جسور الثقة بين المالكي واوباما
جسور الثقة بين المالكي واوباما
منذ وصول الرئيس الأمريكي الجديد الى البيت الابيض بدأ المحللون ووسائل إعلام مختلفة بتحليلات شتى ورسم سيناريوهات معينة تُهدم الثقة بين واشنطن وبغداد من خلال الإيحاء او التنبوء بإنقلاب عسكري يضمن لواشنطن الولاء المطلق،ومرة من خلال تغيير بنود اتفاق سحب القوات الامريكية من العراق أو الالتفاف على مراحل تطبيقه وغيرها من السيناريوهات والتحليلات التي قد لاتبقى الا في دائرة التكهنات فيما لو تم دراسة معطياتها وأسبابها بعقلية باردة ،عقلية الاقتدار ومن خلال معطيات القوة التي نمتلكها.
وربما يذهب بعضهم الى تصديق هذه التحليلات عندما تخرج بعض التسريبات المدروسة من قبل مؤسسات أمريكية مازالت لاتملك القدرة على التعامل مع الوضع العراقي الجديد ،وتضمر مخططا مبرمجا لمستقبل العراق وفق رؤية الولايات المتحدة لمحاور الصراع في الشرق الاوسط ،حيث اُخرج العراق عسكريا -على الاقل في هذه الفترة- من ساحة الصراع العسكري العربي مع الدولة العبرية ،ولكنه أصبح ملاذا للقاعدة وقوى معادية اخرى للولايات المتحدة مما يجعلها تعيد النظر مرة اخرى في حساباتها الستراتيجية
ومن الطبيعي أن هذه المخططات لايمكن أن تتحقق إلا بتناغم رد الفعل سلبا اوإيجابا مع القوى العراقية الفاعلة في الساحة وهذا مايجب التوقف عنده كثيرا ،وتجعلنا بحاجة الى رسم سياسة عراقية خالصة من خلال توفير عناصر القوة ولاتنتظر ما يمليه الاخر بالرغم من قوته وتأثيره الكبير على الارض.
ولابد لنا من القول أن الكثير من السياسين العراقيين تعامل في الوضع العراقي منذ أحداث التاسع من نيسان عام 2003 وحتى يومنا هذا من خلال ردود الافعال وما تطلقه واشنطن من بالونات الاختبار هنا وهناك دون قرار وطني عراقي خالص،وإن كنت هنا لا اُريد أن اُنشأ جملا وطنية نتراقص عليها وإنما اُحاول استقراء ما أجده في وسائل الاعلام بشأن العلاقة بين واشنطن وبغداد أو بين اوباما والمالكي.
وأتساءل ماهي خطورة الانقلاب العسكري الذي اُسميه انقلاب أمريكا على نفسها ،وماذا سمينح الادارة الامريكية الجديدة أكثر مما تملكه الان في العراق؟
لقد سارت الادارة الامريكية في الاتجاه الصحيح على الاقل في الفترة القليلة الماضية حينما بدأت تُركزفي حربها على أعدائها المفترضين في أفغانستان بدلا من جعل العراق الساحة الاولى للحرب على الارهاب ،وإذا ماحاولت الادراة الامريكية الجديدة أن تلعب بالنار من خلال الانقلاب أو تغيير الاوضاع في العراق في غير الاتجاه الذي تسير عليه فإنها لاتضمن أي استقرار في المنطقة وستخلق أعداءا جُدد والادارة الجديدة ما زالت بحاجة الى ترتيب أوضاعها داخل الولايات المتحدة وحل الازمات التي تشكل تحديا جديا لمستقبل الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم.
وبالاضافة الى ذلك فهو سيمثل انقلابا على المبادئ التي روجت لها الولايات المتحدة طيلة عقود مضت من رعايتها للديمقراطية والتعدية في العالم، وكذلك سيعتبر انقلابا على ما صرح به الرئيس الجديد في خطاب التتويج حينما أعلن بان الوقت قد حان لعودة أبناء الولايات المتحدة لاحضان ابائهم احياء منتصرين.
نعم الضغط الذي يواجهه الرئيس اوباما من خلال مراكز الدراسات الستراتيجية او من خلال القادة العسكريين هو عدم تسليم العراق لجهات معادية وإن أي انسحاب غير مدروس ومضمون قد يؤدي الى إملاء الفراغ من أعداء الولايات المتحدة وهذا ماتحاول بعض القوى التي عارضت التغيير في العراق من الترويج له خصوصا بعد نتائج الانتخابات الجديدة التي اعتبرت المثال من حيث النزاهة والشفافية في التعامل مع المنافسين في الانتخابات وخلوها من حالات الاكراه او التزوير المعتد به الذي يقدح في سير الانتخابات التي جرت بعد خروج العراق من دوامة عنف شرسة كادت تصل الى حد تقطيع العراق الى دويلات ومناطق يحكمها اُمراء الحرب الذين لاهم لهم إلا تكريس سيطرتهم على المناطق التي يشغلونها حيث لم يرق لها النجاح الكبير لقائمة رئيس الوزراء الذي ينتمي الى حزب لم يحظ بتأييد الولايات المتحدةوليس له علاقات معها طيلة العقود الماضية ولم يحضر المؤتمرات التي أعدت لها الولايات المتحدة قبل التغييروالإعداد لغزو العراق .
والغريب أن بعض القوى العراقية التي طالما وصفت القوات الامريكية بالمحتلة أبدت مخاوفها من الانسحاب الامريكي وبعضها بدأ ربطه بشروط داخلية مع الحكومة العراقية وكأنه مكسب لها وحدها وليس للعراقيين جميعا.
وها قد برزت قوة جديدة على الارض في العراق ترفع شعار الوحدة الوطنية والمصالحةن وشعار مركز قوي دون التخلي عن النظام الفدرالي وهو ما يقلق بعض المؤسسات الامريكية التي رسخت مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية التي جاءت بغلاف المشاركة فطغى مفهوم المحاصصة على مفهوم المشاركة وبقت كشرخ يؤرق العلمية السياسية حتى هذه اللحظة التي ارادت فيها عملية ترويضية لقبول قوة او جهة سياسية تصنفها الولايات المتحدة بالقوة الليبرالية او الديمقراطية والتي فشلت في اقناع العراقيين ببرنامجها حتى هذه اللحظة من خلال المعطيات ونتائج الانتخابات.
ومن خلال التجربة الماضية ونجاح المالكي بادارة الازمة وتخطيه العقبات التي وضعها السفير الامريكي الاسبق زلماي زاد وبدأت المحادثات مباشرة مع الرئيس الامريكي السابق جورج دبيلو بوش من خلال الدوائر التلفزيونية المغلقة التي أغنت الجانبين عن كثير من التعقيدات التي تشهدها العملية السياسية نتيجة اجتهادات الموظفين في الادارة الامريكية السابقة ،وكذلك تقارير المعرقلين للعراق الجديد التي بدأت تصطدم بواقع جديد تفهمه الرئيس الامريكي ولم تجد لها صدى لدى الرئيس الامريكي.
ومع قدوم الحزب الديمقراطي الى الحكم الذي لايملك أعضاؤه تصورا واضحا عن الوضع العراقي وكانوا لايتفاعلون مع الساسة العراقيين ويلقون باللائمة على تردي الاوضاع في العراق على الحكومة العراقية السابقة والحالية دون أن يناقشوا بموضوعية الاحداث في العراق تناسيا او احرجا لادارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش
وكانت تصريحاتهم (عدوانية) وانتقادية الا السيناتور اوباما الذي لم نقرأ له أي تصريح ينتقص فيه من العراقيين وهو ماسجلته في زيارته للعراق الى لحظة استلامه دفة الحكم في البيت الابيض.
وفي وضع كهذا كيف يمكن مد جسور الثقة بين الادارتين العراقية والامريكية لكي لانقع ضحية اجتهادات الخطوط الثانية والثالثة من موظفي الادارة الامريكية واعضاء السفارة الامريكية ،وكذلك تفويت الفرص على المراكز والبحوث التي تُعد التقارير للادراة الامريكية وتقف خلفها جهات معادية للعراق الجديد وعدم تحملها لاستقرار الاوضاع في العراق حيث أثبتت التجربة أن الساسين الامريكان لطالما كانوا أسيري المراكز والمعاهد التي تُعد الدراسات والتقارير!!.
ربما جاءت زيارة مستشار رئيس الوزراءالى الولايات المتحدة في هذا الوقت بالتحديد ومحاضراته في المعهد الديمقراطي خطوة اولى لازالة اللبس عن توجه ادارة المالكي للعراق بعد الانتخابات المحلية التي بينت تفوقه الواضح وثقة العراقيين به ،والأهم من ذلك ان تبقى اللقاءات الدورية من خلال الدوائر التلفزيونية المغلقة بين الرئيسين المالكي واوباما لها الاثر الكبير في ترسيخ جسور الثقة بين الرجلين.
ولكنني ادعو اولا لاثبات الذات وترسيخ الخطوات العراقية اولاوترتيب البيت الداخلي ومن ثم الاتجاه نحو الاخر هكذا نستطيع أن نقول للاخر نحن اقوياء وجديرون بان ندير الدفة كما نريد
وهكذا نستطيع تقوية الاتجاه الذي يدعو الى الاسراع في سحب القوات الامريكية من العراق مقابل الاتجاه الذي يريد الابقاء على قوات قادرة على السيطرة على الاوضاع متى شاءت ،ولقد اثبتت التجربة ان الامريكان يتعاملون مع الواقع برغماتيا وينظرون الى القوي الذي يكونون بحاجة له .
عبدالامير علي الهماشي