، مما يعلمونه من مصادر الفكر، كما لو كانت اسراراً غامضة اختصوا بها، بل نجد الادلة التي يقدمونها على هذه الفكرة أو تلك، أو على هذا الحكم الشرعي أو ذاك، لا تختلف عن الادلة التي يملكها العلماء المتأخرون في خضوعها لاكثر من اجتهاد أو فهم، فلا يبقى هناك فرق بين المتقدمين والمتأُخرين في مواجهة هذه الاحاديث، أو القواعد العامة.
وإذا كنا نلاحظ اختلاف اصحاب الائمة في فهمهم للقضايا المرتبطة بموقع الامئة وصلاحياتهم، فكيف يمكن ان نظن بأن القرب من زمانهم يمثل صفاء الحقيقة فيما يلتزمه الناس الذين يعيشون معهم أو يقتربون من مرحلتهم، مما يجعل المسألة خاضعة في كل مرحلة للاجتهاد في العقيدة، في تفاصيلها ومفرداتها، تماماً كما هو الاجتهاد في الشريعة في مسائلها الفرعية.
اننا عندما نواجه الخلاف الذي دار بين محمد بن ابي عمير وبعض رجال هشام ابن الحكم في مسألة ما يملكه الائمة من امر الدنيا وذلك فيما حكاه السندي بن الربيع حيث قال على ما نقل عنه ان ابن ابي عمير لم يكن يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغيب عن اتيانه ثم انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك، ان ابا مالك الحضرمي كان احد رجال هشام وقع بينه وبين ابن عمير ملاحاة في شيء من الامامة، قال ابن ابي عمير: ان الدنيا كلها للامام على جهة الملك وانّه اولى بها من الذين في ايديهم، وقال ابو مالك: املاك الناس لهم الا ما حكم الله به للامام من الفيء والخمس والمغنم فذلك له، وذلك ايضاً، قد بين اله للامام عليه السلام، اين يضعه وكيف يصنع به، فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه فحكم هشام لأبي مالك بن أبي عمير فغضب بن ابي عمير وهجر هشاماً بعد ذلك(1).__مصباح الفقيه، كتاب الخمس، ص 108، للشيخ رضا الهمداني.
ان اختلاف النظرة إلى مثل هذه التفاصيل في قضية الامامة بين شخصيتين بارزتين كابن ابي عمير وهشام يوحي بان الواقع الشيعي كان خاضعاً للاختلاف الاجتهادي، حتى في زمان الائمة(ع).
ومن خلال ذلك قد نجد من الضروري مناقشة الكثير من هذه الافكار دائماً انطلاقاً من اختلاف الاخبار من حيث السند والمتن، لان الخطورة تتمثل في القضايا المتصلة بالعقيدة التي لا يكفي فيها اخبار الاحاد بل لابد ـ معها ـ من التوفر على الدلائل الواضحة في تأكيد الفكرة لا سيما مع الفوضى التي احاطت بالاحاديث الواردة عن الائمة(ع) من وضاع الحديث الذين كانوا لا يكتفون بنقل الاحاديث الموضوعة بشكل مباشر، بل كانوا يدسونها في كتب اصحاب الائمة الموثوقين كزرارة ومحمد بن مسلم وامثالهما، ليدخل الحديث الموضوع إلى الذهنية الإسلامية العامة من خلال هؤلاء الثقاة الذين لا يدخل الريب إلى ما ينقلونه عن الائمة انطلاقاً من وثاقتهم الامر الذي يفرض الكثير من التوقف عند هذا اللون من الحديث المتصل بتفاصيل العقيدة، سواء من ناحية ما يحيط بالسند من علامات استفهام متنوعة أو ما يوحي به المتن من التساؤلات.
اننا نعتقد ان حركة الاجتهاد الاسلامي الشيعي لابد ان تواجه مسألة التفاصيل العقيدية بنفس القوّة والدرجة التي واجهت بها مسألة التفاصيل الشرعية في فروع الاحكام.وإذا كانت المشكلة التي واجهها امثال الشيخ المفيد في ملاحظاتهم على اعتقادات امثال الشيخ الصدوق، هو الخوف على العقيدة الشيعية من الفهم السطحي الذي يترك آثاره السلبية على النظرة العامة لها من قبل المخالفين لها من اهل السنة، على اساس التحديات الفكرية التي يطلقونها في مواجهة الشيعة، في اتهامهم لهم بالخروج عن القواعد الإسلامية الثابتة واثارة النكير عليهم في ذلك، الامر الذي يفرض تصحيح الخطوط العقيدية من قبل العلماء المختصين، فان التحدي الكبير الذي يواجه الشيعة في المرحلة الحاضرة هو الافكار التي يثيرها العلمانيون من الملحدين وغيرهم امام التفكير الشيعي في مناقشاتهم الفكرية التي تختلف اتجاهاتها ومناهجها، اختلافاً كثيراً عما يألفه المنهج الكلامي المتبع في تأصيل الفكر العقيدي، مما يجعل الخطورة اكثر تأثيراً في النتائج السلبية التي تدخل في عمق الواقع من الداخل والخارج وهذا هو ما يجعل لكتاب «تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد»، قيمته الفكرية والعملية، في التخطيط للجرأة العلمية في مناقشة التفكير العقيدي للعلماء الكبار من دون التوقف امام العناوين الكبرى للدرجة التي تمثلها هذه الشخصية أو تلك، لان القداسة للفكر، لا للمفكرين، لان قيمتهم تابعة لقيمة فكرهم الذي لا يتصل بموقعهم الذاتي، بل يرتبط بالخط العام للعقيدة التي يقدمونها للناس من خلال اجتهاداتهم العلمية.
------------------------------------
الحلقة القادمة ...ماهي نظرة الشيخ المفيد الى اراء الشيخ الصدوق العقيدية من الناحية العلمية ؟
العلامة المرجع فضل الله و الشيخ المفيد في كتابة " تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد "
الجزء الثاني..
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...ics/sayiid.gifماهي نظرة الشيخ المفيد الى اراء الشيخ الصدوق العقيدية من الناحية العلمية ؟
اننا نجد في ملاحظات الشيخ المفيد على الشيخ الصدوق، انّه(الصدوق) لا يدقق في مضمون الحديث ليقارن بينه وبين الاحكام العقلية القطعية، أو المدلول القرآني الذي هو الاساس في تصحيح الاحاديث ومعرفة صحيحها من سقيمها، بل يأخذ الحديث جملة وتفصيلاً من دون محاكمة وتدقيق، وقد لا يتوقف امام توثيقه من ناحية السند فيأخذ في بعض الحالات، بالاحاديث الشاذة.فنجد في تعليقه على كلام الصدوق في افعال العباد، قوله: «الذي ذكره ابو جعفر قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضي الاسناد، والاخبار الصحيحة بخلافه»(1).
ويتابع في موضع آخر فيقول: «وكتاب الله مقدم على الاحاديث والروايات وإليه يتقاضى في صحيح الاخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه»(2).ويتحدث عنه في فصل «المشيئة والارادة» فيقول: «ألذي ذكره الشيخ ابو جعفر في هذا الباب لا يتحصل ومعانيه تختلف وتتناقض والسبب في ذلك انّه عمل على ظواهر الاحاديث المختلفة ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق والباطل ويعمل على ما يوجب الحجة، ومن عوّل في مذهبه على الاقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حالته في الضعف ما وصفناه» (3).ويزداد اسلوب المفيد عنفاً في نقده للصدوق في قوله ـ تعليقاً على تفسير آيات القضاء والقدر «عمل ابو جعفر في هذا الباب على احاديث شواذ يعرفها العلماء متى صحت وثبت اسنادها ولم يقل فيه قولاً محصلاً، وقد كان ينبغي له، لما لم يكن يعرف للقضاء معنى ان يهمل الكلام فيه» (4).ويشتد في عنفه في فصل «النفوس والارواح» في قوله: «كلام ابي جعفر في النفوس والروح على مذهب الحدس دون التحقيق، ولو اقتصر على الاخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان اسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه» (5).ويقول في موضع آخر من النص: «وما كان ينبغي لمن لا معرفة له بحقائق الامور ان يتكلم فيها على خبط عشواء والذي صرّح به ابو جعفر في معنى الروح والنفس وهو قول التناسخية بعينه من غير ان يعلم انّه قولهم بالجناية بذلك على نفسه وعلى غيره عظيمة» (6).وجاء في موضع آخر قوله: «والذي حكاه وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين زعموا ان النفس لا يلحقها الكون والفساد وانها باقية، وانما تفنى وتفسد الاجساد المركبة، والى هذا ذهب بعض اصحاب التناسخ وزعموا ان الانفس لم تزل تتكرر في الصورة والهياكل لم تحدث ولم تفن ولن تعدم وانها باقية غير فانية، وهذا من اخبث قول وابعده عن الصواب، وبما دونه من الشناعة والفساد شنّع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم إلى الزندقة، ولو عرف مثبته بما فيه لما تعرض له ولكن اصحابنا المتعلقين بالاخبار اصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة يمرونعلى وجوههم فيما سمعوه من الاحاديث ولا ينظرون في سندها ولا يفرقون بين حقها وباطلها ولا يفهمون ما يدخل عليهم في اثباتها ولا يحصلون معاني ما يطلقونه منها» (7).وجاء في نص آخر قوله: «فأما قطع ابي جعفر بن وعلمه على اعتقاده فهو يستند إلى ضرب من التقليد ولسنا من التقليد في شيء» (8).اننا نلاحظ ان الشيخ المفيد لا يحترم طريقة الشيخ الصدوق في الاخذ بالاحاديث لانه (الصدوق) لا يدقق في اسانيدها بل يعتمد على شواذها، كما انّه لا يملك القدرة على تحصيل معانيها لانه باب يضيق عنه سلوكه، فقد كان من مسؤوليته العلمية ان يعرض الاحاديث على كتاب الله الذي هو المرجع في تصحيح الاحاديث وهو المقدم عليها، فيما يخالفه منها، ولكنه لم يفعل ذلك، مما فرض عليه الالتزام بما يخالفه كتاب الله. وكان من المفروض عليه ان يدقق في آرائه واستنتاجاته ليتعرف حقائق الامور ولا يخبط فيها خبط عشواء فيؤدي به ذلك إلى الالتزام بالاقوال المضادة للخط الاسلامي في مذهب اهل البيت، وهو قول التناسخية مما يترك تأثيراته السلبية على الخط العقيدي وعلى السائرين عليه وهذا هو ما يأخذه على اصحاب الحديث الذين وصفهم بالسذاجة والبعد عن موقع الوعي، وقلة الفطنة، فهم يتعبدون بكل حديث من دون النظر في سنده، والتدقيق في حقه وباطله، والتعرف على ايجابيات نتائجه وسلبياته، والانتباه إلى اللوازم الباطلة الناتجة من ذلك كله، مما يوجب الاضرار بدينهم من حيث لا يشعرون، فهم يعملون بظواهر الالفاظ ويعدلون عن طريق الاعتبار فيضلون من حيث لا يعلمون.وإذا كان الشيخ المفيد (قده)، ينقد اصحاب الحديث في منهجهم الفكري ويتهمهم بالتقليد للرواة، وبالتقديس للحديث بقطع النظر عن مضمونه وعن سنده، وبالبعد عن الدراسة المقارنة بين الحديث، والقرآن والعقل، فان ذلك يمثل المنهج الذي لابد من التركيز عليه لمعرفة قواعده وابعاده، لان المسالة لا تخلو من الدقة والالتباس. فهل يكفي في الاخذ بالحديث صحة سنده من دون ملاحظة الاحتمالات المحيطة به في اجواء الخلافات الفكرية في زمن صدوره مما قد يدفع ببعض اصحاب الاتجاهات المختلفة إلى وضع الاحاديث التي تتناسب مع تفكيرهم فيخفف ذلك الثقة به. وهل يكفي في الاعتماد على مضمونه، ان لا يكون مستلزماً للمحال ـ عقلاً ـ بالمعنى المطلق، من دون دراسة طبيعته في امكاناته الواقعية، ومدى انسجامه مع الجانب العملي في المسألة.اننا نلاحظ ـ في منهج الشيخ المفيد العقلي في الاخبار ـ ان يكون المضمون مما تجوزه العقول ولا تنكره، ان تصح الاخبار المتضمنة له، كما ورد في كتابه اوائل المقالات في موضوع معرفة الائمة بجميع الصنائع.قال: «انّه ليس يمتنع ذلك منهم ولا واجب من جهة العقل والقياس وقد جاءت اخبار عمن يجب تصديقه بان ائمة آل محمد(ع) قد كانوا يعلمون ذلك، فان ثبت وجب القطع به من جهتها على الثبات ولي في القطع به منها نظر والله الموفق للصواب وعلى قولي هذا جماعة من الامامية» (9).ولكن التأمل يفرض علينا ـ بالاضافة إلى ذلك ـ ان نجد تفسيرا للمضمون الفكري من حيث انسجامه مع طبيعة الاشياء المتصلة بالمضمون وذلك ما هو الحديث عن مسالة الولاية التكوينية التي يذهب اليها الكثيرون من علماء الامامية انطلاقاً من الاحدايث الدالة على ذلك، ومن عدم وجود اية ممانعة عقلية في تجويزها، فقد يبرز سؤال في ذلك، عن ضرورتها، ما دامت الرسالة التي امروا بالحفاظ عليها، كما امر النبي(ص) بتبليغها لا تفرض ذلك، وما داموا لم يمارسوها في حياتهم بشكل وبآخر، لا سيما ان النبي(ص) ينفي عن نفسه هذه القدرة فيما حدثنا القرآن عنه في جوابه للمشركين الذين اقترحوا عليه القيام ببعض الافعال الخارقة للعادة وذلك بقوله (سبحان ربي هل كنت الا بشراً رسولا) (الاسراء:93) مما يوحي بان الرسولية لا تفرض وجود مثل هذه القدرة في دوره ومهمته.وهكذا نجد السؤال يفرض نفسه في الاحاديث التي تدل على ان الله خلق الكون لأجلهم، فاننا لا نستطيع ان نجد له تفسيراً معقولاً حتى على مستوى وعي المضمون في التصور الفكري، فهل القضية واردة في نطاق التشريف، أو في نطاق الدور الرسالي، أو في نطاق الهدية أو ما إلى ذلك.ان القضية ليست في الحديث عما هو الممكن والمستحيل في الجانب التجريدي من حيث الحكم العقلي، بل هي في ايجاد المبررات الواقعية للمضمون على اساس العلاقة بين النبوة أو الامامة وبين هذه الامور وإذا كان البعض يتحدث بأن ما لا نفهمه من هذه الامور لابد ان يرد علمه إلى اهله، فان ذلك يفرض علينا اهمالها وعدم اعتبارها من اصول العقائد باعتبار ان العقيدة لابد ان تمثل وعياً في الفكر وقناعة في الوجدان.
ويحدثنا الشيخ المفيد في كتابه في «أوائل المقالات»، عن اختلاف علمـاء الامامية في تفسير معنى الرجعـة(10) التي اتفقوا عليها من ناحية المبدأ، فقد كان جماعة من الشيعة يؤولون الاخبار الواردة في الرجعة على طريق الاستفاضة إلى رجوع الدولة ورجوع الامر والنهي إلى الائمة(ع) والى شيعتهم واخذهم بمجاري الامور دون رجوع اعيان الاشخاص كما نقل ذلك السيد المرتضى عن جماعة من الشيعة تأولوا الرجعة بذلك.وإذا كان محققوا الشيعة قد رفضوا هذا التأويل لعدم لزوم محال عقلي في هذا الموضوع، فاننا نتصور ان هؤلاء القوم لم ينطلقوا في تأويلهم من الاستحالة العقلية لان الرجعة ليست اشد صعوبة من البعث ولكنهم انطلقوا من الفكرة التي تثير التساؤل حول ضرورة ذلك فاذا كان المقصود الانتصاف للمظلومين من الظالمين وغلبة المحقين على المبطلين، فان ذلك حاصل في يوم القيامة، وإذا كانت القضية هي اظهار الحق على الباطل، وبسط العدل في الكون فان وجود الدولة المهدية الشاملة كفيل بذلك، وإذا كانت المسالة تحقيق الامنيات في دولة الحق للمؤمنين وشفاء غيظهم من معاصريهم من المبطلين فيما يمكن ان تحققه الرجعة من حصول الاماني وشفاء الغيظ، فان يوم القيامة يحقق ذلك بأعظم مما يحدث من خلال الرجعة لانه يتصل بالمصير الابدي في النعيم والشقاء.ان المسألة ليست مرتبطة بالامكان والاستحالة، بل هي مرتبطة بالمبررات العملية الواقعية في ضرورة ذلك، مما يجعل التأويل اكثر قرباً للالتزام بالاحاديث من ابقائها على ظاهرها، لا سيماعند مواجهة التحديات الفكرية في هذه المسألة التي لا تمثل ـ في طبيعتها ـ اصلاً في اصول العقيدة.
_________________________________
1- تصحيح الاعتقاد، ص 27 ـ 28.
2- المصدر السابق، ص 304.
3- المصدر السابق، ص 34 - 35.
4- المصدر السابق، ص 39.
5- المصدر السابق، ص 63.
6- المصدر السابق، ص 68.
7- المصدر السابق، ص 69.
8- المصدر السابق، ص 101.
9- اوائل المقالات، ص 37 ـ 38.
10- اوائل المقالات، ص 13.
---------------------------------------------------------------------------
الجزء الثالث : ماهي مبررات الشيخ المفيد العلمية في انتقاده لاراء الشيخ الصدوق؟.
العلامة المرجع فضل الله و الشيخ المفيد في كتابة " تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد "
الجزء الثالث
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...ics/sayiid.gif الشيخ المفيد مفسّراً في انتقاده للشيخ الصدوق.
لقد اثار الشيخ المفيد بعض التعليقات والملاحظات النقدية على تفسير الشيخ الصدوق لبعض الآيات المتصلة بالجانب العقيدي من وجهة نظره، فقد لاحظ على تفسير الشيخ الصدوق قوله تعالى (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) (ص: 17) فقال: ذو القوة.
فلاحظ عليه بقوله: وفيه وجه آخر وهو ان اليد عبارة عن النعمة قال الشاعر:
له عليّ أياد لست أكفرها***وانما الكفر ان لا تشكر النعم
فيحتمل ان قوله تعالى (داود ذا الابد) ان يريد به ذا النعم، ومنه قوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) (المائدة: 64) يعني نعمتيه العامتين في الدنيا والآخرة(1).
ونلاحظ على ذلك، ان السياق لا ينسجم مع التفسير لان الآيات التالية تتحدث عن القوة التي يملكها داود في تجاوب الجبال والطير معه من خلال تأثيره عليها في تسبيحها معه وفي شدّ ملكه والهامه الحكمة وفى الكلمة الفصل التي يحسم بها الامور، وفي الانة الحديد. مما يجعل المسألة بعيدة عن عالم النعمة في معناها المنفتح على العطاء للآخرين، وبذلك يختلف المعنى المراد منها عن قول الشاعر.
اما كلمة (بل يداه مبسوطتان) فهي ليست واردة على سبيل المعنى المجازي من خلال المدلول المطابقي، بل هي واردة على سبيل الكناية باعتبار ان اليد المبسوطة اداة للنعمة الامر الذي يجعل فهم المعنى منها على اساس ان العطاء ينطلق عادة من اليدين في الإنسان عندما يكون منفتحاً على الخير كله ولذلك فان التثنية ليست مراده في المعنى المقصود بل هي تعبير عن الاداة الطبيعية للعطاء الذي تنطلق منه النعمة، كرد على قول اليهود في قوله تعالى: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء).
وفي كلتا الحالتين فان ذلك لا يغير شيئاً من الفكرة في الرد على المجسمة الذين يحملون الكلمات على ظاهرها في نسبة الاعضاء إلى الله فان الجو المحيط بالآيتين لا ينسجم مع ما يحاولون من تأكيد مزاعمهم.
وفي قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) (ص: 72). قال الصدوق: «هي روح مخلوقة اضافها إلى نفسه كما اضاف البيت إلى نفسه وان كان خلقاً له».
وجاء تعليق الشيخ المفيد، قال: «ليس وجه اضافة الروح إلى نفسه والبيت إليه من حيث الخلق فحسب، بل الوجه في ذلك التمييز لهما بالاعظام والاجلال والاختصاص بالاكرام والتبجيل من جهة التحقيق بهما، ودل بذلك على انهما يختصان بكرامة واجلال لم يجعله لغيرهما من الارواح والبيوت فكان الغرض من ذلك دعاء الخلق إلى اعتقاد ذلك لهما والاعظام لهما به»(2).
ونلاحظ على ذلك انّه يتفق مع الشيخ الصدوق، ان الروح في الآية مخلوقة اضافة إلى نفسه، ولكنه يختلف معه في وجه النسبة فليست هي الخلق فحسب، بل هي التمييز والاعظام والاجلال.
ولكننا نرى انّه كناية عن بث الحياة فيه من خلال قدرته، فليس المراد ـ والله العالم ـ ان هناك روحاً نفخها الله في هذا الطين فأودعها فيه بل المراد انّه منحه الحياة بقدرته وهذا هو سر النسبة في التعبير الكنائي من حيث انطلاقها من ذاته وهذا تماماً كما يقول الشاعر والفنان عن قصيدته أو تمثاله، انها من ذوب روحه أو انّه وضع فيها قطعة من روحه على نحو الكناية باعتبار ما اودعه فيها من ابداعه الفني.
اما نسبة البيت لله فلأنه المكان الذي يلتقي فيه العباد لعبادة الله، تماماً كما ينسب البيت إلى الشخص الذي يقصده الناس فيه ليطلبوا حوائجهم منه هناك.
ونلتقي مع الشيخ الصدوق في «تفسيره قوله تعالى: (ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي) (ص: 75) ان المراد: بقدرتي وقوتي»، فيجعل مدلول اليدين القوة والقدرة.
ويبادر الشيخ المفيد في التقاط الملاحظة السريعة ليسجل عليه انّه يفيد تكرار المعنى فكأنه قال: «بقدرتي وقدرتي أو بقوتي وقوتي اذ القدرة هي القوة والقوة هي القدرة»، ثم يختار لليدين معنى النعمتين اللتين هما في الدنيا والآخرة فكأنه قال خلقت ليدي يريد به لنعمتي كما قال: (وما خلقت الجن والانس إلاّ ليعبدون) (الذاريات: 56) والعبادة من الله تعالى نعمته عليهم لانها تعقبهم ثوابه تعالى في النعيم الذي لا يزول(3).
ونلاحظ عليه.. ان كلمة بيدي جاءت بالباء لا باللام، مما يوحي بالاداة، لا بالغاية، كما ان المورد لا يناسب النعمة لانه في مقام علاقة المخلوق بالله من موقع القدرة والابداع الذي يوحي بالعظمة في تكوينه من خلال عظمة الخلق مما يقتضي السجود تحية له وتعظيماً لخلقه فيكون ذكر اليدين من باب الاستعارة انها اداة الايجاد في الحالات الطبيعية الإنسانيّة كما ان تفسير العبادة بالنعمة لا وجه له، الا من خلال كونها مصداقاً للنعمة باعتبار النتائج المترتبة عليها، لا مفهوماً لها.
لذلك كان الاولى هو الوجه الاخير الذي ذكره وهو «ان اضافة اليدين إليه انما اريد به تحقق الفعل له وتأكيد اضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما».
ثم نلاحظ التقاء الصدوق والمفيد، في قوله تعالى: (يخادعون الله وهو خادعهم) (النساء: 142) وقوله: (نسوا الله فنسيهم) (التوبة: 67) (ومكروا ومكر الله) (آل عمران: 55) (الله يستهزىء بهم) (البقرة: 16) فيتوافقان ان العبارة بذلك كله عن جزاء الافعال، ولكن المفيد يلاحظ عليه انّه لم يذكر الوجه في ذلك وهو ان العرب تسمي الشيء باسم المجازي عليه للتعلق فيما بينها والمقارنة فيما بينهما فلما كانت المجازى عليها مستحقة لهذه الاسماء كان الجزاء سمي باسمائها قال الله تعالى: (ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً) (النساء: 10) فسمى ما يأكلون من الطيبات تسمية النار وجعله ناراً لان الجزاء عليه النار(4).
ونلاحظ عليه، ان الظاهر ورود هذه التعابير مورد الاستعارة في مقام اعطاه المعنى اسم الشيء الذي يشبهه تماماً كاستعمال المكر والاعتداء في الحديث عن مكر الله، والاعتداء على رد الفعل على العدوان والاستهزاء في التصرف معهم على نحو تصرف المستهزىء في النتيجة والنسيان في اهمال امرهم ووجودهم كما لو كان ناسياً لهم.. فليست واردة على نحو المجاز المرسل.
وقد يصل الامر في تفسير المفيد إلى مستوى الغرابة عندما يفسر النسيان في قوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) ان المراد به ـ في اللغة ـ هو الترك والتأخير «قال الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (البقرة: 107) يريد ما ننسخ من آية أو نتركها على حالها أو نؤخرها، فالمراد بقوله تعالى: (نسوا الله) تركوا طاعة الله. وقوله: (فنسيهم) يريد به تركهم من ثوابه، وقوله تعالى: (انساهم انفسهم) (الحشر: 19) اي الجأهم إلى ترك تعاهدها ومراعاتها بالمصالح بما شغلهم به من العقاب»(5).
ونلاحظ عليه ان الترك ليس معنى «للنسيان» فهو يرادف الغفلة عن الشيء أو يلازمه ليكون الترك في بعض الحالات أو الاهمال في بعض آخر من نتائجها العملية ولا وجه لتقدير ترك طاعة الله في تفسير (نسوا الله) لانه تقدير لا دليل عليه بل الظاهر ان المراد به هو الغفلة عنه تماماً كما لو كانوا لا يحسون بوجوده فيهملون كل ما يتصل به من المسؤوليات التي تتعلق بهم، اما نسيان الله لهم، فهو التعبير الحي عن اهماله لهم، ليكونوا كمية مهملة لا يعتني بها كما لو لم تكن موجودة.
ان الملحوظ في هذه الموارد التفسيرية للشيخ المفيد انّه يؤكد على المدلول الحرفي للكلمة، حقيقة ومجازاً، ويتابع كلمات اهل اللغة من دون تحليل، ولا ينفتح على الجانب البلاغي الفني للنص القرآني لان منهجه العقلي قد يوحي إليه بالتركيز على المعنى اللغوي بشكل جامد لا بطريقة فنية موحية متحركة.
ونتابع الامثلة التفسيرية في مواقع الكتاب فنراه يعالج مسالة خلق الافعال التي يؤكد الصدوق انها مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين فينكر عليه ذلك وينسب رأيه إلى حديث غير معمول به ولا مرضي الاسناد والاخبار الصحيحة بخلافه.
ثم يقول: «وكتاب الله مقدم على الاحاديث والروايات وإليه يتقاضى صحيح الاخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه».
ويستشهد لرأيه في نفى خلق الله للافعال بقوله تعالى: (الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) (السجدة: 7). فخبر بأن كل شيء خلقه فهو حسن غير قبيح فلو كانت القبائح من خلقه لها في ذلك لما حكمبحسنها.. وفي حكم الله تعالى بحسن جميع ما خلق شاهد ببطلان قول من زعم انّه خلق قبيحاً.
ويستشهد ـ على هذه المسألة بقوله تعالى (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (الملك: 3) فنفى التفاوت عن خلقه، وقد ثبت ان الكفر والكذب متفاوت في نفسه والمتضاد من الكلام متفاوت فكيف يجوز ان يطلقوا على الله تعالى انّه خالق لامثال العباد وفي افعالهم من التفاوت والتضاد ما ذكرناه(6).
ونلاحظ على ذلك، ان الظاهر من الآية الاولى من احسانه خلق الاشياء، التناسب في الموجودات ـ والظاهر ارادة العينية منها ـ بقطع النظر عن طبيعة المخلوق في تأثيراته ونتائجه السلبية والايجابية فان الله قد احسن خلق الكافر والشرير في طبيعة وجوده التي قد تترك خصوصياته بعض الآثار السلبية على الواقع.
كما ان نفي التفاوت في خلق الرحمن ينطلق من استقامة المخلوقات بعدم وجود خلل فيما خلقه الله من اعيان الموجودات بقرينة قوله تعالى بعد ذلك (فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً وهو حسير) (الملك: 3 ـ 4) فلا علاقة له بالافعال في طبيعة آثارها من قريب أو من بعيد.
وجاء في فصل المشيئة والارادة، رداً على من استدل من المجبرة بقوله تعالى: (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً) (الانعام: 125).
قال: فليس للمجبرة به تعلق ولا فيه حجة من قبل ان المعنى فيه ان من اراد الله تعالى ان ينعمه ويثيبه جزاءً على طاعته شرح صدره للاسلام بالالطاف التي يجسده بها فييسر له بها استدامة اعمال الطاعات، والهداية في هذا الموضع هي النعيم.
قال الله تعالى فيما خبّر به عن اهل الجنة (الحمد لله الذي هدانا لهذا) (الاعراف: 43) اي نعمنا به واثابنا اياه والضلال في هذه الآية هو العذاب قال الله تعالى: (ان المجرمين في ضلال وسعر) (القمر: 47)، فسمى العذاب ضلالاً والنعيم هداية، والاصل في ذلك ان الضلال هو الهلاك، والهداية هي النجاة.
قال الله تعالى حكاية عن العرب: (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد) (السجدة: 10) يعنون إذا هلكنا فيها وكان المعنى في قوله (فمن يرد الله ان يهديه) ما قدمناه وبيناه ومن يرد ان يضله ما وصفناه، والمعنى في قوله (يجعل صدره ضيقاً حرجاً) يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه ومنعه الالطاف جزاءً له على اساءته فشرح الصدر ثوب الطاعة بالتوفيق وتضييقه عقاب المعصية لمنع التوفيق وليس في هذه الآية ـ على ما بيناه ـ شبهة لأمل الخلاف فيما ادّعوه ان الله تعالى يضل عن الايمان ويصد عن الإسلام ويريد الكفر ويشاء الضلال(7).
ونلاحظ على هذه الاستفادة، اولاً: ان الظاهر من الآية انها واردة في مقام تصوير الحالة النفسية للانسان المهتدي وللانسان الضال بعيداً عما إذا كان فعل الله أو فعل العبد، أو فعلهما معاً، مع ملاحظة مهمة، وهي ان مثل هذه التعابير التي تنسب الاضلال والهداية إلى الله ليست واردة على سبيل الحقيقة، بل على سبيل الاسناد المجازي فيما يريد القرآن
الكريم ان يوحي به ـ في نفس الإنسان ـ من رجوع كل الافعال إلى الله سواء في ذلك الافعال المبشارة التكوينية كخلق السموات و الارض وغيرهما أو الافعال غير المباشرة كعملية الرزق والموت والحياة والضلال والهدى مما تتدخل فيه ارادة الإنسان واختياره في كثير من الحالات فيما سلطه الله عليه من مفردات القدرة وامكانات الاختيار، فيمكن نسبة الفعل إلى الله لانه السبب الاول للاشياء، فهو الذي اعطى الاسباب سببيتها، كما يمكن نسبته إلى الإنسان لانه السبب المختار فيه، وبذلك يكون التعبير بارادة الله للهدى أو للضلال على اساس ما اودعه في الكون وفي شخصية الإنسان من السنن التي توحي بالضلال تارة عندما يبتعد الإنسان باختياره عن وسائل الهدى، وتوحي بالهدى اخرى عندما يقترب من عناصر الايمان الاخرى.
وثانياً: ان ما ذكره من ان كون شرح الصدر للاسلام جزاءً على الطاعة، والضلال ـ الذي فسّر بالعذاب ـ جزاءً وعقوبة على عصيانه خلاف الظاهر جداً، وذلك لان الآية تتحدث عن مبدأ الإسلام والكفر من ناحية المبدأ في اختيار الإنسان لهذا أو ذاك، فهو سابق على الطاعة والمعصية في مجال الاعمال، ومنطلق في اتجاه نوعية تأثير الهدى والضلال في شخصية الإنسان وانفعاله بهما ذاتياً.
وثالثاً: ان تفسير الهدى بالنعمة وتفسير الضلال بالعذاب غير واضح لان المعنى اللغوي لهما لا ينسجم مع ذلك، ولا ظهور لقوله تعالى (الحمد لله الذي هدانا لهذا) في ارادة النعمة من الهداية، بل المراد به هو الدلالة عليه فتكون النعمة في النتيجة باعتبار ان الهداية تؤدي إلى رضوان الله والى جنته، ولعل تقيبه بقوله تعالى: (ما كنا لنتهدي لولا ان هدانا الله)، فان الاهتداء المنسوب إلى الإنسان هو الدلالة والتوفيق إليه وهكذا نجد قوله تعالى: (ان المجرمين في ضلال وسعر) في محاولته تفسير الضلال بالعذاب، بل قد يكون المراد به الضلال الايماني أو العملي في الدنيا والنار في الآخرة، وهكذا نفهم الآية الاخرى التي استشهد به على رأيه وهي قوله تعالى: (أإذا ضللنا في الارض أإنا لفي خلق جديد) فان المراد به التيه الذي يؤدي إلى الهلاك لانه لا يصير إلى اساس للنجاة فينتهي به الإنسان إلى الموت، على سبيل الكناية، وقد يكون المراد به كما يقول صاحب الكشاف، صرنا تراباً وذهبنا مختلطين بتراب الارض لا نتعين منه كما يضل الماء في اللبن أو غبنا في الارض بالدفن فيها واين هذه من الضلال الذي يقابل الهدى كحالة فكرية في وعي الإنسان وعقله.
ان المشكلة التي يواجهها العقليون في تفسير القرآن الكريم هي انهم ينطلقون في تفسيرهم من موقع رد الفعل لما يثيره الآخرون من المجبرة والمشبهة في طريقتهم في التفسير، فاذا كان اولئك يركزون على المعنى الحرفي اللغوي للكلمة كأساس لتفكيرهم، فان العقليين ـ امثال الشيخ المفيد ـ يبحثون عن المعنى الذى يمكن ان يكون مدلولاً للكلمة مما يصلح ان يكون رداً على اولئك، بقطع النظر عن الاجواء الفنية للآية، لان المطلوب هو اسقاط حجة المخالف، لا النظر المستقل إلى طبيعة الآية وهذه هي مشكلة التأويل العقلي الذي درج عليه الكثيرون من اصحاب المذاهب المتنوعة من علماء الكلام والمتصوفة والعرفانيين والفقهاء، بحيث يلاحظ الإنسان في الكثير من مداخلاتهم، ان القرآن يبتعد عن سياقه أو بلاغته أو مستواه الفني.
---------------------------
1- تصحيح الاعتقاد، ص 13.
2- المصدر السابق، ص 15 - 16.
3- المصدر السابق، ص 17 - 18.
4- المصدر السابق، ص 19 - 21.
5- المصدر السابق، ص 22 - 23.
6- المصدر السابق، ص 27 - 31.
7- المصدر السابق، ص 34 - 38.
---------------------------------
الجزء الرابع : نظرة تقييمية لاراء الشيخ المفيد العلمية في انتقاده لاراء الشيخ الصدوق؟