الانقلاب الشيعي يعيد الجدل حول الماضي ويثير اسئلة للمستقبل
الانقلاب الشيعي يعيد الجدل حول الماضي ويثير اسئلة للمستقبل
النور ـ واشنطن:
بعد اكثر قليلا من عشرين عاما على اول انقلاب شيعي في الشرق الاوسط (الثورة الخمينية في ايران) يمسك الشيعة بالسلطة في العراق الذي ظل محكوما طوال عقود من السنة. هذا الحراك الديني ـ المذهبي ـ السياسي اعاد طرح اكثر الاسئلة حراجة حول جوهر الاسلام . فالمسلمون والمراقبون السياسيون والصحفيون على حد سواء يبحثون عن المعاني الدينية والاقتصادية والجيوبولتكية الظاهرة بشان ذلك في منطقة الشرق الاوسط كنتيجة للنفوذ المتزايد لبغداد وطهران . ويتساءل الكاتب المتخصص في هذا المضمار (شون ودلي) في موقع (الدبلوماتيك كورير) عن مالذي تعنيه الهيمنة السياسية للشيعة في العراق بالنسبة لايران واحتمالاتها في التكامل البناء في المنطقة؟
يقول الكاتب – ودلي – لقد احتل الانقسام الشيعي /السني موقعا مركزيا في واجهة العنف الطائفي المستمر. وبحسب الاحصائيات التي يوردها الكاتب فان نسبة الشيعة تتراوح بين 10 – 15 % من عدد المسلمين في العالم او نحو 130- 190 مليونا استنادا الى المصادر المتاحة . وفي اطار الاقليم الاوسع فان نسبة الشيعة في العراق تبلغ 65 % و90 % من سكان ايران و 20 % من سكان باكستان. وفي الوقت الذي توجد فيه – برأي الكاتب – اختلافات ثيولوجية – لاهوتية – وفي الشعائر الدينية ، بين السنة والشيعة ولاسيما ما يتعلق بخلافة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تقوم هناك ايضا اختلافات قوية جدا ، في الخبرة والتجربة الشخصية والتاريخية . فالطائفة الشيعية كأقلية يمكن تشخيصها بكونها تملك هوية دينية وزعماء دينيين محليين يحتلون ثقلا مركزيا لدى الطائفة. وبالنسبة للاغلبية السنية من مسلمي العالم ، فبالرغم من ان الخليفة والسلطان يحكم مناطق واسعة ، فانه يؤكد على رجال الدين المحليين . وكأقلية فان الخبرة التاريخية الشيعية تظل محكومة بقضية الاضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون. وقد قادت هذه الحال الى ادراك مدى التمسك بالكينونة والمركزية لهذه الاقلية. وهذا الامر يقف بمقابل السنة الذين اصبحوا الاغلبية المبكرة في الاسلام . والشيعة في العراق قد تحولوا من اغلبية محكومة من الاقلية السنية – حسب الكاتب – في ظل حكم صدام حسين الى صوت قوي سياسيا في بلدهم ، بين عشية وضحاها . ولانهم حصلوا على السلطة فجأة ، فما زالت النظرة في كيف سيسوي القادة العراقيون خبرتهم التاريخية وينظرون الى جيرانهم السنة .. وفي هذا السياق يقف التطور الجديد للعلاقة الايرانية ـ العراقية ليشكل مبعث قلق عميق ويبدو مشروعا للسنة العرب. باستثناء سوريا فان الحكومات العربية تتحفظ على الطموح النووي الايراني ،وتعتقد بان البرنامج المدني هو غطاء للتطوير العسكري والذي قد يشعل سباقا على الاسلحة النووية تتضمن خطرا يقود المنطقة الى عدم الاستقرار الدائم . ويعتمد البرنامج النووي الايراني على التكنولوجيا الروسية ومفاعلها النووي في بوشهر هو اقرب مايكون من الكويت والرياض والمنامة والدوحة ومسقط بدلا من قربه من طهران – وهو يثير القلق في الخليج حول كارثة محتملة مثل تشرونوبل .
وفي ايران ، فان ثورة 1979 لم تكن ثورة شيعية كبرى ، بالرغم من انها اندلعت في اول دولة شيعية معاصرة . والطبيعة الوطنية للثورة الايرانية ترافقت مع القلق السني حول توقعات الطوائف الشيعية خارج ايران في مشاركة النفوذ الايراني باحتواء الاقليم . فقد سيطر الشيعة على السلطة في العراق بشكل متزامن فضلا عن اسقاط صدام حسين ونظام طالبان وكلاهما معاديان لايران، وقد قدم كل ذلك فرصة لايران لاعادة تأكيد نفسها، وهي فرصة تمكنت من خلالها ايران من تطوير علاقاتها ولاسيما مع جاراتها باكستان والعراق، ويبدو ان مشاركة متعددة الجهات هي في طريقها الى الظهور، وفي سياق الطموحات الاقليمية الايرانية فسيكون من الضروري لايران ان تكون بمسؤولية سياسية اقل حيث انها تعمل مع هذه الحكومات، ودينامية العلاقات مع باكستان والعراق لابد ان تؤدي الى عدم خسارتها لاصدقائها في المنطقة. وتدرك ايران ان ظهور القادة الشيعة خارج ايران، قد يخلق فرصا لايران بان توسع نفوذها في الاقليم . وبعد الغزو الاميركي للعراق في سنة 2003 ، بدأ القادة الشيعة الايرانيون بزيارات سريعة الى العراق ، وكان القائد العربي الاول وهو الملك الاردني عبدالله قد زار العراق بعد خمس سنوات من التغيير وهو وقت بدا متاخرا جدا. لكن يظل لايران اكثر بكثير من الاحتياجات الاساسية بدلا من القوة النووية – مع الافتراض حسن النية ، بان البرنامج النووي الايراني هو في الحقيقة غير عسكري . والبرنامج النووي الايراني قد يكون قضية للمساومة في التعامل مع باكستان النووية وبقية الشرق الاوسط . وتعزيز الاقتصاد الايراني والتكامل السياسي في بقية الشرق الاوسط قد يوفر امنا مضافا او تضاعف النزاعات في الاقليم . وقد تصبح بغداد الميدان الجديد الذي من خلاله تتفاعل طهران مع الشرق الاوسط وتتفاعل الحكومات العربية مع طهران. وظهور عراق ليس عدائيا يقدم فرصا جديدة للدول العربية للوصول الى ايران، ولكن بتجاهل الاصوات الشيعية الان سوف تكون الفرصة المفقودة للمزيد من استقرار الشرق الاوسط .