الشفافية بين مالك الاشتر والمالكي
:dunno:
عندما نريد قراءة الموقف الاسلامي من الشفافية لا مناص من الرجوع الى القرأن الكريم - الوثيقة الاساس في الاسلام - ثم النصوص الثابتة من سيرة النبي واهل بيته وفي مقدمتهم وصي النبي ورابع الخلفاء الراشدين الامام علي عليه السلام.
في القرآن لا نجد اوامر بكتم المعلومات عن الناس الا في حالات نادرة تتعلق بالامن الاجتماعي والامور العسكرية: "واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به، ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم".
اما عدا ذلك فالامور مبنية على الشفافية والوضوح: "قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني".
وايات الشورى ايضا تدعو للشفافية لان الامر بالشورى يستدعي بالضرورة كشف الشؤون العامة لكي يتسنى تطبيق مبدأ الشورى فيها، والا كيف تستشار الامة في امور مكتومة؟
تتجلى الشفافية في نصوص عهد الامام الى مالك الاشتر حين ولاه مصر في اكثر من مكان، منها قوله: "فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالامور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح".
وقوله: "وان ظنت بك الرعية حيفا فاصحر لهم [أي اكشف لهم] بعذرك، واعدل عنك ظنونهم باصحارك، فان في ذلك رياضة منك لنفسك، واعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق".
ان مبدأ الشفافية الديمقراطي مطروح هنا وبكل قوة، والعمل به من قـِبـَل المالكي مطلوب دينيا وسياسيا، فاما دينيا فهو المنتظر من امين عام لحزب اسلامي، واما سياسيا فلتطبيق الشعارات المرفوعة في الشفافية والديمقراطية وايكال الامور الى الشعب في قضاياه المصيرية والتي منها قضية المعاهدة العراقية الامريكية التي كثر الحديث عنها سلبا وايجابا وسط غموض حول نصوصها، وعدد نسخها، وعلاقتها بالاستقلال والسيادة، وفي جو من الوعيد والوعود.. كل هذا والحكومة تفاوض والتصريحات تتضارب والمسؤولون مختلفون والنواب متفرقون والمسألة كلها يلفها الغموض والابهام.
أليس من الاجدى ان يوضع الشعب بالصورة اولاً بأوّل؟
من هم أعضاء الوفد العراقي المفاوض؟
ما هي نصوص المعاهدة كما قدمتها الولايات المتحدة؟
ما هي التعديلات التي اقترحتها الحكومة؟
ما هي الضغوط التي تمارسها اميركا على العراق من اجل التوقيع؟
ما سبب التناقض بين التصريحات الامريكية والتصريحات العراقية؟
ان الشفافية في هذا الموقف الحساس - اضافة الى كونها حقا للشعب - هي في خدمة المالكي نفسه وفي خدمة حزبه، وهي تعكس موقفه الوطني اولا، وتمده بالدعم الشعبي ثانيا، وتخفف من الضغط الامريكي عليه باستقوائه برأي الشعب ثالثا، وتبيض صفحته ان كان رفضه قائما على حرصه على الاستقلال والسيادة رابعا، وتكشف عن مواقف معارضيه المتاجرين بالوطنية سابقا والمؤيدين للتوقيع عليها حاليا خامسا، وسادسا وسابعا وتاسعا وعاشرا...
لماذا هذا "الاحتجاب عن الرعية"؟
اتخشونهم؟ فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين.
د. فخري مشكور