هذا ما تركه لنا عبد الله المؤمن والمؤمنين به
كعادتهم .. يلعب الصبية يوميا في ساحة قريبة من منازلهم الأثرية , فقد أثرت فيها الشمس وأجردها الرياح الحارة من صبغات ألوانها وغيرت لون الحجر المشيد منها .
في خلد الصبية إن الأرض التي تحت أقدامهم مقبرة قديمة , لذا فإنهم يخشون الوقوع في قبر مسقوف أو خروج روح ميت شريرة , وتتلبس بمن داس على ثراها .
جاء الصبي مهرولا , يحمل الخوف بين ضلوعه وعيونه , اخذ يصعق قلبه الضعيف إلى درجة يجعله أن يسحب أنفاسه بقوة ويخرجه بلا إرادة منه , وهو يصيح بصوت بح من الخوف , تقطعت معانيه من المفاجئة :
- بـ ..ا. بـ .. ا .. بـ ..ا .. و جـ..د ..ت ..قبرا !!!
- أشلون , وين هذا القبر .. دليني عليه .
أخذ الصبي يسحب دشداشة والده صوب هذا القبر الذي حفظه التاريخ للجيل الجديد , ليكون شهادة تاريخية عالية جدا , على العصر الذي عاشه هذا المدفون أو المقبور , وأيضا هي شهادة للذين ما زالوا يتمتعون بحياة جحيم العراق وقادته الذين لم تلد الحضارات مثلهم ولا شبيه لهم من خلق الآلهة .
- بابا .. هذا هو القبر !!
وجد والد الطفل قطعة على شكل مستطيل من الرخام , حتى اسود وجهها وتراكم عليها التراب ..
- والله هذا الامر عجيب ؟
بحث الوالد عن قطعة قماش , ليزيل عن هذا الإرث الحضاري التراب ليعرف ما يخبئ تحته , ولكي يعيد ذكرى هذا الميت الراقد تحت الثرى , أو يشيد قبره من جديد .
وهل يعرف أبناء الجيل الجديد هذا السر المخبأ تحت الثرى ؟ لعلهم قد قرؤوا ذلك في كتبهم المدرسية ؟
من يدري ..!!!..
اخذ والد الصبي يزيل التراب والصخام من واجهة القبر برفق , حتى كشف عن أمر أذهله وأعاد ذكرى لهذا الميت الذي شبع موتا , فلم يترك سوى ذكريات سخيفة جدا , نخشى ان يكون قادتنا الجدد على نفس المنوال والنهج .
تنهد الرجل أمام هذا القبر , وما هو بقبر ! , إنما هو تاريخ قديم ! . فقد ظهرت معالمه التاريخية , إنها قطعة من رخام وهذا ما كتب عليها "" في عهد الأب المناضل احمد حسن البكر تم وضع حجر الأساس لقاطع الجيش الشعبي في ..... "" .
ضحك والد الصبي على ما آلت إليه أمور " الآباء المناضلين " , فهذا ما تركه عبد الله المؤمن لنا , قبور جماعية , وسجون ومعتقلات , وحجر اساس لقاطع جيش شعبي .