مسحراتية بغداد يتحدون مخاطر الليل بقرع الطبول
مسحراتية بغداد يتحدون مخاطر الليل بقرع الطبول
بغداد ـ أ.ف .ب: يجوب المسحراتي ليلا شوارع بغداد التي تحولت الى مرتع للمجرمين والتي ينتشر فيها الجنود الاميركيون وعناصر الشرطة العراقية المتربصين لكل طارئ، متحملا المخاطر في سبيل ايقاظ الصائمين لتناول «السحور» قبل موعد الامساك.
فقد اقفرت شوارع بغداد التي كانت تعج بالحركة في الايام الخوالي من شهر رمضان واقفلت المقاهي ابوابها وانكفأ الناس في بيوتهم.
ولا يتغير المشهد الا حين يظهر خيال في عتمة الليل ليس الا شيخاً يصر بالرغم من حالة انعدام الامن على الحفاظ على تقليد «المسحراتي».
ويجوب الشيخ مزاحم المشهداني منذ 32 سنة شوارع حي الرحمانية لايقاظ الصائمين ليتناولوا طعام السحور قبل بدء يوم صيام جديد.
ويقول الشيخ مزاحم، 55 سنة، «هذا العام وما ان اعلن عن رفع حظر التجول ليلا حتى اعددت دمامي (طبلتي) لهذه المناسبة». واضاف «استغرب الناس لرؤيتي لكني لا اخشى الا الله» بيد انه يضيف «في السابق كنا نعيش في أمان وكانت المقاهي والمطاعم تظل مفتوحة حتى الفجر. الان أخرج من البيت وأنا أدعو الله ان يحميني».
وتابع قائلا «حين كنت شابا كانت امي تعترض على تجوالي ليلا في شوارع بغداد غير اني لم أستمع لها وان الاحتلال وفقدان الامن لن يجعلاني اغير رأيي».
ويجبره مساره الملتوي في الازقة الصغيرة بين المنازل القديمة على المرور بموقع للجنود الاميركيين.
ويقول الرجل الذي لا تفارق البسمة محياه «حين رأوني اضرب على طبلتي لاول مرة اعتقدوا ان هناك هجوما. وفسر لهم عناصر الشرطة العراقية الذين يعرفونني منذ امد بعيد الوضع. ومنذ ذلك الحين يتركونني وشأني».
ويبدأ الشيخ مزاحم عند الساعة الثالثة فجرا جولته بدق طبلته ثلاث مرات قبل ان يصيح بأعلى صوته «اصح يا صايم وحد الدايم» و«أهلا يا رمضان يا شهر الغفران».
واشار الى انه في الماضي كانت تقدم له المرطبات والشاي والطعام من كل بيت. غير ان البغداديين الذين يعانون اوضاعا صعبة اصبحوا أقل كرما هذه الايام مع المسحراتي الذي اصبح يجوب الشوارع لا يرافقه سوى الكلاب الضالة. ويضيف بلهجة حزينة «رمضان الخير ولى».
غير ان الشيخ مزاحم لا يفقد ألامل ويقول «تحت المطر وفي الظلمة وحين ينقطع نور الكهرباء اخرج لان الناس تحتاجني».
ويضيف «انهم معتادون على صوتي الذي لا يعوضه التلفزيون ولا المنبه». ويتابع الشيخ بفخر «لن اعلم هذه المهنة لاحد غيري فلا أحد يملك صوتا مثل صوتي».
ومع غروب الشمس يعود الشيخ مزاحم الى مهنته الاصلية عاملا في مقهى يقوم بتوزيع فناجين القهوة والنرجيلة التي لا يخفي ولعه بها. ويضيف «لكني اعتني بحنجرتي واشرب زيت الزيتون».
وعلى الجانب الاخر من نهر دجلة يتحدى مسحراتي اخر هو الشيخ فالح الجبيري الليل والخوف ليديم هذه العادة الرمضانية.
ويقول «في السابق كان لدي ترخيص من الشرطة. اما اليوم فنعيش حالة فوضى»، مؤكدا انه «يخشى الذين ينهبون ويطلقون النار بشكل عشوائي اكثر من خشيته من الجنود الاميركيين».
ويؤكد هذا الرجل الكثير الابناء «في اسرتي تورث المهنة من الاب للابن، وعلي تدريب ابني البكر عليها».