من يدفع للعراق؟-عبد الرحمن الراشد
من يدفع للعراق؟
عبد الرحمن الراشد
طرح توماس فريدمان، الكاتب اللامع، على حكومته فكرة وضع ضريبة على المواطنين الاميركيين بحيث يدفعون دولارا اضافيا على كل غالون بنزين يسكبونه في سياراتهم من اجل اعمار العراق، وقال انه سيموّل مشروع الاعمار المكلف جدا وكذلك سيخفف من استهلاك البنزين محليا.
هذه دعوة من رجل بعيد لا يجرؤ كاتب عربي على طرح مثلها على حكوماتنا العربية، أي فرض ضريبة او اقتطاع دخل من اجل دعم دولة عربية. لا نملك الشجاعة على أن نتحمل بأنفسنا الثمن، بل تعودنا على التهرب من الفواتير، واعتدنا على نقل المسؤولية على الكتف الآخر، فإخواننا الشوام والمصريون يقترحون دائما استخدام سلاح اموال النفط، لتمويل افكارهم السياسية، والخليجيون دائما يحرّضون المصريين والسوريين والفلسطينيين على المواجهة العسكرية.
وأتفق مع فريدمان من أن رئيسه وأركان حكومته لن يملكوا الشجاعة على فرض حتى سنت واحد، واحد في المائة من الدولار، ضريبة على مواطنيهم من اجل اعمار اي بلد كان، لأن الانتخابات على الابواب، لكن طرحه للفكرة، في حد ذاته، عمل خلاق وشجاع، واختلف مع فريدمان في تصوره ان دولارا آخر سيضعف الاوبك، او يخفض سعر البترول، فلا ننسى انه على الرغم من كل ما حدث في السنوات القليلة الماضية، من زيادة هائلة في نفط روسيا واكتشافات غرب افريقيا وضعف اقتصاديات اوروبا واميركا وشرق آسيا، جميعها لم يمنع البترول من الارتفاع.
ان فاتورة اعمار العراق ضخمة فهي اكثر من سبعين مليار دولار، حتى يتم تأهيله ليكون بلدا حديثا مثل السعودية والكويت والامارات وغيرها. وبالتالي لن تجد كرماء على قارعة الطريق يمدون يد العون بسبب ضخامة الثمن والاختلاف مع الولايات المتحدة في كيفية ادارتها للعراق سياسيا وعسكريا لكن ما يدعو للتفاؤل ان العراق بلد كبير قادر على الوقوف على قدميه بقليل من المساعدة من اشقائه واصدقائه، فهو البلد الثاني الاكبر عالميا في احتياط النفط الذي يجعله مثل بنك ثري لم تفتح ابوابه بعد.
ولا شك ان اعمار العراق وتنميته سيضمنان استقرار مؤسساته السياسية وسينعكس ذلك تلقائيا على المنطقة، تماما كما انعكست الاوضاع التنموية في الخليج على بقية دول المنطقة، حيث صارت سوقها الكبير في التوظيف والتصدير.
أزمتان تعطلان الوصول بالعراق الى مثل هذه المرحلة والعراق واقع بين أزمتين خطيرتين، واحدة هي عقلية الحكومة الاميركية التي تستنجد بكل شعوب الارض، من اوروبيين وهنود واستراليين ويوغوسلافيين، ومستعدة لدفع الغالي لتحقيق مشاركة هذه الدول عسكريا حتى لو كلفها ذلك ثمانية مليارات دولار من اجل فرقة عسكرية تركية، في حين انها تستطيع ان تفعّل القوى العراقية على الأرض لتتحمل مسؤوليتها بما يمكن الشعب العراقي من الانتقال الى مرحلة استقرار جديدة وبعدها يسهل عزل الارهابيين من اللصوص، والأزمة الثانية سوق السياسة العربية التي تريد ان تثبت ان المشروع العراقي فاشل حتى قبل ان يولد، وترفض التعامل معه ايجابيا.
الحقيقة ان دعم العراق حتى يقف على قدميه هو دعم لاستقرار المنطقة وتنميتها، وهو الاسلوب الوحيد الذي سيعجل بخروج الاميركيين، اما العكس فسيبقي الوضع على ما هو عليه.